مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 548

(43)
جلسة 23 من ديسمبر سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة وسعد الله محمد حنتيرة - المستشارين.

الطعن رقم 1776 لسنة 32 القضائية

أحكام عرفية (اشتباه) (اعتقال) (ضبط إداري).
القانون رقم 533 لسنة 1954 - حدد القانون الحالات التي تقتضي إعلان الأحكام العرفية - انتقال معظم اختصاصات السلطة المدنية في ممارسة وظيفة الضبط الإداري إلى السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية - منح المشرع الهيئة القائمة على الأحكام العرفية سلطات استثنائية - يجوز للحاكم العسكري العام أن يتخذ التدابير المشددة ومنها الأمر بالقبض واعتقال ذوي الشبهة أو الخطرين على الأمن والنظام العام ووضعهم في مكان أمين - سلطة الحكومة في هذا المجال ليست طليقة من كل قيد بل تخضع لأصول وضوابط - يجب أن تقوم حالة واقعية أو قانونية تدعو إلى التدخل وأن يكون تصرف الحكومة لازماً لمواجهة هذه الحالة بوصفه الوسيلة الوحيدة لمواجهة الموقف وأن يكون رائدها ابتغاء مصلحة عامة - خضوعها لرقابة القضاء - مشروعية أو عدم مشروعية التصرفات على أساس توافر الضوابط أو عدم توافرها - إذا لم يكن رائد الحكومة الصالح العام وقع القرار باطلاً - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس 17/ 4/ 1986 أودع الأستاذ/ عبد الرحمن لطفي المحامي نائباً عن زميله الأستاذ/ أحمد الهلالي وكيلاً عن السيد/ قناوي محمد قناوي قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن رقم 1776 لسنة 32 ق. ع ضد السيدين/ رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بصفتيهما عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) الصادر بجلسة 16/ 2/ 1986 في الدعوى رقم 1985 لسنة 38 ق والقاضي برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء للطاعن بأحقيته في التعويض محل دعواه مع إلزام المطعون ضدهما كل بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وأعلن الطعن قانوناً، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء للطاعن بإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع له التعويض المناسب عن فترة اعتقاله من 17/ 10/ 1954 حتى 7/ 4/ 1956 والمصروفات عن الدرجتين، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 3/ 4/ 1989 وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى قررت بجلسة 3/ 7/ 1989 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) لنظره بجلسة 11/ 11/ 1989 فنظرته المحكمة بتلك الجلسة وبعد أن سمعت ما رأت لزومه من إيضاحات قررت أن يصدر الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن أقيم خلال الستين يوماً التالية ليوم صدور الحكم المطعون فيه واستوفى أوضاعه القانونية الأخرى فيكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن وقائع المنازعة تتحصل - حسبما ذكرت في الأوراق - في أنه بتاريخ 17/ 1/ 1984 م أقام المدعي قناوي محمد قناوي دعواه رقم 1985 لسنة 38 ق يطلب الحكم بإلزام السيدين/ رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بصفتيهما متضامنين بتعويضه عن الأضرار التي لحقته من جراء اعتقاله في مارس سنة 1954 بقرار من الحاكم العسكري وأنه ظل معتقلاً حتى أفرج عنه في شهر مايو سنة 1956 وأن هذا القرار صدر معيباً لتخلف ركن السبب وكذا لما شابه من عيب الانحراف بالسلطة وأنه أعيد اعتقاله سنة 1959 حتى 4/ 4/ 1964 وأن هذا الاعتقال الأخير يعتبر عقبة مادية حالت بينه وبين رفع الدعوى كما شكل القانون رقم 119 لسنة 1964 مانعاً آخر لإجازته اعتقال من سبق اعتقاله حتى حكم بعدم دستوريته في 1/ 4/ 1978 وأن الأضرار التي لحقت به تمثلت في حرمانه من العمل والكسب طوال فترة الاعتقال فضلاً عن فقد حريته وأن دستور سنة 1971 نص على عدم تقادم الدعوى المتعلقة بالاعتداء على الحريات العامة وردت جهة الإدارة بأن الدعوى غير مقبولة لسقوط الحق بالتقادم كما طلبت رفض الدعوى لما ثبت من أن المذكور ضبط في 20/ 5/ 1953 يوزع منشورات شيوعية وتحرر عن ذلك المحضر رقم 20 أحوال وحبس عسكرياً إلى أن أفرج عنه في 17/ 2/ 1954 ثم اعتقل لنشاطه الشيوعي في 17/ 2/ 1954 إلى أن أفرج عنه في 11/ 3/ 1954 ثم أعيد اعتقاله عسكرياً لذات النشاط بتاريخ 17/ 10/ 1954 وأفرج عنه في 7/ 4/ 1956 وصدر قرار باعتقاله في 27/ 3/ 1959 إلى أن أفرج عنه في 4/ 4/ 1964، وبجلسة 16/ 2/ 1986 حكمت المحكمة برفض الدعوى وأقيم هذا القضاء على أنه وإن كانت المادة 57 من الدستور الحالي قضت بعدم سقوط الحقوق المترتبة على الاعتداء على الحريات العامة بالتقادم فإن مناط هذا الحكم ألا تكون تلك الحقوق قد سقطت بالتقادم الطويل بانقضاء خمس عشرة سنة قبل العمل بالدستور في 11 سبتمبر سنة 1971، وأن الثابت أن هذه المدة قد انقضت من تاريخ الإفراج عن المدعي (في 7/ 4/ 1956) وبذلك يكون حقه في التعويض قد سقط بالتقادم الطويل قبل العمل بالدستور وأن الاعتقال (اللاحق) في ذاته لا يمثل قوة قاهرة تمنع المعتقل من توكيل غيره للقيام بما تقتضيه المطالبة بحقوقه (حكم الإدارية العليا في الطعن 1084 لسنة 30 ق جلسة 7/ 5/ 1985).
