أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 44 - صـ 293

جلسة 21 من يناير سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ محمد رأفت خفاجي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد طيطه، شكري جمعة حسين نائبي رئيس المحكمة. فتيحه قره ومحمد الجابري.

(54)
الطعن رقم 2895 لسنة 58 القضائية

(1، 2) إيجار "إيجار الأماكن: احتجاز أكثر من مسكن". حكم "عيوب التدليل: القصور، الإخلال بحق الدفاع: ما يعد كذلك". "نظام عام".
(1) حظر احتجاز الشخص مالكاً أو مستأجراً أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مقتضى. مناطه. انفراد الشخص بالسيطرة المادية والقانونية على المسكنين. م 8/ 1 ق 49 لسنة 1977. انتفاء الاحتجاز المحظور قانوناً طالما بقى المقتضى قائماً. زوال المقتضى. أثره. انفساخ العقد بقوة القانون وصيرورة المستأجر محتجزاً للشقة التي زال عنها المقتضى علاوة على العين الأخرى محل إقامته. حق المؤجر في طلب إخلائه من العين التي زال عنها المقتضى لبطلان عقدها بطلاناً متعلقاً بالنظام العام.
(2) إقامة الحكم المطعون فيه قضاءه بانتفاء احتجاز المطعون ضده لأكثر من مسكن لشغله شقة النزاع مكتباً للمحاسبة دون أن يفطن لدفاع الطاعنة بزوال صفة المستأجر عنه بسبق تركها لوالدته وانتهاء عقد إيجارها بوفاتها ودون بحث ما إذا كان لديه مقتضى خلال الفترة من تاريخ وفاتها حتى استغلاله لها كمكتب محاسبة. قصور وإخلال بحق الدفاع.
1 - النص في المادتين 29/ 1، 8/ 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 يدل على أن المشرع حظر على كل من المالك والمستأجر احتجاز أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مبرر وأن الحظر مقصور على الشخص الواحد بذاته دون غيره، وأن مجرد الإقامة في مسكن ما لا يكفي بذاته لاعتبار المقيم محتجزاً بالمعنى الذي قصده القانون ذلك أن مناط الاحتجاز في مدلول هذه المادة الأخيرة - هو أن ينفرد الشخص بالسيطرة المادية والقانونية على المسكنين بحيث يتوافر في شأنه الانفراد بالانتفاع بسكنى كل منهما دون مقتضى، فإذا استقل آخرون من ذويه بالانتفاع بأحد المسكنين استقلالاً فعلياً لا شبهة فيه انتفى الاحتجاز المحظور قانوناً طالما بقى هذا المقتضى قائماً، فإن زال مقتضى الاحتجاز المحظور انفسخ العقد بقوة القانون بمجرد زوال المقتضى في احتجازها ويصبح المستأجر محتجزاً للشقة التي زال المقتضى عنها علاوة على الشقة الأخرى التي يقيم فيها فيتحقق بذلك الاحتجاز الذي يحظره القانون وللمؤجر طلب إخلاء العين المؤجرة لإنهاء عقد المسكن أو المساكن المحتجزة بالمخالفة لحكم القانون لبطلانه، وهذا البطلان متعلق بالنظام العام.
2 - إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة تمسكت بدفاعها أن المطعون ضده ترك شقة النزاع لوالدته التي كانت تقيم فيها بمفردها حتى وفاتها التي حدثت منذ خمسة أشهر سابقة على رفع الدعوى في (........) ثم احتجز هذه الشقة وحولها مكتباً للمحاسبة، وكان الثابت من المستندات المقدمة أمام محكمة أول درجة أن المطعون ضده أنذر لطاعنة بتاريخ (......) أنه استغل شقة النزاع مكتباً للمحاسبة ويعرض عليها زيادة القيمة الإيجارية وكان الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى دفاع الطاعنة بأن المطعون ضده ترك شقة النزاع لوالدته فزالت عنه صفة المستأجر وقد انتهى عقد الإيجار بوفاتها كما أن الحكم لم يعن ببحث المدة من تاريخ وفاة والدة المطعون ضده حتى استغلاله العين مكتباً للمحاسبة، وما إذا كان لديه مقتضى خلاله هذه الفترة أم لا على فرض أن عقد الإيجار ما زال مستمراً لصالحه. إنما أقام قضاءه على انتفاء احتجازه أكثر من مسكن لشغله شقة النزاع مكتباً للمحاسبة الأمر المباح قانوناً مما يعيبه بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب الذي أدى به إلى مخالفة القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن الطاعنة أقامت على المطعون ضده الدعوى رقم 617 لسنة 1986 مدني أمام محكمة المنيا الابتدائية بطلب الحكم بإخلاء الشقة المبينة بالصحيفة والتسليم وإنهاء عقد الإيجار المؤرخ 20/ 12/ 1963، وقالت بياناً لذلك إنه بموجب هذا العقد استأجر المطعون ضده تلك الشقة لسكناه ووالدته وعند زواجه استأجر منها شقة أخرى بذات العقار بموجب عقد مؤرخ 20/ 1/ 1968 واستمرت والدته بالشقة الأولى بمفردها حتى وفاتها ولم تترك من يستمر عقد الإيجار لصالحه وإذ طالبته بإخلاء الشقة رفض تسليمها إليها واستغلها مكتباً للمحاسبة مما يعد معه محتجزاً لأكثر من مسكن في المدينة الواحدة فأقامت الدعوى، بعد أن أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق حكمت برفضها استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 488 لسنة 23 ق استئناف بني سويف "مأمورية المنيا" وبتاريخ 12/ 4/ 1988 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، طعنت الطاعنة على هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى بهما الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب وتقول بياناً لذلك إنها تمسكت بدفاعها أمام محكمة الموضوع بدرجتيها أن المطعون ضده وإن كان يستأجر شقة النزاع إلا أنه تخلى عنها وتركها لوالدته واستقل بالشقة التي استأجرها بمناسبة زواجه وظلت والدته تقيم بشقة النزاع بمفردها حتى وفاتها ولم تترك من يحق له استمرار عقد الإيجار لصالحه ومن ثم فلا يحق للمطعون ضده والذي انقضت علاقته الإيجارية بشقة النزاع بالترك بأن يعود إليها والتمسك بالعلاقة الإيجارية بعد انقضائها هذه إلى أن المقتضى لاحتجاز شقة النزاع قد زال بوفاة والدته إلا أن الحكم المطعون فيه أغفل هذا الدفاع الجوهري ولم يرد عليه واعتبر أن عقد الإيجار ما زال مستمراً لصالحه وأن من حقه تغيير استعمال العين إلى مكتباً للمحاسبة دون أن يكون محتجزاً لأكثر من مسكن مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله - ذلك أن النص في المادة 29/ 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 على أن "مع عدم الإخلال بحكم المادة (8) من هذا القانون لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين إذا بقى فيها زوجه أو أولاده أو أي من والديه الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك..." والنص في الفقرة الأولى من المادة الثامنة على أن "لا يجوز للشخص أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتضى" يدل على أن المشرع حظر على كل من المالك والمستأجر احتجاز أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مبرر وأن الحظر مقصور على الشخص الواحد بذاته دون غيره، وأن مجرد الإقامة في مسكن ما لا يكفي بذاته لاعتبار المقيم محتجزاً بالمعنى الذي قصده القانون ذلك أن مناط الاحتجاز في مدلول هذه المادة الأخيرة هو أن ينفرد الشخص بالسيطرة المادية والقانونية على المسكنين بحيث يتوافر في شأنه الانفراد بالانتفاع بسكني كل منهما دون مقتضى، فإذا استقل آخرون من ذويه بالانتفاع بأحد المسكنين استقلالاً فعلياً لا شبهة فيه انتفى الاحتجاز المحظور قانوناً طالما بقى هذا المقتضى قائماً، فإن زال مقتضى الاحتجاز انفسخ العقد بقوة القانون بمجرد زوال المقتضى في احتجازها ويصبح المستأجر محتجزاً للشقة التي زال عنها المقتضى علاوة على الشقة الأخرى التي يقيم فيها فيتحقق بذلك الاحتجاز الذي يحظره القانون وللمؤجر طلب إخلاء العين المؤجرة لإنهاء عقد المسكن أو المساكن المحتجزة بالمخالفة لحكم القانون لبطلانه، وهذا البطلان متعلق بالنظام العام لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة تمسكت بدفاعها أن المطعون ضده ترك الشقة النزاع لوالدته التي كانت تقيم فيها بمفردها حتى وفاتها التي حدثت منذ خمسة أشهر سابقة على رفع الدعوى في 27/ 2/ 1986 ثم احتجز هذه الشقة وحولها مكتباً للمحاسبة، وكان الثابت من المستندات المقدمة أمام محكمة أول درجة أن المطعون ضده أنذر الطاعنة بتاريخ 15/ 3/ 1986 أنه استغل شقة النزاع مكتباً للمحاسبة.. ويعرض عليها زيادة القيمة الإيجارية وكان الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى دفاع الطاعنة بأن المطعون ضده ترك شقة النزاع لوالدته فزالت عنه صفة المستأجر وقد انتهى عقد الإيجار بوفاتها كما أن الحكم لم يعن ببحث المدة من تاريخ وفاة والدة المطعون ضده حتى استغلاله العين مكتباً للمحاسبة وما إذا كان لديه مقتضى خلال هذه الفترة أم لا على فرض أن عقد الإيجار مستمراً لصالحه، إنما أقام قضاءه على انتفاء احتجازه أكثر من مسكن لشغله شقة النزاع مكتباً للمحاسبة الأمر المباح قانوناً مما يعيبه بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب الذي أدى به إلى مخالفة القانون ويتعين نقضه.