أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 5 - صـ 458

جلسة 28 من يناير سنة 1954
(68)
القضية رقم 53 لسنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، ومصطفى فاضل، وأحمد العروسي، ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) أعمال تجارية. بيع. إثبات. إحالة المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات البيع الحاصل بين تاجرين وقيمة الأشياء المبيعة. لا خطأ. إنكار المدعى عليه للتصرف أو ادعاؤه بأنه لا يتجر في البضاعة المدعى بشرائها. لا يخرج التصرف عن صفته التجارية.
(ب) دفاع. إجراءات تقاضي. عدم إجابة المحكمة طلب فتح باب المرافعة أو التصريح بتقديم مستندات أو مذكرات. لا تثريب عليها متى كان هذا الطلب قد قدم بعد انتهاء المرافعة.
1 - متى كان طرفا النزاع تاجرين فلا جناح على المحكمة إن هي أحالت الدعوى على التحقيق ليثبت المدعي صدور بيع منه إلى المدعى عليه وقيمة الأشياء المبيعة ذلك لأن الإثبات في المواد التجارية جائز بكافة طرق الإثبات، وقد اعتبر القانون التجاري في الفقرة التاسعة من المادة الثانية منه عملاً تجارياً جميع العقود والتعهدات الحاصلة بين التجار والمتسببين والسماسرة والصيارف ما لم تكن العقود والتعهدات المذكورة مدنية بحسب نوعها أو بناء على نص العقد ولا يخرج تصرف التاجر عن هذا الاعتبار إنكاره للتصرف أو ادعاؤه أنه لا يتجر في البضاعة المدعى بشرائها، إذ ليس من شأن هذا الادعاء لو صح أن يجعل التصرف مدنياً.
2 - لا تثريب على محكمة الموضوع إن هي لم تجب الطلب المقدم إليها بفتح باب المرافعة أو التصريح بتقديم صور تحقيقات أو تقديم مذكرات متى كان قد قدم إليها بعد انتهاء المرافعة في الدعوى إذ تصبح إجابة هذا الطلب من الإطلاقات التي لا يعاب على المحكمة عدم الاستجابة إليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامي عن الطاعن والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل في أن المطعون عليه وهو تاجر أخشاب رفع على الطاعن وهو تاجر تنحصر تجارته كما يدعي في الخيش والنخالة والكسب، رفع عليه الدعوى رقم 337 سنة 1949 أمام محكمة بنها الجزئية يطالبه بمبلغ 102 جنيه و505 مليمات بما في ذلك رسم البروتستو والمصاريف، وذلك قيمة ما اشتراه الطاعن من أخشاب من المطعون عليه، أنكر الطاعن الدعوى فطلب المطعون عليه إحالتها على التحقيق للإثبات، فتمسك الطاعن بعدم جواز الإثبات بالبينة فناقشت محكمة الدرجة الأولى الطرفين ثم قضت في 9 من يونيه سنة 1949 برفض الدعوى تأسيساً على أنه لا يكفي لإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الدين المدعى به أن يكون طرفا الدعوى تاجرين بل يجب أن يقوم الدليل على أن العقد الذي تم بينهما كان تجارياً وهو الأمر الذي لم يثبت. فاستأنف المطعون عليه الحكم أمام محكمة بنها الابتدائية وقيد استئنافه برقم 197 سنة 1949. فقضت في 17 من سبتمبر سنة 1949 بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المستأنف (المطعون عليه) أن المستأنف عليه (الطاعن) اشترى من محله أخشاباً قيمتها 101 جنيه و665 مليماً وذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة، وبعد التحقيق رأت المحكمة أن توجه اليمين المتممة للمستأنف (المطعون عليه) بالصفة الآتية: "أحلف أن الأخشاب التي تسلمها المستأنف عليه من محلي ثمنها 101 جنيه و665 مليماً لا أكثر ولا أقل" وأصدرت حكماً بذلك في 9 من ديسمبر سنة 1950، فحلفها بالصيغة الموجهة إليه وفي 30 من ديسمبر سنة 1950 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف عليه بأن يدفع إلى المستأنف 101 جنيه و665 مليماً والمصروفات فطعن الطاعن. في هذا الحكم وفي الحكم التمهيدي الصادر في 17 من سبتمبر سنة 1949 وفي الحكم الصادر في 9 من ديسمبر سنة 1950 بتوجيه اليمين، بطريق النقض.
