أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 5 - صـ 314

جلسة 24 من ديسمبر سنة 1953
(48)
القضية رقم 100 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، ومصطفى فاضل، وأحمد العروسي، ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) عقد. صورية. إثبات. ورقة ضد. غير. بيع. تسجيل. حق الغير الحسن النية في التمسك بالعقد الظاهر. عدم جواز الاحتجاج عليه بما يضره من عقد مستتر ولا بورقة تقايل غير مسجلة.
(ب) صورية. إثبات. مانع أدبي. حكم. تسبيبه. عقد ثابت بالكتابة. تقرير الحكم بأنه لا يجوز لأحد المتعاقدين إثبات صوريته إلا بالكتابة. نفيه بأسباب سائغة قيام المانع الأدبي. لا خطأ.
1 - للغير حسن النية أن يتمسك بالعقد الظاهر متى كان هذا في مصلحته، ولا يجوز أن يحاج بما يضره من عقد مستتر، كما لا يجوز أن يحج بورقة غير مسجلة تفيد التقايل من الصفقة. وإذن فمتى كانت المحكمة إذ قضت بتثبيت ملكية المطعون عليها الأولى للأطيان المبيعة إليها من المطعون عليها الثانية دون أن تحفل بالادعاء بصورية العقد الصادر من مورث الطاعنين للمطعون عليها الثانية أو تعني بالتحقق من هذه الصورية أو تمكن الطاعنين من إثباتها بكافة الطرق، ودون أن تقيم وزناً للادعاء بتقايل المطعون عليها الثانية بورقة غير مسجلة قد حصلت في حدود سلطتها الموضوعية - تحصيلاً لم ينفه الطاعنان - أنهما لم يثبتا سوء نية المطعون عليها الأولى، أي لم يثبتا أنها اشترت من المطعون عليها الثانية وهي تعلم أن عقد شراء هذه الأخيرة صوري، فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون أو شابه القصور.
2 - متى كانت المحكمة إذ قررت أنه لا يجوز لأحد المتعاقدين إثبات صورية العقد الثابت كتابة إلا بالكتابة قد استخلصت في حدود سلطتها الموضوعية بالأدلة السائغة التي أوردتها انتفاء المانع الأدبي، فإن الذي قررته هو صحيح في القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع تقرير السيد المستشار المقرر، ومرافعة المحامي عن الطاعنين والنيابة العامة وبعد المداولة؛
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل في أن الست أم رمضان بنت رمضان (المطعون عليها الأولى) رفعت الدعوى رقم 345 سنة 1948 مركز الفيوم على الست عز رمضان (المطعون عليها الثانية) ورجب عفيفي علي (مورث الطاعنين) طلبت فيها تثبيت ملكيتها إلى 1 ف و3 ط و17 س مبينة الحدود بصحيفة الدعوى والريع ابتداء من 21/ 7/ 1947، واستندت في ذلك إلى عقد بيع صادر لها من الست عز رمضان (المطعون عليها الثالثة) التي آلت إليها الملكية من زوجها مورث الطاعنين بمقتضى عقد بيع مسجل في 15/ 1/ 1939 فأنكر مورث الطاعنين على المدعية دعواها وقرر أنه وإن كان سبق أن باع لزوجته المقدار المذكور في سنة 1939 إلا أنها عادت وتنازلت عن هذا البيع بمقتضى إقرار مؤرخ في 21/ 2/ 1942 فأنكرت الست عز صدور هذا الإقرار منها، وقالت إنها كانت زوجة لمورث الطاعنين، وكان ختمها وديعة عنده وأنه وقع لها على إقرار في سنة 1944 يفيد ذلك ويصرح فيه بأنه لم يوقع بهذا الختم على أي سند سواء لمصلحته أو لمصلحة الغير، وإن المورث المذكور رفع عليها الدعوى رقم 106 سنة 1948 مركز الفيوم يطالبها بقيمة سندات، فقدمت هذا الإقرار، فقضى برفض دعواه. وفي 13 من إبريل سنة 1948 قضت المحكمة الجزئية بتثبيت ملكية المدعية الست أم رمضان إلى الأطيان محل الدعوى، وبوقف الفصل في طلب الريع حتى يصبح الحكم في الملكية نهائياً. واستندت في ذلك إلى أن المدعية اشترت الأطيان المذكورة من الست عز بمقتضى عقد مسجل في سنة 1947 وأن الست عز اشترتها من مورث الطاعنين بمقتضى عقد مسجل في سنة 1939 وأنه لا عبرة بالتنازل عن هذا البيع الأخير المقول بصدوره من الست عز، إذ لا يصح أن تواجه به الست أم رمضان لأنه غير مسجل. فاستأنف رجب عفيفي هذا الحكم أمام محكمة الفيوم الابتدائية وقيد استئنافه تحت رقم 119 سنة 1948، وأثناء نظر الاستئناف توفي، فحل محله ورثته، وقد كان دفاع المستأنف، أن العقد الذي صدر منه إلى الست عز هو عقد صوري، وأنها ردت إليه المبيع بمقتضى عقد مؤرخ في 25 من فبراير سنة 1939 وأن الست أم رمضان لا يمكن أن تحتمي بقواعد التسجيل لأنها أخت البائعة وتعلم بصورية سند البائعة لها، وطعن بالتزوير في الإقرار المنسوب إليه والمؤرخ سنة 1944 كما طعنت الست عز بالتزوير في الإقرار المنسوب صدوره منها في سنة 1942 وفي 29 من مارس سنة 1949 قضت المحكمة برد وبطلان الإقرار المنسوب للست عز، فتمسك الطاعنان بصورية العقد الصادر للست عز، وطلبا إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ذلك، فرفضت المحكمة إجابة هذا الطلب لأنهما بوصفهما وارثين للبائع، يجب أن يقدما دليلاً كتابياً ورأت في ظروف الدعوى التي سردتها ما ينفي وجود مانع كان يمنع الزوج البائع من الحصول على دليل كتابي من زوجته، وبعد أن نفت المحكمة سوء نية الست أم رمضان قضت في 28 من نوفمبر سنة 1950 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، فطعن الطاعنان في الحكم بطريق النقض.
