أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 44 - صـ 299

جلسة 21 من يناير سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ عبد الحميد الشافعي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد بكر غالي، عبد العال السمان، محمد محمد محمود نواب رئيس المحكمة وعلي شلتوت.

(55)
الطعنان رقما 4328 و4332 لسنة 61 القضائية

(1) حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي: حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية".
- حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية مقصورة على منطوق الحكم بالبراءة أو الإدانة وعلى الأسباب المؤدية إليه بالنسبة لما كان موضوع المحاكمة. لا حجية للأسباب غير الضرورية.
(2، 3) أوراق تجارية "الشيك". حكم "حجية الحكم الجنائي" "عيوب التدليل: الخطأ في تطبيق القانون: القصور، ما يعد كذلك". قوة الأمر المقضي. مسئولية.
(2) جريمة إعطاء شيك بدون رصيد. تحققها بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب. سبب إعطاء الشيك أو الباعث عليه لا أثر له في قيام المسئولية الجنائية وإن كان يعتد به عند المطالبة بقيمة الشيك.
(3) إقامة المستفيد الدعوى بمطالبة الطاعن بقيمة الشيك. تمسك الأخير بأنه نفذ التزامه الذي كان سبباً لإصداره هذا الشيك فلا محل لمطالبته بقيمته. دفاع جوهري يتغير به - إن صح - وجه الرأي في الدعوى. التفات الحكم عن تحقيق هذا الدفاع وقضاءه بإلزام الطاعن بقيمة الشيك بدعوى حجية الحكم الجنائي الصادر بإدانته عن جريمة الشيك بما مفاده تقيد المحكمة المدنية بها بشأن سبب إصدار الشيك. خطأ وقصور.
1 - مفاد نص المادة 102 من قانون الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن حجية الحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية أمام المحاكم المدنية مقصورة على منطوق الحكم الصادر بالبراءة أو بالإدانة بالنسبة لما كان موضع المحاكمة الجنائية دون أن تلحق الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه الإدانة أو تلك البراءة.
2 - جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق - وعلى ما جرى عليه قضاء الدائرة الجنائية بمحكمة النقض - بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات، ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب الدافعة لإصدار الشيك لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية، وإن كان يعتد بها عند المطالبة بقيمة الشيك.
3 - إذ كان المطعون ضده أقام دعواه للمطالبة بمبلغ 100000 جنيه قيمة الشيك محل التداعي وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه بأن سبب إصداره له كان ضماناً لحضور جلسة تحكيم بين عائلته وعائلة المطعون ضده وتنفيذ الحكم الذي يصدر من المحكمين وأنه نفذ هذه الالتزامات فلا محل لمطالبته بقيمة الشيك، فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن تحقيق هذا الدفاع بمقولة أن الحكم الجنائي الصادر في الجنحة المشار إليها قد رد عليه وطرحه، وقضى تبعاً لذلك بتأييد الحكم المستأنف بإلزامه بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 100000 جنيه قيمة ذلك الشيك بما مفاده أنه أسبغ على ذلك الحكم الجنائي حجية تتقيد بها المحكمة المدنية بشأن سبب إصدار الشيك محل التداعي حال أن الحكم الجنائي لا حجية له في هذا الصدد فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وهو ما حجبه عن بحث دفاع الطاعن الجوهري الذي لو عنى الحكم ببحثه وتمحيصه لتغير به - إن صح - وجه الرأي في الدعوى وهو ما يعيبه أيضاً بالقصور.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده تقدم بطلب إلى السيد رئيس محكمة الجيزة الابتدائية لإصدار أمر أداء بإلزام الطاعن بأن يدفع له مبلغ 100000 جنيه، وقال بياناً لذلك إن الطاعن أصدر شيكاً مؤرخاً 27/ 2/ 1982 بمبلغ مائة ألف جنيه وإذ اتضح أنه بدون رصيد فأقام على الطاعن الجنحة المباشرة رقم 721 سنة 1982 - مركز الجيزة - قضى فيها بإدانته بحكم بات، وإذ امتنع عن سداد ذلك المبلغ فقد تقدم بطلبه، وإذ صدر أمر الرفض رقم 711 سنة 1990، حددت جلسة لنظر الموضوع - وقيد - برقم 1342 سنة 1990 مدني الجيزة الابتدائية. بتاريخ 26/ 6/ 1990 قضت المحكمة بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضده المبلغ المطالب به، استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 9360 سنة 107 ق، بتاريخ 19/ 6/ 1991 حكمت بالتأييد طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 4328، 4332 سنة 61 ق وقدمت النيابة مذكرة في كل من الطعنين أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة رأت أنهما جديران بالنظر وحددت جلسة لنظرهما وفيها التزمت النيابة رأيها وقد أمرت المحكمة بضم الطعن الثاني للأول ليصدر فيهما حكم واحد.