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد شابه خطأ في القانون وقصور في التسبيب، ذلك أن الغيبة الاضطرارية تعتبر مانعاً يوقف سريان التقادم في حق الغائب ولا منازع أن اعتقال الطاعن المتكرر تجعل حالته نموذجاً للغيبة الاضطرارية وتجعل اعتقاله قوة قاهرة كالسجن والأسر وأن محكمة النقض اعتبرت مجرد الخشية من إعادة القبض والاعتقال مانعاً يوقف سريان التقادم وأن الاعتقال يتعذر معه المطالبة بالحق ويمثل مانعاً مادياً يقرب من القوة القاهرة كما لم يقم لدى المحكمة أي دليل على أن الطاعن كان في مكنته المطالبة بحقوقه أثناء الاعتقال وبالعكس فالمعلوم للكافة أن المعتقلات الناصرية لم تكن ضماناً للديمقراطية أو المناقشة أو المطالبة بالحقوق بل كان شاغل المعتقل هو ما يحيق به كل يوم من تعذيب ولم يكن يملك ترف الخيار لمقاضاة هذا النظام وهو يحكم قبضته عليه في المعتقلات مسلوب الحرية والكرامة والآدمية، وأن حكم الإدارية العليا المشار إليه خاص بظروف وملابسات الدعوى التي صدر فيها.
ومن حيث إنه عن تقادم حق المدعي في طلب التعويض عن الأضرار التي لحقته من جراء اعتقاله المتكرر خاصة الفترة من 17/ 10/ 1954 إلى أن أفرج عنه في 7/ 4/ 1956 فإنه ولئن كانت مدة التقادم الطويل (خمس عشرة سنة) قد انقضت قبل العمل بدستور سنة 1971 إلا أن الثابت أن المدعي كان معتقلاً خلال الفترة من 27/ 3/ 1959 حتى 4/ 4/ 1964 وإذ كانت المادة 382 من القانون المدني تنص على أنه (1) لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً.. (2) ولا يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً. ومفاد ذلك - كما ورد بالمذكرة الإيضاحية - أن أهم جديد أتى به المشرع في هذا الصدد هو النص بصفة عامة على وقف سريان التقدم إذا كان ثمة مانع يستحيل معه على الدائن أن يطالب بحقه في الوقت المناسب ولو كان هذا المانع أدبياً ولم ير إيراد الموانع على سبيل الحصر (كالحرب وحالة الأحكام العرفية والأسر وصلة الزوجية والخدمة) على غرار ما فعلت بعض تقنينات أجنبية، بل عمم الحكم لتمشيه مع ما يقضي به العقل ولا سيما أن ضبط حدوده عن طريق التطبيق غير عسير، ومن ثم فإن المشرع المصري يكون قد ترك تقدير أسباب وقف التقادم لقاضي الموضوع فله أن يقضي بوقف التقادم كلما تبين له من الظروف والملابسات المحيطة بالدعوى توافر المانع الذي يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه (نقض في 26 من إبريل سنة 1962 السنة 13 ق)، وإذ جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أنه إذا كان الثابت من الأوراق أن المدعي كان معتقلاً اعتقالاً سياسياً لانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين فإن هذا الاعتقال يعتبر في نظر هذه المحكمة مانعاً مادياً يتعذر معه على المدعي أن يطالب بحقه ومن ثم يقف سريان التقادم خلال مدة الاعتقال (الطعن رقم 439 لسنة 23 ق جلسة 14 يناير سنة 1979)، وأنه لا شك في أن الاعتقال يعتبر قوة قاهرة تحول بين صاحب الشأن والمطالبة بحقه قانوناً وينشأ له هذا الحق عند إزالة المانع بالإفراج عنه (الطعن رقم 1141 لسنة 36 ق جلسة 24 من يناير سنة 1982) كما أكدت أن الاعتقال يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة التي تحول دون الإرادة الحرة للمدعي (الطعن رقم 69 لسنة 24 ق جلسة 29 من مايو سنة 1983)، وتطبيقاً لهذا الاتجاه الراجح فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن قناوي محمد قناوي كان معتقلاً خلال الفترة من أكتوبر سنة 1959 حتى إبريل سنة 1964 فإن تقادم الحق في التعويض عن فترة الاعتقال المنتهية في 7/ 4/ 1956 يقف طوال فترة قيام هذا المانع الذي يتعذر معه المطالبة بحقه وبذلك فإن المدة التي مضت قبل أكتوبر سنة 1959 مضافاً إليها المدة اللاحقة على إبريل سنة 1964 وحتى العمل بدستور سنة 1971 لا تكمل خمس عشرة سنة وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يتعين الحكم بإلغائه. يذكر هنا أن الدعوى مهيأة للفصل فيها.
