أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 5 - صـ 297

جلسة 24 من ديسمبر سنة 1953
(46)
القضية رقم 7 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وعبد العزيز سليمان المستشارين.
( أ ) إنكار التوقيع. تزوير. إثبات. عبء الإثبات. عدم وقوف الوارث عند حد إنكار توقيع مورثه على المحرر بل ادعى بتزويره. عبء إثبات التزوير يقع على عاتقه.
(ب) تزوير. حكم. تسبيبه. القرائن التي ساقها مدعي التزوير لا تبرر استعمال المحكمة حقها في القضاء برد وبطلان السند. استخلاص المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها صحة السند. تقدير موضوعي.
(ج) صورية. وارث. ادعاء الوارث بصورية السند الصادر من مورثه. لا يجوز له إثبات هذه الصورية إلا بالكتابة. يستثنى من ذلك التصرف الذي ينطوي على الإيصاء والتصرف الصادر في مرض الموت.
(د) إثبات. مبدأ ثبوت بالكتابة. تقدير توافره. موضوعي.
1 - متى كان الثابت أن الطاعن لم يقف عند حد إنكار توقيع مورثه على السند وإنما ذهب إلى الادعاء بتزويره، فإن الحكم إذ ألقى عليه عبء إثبات هذا التزوير لا يكون قد خالف قواعد الإثبات.
2 - إذا كانت المحكمة لم تر فيما ساقه الطاعن من قرائن على ما ادعاه من تزوير السند المطالب بقيمته ما يقنعها باستعمال الرخصة المخولة لها قانوناً في القضاء برده وبطلانه، بل استخلصت من ظروف الدعوى وملابساتها أن الادعاء بالتزوير غير جدي، وكان تقديرها في هذا الخصوص في حدود سلطتها الموضوعية ولا عيب فيه، فإن النعي عليها بعدم أخذها بالقرائن المشار إليها يكون على غير أساس.
3 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن الوارث حكمه حكم المورث، فلا يجوز له إثبات صورية سند صادر من مورثه إلى الغير إلا بالكتابة إلا إذا طعن في هذا السند بأنه ينطوي على الإيصاء أو أنه صدر في مرض موت مورثه.
4 - تقدير ما إذا كانت الورقة تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة هو من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع متى أقام قضاءه على استخلاص سائغ.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطاعن والمطعون عليهما الأولين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى - حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهما الأولين أقاما الدعوى رقم 480 سنة 1947 كلي أسيوط على الطاعن والمطعون عليها الثالثة بطلب الحكم عليهما بأن يدفعا إليهما من تركة مورثهما باشا واصف عبد السيد مبلغ 1600 جنيه مع فوائد 8% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء وارتكنا إلى سند تاريخه أول مارس سنة 1944، وثابت التاريخ في 11 من أكتوبر سنة 1944، ودفع الطاعن الدعوى بأنه يجهل توقيع مورثه باشا واصف عبد السيد على سند الدين. ورد عليه المطعون عليهما الأولان بأن بصمة ختم المورث على ذلك السند موقع بها على سند آخر حكم بمقتضاه في الدعوى رقم 461 سنة 1947 مدني أسيوط، وأن الطاعن كان طرفاً فيها، وقد أدخل في الدعوى شحاتة معوض حنا ليقدم ما لديه من مستندات، وقدم الأخير ورقة مؤرخة في 30 من يونيه سنة 1947 موقعاً عليها من المطعون عليهم جميعاً وآخرين وأقر الموقعون عليها بأن باشا واصف لعدم وجود عقب له قد خصص لكل منهم حصة من أطيانه وممتلكاته بعقود بيع وأعطى زوجته فهذه (المطعون عليها الثالثة) فدانين و6 قراريط ومنزلاً وأعطى المطعون عليهما الأولين 23 قيراطاً و20 سهماً وأعطى متري جبره وزوجته وهيبة فداناً و12 قيراطاً ورزق مسعود واصف وأمين إبراهيم واصف منزلاً وأبقى لأخيه (الطاعن) فداناً وحرر لكل عقد بيع لحين تسجيل العقود النهائية. ثم انتهى الطاعن إلى القول بأنه يعتقد اعتقاداً جازماً بأن السند