وحيث إن السبب الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه الصادر في 17 من سبتمبر سنة 1949 إذ قضى بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المطعون عليه دعواه بكافة طرق الإثبات قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك، لأن الطاعن وإن كان تاجراً إلا أن الصفقة المطالب بقيمتها لا علاقة لها بتجارته، فلا يجوز إثباتها إلا بما تثبت به التصرفات المدنية، أي في حال الدعوى بدليل كتابي، ذلك أن الطاعن لا يتجر في الأخشاب بل تنحصر تجارته في الخيش والنخالة والكسب والعلف، والصفقات المدعى بها تتعلق بأخشاب أي بما لا يتجر فيه، ويستطرد الطاعن قائلاً إنه متعهد نقل لمحلج منيا القمح، وقد كلفه مدير المحلج بشراء صفقة من الأخشاب من المطعون عليه وذلك في تاريخ سابق على واقعة الدعوى، وقد قام الطاعن بإتمام ما كلف به ودفع الثمن للمطعون عليه، ولكن المطعون عليه ادعى أنه بدد الثمن وقدم شكوى في 15/ 1/ 1949 قيدت برقم 269 سنة 1949 نيابة بندر بنها، وقد تبين منها أن الطاعن لم يكن إلا ناقلاً، فحفظت الشكوى. وليس من المعقول بعد أن يتهم المطعون عليه الطاعن بتبديد مبلغ 540 جنيهاً ثمن الصفقة الأولى أن يسلمه دون إيصال أخشاباً قيمتها 101 جنيه و665 مليماً، وقد بين الطاعن لمحكمة ثاني درجة كل هذه الظروف ولكنها لم تعتد بها وأحالت الدعوى على التحقيق تأسيساً على أنه يفترض في الأعمال التي تصدر من التاجر أنها تجارية ما لم يثبت العكس.
وحيث إن هذا السبب مردود بأنه متى كان من الثابت أن الطاعن والمطعون عليه تاجران فلا جناح على المحكمة إن هي أحالت الدعوى على التحقيق ليثبت المطعون عليه أن الطاعن اشترى منه أخشاباً قيمتها 101 جنيه و665 مليماً ذلك لأن الإثبات في المواد التجارية جائز بكافة طرق الإثبات، وقد اعتبر القانون التجاري في الفقرة التاسعة من المادة الثانية منه عملاً تجارياً "جميع العقود والتعهدات الحاصلة بين التجار والمتسببين والسماسرة والصيارف ما لم تكن العقود والتعهدات المذكورة مدنية بحسب نوعها أو بناء على نص العقد" فلا يخرج تصرف التاجر عن هذا الاعتبار إنكار التاجر للتصرف أو ادعاؤه أنه لا يتجر في البضاعة المدعى بشرائها، إذ هذا ادعاء فضلاً عن كونه غير منتج إذ ليس من شأنه لو صح أن يحمل التصرف مدنياً، فقد فنده الحكم الصادر في 30 من ديسمبر سنة 1950 الذي لم يرد في شهادة شهود النفي الذين أشهدهم الطاعن على أنه لا يتجر في الأخشاب ما يبعث على الطمأنينة فصرح برأيه فيها قائلاً "أما شهادة شهود النفي فيدحضها ما هو ثابت بمحضر جلسة 19/ 5/ 1949 أمام محكمة أول درجة على لسان المستأنف عليه (الطاعن) في أنه سبق أن اشترى أخشاباً من المستأنف لحساب شخص آخر وتم محاسبته عليها..." أما مجادلة الطاعن فيما انتهى إليه الحكم بعد موازنة أدلة الدعوى فهو جدل عقيم لتعلقه بما تستقل بتقديره محكمة الموضوع.