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن بأسباب الطعنين على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن الحكم الجنائي الصادر بالإدانة في جريمة إعطاء شيك بدون رصيد لا يقيد المحكمة المدنية التي تنظر دعوى المطالبة بقيمة الشيك، بحيث يجوز لها أن تبحث مسألة الأحقية في استيفاء قيمته ذلك أن هذه الجريمة تتحقق بمجرد إعطاء الشيك إلى المستفيد مع علم الساحب بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب ولا عبرة بعد ذلك للأسباب التي دفعت لإصداره لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أسبغ على الحكم الصادر في الجنحة رقم 721 سنة 1982 مركز الجيزة بإدانة الطاعن عن جريمة إعطاء المطعون ضده شيكاً بمبلغ 10000 جنيه بدون رصيد حجية تقيد المحكمة المدنية في بحث مسألة أحقية المطعون ضده في استيفاء قيمة الشيك من الطاعن، وقضى تبعاً لذلك بتأييد الحكم المستأنف بإلزامه بأداء قيمته للمطعون ضده فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما حجبه عن بحث دفاعه المؤسس على أن الشيك حرر ضماناً لحضوره مجلس التحكيم لفض نزاع نشب بين عائلته وبين عائلة المطعون ضده ولتنفيذ الحكم الذي يصدره المحكمون وأنه نفذ التزامه بحضوره وعائلته مجلس التحكيم وحرر للمطعون ضده عقد بيع بالمنزل الذي ألزمه الحكم بيعه له، وأن تأخره في تسليمه هذا المنزل راجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه لرفع آخرين دعويين ببطلان حكم المحكمين لادعائهم ملكيتهم لذلك المنزل لم يفصل فيها بعد، بما لا يكون للمطعون ضده الحق في المطالبة بقيمة الشيك أو على الأقل عدم أحقيته فيما جاوز مبلغ 36000 جنيه قيمة المنزل المشار إليه وإذ التفت الحكم عن تحقيق هذا الدفاع فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أنه لما كانت المادة 102 من قانون الإثبات تنص على أنه "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً وكان مفاد ذلك وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن حجية الحكم الجنائي الصادر من المحكمة الجنائية في موضوع الدعوى الجنائية أمام المحاكم المدنية مقصورة على منطوق الحكم الصادر بالبراءة أو بالإدانة بالنسبة لما كان موضع المحاكمة الجنائية دون أن تلحق الأسباب التي لم تكن ضرورية للحكم بهذه الإدانة أو تلك البراءة ولما كانت جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تتحقق - وعلى ما جرى عليه قضاء الدائرة الجنائية بهذه المحكمة - بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول فتنعطف عليه الحماية القانونية التي أسبغها الشارع بالعقاب على هذه الجريمة باعتباره أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات، ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب الدافعة لإصدار الشيك لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها في قيام المسئولية الجنائية، وإن كان يعتد بها عند المطالبة بقيمة الشيك، ومن ثم فإن الحكم بإدانة الطاعن في الجنحة المباشرة رقم 721 سنة 1972 مركز الجيزة عن جريمة إعطاء المطعون ضده شيكاً بدون رصيد لا يستلزم لقيامه التعرض لبحث سبب تحرير الشيك لما كان ذلك وكان المطعون ضده أقام دعواه الحالية للمطالبة بمبلغ 100000 جنيه قيمة الشيك محل التداعي وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه بأن سبب إصداره له كان ضماناً لحضور جلسة تحكيم بين عائلته وعائلة المطعون ضده وتنفيذ الحكم الذي يصدر من المحكمين وأنه نفذ هذه الالتزامات فلا محل لمطالبته بقيمة هذا الشيك، فإن الحكم المطعون فيه إذ التفت عن تحقيق هذا الدفاع بمقولة أن الحكم الجنائي الصادر في الجنحة المشار إليها قد رد عليه وطرحه، وقضى تبعاً لذلك بتأييد الحكم المستأنف بإلزامه بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 100000 جنيه قيمة ذلك الشيك بما مفاده أنه أسبغ على ذلك الحكم الجنائي حجية تتقيد بها المحكمة المدنية بشأن سبب إصدار الشيك محل التداعي حال أن الحكم الجنائي لا حجية له في هذا الصدد فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وهو ما حجبه عن بحث دفاع الطاعن الجوهري الذي لو عنى الحكم ببحثه وتمحيصه لتغير به إن صح - وجه الرأي في الدعوى وهو ما يعيبه أيضاً بالقصور ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعنين.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه.