أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 5 - صـ 285

جلسة 17 من ديسمبر سنة 1953
(44)
القضية رقم 405 سنة 22 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وعبد العزيز سليمان المستشارين.
قاضي الأمور المستعجلة. سلطته في بحث موضوع الحق وتعرف معنى العقد المحرر بين الطرفين للفصل في الإجراء الوقتي المطلوب. قضاؤه بإعادة التيار الكهربائي إلى محل مشترك قطع عنه هذا التيار. استناده في هذا القضاء إلى قيام نزاع جدي في مقدار المبلغ الذي طولب به وقطع من أجله التيار. لا مساس بأصل الحق.
لا يستطيع قاضي الأمور المستعجلة أداء مهمته إلا إذا تعرف مؤقتاً، ولحاجة الدعوى معنى العقد المحرر بين الطرفين، وتناول بالبحث موضوع الحق لا ليفصل فيه بل ليتبين منه وجه الجد في الخصومة، ويتخذ إجراء وقتياً عاجلاً يحمي به الطرف الذي تنبئ ظاهر الأوراق أنه جدير بهذه الحماية، ولا يعتبر حكمه بعد هذا البحث حاسماً لموضوع النزاع بين الخصمين. وإذن فمتى كانت محكمة الأمور المستعجلة قد استخلصت من ظاهر نصوص عقد الاشتراك والأوراق المقدمة في الدعوى أن قيمة استهلاك المطعون عليه الشهري للكهرباء قد قفزت إلى مبلغ باهظ في الفترة الأخيرة، وهو أضعاف أضعاف ما كان يدفعه قبل ذلك، مما رجحت معه احتمال صحة قوله بأن ذلك الارتفاع راجع إلى خلل في العداد، وكان العقد قد نص في أحد بنوده على أنه في حالة وجود خلل في العداد يؤخذ متوسط الاستهلاك في الأشهر الثلاثة السابقة فقط، وهو ما يقل كثيراً عن المبلغ الذي طالبت به الطاعنة المطعون عليه، وقطعت عنه التيار الكهربائي لامتناعه عن دفعه، وكان الإجراء المقضى به، وهو إعادة توصيل التيار الكهربائي إلى محل المطعون عليه، لا يمس حق الطاعنة في اقتضاء ما يحتمل أن يكون لها في ذمته من مقابل استهلاك التيار بعد أن تبين حقيقته لدى محكمة الموضوع، فإن الحكم لا يكون فيما قضى به من إجراء ماساً بأصل الحق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامي عن الطاعنة والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع الدعوى - حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 3097 سنة 1952 "مستعجل مصر" طلب فيها الحكم على الطاعنة بإعادة التيار الكهربائي لمحله فوراً وإلا تلزم بغرامة يومية مقدارها عشرون جنيهاً تعويضاً له عن كل يوم من أيام التأخر في إعادة التيار. وقال في بيان دعواه إنه تعاقد مع الطاعنة على توريد التيار الكهربائي لدكانه بالعباسية ودفع عند التعاقد في 23 من أغسطس سنة 1948 مبلغ 289 قرشاً تأميناً، وهو ما يوازي قيمة الاستهلاك عن شهر وقد ظل ينتفع بالتيار ويدفع قيمة ما يستهلكه شهرياً في حدود قيمة التأمين إلى أن فوجئ في شهر مايو سنة 1952 بإخطاره بقطع التيار عنه إن لم يدفع مبلغ 214 جنيهاً و300 مليم فلما دهش لذلك أفهم أن المبلغ قد تجمع في ذمته نتيجة خطأ عامل الإدارة في قراءة رقمين من أرقام العداد. وفي 12 من يونيه سنة 1952 فوجئ بقطع التيار واستند المطعون عليه في إثبات دعواه إلى صورة من عقد الاشتراك ووصول دفع التأمين ووصول دفع قيمة استهلاك الكهرباء المورد في مارس سنة 1952 وهو بمبلغ 114 قرشاً و200 مليم وإلى الإخطار رقم 1 والإخطار رقم 2 بمطالبته بمبلغ 214 جنيهاً و300 مليم ودفعت الطاعنة الدعوى بعدم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظرها واحتياطياً برفضها.
وفي 28 من يوليه سنة 1952 قضت محكمة أول درجة برفض الدفع بعدم الاختصاص وباختصاصها بنظرها وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات. فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم لدى محكمة القاهرة الابتدائية وقيد استئنافه برقم 984 سنة 1952 استئناف مستعجل، وفي 11 من سبتمبر سنة 1952 حكمت المحكمة المذكورة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليها (الطاعنة) بتوصيل التيار الكهربائي إلى محل المستأنف (المطعون عليه) في ظرف أسبوع وإلا ألزمت بدفع غرامة تهديدية مقدارها جنيهان عن كل يوم لا يوصل فيه التيار مع إلزام المستأنف عليه بالمصروفات، فقررت الطاعنة بالطعن في هذا الحكم بالنقض.
