أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 5 - صـ 342

جلسة 31 من ديسمبر سنة 1953
(53)
القضية رقم 304 سنة 20 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وعبد العزيز سليمان المستشارين.
وقف. اشتراط الواقف في حجة وقفه وفاء دين عليه مثقلة به الأعيان الموقوفة. عدم أحقية ممثلي الوقف في الرجوع على شريك الواقف المتضامن معه في الدين بما يكون الوقف قد وفاه عنه من نصيبه في الدين. بقاء حق الواقف بعد إنشاء وقفه في إبراء ذمة شريكه من نصيبه في الدين الذي قد يوفيه عنه وقفه.
لا ينتقل إلى الوقف من حقوق الواقف إلا ما كان منصوصاً عليه في كتاب وقفه. وإذن فمتى كان مورث المطعون عليهم إذ شرط في كتاب وقفه أن يبدأ من ريعه بسداد الدين العقاري المثقلة به الأطيان الموقوفة لم يخوّل وقفه حق الرجوع على الطاعن شخصياً أو على وقف هذا الأخير بما يوفيه عنه من دين، فإن وقف المطعون عليهم لا يحق له الرجوع على أيهما بما يكون قد وفاه الوقف عن الطاعن من نصيبه في الدين التضامني المشترك، إذ هو في هذه الحالة لم يقم إلا بتنفيذ شرط الواقف في هذا الخصوص، ولما كان حق مورث المطعون عليهم في الرجوع على الطاعن ظل باقياً له شخصياً حتى بعد إنشاء وقفه، فإنه كان من حقه أن يتخالص مع الطاعن عن نصيبه في الدين التضامني المشترك بينهما، ولا شأن للوقف في هذا التخالص، ويكون ما أقام عليه الحكم قضاءه من أحقية الوقف المشمول بنظر المطعون عليهم في الرجوع على الطاعن شخصياً أو على وقفه بنصيبه في الدين لا سند له من القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطرفين والنيابة العامة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع - حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهم أقاموا الدعوى رقم 618 سنة 1946 كلي المنصورة على الطاعن، وطلبوا بعريضتها المعلنة في أول إبريل سنة 1946 سماعه الحكم بصفته الشخصية وبصفته ناظراً على وقفه المسمى باسمه بأن يدفع إليهم بصفاتهم 4669 جنيهاً و46 مليماً والفوائد التعويضية عن مبلغ 1149 جنيهاً و167 مليماً بواقع 8% سنوياً، والفوائد التأخيرية عن مبلغ 1880 جنيهاً و581 مليماً بواقع 5%، وذلك من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 16 من إبريل سنة 1946 لغاية تمام الوفاء، وبنوا دعواهم على أن مورثهم المرحوم صالح صالح الحديدي كان يملك هو وشقيقه الطاعن 201 فدان و8 قراريط و17 سهماً على المشاع مناصفة بينهما، فرهنا منها 102 فدان و4 قراريط و4 أسهم إلى البنك العقاري وإلى سيدة فرنسية، وسجلت قائمتا الرهنين على هذا المقدار في سنة 1913، وبعد أربع سنوات رأى الشقيقان إنهاء حالة الشيوع فحرر بينهما عقد قسمة في 17 من أغسطس سنة 1917 اختص بموجبه مورث المطعون عليهم بمقدار 102 فدان و4 قراريط و4 أسهم المحملة بالرهنين المشار إليهما، واختص الطاعن بالباقي ومقداره 99 فداناً و4 قراريط و13 سهماً خالية من الرهن، وكان السبب فيما خص الأول زيادة على ما خص الثاني هو جودة أرض الأخير وصقعها، وحدد دين البنك العقاري بمبلغ 4486 جنيهاً و660 مليماً ودين الفرنسية بمبلغ 2961 جنيهاً و770 مليماً. ولما كان هذان الدينان يستحقان في ذمة المتقاسمين بوجه التضامن والتكافل بينهما، وكانا ينصبان على جزء من أطيانهما فقط هو الذي خص مورث المطعون عليهم، فقد ذكر بعقد القسمة "أن يتعهد محمد صالح (الطاعن) الآيل إليه القسم الخالي من كافة القيود قبل صالح صالح (مورث المطعون عليهم) بالوفاء بنصف القيمة الإجمالية للدين التضامني أي مبلغ 3724 جنيهاً و215 مليماً في مواعيد استحقاق كل قسط بالتتابع وأنه في خلال الست السنوات الأولى يدفع الطاعن خمسين جنيهاً أقل من أخيه صالح. وفي السنة السابعة يدفع سبعة وخمسين جنيهاً أقل، وذلك اقتضاء للسند ذي مبلغ الثلثمائة والسبعة والخمسين جنيهاً مصرياً المحرر على مورث المطعون عليهم لأمره وإذنه، ونص بالعقد أيضاً على أنه "ضماناً ووفاء" لسداد نصيب محمد أفندي صالح، وهو الآيل إليه بطريق القسمة خالياً من كافة القيود والبالغ 98 فداناً و20 قيراطاً و1 سهم في الدين العقاري المشترك وفقاً للأقساط والاستحقاقات كل منها بالتتابع. رهن محمد صالح (الطاعن) هذه الأطيان إلى صالح صالح (مورث المطعون عليهم) القابل بذلك، وأنه في حالة تأخر الطاعن في دفع قسط واحد أو بعضه في ميعاد استحقاقه يحق لصالح صالح اتخاذ إجراءات نزع ملكية الأطيان المرهونة بمقتضى هذا العقد ضماناً للوفاء. وفي 20 من ديسمبر سنة 1917 وقف كل من الشقيقين المقدار الذي آل إليه بموجب القسمة، ونص في البند الخامس من كل من حجتي الوقف على أن: "يبدأ من الريع بسداد أقساط الديون المرهونة الأطيان الموقوفة نظيره" كما ورد بالحجتين أنه عند انقراض ذرية أيهما يكون وقفه ملحقاً بوقف أخيه وموقوفاً عليه وعلى ذريته ولكل منهما الشروط العشرة. وفي 9 من ديسمبر سنة 1923 أشهد مورث المطعون عليهم على نفسه بأنه أخرج نفسه من الاستحقاق في وقفه وأسقط حقه في الشروط العشرة، وترك النظر لإحدى زوجتيه ولولده الأرشد من زوجته الثانية، وأضاف المطعون عليهم بأن الطاعن وشقيقه ظلا يدفعان معاً دين البنك العقاري المشترك مناصفة بينهما كما كان الحال قبل القسمة، وكما هو متفق عليه في عقد القسمة بل كان الطاعن هو الذي يتولى عمليات السداد والشطب لحسابه وحساب شقيقه، فقد تولى شطب دين الفرنسية بالعقد المؤرخ في 26 من يناير سنة 1920 وهو الذي دفع إلى البنك العقاري 100 جنيه بشيك مرسل منه في 21 من أغسطس سنة 1923 على بنك مصر، وظل التنفيذ سائراً على هذا المنوال إلى أن أخرج مورثهم نفسه من النظر عليه، واستمر الطاعن يدفع دين البنك العقاري المشترك مع النظار على وقف أخيه إلى أن امتنع عن أداء ما يخصه من سنة 1925 فاضطر المطعون عليهم بصفاتهم أن يقوموا بالدفع وحدهم تلافياً لنزع ملكية أطيان الوقف. ولما أن نزعت من الأطيان المشمولة بنظرهم أربعة عشر فداناً وكسوراً في المنافع العامة حول ثمنها إلى البنك العقاري لخصمه من أقساط الرهنية المستحقة، وقال المطعون عليهم إن عمهم (الطاعن) كان يتعلل في امتناعه عن سداد حصته في الدين بعقد رسمي محرر بينه وبين مورثهم في 26 من يناير سنة 1925 يقر فيه الأخير بقبض مبلغ 2500 جنيه من الطاعن بتنازله عن الرهن المثقلة به الأعيان التي اختص بها الطاعن ضماناً للدين المشترك مع أن هذا التنازل لا يمكن الاحتجاج به على جهة الوقف المشمول بنظارتهم وبعد أن أنهت محكمة أول درجة سماع الدعوى قضت في 16 من مايو سنة 1948 برفضها تأسياً على أن ما ذهب إليه المطعون عليهم من أن لهم حق الرجوع على أساس الحلول محل البنك غير صحيح، إذ الحلول يقتضي ألا يكون وقف المطعون عليهم ملزماً بسداد الدين بأكمله للبنك، وأنه لم يرد بحجة الوقف شرط يربط جهته بالطاعن أو يرتب له حقاً قبله، وأن عقد القسمة ينشئ حقاً شخصياً لمصلحة مورث المطعون عليهم قبل أخيه (الطاعن)، فاستأنف المطعون عليهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة وقيد بجدولها تحت رقم 174 سنة 1 قضائية، وصمموا على طلباتهم التي أبدوها لدى محكمة الدرجة الأولى. وفي 14 من أغسطس سنة 1950 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام المستأنف عليه (الطاعن) بصفته الشخصية وبصفته ناظراً على وقفه الأهلي المسمى باسمه بأن يدفع إلى المطعون عليهم بصفتهم نظار وقف أهلي صالح الحديدي 3629 جنيهاً و748 مليماً والفوائد بواقع 5% بالنسبة لمبلغ 3029 جنيهاً و748 مليماً من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في أول إبريل سنة 1946 لحين السداد والمصاريف المناسبة عن الدرجتين لهذا المبلغ وثلاثة آلاف قرش مقابل أتعاب محاماة عنهما، فقرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ أقام قضاءه على أن حقوق الواقف السابقة على إنشاء وقفه تؤول جميعها إلى جهة وقفه من وقت تحرير إشهاده، ومنها حق الواقف في الرجوع على الطاعن بوصفه الشريك المتضامن معه في الدين المستحق للبنك العقاري بقدر ما دفعه زيادة على نصيبه فيه متى كان المطعون عليهم وهم المتولون شئون هذا الوقف بصفتهم نظاراً عليه قد قاموا بوفاء ما يزيد على نصيب مورثهم الواقف في الدين التضامني المشترك، إذ أقام الحكم قضاءه على هذا الأساس قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك، أن للوقف كياناً خاصاً يستمده من كتابه وهو من الإسقاطات والتبرعات. وكل ما يخرج عن شروط الواقف المنصوص عليها في كتاب وقفه لا يدخل ضمن الوقف ولا يعتبر تابعاً لجهته، بل يبقى في ملك الواقف، وأنه من المسلم أن مورث المطعون عليهم اشترط في كتاب وقفه أن تقوم جهة الوقف بوفاء الدين الذي يثقل العين الموقوفة وبذلك نشأ الوقف محملاً بهذا الدين كاملاً يؤديه من ريعه بدون مقابل. وبفرض أن هذا الدين غير مستحق بأكمله على الواقف فإن المقرر شرعاً أن للواقف أن يشترط على جهة وقفه شرطاً لمصلحة نفسه أو لفائدة غيره، ومتى قامت جهة الوقف بوفاء هذا الدين فإنها تكون قد قامت بتنفيذ شروط الواقف. ولو كان قصد الواقف أن يرجع وقفه على وقف أخيه بما يوفيه وقفه زيادة على نصف الدين لنص على ذلك في كتاب وقفه. ويتفرع على ما تقدم أن جهة الوقف لا يجوز لها أن ترجع على الواقف نفسه متى تبين أن الواقف قد قبض من شريكه المتضامن معه في الدين حصته فيه، كما لا يجوز لها الرجوع على الطاعن. ولا يرد على ذلك بأن قواعد الاستخلاف على الحقوق تجيز للوقف حق الرجوع، لأنه يجب التمييز في هذا المقام بين الاستخلاف على الحقوق والاشتراط لمصلحة الغير، ولأن صورة الدعوى في الواقع ما هي إلا صورة التزام باق يشغل ذمتين: ذمة السلف بموجب عقد الرهن لمصلحة البنك العقاري الذي لا يضار بالوقف فيجوز له التنفيذ على المدين الواقف. وذمة الوقف المشغولة بالاشتراط الذي شرط عليه في كتاب الوقف، ولا تبرأ ذمة السلف بهذا الاشتراط كما في حالة الاستخلاف، لأن الدائن في هذه الحالة الأخيرة لا يمكن أن يفرض عليه تغيير المدين، حتى يقال بالاستخلاف، على أنه من ناحية أخرى لا يصح إعمال أحكام الكفالة التضامنية لمصلحة الوقف المشمول بنظر المطعون عليهم، لأن جهة الوقف إنما قامت بالوفاء للدائن تنفيذاً لشرط الواقف. ومن ثم يكون خطأ ما قرره الحكم من أن التخالص الذي قام به الطاعن مع مورث المطعون عليهم لا يسري في حق الوقف المشمول بنظر المطعون عليهم ولا يحول دون رجوع هذا الوقف على الطاعن فيما وفاه الوقف زيادة على نصف الدين.