مزور، إذ لو كان له وجود لأشار إليه المورث في إقرار سنة 1947 ولاحتفظ المطعون عليهما الأولان بحقهما في مبلغه عند توزيع التركة وأنه لما كان التزوير واضحاً فإن للمحكمة أن تقضي برد وبطلان السند ثم أضاف أنه لو فرض صحته فهو باطل لصوريته ودليلها عدم الإشارة إلى الدين في الإقرار المشار إليه، كما أنه يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة على الصورية وكذلك فإن السند باطل أيضاً لانعدام سببه وأن ورقة 30 من يونيه سنة 1947 حاسمة في تخالص المورث وهي نافية لوجود أية مديونية. وقد رد المطعون عليهما الأولان على هذه المطاعن بانعدام الدليل على التزوير، لأن السكوت عن المطالبة بالدين إلى ما بعد الوفاة لا يدل على التزوير كما لا يدل عليه تعاقد الدائنين أو أحدهما مع المدين على شراء بعض أملاكه وأن تصرف المدين في الجانب الأكبر من ثروته بعلم الدائنين لا يدل على الصورية أو انعدام سبب الدين، وأنه مع الفرض الجدلي بأن السند بغير مقابل فإنه يعتبر هبة في صورة إقرار بدين مستكمل لجميع شروطه فهي صحيحة ونافذة. أما ادعاء التخالص فمردود بما جاء في السند بعدم جواز إثباته بغير الحصول على السند مؤشراً عليه بخط الدائنين بما يفيد الوفاء به وأن المورث شرع في الوفاء بجزء من دينه للمطعون عليهما الأولين بطريق الوفاء بمقابل ولكنه توفي قبل إنجاز العقد وما دام ورثته يتنازعون في عقد البيع فإنهما لا يتمسكان به. وقد أخذت المحكمة بهذا الدفاع وقضت للمطعون عليهما الأولين في 25 من فبراير سنة 1948. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط وقيد استئنافه برقم 140 سنة 23 قضائية وبنى استئنافه على ما يبين من صحيفته المعلنة في 4 من مايو سنة 1948 على أن السند مزور وأن ورقة 30 من يونيه سنة 1947 دليل كامل على تزويره يجيز للمحكمة أن تقضي بالرد وبالبطلان من تلقاء نفسها، ثم انتهى إلى أن السند لو كان صحيحاً فإن ورقة 30 من يونيه سنة 1947 كاشفة عن صوريته. وفي 11 من نوفمبر سنة 1948 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف لأسبابه ولما أضافته إليه من أسباب.
ومن حيث إن الطعن مقام على خمسة أسباب يتحصل الأول منها في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون كما شابه القصور باستناده إلى وقائع ينقضها الثابت بالأوراق، ذلك أن الطاعن طعن على السند موضوع الدعوى بجلسة 10 من نوفمبر سنة 1947 لدى محكمة أول درجة بأنه يجهل بصمة المورث ويجهل صدور السند منه، مما كان موجبه أن يكون عبء إثبات صحة توقيع المورث على السند بختمه على عاتق المتمسكين به كما أن محكمة الاستئناف نعت خطأ على الطاعن اكتفاءه بالإنكار وعدم سلوكه طريق الطعن بالتزوير مع أنه ساق في صحيفة استئنافه الأدلة على تزوير السند ومنها ورقة 30 من يونيه سنة 1947 باعتبارها دليلاً كاملاً على تزويره، وكل ذلك ليحمل المحكمة على استعمال حقها في الحكم برده وبطلانه دون حاجة إلى اتخاذ إجراءات الطعن بالتزوير، وإذا لم تلق المحكمة بالاً لذلك فإنها تكون قد خالفت الثابت بالأوراق، إذ اعتقدت خطأ أن الطاعن طعن بالتزوير وقعد عن اتباع إجراءاته مع أنه دفع بجهالة التوقيع، فضلاً عن أن فيما قررته المحكمة قلباً لقواعد الإثبات التي تجعل عبء إثبات صحة الورقة على من يتمسك بها في حالة ما إذا طعن عليها الوارث بجهالة توقيع مورثه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قال في هذا الخصوص "وحيث إن المستأنف يذهب في صحيفة استئنافه إلى أن سند المديونية مزور، ويورد الأسانيد التي يراها مؤيدة لذلك، ويعيب على الحكم المستأنف عدم أخذه بها في حين أن القانون قد رسم له الطريق المؤدي لإثبات التزوير لو أراد، ولكنه لم يسلكه إذ لم يطعن بالتزوير