ومن حيث إن الطعن مقام على سببين: حاصل أولهما: أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء حكم محكمة أول درجة وبإلزام الطاعنة بتوصيل التيار الكهربي إلى محل المطعون عليه في ظرف أسبوع وإلا ألزمت بغرامة تهديدية مقدارها جنيهان عن كل يوم لا يوصل فيه التيار تأسيساً على أن عقد الاشتراك أباح في حالة ظهور خلل في العداد أو في حالة توقفه أن يؤخذ متوسط الاستهلاك في الأشهر الثلاثة السابقة، وعلى أن المطعون عليه رأى أن ارتفاع قيمة الاستهلاك أمر ولا بد أن يكون راجعاً إلى خلل في العداد، وحتى يتبين الحق أمام محكمة الموضوع بعد ندب خبير لفحص العداد ليظهر ما إذا كان المشترك قد استهلك ما يقابل القيمة المطالب بها وحتى يبحث هذا النص: هل هو من نصوص الإذعان فيأخذ حكمها وحتى تنجلي هذه الأوضاع أمام محكمة الموضوع لا بد أن ينفذ القضاء المستعجل إلى حل مؤقت يحفظ للمطعون عليه وسيلة عيشه التي يحميها القانون، إذ أقام الحكم قضاءه على ذلك، أخطأ في تطبيق القانون، إذ مس قضاؤه الحق، ذلك أن عقد الاشتراك المحرر بين طرفي الخصومة ينص في المادة الرابعة والعشرين منه على أنه "يجب على المشترك أن يسدد قيمة الطاقة الكهربائية المستهلكة طبقاً للأرقام المرصودة بالعداد ويدفع هذا الثمن شهرياً في محله الذي تورد فيه الطاقة الكهربائية بناء على كشف الحساب المقدم إليه عن كمية الطاقة المستهلكة والمبلغ المطلوب دفعه. وللإدارة الحق في حالة عدم الدفع في مدى 7 أيام من تاريخ إرسال خطاب موصى عليه للمشترك لإخطاره بالتأخير في الدفع أن تقطع التيار الكهربائي فوراً بانتهاء السبعة أيام وبغير حاجة إلى اتخاذ إجراء آخر وذلك مع حفظ حق الإدارة في تحميله مقابل الاستهلاك وغير ذلك من المبالغ التي تكون مستحقة طبقاً للعقد والقانون. فللإدارة الحق في رفع العداد، وفي هذه الحالة يصبح العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه". كما ينص البند 25 من العقد على أنه "لا يجوز للمشترك أن يتأخر في سداد قيمة الطاقة الكهربائية الموردة أو أن يطلب وقف أو تأجيل الدفع لأي سبب كان وكل شكوى لديه يجب أن يبينها على حدة للإدارة ولا ينظر فيها إلا بعد أن يقوم بسداد ما قد يكون مستحقاً عليه". ولما كان العقد هو قانون المتعاقدين وكانت نصوصه واضحة في تخويل الطاعنة حق قطع التيار في حالة عدم سداد قيمة كشف الحساب ولا يبيح للمطعون عليه طلب تأجيل الدفع أو النظر في أي شكوى منه إلا بعد وفائه بقيمة الاستهلاك - لما كان ذلك، كان قضاء الحكم بإعادة التيار مع تخلف المطعون عليه عن دفع قيمة الاستهلاك مخالفاً لنصوص العقد مهدراً حق الطاعنة في قطع التيار، أما ما استند إليه الحكم من أن العقد أباح في حالة ظهور خلل في العداد أن يؤخذ متوسط الاستهلاك في الأشهر الثلاثة السابقة وأن الأمر يقتضي محاسبته على هذا المتوسط بعد أن ينجلي الحق أمام محكمة الموضوع بعد ندب خبير لفحص العداد وفحص حساب المشترك، فهو استناد في غير محله ذلك أن واقعة الدعوى على ما أثبتها الحكم المطعون فيه في مطالبة المطعون عليه بقيمة الفرق المستحق عليه نتيجة الخطأ في قراءة العداد، هي واقعة لا ينطبق عليها نص البند السابع عشر من عقد الاشتراك الذي لا يسري إلا في حالة وجود خلل في العداد، على أنه من ناحية أخرى، فإن المطعون عليه لم يقدم إلى المصلحة أية شكوى عن وجود خلل في العداد مما يعتبر معه العداد سليماً ومما كان يتعين معه على المحكمة ألا تقيم وزناً لقول المطعون عليه في خصوص هذا الادعاء ولا أن تقبل طلبه قبل دفعه المبلغ المطالب به أو على الأقل إيداعه لا أن تعلق هذا الدفع على الفصل من محكمة الموضوع، وبذلك أهدرت نصوص عقد الاشتراك. أما قول الحكم بأن الأمر يستدعي فصلاً من محكمة الموضوع فيما إذا كان العقد من عقود الإذعان، فإنه لا يغير من جوهر الأمر شيئاً، ذلك أن هذه العقود صحيحة قانوناً متى كانت خالية من الشروط التعسفية وإذ لم يقل الحكم بأن العقد تضمن شرطاً تعسفياً فإنه ما كان يجوز له أن يعطل نصوصه الواضحة أو يقف تنفيذها.