ومن حيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه بينما أقام الحكم الابتدائي قضاءه برفض دعوى الوقف المشمول بنظر المطعون عليهم على "أن صالح صالح" الحديدي أصبح ملتزماً قبل أخيه (الطاعن) بسداد دين البنك العقاري بتمامه، يؤيد ذلك ما ذهب إليه في حجة وقفه التالية لذلك والحاصلة بتاريخ 20/ 12/ 1917 إذ شرط في البند الخامس منها (أنه يبدأ بسداد أقساط الدين المرهونة الأطيان الموقوفة نظيره)... وأنه لم يرد في حجة الوقف هذه شرط يربط جهته بالمدعى عليه (الطاعن) أو يرتب له (للوقف المشمول بنظر المطعون عليهم) حقاً قبل المدعى عليه (الطاعن) وأنه "لو أن الواقف قصد أن تستوفي جهة وقفه شيئاً من الدين الثابت للواقف شخصياً في ذمة أخيه المدعى عليه (الطاعن) لألحقه بأعيان وقفه بنص صريح يأخذ حكمها وشرطها، أو لو أنه قصد أن يكون التزام جهة وقفه بسداد الدين جميعه من ريعه على أن يكون له الرجوع بنصفه على أخيه المدعى عليه (الطاعن) لشرط ذلك صراحة، لأنها نوع من الاستدانة أن يسدد الوقف من ريعه ديناً على غيره وهو ما لم يقصده الواقف، بل قصد أن يحمل الوقف كل الدين ويستبقي لنفسه شخصياً حقوقه التي خولها له عقد القسمة والرهن المؤرخ في ديسمبر سنة 1917 قبل أخيه المدعى عليه الذي شرط في حجة وقفه أيضاً ما يؤيد ذلك، وهو (أن يسدد من ريع وقفه الدين المرهونة في نظيره) وهذا الدين ولا شك هو المقرر لأخيه صالح صالح الحديدي بمقتضى عقد القسمة والرهن السالف الذكر، فكيف يستحق وقف المدعين (المطعون عليهم) وعلى أي أساس يكون له حق المطالبة به؟ والواقف لم يشترط له بل ظل محتفظاً به لنفسه شخصياً حتى استوفاه فعلاً، وأن ما يزعمه المدعون من أن لجهة وقفهم حق الرجوع على المدعى عليه بالرغم مما وفاه لأخيه صالح بعد أن أخرج نفسه من النظر على وقفه، على أساس النيابة أو الكفالة التضامنية تطبيقاً للمادتين 108 و115 من القانون المدني، أو على أساس الحلول بقوة القانون محل البنك الدائن الأصلي، أو على أساس انتقال حق الرهن الذي كان مقرراً للواقف قبل الوقف على ملك أخيه المدعى عليه تبعاً لانتقال الملك إلى الوقف غير صحيح، لأن الدائن المرتهن لا يعرف جهة الوقف بل حقه يتبع العين المرهونة رغم التصرف فيها، كما أن التزام الوقف بسداد الدين منشؤه إرادة الواقف وشرطه، فإذا خولنا الوقف حقاً في استيلاء على نصف هذا الدين فإن ذلك إثراء بلا سبب وغصب لحق صالح صالح الحديدي فيما استبقاه لنفسه ولم يلحقه بجهة وقفه"، ورتب الحكم على ذلك أنه لا يكون للمطعون عليهم حق الرجوع على أساس النيابة والكفالة التضامنية أو على أساس الحلول محل البنك العقاري لأن الحلول يقتضي ألا يكون وقف المدعين ملتزماً بسداد الدين بأكمله للبنك العقاري، وقرر أيضاً أنه ليس صحيحاً ما يذهب إليه المدعون من أن حق الملك انتقل إلى وقفهم مع توابعه ومنها حق الرهن الذي كان مقرراً للواقف على أملاك المدعى عليه ذلك لأن الملكية لم تنتقل بل حبست عن التداول فقط لأنه من المقرر قانوناً أن وقف العين إن كان يخرجها من ملك الواقف إلا أنه لا يلحقها بغيره كالموقوف عليهم مثلاً، كما أن حق الرهن الذي تقرر لصالح صالح الحديدي على أملاك أخيه المدعى عليه لم يكن من توابع ملكه بل من توابع الدين الذي تقرر تأميناً له، وما دام أن هذا الدين لم ينتقل للوقف ولم يصبح حقاً من حقوقه فلا ينتقل إليه حق الرهن تبعاً لذلك"، بينما أقام الحكم الابتدائي قضاءه على الأسس السابق بيانها، فإن الحكم المطعون فيه ألغاه وقضى للوقف المشمول بنظر المطعون عليهم تأسيساً على ما استخلصه من المستندات التي أشار إليها في أسبابه من أن محمد (الطاعن) ظل ملتزماً بسداد نصيبه في الدين إلى البنت مباشرة لا إلى أخيه صالح منشئ الوقف المشمول بنظر المطعون عليهم، ولذلك أشير بحجتي الوقف المحررتين في 20 من ديسمبر سنة 1917 إلى أن كلا الأخوين قد وقف ما آل إليه بموجب عقد القسمة، كما أشير بالبند الخامس من كل من حجتي الوقف إلى إلزام كلا الشقيقين جهة وقفه بما كان هو ملتزماً به قبل إنشاء الوقف، فالأعيان التي انتقلت إلى وقف الطاعن انتقلت مثقلة بالرهن المقرر في عقد القسمة ضماناً لحق الرجوع بأقساط الدين، ورتب الحكم على هذا الأساس أنه من وقت تحرير الإشهاد تؤول حقوق الواقف (مورث المطعون عليهم) إلى جهة وقفه، وأنه لذلك يحق للوقف المشمول بنظر المطعون عليهم الرجوع على وقف الشريك في الدين (الطاعن) بقدر ما وفاه عنه من نصيبه فيه، وأنه بعد أن أشهد المرحوم صالح صالح الحديدي على نفسه في 9 من ديسمبر سنة 1923 بأنه أخرج نفسه من الاستحقاق في وقفه وأدخل أولاده وترك النظر لإحدى زوجتيه، ولأحد أولاده من زوجة أخرى وأسقط حقه في الشروط العشرة فإنه بذلك قد انقطعت صلته بالوقف وأصبح بعد ذلك التاريخ لا يملك التخالص من دين الوقف والتقرير بشطب الرهن الموقع على أطيان الطاعن، وتبعاً يكون إقرار التنازل عن هذا الرهن وعقد الشطب الحاصل في 26 من يناير سنة 1925 لا يمكن الاحتجاج بهما على الوقف المشمول بنظر المطعون عليهم، وأنه متى قام الدليل على أنه لم يحصل تجديد في العلاقة بين الأخوين بعد القسمة بل ظلت كما كانت قبل القسمة سواءً فيما بينهما أو قبل الدائنين فإن الطاعن يكون مسئولاً عن الدين المشترك بحق النصف ويكون للوقف المشمول بنظر المطعون عليهم حق الرجوع عليه وعلى وقفه المحمل بالرهن ضماناً لحق الرجوع وفقاً لعقد القسمة وحجة الوقف وتبعاً يكون له حق الرجوع عليه عما وفاه عنه من نصيبه في الدين إلى البنك العقاري، وهذا الذي أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه غير صحيح في القانون. ذلك أنه مع