ومن حيث إن القرار الصادر باعتقال المدعي عن الفترة من 17/ 10/ 1954 حتى 7/ 4/ 1956 إنما صدر استناداً إلى نظام الأحكام العرفية القائمة في ذلك الحين استناداً إلى القانون رقم 533 لسنة 1954 الذي ألغى القانون رقم 15 لسنة 1923 وما طرأ عليه من تعديلات كثيرة وقد حدد هذا القانون الحالات التي تقتضي إعلان الأحكام العرفية، ومن آثار ذلك انتقال معظم اختصاصات السلطة المدنية في ممارسة وظيفة الضبط الإداري إلى السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أي إلى الحاكم العسكري وإلي مندوبيه، وكذا منح الهيئة القائمة على إجراء الأحكام العرفية سلطات استثنائية فيجوز للحاكم العسكري العام أن يتخذ التدابير المشددة التي نص عليها القانون ومنها الأمر بالقبض واعتقال ذوي الشبهة أو الخطرين على الأمن والنظام العام ووضعهم في مكان أمين، وإذا كان ذلك يستتبع تخويل الحكومة - استثناء وفي حالة الضرورة - من السلطات ما يسمح لها باتخاذ الإجراءات التي يتطلبها الموقف ولو خالفت في ذلك القانون ما دامت تبغي الصالح العام إلا أن سلطة الحكومة في هذا المجال ليست ولا شك طليقة من كل قيد بل تخضع لأصول وضوابط، فيجب أن تقوم حالة واقعية أو قانونية تدعو إلى التدخل وأن يكون تصرف الحكومة لازماً لمواجهة هذه الحالة بوصفه الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذا الموقف وأن يكون رائد الحكومة في هذا التصرف ابتغاء مصلحة عامة، وبذلك تخضع مثل هذه التصرفات لرقابة القضاء، وتكون مشروعة أو غير مشروعة على أساس توافر الضوابط التي سلف ذكرها أو عدم توافرها فإذا لم يكن رائد الحكومة الصالح العام وقع القرار باطلاً (الطعنان رقما 150 و958 لسنة 5 ق جلسة 14/ 4/ 1962).
ومن حيث إن القرار الصادر من الحاكم العسكري العام في 17من أكتوبر سنة 1954 باعتقال قناوي محمد قناوي لم يتضمن الأسباب والوقائع التي تبرر هذا الإجراء كما لم يثبت بدليل أنه من ذوي الشبهة أو الخطرين على الأمن والنظام العام كما أن سبق اعتقاله لنشاطه الشيوعي لا يبرر إعادة اعتقاله، ومن ثم يكون قرار اعتقاله قد صدر باطلاً وقد نتج عنه مباشرة تقييد حرية المذكورة وإعاقته عن ممارسة حياته اليومية لكسب عيشه وعيش من يعولهم فضلاً عما في هذا الإجراء من مساس بكرامته وإنسانيته وجعله مستهدفاً دائماً لمثل هذا الإجراء الاستثنائي والمفاجئ مما يسبب له أبلغ الأضرار ومن ثم تقدر المحكمة تعويضه بمبلغ ألفين وخمسمائة جنيه عن الأضرار المادية والأدبية الناتجة عن اعتقاله المنتهي في 7 من إبريل سنة 1956.
ومن حيث إن جهة الإدارة المطعون ضدها خسرت الطعن والدعوى فتلزم بالمصروفات عملاً بالمادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام وزارة الداخلية بأن تؤدي للطاعن تعويضاً مقداره ألفان وخمسمائة جنيه مع إلزامها بالمصروفات عن درجتي.