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه وهو بسبيل تقرير الركنين اللازمين لاختصاص القضاء المستعجل وهما الاستعجال وعدم المساس بالحق ليتخذ إجراء وقتياً عاجلاً قد أقام قضاءه على ما استخلصه من ظاهر المستندات المقدمة إلى المحكمة إذ قال: "إن عقد الاشتراك كما نص على إباحة قطع التيار عند عدم سداد قيمة المستهلك قد أباح أيضاً في حالة ظهور خلل في العداد أو في حالة توقفه أن يؤخذ متوسط الشهور الثلاثة السابقة إذا كان المشترك منتفعاً بالتيار خلالها ولما كان المستأنف (المطعون عليه) يرى أن ارتفاع قيمة الاستهلاك من جنيه إلى جنيهين خلال أيام الاشتراك كلها إلى 200 جنيه وكسور أمر لا بد أن يكون راجعاً إلى خلل في العداد وأن له بحكم ذلك أن يطلب محاسبته على أساس هذا المتوسط وحتى يتبين الحق أمام محكمة الموضوع بوجه قاطع وبعد ندب خبير لفحص العداد أو فحص حساب المشترك ليظهر ما إذا كان المشترك قد استهلك ما يقابل القيمة المطالب بها وحتى يبحث ما إذا كان هذا النص هو نص من نصوص الإذعان" ثم انتهى إلى القول بأنه "لا بد أن ينفذ القضاء المستعجل إلى حل مؤقت يحفظ على المستأنف (المطعون عليه) وسيلة عيشه التي يحميها القانون ولا شك أنه وهو تاجر راديو وصاحب محل كهربائي لا يستطيع أن يباشر عمله ولا أن يستعيض بالكهرباء وسيلة أخرى للسير في سببها السوي لكسب قوته"، وهذا الذي قرره الحكم ليس فيه خروج على قواعد اختصاص القضاء المستعجل ولا خطأ في تطبيق القانون ذلك أنه لما كان قاضي الأمور المستعجلة لا يستطيع أداء مهمته إلا إذا تعرف مؤقتاً ولحاجة الدعوى معنى العقد المحرر بين الطرفين وتناول بالبحث موضوع الحق لا ليفصل فيه بل ليتبين منه وجه الجد في الخصومة، وكان حكمه بعد هذا البحث لا يحسم النزاع بين الخصمين، وكانت محكمة الأمور المستعجلة قد استخلصت من ظاهر نصوص عقد الاشتراك والأوراق المقدمة من طرفي الخصومة أن قيمة استهلاك المطعون عليه الشهري للكهرباء قد قفز إلى مبلغ 214 جنيهاً و300 مليم في الفترة الأخيرة وهو أضعاف أضعاف ما كان يدفعه قبل ذلك مما رجحت معه احتمال صحة قول المطعون عليه بأن ذلك الارتفاع راجع إلى خلل في العداد على غير ما تذهب إليه الطاعنة من أنه نتيجة خطأ الموظف المنوطة به قراءة العداد، وكان الإجراء المقضى به لا يمس حق الطاعنة في اقتضاء ما يحتمل أن يكون لها في ذمة المطعون عليه من مقابل استهلاك التيار الكهربائي بعد أن تتبين حقيقته لدى محكمة الموضوع، وكان الحكم لم يقطع في أن العقد هو من عقود الإذعان، فإنه لا يكون فيما قضى به من إجراء ما يعتبر ماساً بالحق.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم شابه قصور في التسبيب مبطل له، ذلك أنه إذ اعتبر واقعة الدعوى هي وجود خلل في العداد لم يبين في أسبابه الأدلة أو القرائن التي استند إليها
في ذلك.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن المحكمة لم تبت في أسباب حكمها بوجود خلل في العدد حتى ينعى على حكمها بقصور أسبابه عن إيراد الدليل الذي استخلصت منه هذا القول، بل كل ما قررته وأقامت عليه قضاءها هو احتمال صحة ادعاء المطعون عليه بوجود خلل في العداد هو الذي أدى إلى مطالبته بالمبلغ الباهظ السلف الذكر.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.