التسليم بأنه لم يحصل تغيير في العلاقة بين الأخوين عقب القسمة بل ظلت كما كانت قبلها سواءً فيما بينهما أو قبل البنك العقاري فإن هذا لا يترتب عليه منع المرحوم صالح صالح الحديدي (مورث المطعون عليهم) من أن يصفي العلاقة بينه وبين أخيه الطاعن فيما بينهما بالنسبة لنصيب كل منهما في الدين التضامني المشترك، كما لا يحول ذلك دون أن يبرئ المرحوم صالح صالح الحديدي ذمة أخيه الطاعن من حق الرجوع عليه بأي جزء من الدين دون أن يؤثر هذا الإبراء في حقوق البنك قبل كليهما، أما القول بأنه بعد أن أنشأ مورث المطعون عليهم وقفه وأخرج نفسه من النظر عليه والاستحقاق فيه بمقتضى ما كان له من الشروط العشرة وأنه أصبح بذلك أجنبياً عن الوقف فما كان يملك إبراء ذمة أخيه (الطاعن) من الرجوع عليه بنصيبه في الدين، هذا القول لا سند له من القانون، ذلك أنه لا ينتقل إلى الوقف من حقوق الواقف إلا ما كان منصوصاً عليه في كتاب وقفه. ولما كان المرحوم صالح صالح الحديدي إذ شرط في كتاب وقفه في البند الخامس منه أن يبدأ من ريعه بسداد الدين العقاري المثقلة به الأطيان الموقوفة، لم يخول وقفه حق الرجوع على أخيه شخصياً أو على وقف أخيه بما يوفيه عنه من دين - لما كان ذلك، فإن وقف المطعون عليهم لا يحق له الرجوع على أيهما (أي الطاعن ووقفه) بما يكون قد وفاه الوقف عن الطاعن من نصيبه في الدين التضامني المشترك إذ هو في هذه الحالة لم يقم إلا بتنفيذ شرط الواقف في هذا الخصوص، ولما كان حق المرحوم صالح صالح الحديدي في الرجوع على أخيه (الطاعن) ظل باقياً له شخصياً حتى بعد إنشاء وقفه، فإنه كان من حقه في 26 من يناير سنة 1925 أن يتخالص مع أخيه (الطاعن) عن نصيبه في الدين التضامني المشترك بينهما ولا شأن للوقف في هذا التخالص، ومن ثم يكون ما أقام عليه الحكم قضاءه من أحقية الوقف المشمول بنظر المطعون عليهم في الرجوع على الطاعن شخصياً أو على وقفه بما وفاه من نصيب الطاعن في دين البنك العقاري لا سند له من القانون، ومن ثم يتعين نقض الحكم لخطئه في تطبيق القانون.
ومن حيث إن الدعوى صالحة للحكم فيها.
ومن حيث إنه يتضح من الأسباب السالفة بيانها أن الوقف المشمول بنظر المطعون عليهم لا يحق له الرجوع على الطاعن أو على وقفه بما وفاه للبنك العقاري زيادة على نصيب مورثهم في الدين، ومن ثم تكون دعواهم على غير أساس ويتعين تأييد الحكم الابتدائي القاضي برفضها. أما طعن المطعون عليهم بصفتهم نظاراً في المخالصة المؤرخة في 26 من يناير سنة 1925 والصادرة من مورثهم المرحوم صالح صالح الحديدي إلى أخيه الطاعن بأنها صورية أو غير ذلك من أوجه البطلان، فإنه لا يسمع منهم بوصفهم نظاراً على الوقف، وهي الصفة التي أقيمت على أساسها الدعوى، ذلك أنه ليس للوقف من الحقوق إلا ما هو وارد في كتابه على ما سبق بيانه.