فليس له إذن أن يعيب على المحكمة عدم قضائها من تلقاء نفسها برد السند، على أنه وقد أحال في دفاعه في هذا الاستئناف إلى المذكرة التي قدمها بدفاعه في الاستئناف رقم 60 سنة 23 قضائية المنظور مع هذا الاستئناف لارتباطه به ولتشابه ظروف الدعويين يتبين من دفاعه في ذلك الاستئناف أنه عاد بعد التمسك بتزوير السندين إلى القول بصورتيهما مما يدل على أنه هو نفسه غير متمسك بادعائه بالتزوير". ويبين من ذلك أن المحكمة استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية، مما ورد بمذكرة الطاعن في الاستئناف رقم 60 سنة 23 ق أن طعنه بالتزوير على السند هو طعن غير جدي. ولما كان الطاعن لم يقدم إلى هذه المحكمة صورة رسمية من المذكرة التي استندت إليها المحكمة فيما قررته كان طعنه على الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق عارياً عن الدليل، أما ما يعيبه على الحكم من مخالفته لقواعد الإثبات فهو مردود بما أورده الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه من أن الطاعن لم يثبت على دفاعه في مذكرته الأخيرة، وهو دفاعه بجهالة التوقيع، بل استند إلى شواهد وأدلة ليحمل المحكمة على استعمال سلطتها في القضاء برد وبطلان السند، فلما استأنف الحكم المذكور تمسك في صحيفة استئنافه المقدمة صورتها الرسمية إلى هذه المحكمة بأن السند مزور، مما يستفاد منه أنه لم يقف عند حد إنكار توقيع مورثه على السند، وإنما ذهب إلى الادعاء بأن السند مزور مما يلقي عليه عبء إثباته، ومن ثم لا يكون الحكم قد خالف قواعد الإثبات.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب، إذا لم تبين المحكمة الأساس الذي أقامت عليه قضاءها بإلزام الطاعن والمطعون عليها الأخيرة بقيمة السند، كما أنها لم تكيف السند تكييفاً قانونياً لتبين: هل هو قرض أم هبة مستترة في صورة قرض، أم قرض في مرض الموت أم وصية صريحة أجازها الورثة وإذ قررت محكمة أول درجة في أسباب حكمها التي اعتمدها الحكم المطعون فيه "أنها لا ترى فيما ساقه المدعى عليه الأول (الطاعن) من القرائن ما يهدر صحة السند المطالب بمقتضاه من تزوير أو بطلان للصورية أو انعدام السبب، وذلك للأسباب التي أوردها المدعيان (المطعون عليهما الأولان) بمذكرتهما السالف بيانها" فإنه فضلاً عن أن هذا الذي قررته خال من بيان سند المحكمة في أخذها بدفاع المدعيين فإنه أيضاً لا يبين منه بأي فرض من الفروض التي أوردها المدعيان في مذكرتهما أخذت به، على أنه من ناحية أخرى ما كان يجوز للمحكمة أن تحيل في حكمها على مذكرة الخصم وتجعلها مكملة لحكمها وإذ فعلت ذلك فإن حكمها يكون باطلاً.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه قد بين واقعة الدعوى وسندها وهو إقرار مورث الطاعن "باشا واصف بمديونيته إلى المطعون عليهما الأولين في مبلغ 1600 جنيه مستحق الوفاء لهما وقت الطلب، كما أنه تناول كل ما وجهه الطاعن إلى سند المديونية من مطاعن وفندها، وهذا كاف لإقامة قضائه وليس فيه خطأ في القانون.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون ذلك أن الطاعن دفع بجهالة التوقيع من مورثه على السند وطلب إلى المحكمة أن تقضي بتزويره مستدلاً على ذلك بأن السند المطالب به حرر في أول مارس سنة 1944 وأثبت تاريخه بمحكمة مصر المختلطة في 11 من أكتوبر سنة 1944. وفي 30 من يونيه سنة 1947 حرر المورث إقراراً ذكر فيه أنه لعدم وجود ذرية له قد تبرع للمطعون عليهما الأولين بـ 23 قيراطاً وكسوراً بينها في الإقرار وحرر بها عقوداً مستقلة، كما ذكر فيه أنه تبرع لآخرين ووقع المطعون عليهما الأولان على هذا الإقرار ضمن المتبرع لهم، فلا يعقل أن يكون المورث مديناً لهما بما يلتهم ثروته ويتبرع لهما ولآخرين، كما أن الثابت بهذا الإقرار بعد عبارة التبرع أن المطعون عليهما دفعا إلى المورث مبلغ 900 جنيه فلا يعقل أن يكونا دائنين له بمبلغ 1600 جنيه ويدفعان له 900 جنيه، كما استدل على تزوير السند بالشكوى رقم 1267 سنة 1947 "إداري أسيوط" المقدمة من الطاعن إلى البوليس وأثبت المحقق أنه طلب المطعون عليهما الأولين فتهربا، وهذه ليست حال الدائن الذي يسعى لاستيفاء دينه، كما استدل بالشكوى رقم 1298 سنة 1947 إداري "بندر أسيوط" التي قدمها المطعون عليهما الأولان ونسباها إلى المورث، فانتقل المحقق إلى المستشفى فوجده يحتضر مما يدل على أن ختمه كان معهما وأنهما استغلاه في التوقيع على الشكوى. ومع ذلك لم تحكم المحكمة من تلقاء نفسها برد وبطلان السند، وردت على دفاع الطاعن رداً خاطئاً بقولها إن الطاعن وارث ولا يجوز له الطعن على تصرفات مورثه بالصورية إلا إذا قدم ورقة ضد، مع أنه بالنسبة للتصرفات الضارة به يعتبر من الغير، وحتى بفرض أنه يمثل مورثه، فقد كان لهذا الأخير إثبات الصورية بالقرائن لقيام المانع الأدبي بين المورث والمطعون عليهما الأولين بسبب علاقة القرابة والمودة تلك العلاقة التي تتجلى في الإقرار المحرر في 30 من يونيه سنة 1947. على أنه من ناحية أخرى، فإن الإقرار المذكور إن لم يعتبر ورقة ضد فهو على الأقل مبدأ ثبوت بالكتابة، مما كان يتعين معه على المحكمة أن نجيب الطاعن إلى طلب إحالة الدعوى على التحقيق ليكمل إثبات دفاعه بشهادة الشهود.
ومن حيث إن الحكم قال في هذا الخصوص: "وحيث إن المدعى عليه (الطاعن) قال في مذكرته كيف لا يطالب المدعيان بدينهما الجسيم ومدينهما يتجرد بحضورهما من كافة ما يملك بمقتضى العقود الصادرة منه والمشار إليها في ورقة الإقرار، أليس هذا بقاطع في أنه حتى تاريخ تحرير ورقة الإقرار لم يكن المورث يعلم أن عليه ديناً للمدعيين، وقال المدعى عليه الأول أيضاً (الطاعن) إن عقود البيع المقدمة بنفس حافظة شحاتة معوض عليها إمضاء المورث وبصمة ختمه، بينما سند الدين المطالب به موقع عليه ببصمة ختمه فقط، ولهذا يعتقد اعتقاداً جازماً بأن السند مزور، إذ لو كان له وجود لأشار إليه المورث في إقرار سنة 1947 ولاحتفظ المدعيان بحقهما في المبلغ الكبير عند توزيع التركة، فالتزوير واضح ويمكن للمحكمة أن تقضي برد السند وبطلانه، ولو فرض صحة السند فهو باطل لصوريته، ودليلها عدم الإشارة إلى الدين في الإقرار، وهو يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة على الصورية، وأن السند باطل لانعدام سببه، وأن ورقة 30 من يونيه سنة 1947 (أي ورقة الإقرار) حاسمة في تخالص المورث من السند وهي نافية لوجود أي مديونية، وذلك لأن المدعيين اعترفا في الإقرار بأن المورث لعدم وجود نسل له أعطى وتبرع لهما بـ 23 قيراطاً وكسوراً فكيف يكون واهباً وهو مدين بالمبلغ الجسيم... الخ. وحيث إن المدعيين أجابا على هذا الدفاع المتقدم بانعدام الدليل على التزوير، لأن السكوت على المطالبة بالدين إلى ما بعد وفاة المدين لا يدل على التزوير، كما لا يدل عليه تعاقد الدائنين أو أحدهما مع المدين على شراء بعض أرضه أو تصرف المدين في الجانب الأكبر من ثروته بعلم الدائنين فإن الصورية لا تثبت بالقرائن وإن تصرف المدين في كل أو بعض أمواله بعلم الدائنين لا يدل على صورية المديونية أو على انعدام سبب الالتزام وإنه مع الفرض الجدلي بأن السند بغير مقابل فإنه يعتبر هبة في صورة إقرار بدين مستكمل لجميع شروطه فهي صحيحة ونافذة، أما ادعاء التخالص فمردود بما جاء في السند بعدم جواز إثباته بغير الحصول على السند مؤشراً عليه بخط الدائنين بما يفيد السداد، وأن المورث شرع في الوفاء بجزء من دينه بطريق الوفاء بمقابل ولكنه توفي قبل إنجاز العقد. وما دام ورثته ينازعون في عقد البيع فلا يتمسك به المدعيان. وحيث إن ورقة الإقرار المؤرخة 30 من يونيه سنة 1947 لم يوقع عليها "من باشا واصف" وهي لا ترى فيما ساقه المدعى عليه الأول (الطاعن) من القرائن ما يهدر صحة السند المطالب بمقتضاه من تزوير أو بطلان للصورية أو انعدام السبب، وذلك للأسباب التي أوردها المدعيان بمذكرتهما والسالف بيانها."، ولما كان يبين من هذا الذي أورده الحكم أن المحكمة لم تر فيما ساقه الطاعن من قرائن على ما ادعاه من تزوير السند المطالب بقيمته ما يقنعها باستعمال الرخصة المخوّلة لها قانوناً في القضاء برده وبطلانه، بل استخلصت من ظروف الدعوى وملابساتها أن الادعاء بالتزوير غير جدي، وكان تقديرها في هذا الخصوص في حدود سلطتها الموضوعية ولا عيب فيه - لما كان ذلك - فإن النعي على المحكمة بعدم أخذها بالقرائن المشار إليها يكون على غير أساس، أما فيما يختص بتعييب الحكم فيما قرره من أن الطاعن بوصفه وارثاً لا يجوز له الطعن في سند إقرار مورثه إلا إذا قدّم ورقة ضد مع أنه بالنسبة للتصرفات الضارة به يعتبر من الغير، فهو قول في غير محله، ذلك لأن الوارث - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حكمه حكم المورث فلا يجوز له إثبات صورية سند صادر من مورثه إلى الغير إلا بالكتابة إلا إذا طعن في هذا السند بأنه ينطوي على الإيصاء أو أنه صدر في مرض موته وليست حالة الدعوى كذلك. أما ما يتحدى به الطاعن من أن قيام المانع الأدبي بين المورث والمطعون عليهما الأولين كان يجيز إثبات صورية السند بالبينة فهو قول غير مقبول، إذ لم يقدم الطاعن إلى هذه المحكمة دليلاً رسمياً على سبق تمسكه بهذا الوجه من الدفاع لدى محكمة الموضوع. وأما ما يعيبه الطاعن على الحكم من أنه لم يعتبر الإقرار المحرر في 30 من يونيه سنة 1947 مبدأ ثبوت بالكتابة على صحة مطاعنه على السند يجيز له طلب تكملته بالبينة فهو تعييب في غير محله، ذلك أن تقدير ما إذا كانت الورقة تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة هو من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع، وما أورده الحكم في أسبابه يفيد أن ما تضمنه الإقرار المشار إليه لا يعتد به كمبدأ ثبوت بالكتابة.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم مشوب بالقصور لتناقض أسبابه واستناده إلى وقائع تخالف الثابت بالأوراق، ولفساد استدلاله، ذلك أنه مع أخذه بأسباب الحكم الابتدائي الذي فصل أوجه دفاع الطاعن استخلص منها خطأ أنه عدل عن التمسك بتزوير السند إلى القول بصوريته مع أنه لم ينزل عن تمسكه بالتزوير، إنما كل ما قرره أنه بفرض صحة السند فهو صوري أو باطل لانعدام سببه.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما يستقل به قاضي الموضوع.
ومن حيث إن السبب الخامس يتحصل في أن المحكمة بعد أن قررت في 10 من نوفمبر سنة 1947 ضم القضية رقم 4610 سنة 1947 كلي أسيوط وصرحت للطاعن بتقديم صورة من الشكويين رقمي 1298 سنة 1947 و1267 سنة 1947 إداري بندر أسيوط، أجلت الدعوى للحكم لجلسة 8 من ديسمبر سنة 1947 دون أن تنفذ قرار الضم ودون أن تبين في أسباب حكمها لماذا عدلت عن تنفيذه، كما أنها لم ترد على ما ورد في الشكويين سالفتي الذكر مع أن الثابت منهما مرض المورث مرض الموت، وهذا إخلال بحق الطاعن في الدفاع فضلاً عما شاب حكمها من قصور في التسبيب.
ومن حيث إن هذا السبب غير مقبول إذ لم يقدم الطاعن دليلاً رسمياً على أنه سبق أن تمسك بضم القضية المشار إليها لدى محكمة الموضوع أو أنه أثار لديها ما يريد الاستدلال به من الشكويين الآنف ذكرهما أو أنه دفع بأن السند صدر في مرض موت المورث.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.