وحيث إن الطعن يقوم على سببين يتحصلان في أن الحكم المطعون فيه قد شابه القصور وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الطاعنين تمسكا بصورية العقد موضوع الدعوى، ولكن محكمة ثاني درجة مرت على هذا الدفاع مروراً عابراً دون أن تتعرض لتفنيد الأدلة والأوراق ومناقشة الشهادة التي اعتمدت عليها في دعوى التزوير المنضمة، كذلك لم تبين محتويات الأوراق المحكوم بردها، ولم يرد الحكم المطعون فيه على ما جاء بمذكرة الطاعنين ومورثهما من قبل واكتفى بالإحالة على حكم محكمة أول درجة، مع أن الدفاع بصورية العقد لم يثر إلا أمام محكمة ثاني درجة، كما أغفل الحكم المطعون فيه البحث في الزمن الذي تم فيه العقد وهو سنة 1939، إذ كانت علاقة الزوجية قائمة بين المورث والست عز، وكانت زوجته الأخرى تطالبه بنفقة وهذا التاريخ سابق على سنة 1942 وهي السنة التي يقول الحكم إن الأوراق حررت فيها وبعدها، مما استدل به على عدم وجود المانع الأدبي من حصول المورث على سند كتابي يثبت الصورية، وفي رفض الحكم إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات هذا المانع مخالفة لنص المادة 403 فقرة أولى مدني، وكان يجب على المحكمة إحالة الدعوى على التحقيق إزاء ما قدم من أدلة.
وحيث إن هذين السببين مردودان بأنه بحسب الحكم المطعون فيه أن يكون قد أقيم على أنه ثابت أن مورث الطاعنين باع للست عز الأطيان المطالب بملكيتها بمقتضى عقد بيع مسجل في 15 من يناير سنة 1939 وأن المشترية باعت هذه الأطيان للست أم رمضان بمقتضى عقد بيع مسجل في 3/ 8/ 1947 وذلك كي يقضي بتثبيت ملكية الست أم رمضان للمقدار المبيع، دون أن يحفل بالادعاء بصورية العقد الصادر من المورث للست عز، أو يعني بالتحقق من هذه الصورية، أو يمكن الطاعنين من إثباتها بكافة الطرق، ودون أن يقيم وزناً للادعاء بتقايل الست عز بورقة غير مسجلة - متى كانت المحكمة قد حصلت في حدود سلطتها الموضوعية، تحصيلاً لم ينفه الطاعنان أنهما لم يثبتا سوء نية الست أم رمضان، أي لم يثبتا أنها اشترت من الست عز وهي تعلم أن عقد شراء هذه الأخيرة صوري، ذلك أنه للغير الحسن النية أن يتمسك بالعقد الظاهر متى كان هذا في مصلحته، ولا يجوز أن يحاج بما يضره من عقد مستتر، كما لا يجوز أن يحاج بورقة غير مسجلة تفيد التقايل، على أن الحكم المطعون فيه وإن كان قد تزيد في تفنيد مزاعم الطاعنين، إلا أن هذا التزيد لا يعيبه وليس فيه ما يعاب عليه، فقد قرر الحكم "أن العقد الصادر من مورث الطاعنين للست عز وقد ثبت بالكتابة لا يجوز إثبات صوريته إلا بالكتابة، وأنه لا محل لإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الصورية استناداً إلى أن المشترية كانت وقت البيع زوجة للبائع، ذلك لأن "ملابسات النزاع والمستندات المقدمة من المورث والست عز وما يستخلص من أقوال الشهود في دعويي التزوير المضمومتين تنادي جميعاً بانتفاء الثقة بينهما وقيام الغدر، الأمر الذي يزيده وضوحاً، ذلك الإقرار المؤرخ في 21 من فبراير سنة 1942 المقضي برده وبطلانه والذي كان يستند إليه المورث في إثبات اعتراف الست عز بصورية العقد موضوع الطعن، والإقرار الثاني المؤرخ في 15 من مارس سنة 1944. وأنه متى تقرر هذا يتبين أن المانع الأدبي كان منتفياً وجوده بين الطرفين". وهذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون وما قدره في شأن انتفاء المانع الأدبي هو تقدير موضوعي سائغ.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.