وحيث إن السببين الثاني والثالث يتحصلان في أن الحكم المطعون فيه الصادر في 30 من ديسمبر سنة 1950 بنى القول بتجارته في الصفقة على أن الطاعن سبق أن اشترى أخشاباً من المطعون عليه وحاسبه عليها وهذا فهم خاطئ، إذ جميع شهود النفي قرروا أن الطاعن لا يتجر في الأخشاب، والثابت من الشكوى رقم 269 سنة 1949 إداري بندر بنها أن الطاعن لم يشتر أخشاباً وإنما كان ناقلاً لها بناء على تكليف مدير المحلج، والفاتورة المقدمة قاطعة للدلالة في ذلك، وقد أغفلت محكمة ثاني درجة الأخذ بالمستند الذي قدمه الطاعن موقعاً عليه من أحمد محمد الرباط والذي ينفي فيه واقعة الدعوى وهو ثابت التاريخ في 13/ 12/ 1950، أي قبل محضر الحجز المؤرخ في 18/ 2/ 1950 الذي أشار إليه الحكم المطعون فيه وجعله عماد قضائه، والحقيقة أن المطعون عليه اشترى سنداً من محمد عبد الحميد مبروك في أثناء نظر الدعوى يتضمن مديونية أحمد الرباط وجعل هذا السند كسيف مسلط على رقبته لتأدية شهادة الزور التي يزعمها ولذلك أعلنه بالحضور كشاهد على أن المحاسبة على هذه الصفقة تمت ولكن الشاهد لم يحضر، فاستصدر عليه حكماً بالمبلغ في أول نوفمبر سنة 1950 وعندما علم أنه قد أعطى الطاعن إقراراً بالحقيقة أوقع عليه الحجز، ولو اطلعت المحكمة على الحكم لتغير قضاؤها، وقد ذكرت المحكمة في أسباب حكمها أن شهود النفي قالوا قولاً عاماً إن الطاعن لا يتجر في الأخشاب وأنها تطمئن إلى شهادة شهود الإثبات وتأخذ بها، ولو كانت المحكمة اطلعت على الجنحة رقم 171 سنة 1950 المرفوعة ضد محمد إبراهيم محمد ومحمد إسماعيل غانم من عمال المطعون عليه الذين فصلهم من خدمته لعدم انسياقهم لشهادة الزور ضد الطاعن لتبين لها أن المطعون عليه انتهز فرصة حضور هذا الأخير للشراء من محله واتهمه مع الأول بالسرقة وإخفاء الأشياء المسروقة، وقد بين العامل لمحكمة الجنح العلة في اتهامه وهي عدم رغبته في الشهادة زوراً، فقضت محكمة الجنح ببراءته، وإن تغاضى الحكم المطعون فيه عن كل هذا يعد قصوراً يوجب نقضه، كما أن الطاعن قدم إلى محكمة الموضوع مستنداً هاماً هو أوراق الشكوى رقم 269 سنة 1949 إداري التي تقطع في الدلالة على أن الطاعن لم يشتر أخشاباً إطلاقاً، ولكن الحكم المطعون فيه أغفل التحدث عن هذا المستند.
وحيث إن جميع ما ورد في هذين السببين مردود بأن الطاعن لم يقدم صورة رسمية من محضر التحقيق الذي دونت فيه أقوال شهود النفي الذي يتحدى بأقوالهم كما أنه لم يقدم دليلاً على أن أوراق الشكوى الإدارية المشار إليها كانت تحت نظر محكمة الموضوع بل يبين من تاريخ استخراج صورتها الرسمية أنها استخرجت في 31/ 1/ 1951 أي بعد صدور الحكم المطعون فيه، أما إقرار أحمد الرباط فقد تناوله الحكم المطعون فيه الصادر في 30 من ديسمبر سنة 1950 وناقشه وانتهى إلى ما اطمأن إليه فلا سبيل للنعي على تقدير موضوعي كما هو الشأن بالنسبة لغير ذلك مما ورد في هذين السببين من تعييب للحكم المطعون فيه.
وحيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه الصادر في 30 من ديسمبر سنة 1950 خالف القانون وعاره بطلان جوهري في الإجراءات، إذ لم تجب محكمة ثاني درجة الدفاع عن الطاعن إلى ما طلبه من تقديم مذكرة على ضوء المستندات المقدمة بنفس الجلسة (جلسة 30 من ديسمبر سنة 1950) لأن التوكيل لم يصدر للدفاع إلا في نفس الجلسة وقد طلب محامياً الطاعن أصلياً فتح باب المرافعة والتصريح لهما باستحضار صور رسمية من التحقيقات واحتياطياً مد أجل الحكم لتقديم مذكرات، ولكن المحكمة لم تعر هذا الطلب التفاتاً وكل ما فعلته أن رئيس الجلسة أشر عليه بما يفيد وروده بعد إتمام المداولة وقرر إرفاقه بالأوراق.
وحيث إن هذا مردود بأنه لا تثريب على محكمة الموضوع إن هي لم تجب الطلب المقدم إليها بفتح باب المرافعة أو التصريح بتقديم صور تحقيقات أو تقديم مذكرات متى كان قدم إليها بعد انتهاء المرافعة في الدعوى، إذ يصبح إجابة هذا الطلب من الإطلاقات التي لا يعاب على المحكمة عدم الاستجابة لها.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن في غير محله ويتعين رفضه.