مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 799

(68)
جلسة 14 من يناير سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار نبيل أحمد سعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل لطفي عثمان ومحمد عزت السيد إبراهيم والسيد محمد السيد الطحان - المستشارين.

الطعن رقم 2464 لسنة 34 القضائية

دعوى - مخاصمة القاضي - الخطأ المهني الجسيم (مرافعات).
المادة (494) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
يجوز مخاصمة القاضي إذا وقع منه في عمله خطأ مهني جسيم - ويقصد به خطأ يرتكبه نتيجة غلط فاضح ما كان ليساق إليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً مما يوصف بأنه الخطأ الفاحش الذي لا يقع فيه أحد أو الجهل الفاضح بمبادئ القانون والوقائع الثابتة في أوراق الدعوى - لا يدخل في نطاقه الخطأ في التقدير أو استخلاص الوقائع أو تفسير القانون أو قصور الأسباب وكل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة ولو خالف في ذلك أحكاماً للقضاء أو أراء للفقه - لا يسوغ نسبة الخطأ المهني الجسيم للمحكمة الإدارية العليا طالما لم يكن خطأ بيناً كاشفاً عن أمره بحسبانها مستوى القمة في مدارج التنظيم القضائي بما عهد لها من أمانة القضاء وعظيم رسالاته وإرساء الصحيح من المبادئ في تفسير القانون واستلهام أحكامه - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 25 من يونيه سنة 1988 أودع السيد الأستاذ/ محمد أبو الفضل الجيزاوي المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ عبد القادر أحمد الحلواني وآخرين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير دعوى مخاصمة قيد بجدول المحكمة برقم 2464 لسنة 34 ق عليا ضد السيد المستشار/.... رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات" وآخرين، طالباً الحكم: أولاً: بقبول طلب المخاصمة شكلاً وتعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وصحتها أو بجواز قبول المخاصمة.
ثانياً: وفي الموضوع ببطلان الحكم في الطعنين رقمي 1288 لسنة 30 ق عليا و1459 لسنة 30 ق عليا الصادر من المخاصمين بجلسة 8 من مارس سنة 1986 وما ترتب على ذلك من آثار وإلزامهم بالتضامن مع المخاصم السادس وزير العدل بأن يؤدوا للطالبين تعويضاً مؤقتاً قدره 501 جنيه وإلزامهم بالتضامن في المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بعدم جواز قبول دعوى المخاصمة وإلزام المدعين الغرامة والمصروفات.
وتحدد لنظر دعوى المخاصمة أمام المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) جلسة 2/ 10/ 1988.
حيث تم التأجيل لجلسة 11/ 12/ 1988 لإبلاغ السادة الأساتذة المستشارين المخاصمين ومنهم من يقيم بالخارج بصورة من تقرير دعوى المخاصمة وتاريخ الجلسة وجرى تداول نظر الدعوى في الجلسات التالية، وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على النحو المبين بمحاضر الجلسات، قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 25 من يونيو سنة 1988 أودع الأستاذ/ أبو الفضل الجيزاوي المحامي بصفته وكيلاً عن السادة:
1 - عبد القادر أحمد الحلواني.
2 - عبد الرحمن عطية سعيد.
3 - سيد أحمد سعودي.
4 - بيومي بيومي بيومي مجري.
5 - أحمد محمود عرابي.
6 - صلاح عبد الغني محمد.
7 - سيد إسماعيل إبراهيم.
8 - صلاح حسن طه.
9 - علي بيومي عنبر.
10 - نسيمة علي أبو سعودي.
11 - عزيزة خليل فزع.
أودع قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير دعوى مخاصمة قيد بجدول المحكمة برقم 2464 لسنة 34 ق عليا ضد السادة الأساتذة المستشارين/........ رئيس مجلس الدولة و.... و.... و.... و..... وهم رئيس وأعضاء المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات" ووزير العدل.
وقال الطاعنون في بيان أوجه المخاصمة أنهم سبق أن أقاموا بتاريخ 21 من فبراير سنة 1983 الدعوى رقم 2326 لسنة 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير التموين طالبين الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار نائب رئيس الجمهورية رقم 2791 لسنة 1962 وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب عليه من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات على سند من القول بأنهم يمتلكون قطعة أرض مساحتها الإجمالية 19 س 8 ط 5 ف بحوض أبو حلوف رقم 1 ورقم 2 بناحية ميت شماس مركز ومحافظة الجيزة، وفي عام 1962 صدر قرار نائب رئيس الجمهورية رقم 2791 بتقرير صفة المنفعة العامة لهذه الأرض والاستيلاء بطريق التنفيذ المباشر عليها لإقامة مشروع صوامع تخزين الغلال وهو مشروع لم يتم إنشاؤه حتى الآن وأن الأرض لا تزال في حوزتهم ينتفعون بها سائر أوجه الانتفاع، وإذ كان هذا المشروع لم يتم البدء في تنفيذه بعد رغم انقضاء ما يزيد على أكثر من ربع قرن بما يؤكد أنه حين صدور قرار المنفعة العامة رقم 2791 لسنة 1962 لم يكن ثمة مشروع ذي نفع عام وجد وتم التخطيط له مما يفقد القرار ركناً جوهرياً وأساسياً لوجوده وهو ركن السبب ومما يؤكد أن الغاية من نزع ملكية المخاصمين لم تكن تحقيق المنفعة العامة الأمر الذي يفقد القرار أيضاً ركن الغاية ويعد بهذه المثابة انحرافاً بالسلطة باللجوء إلى نزع الملكية لغير الغرض المخصص لها.
وبجلسة 9/ 2/ 1984 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول تدخل شركة مطاحن جنوب القاهرة خصماً منضماً للمدعى عليهم في الدعوى وبقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وإذ لم يرتض الصادر ضدهم هذا الحكم بادروا إلى الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا وقيد الطعنان برقم 1288 لسنة 30 ق عليا ورقم 1459 لسنة 30 ق عليا وطلبوا للأسباب المبينة بتقريري الطعنين الحكم بقبولهما شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وبجلسة 8/ 3/ 1986 قضت المحكمة الإدارية العليا دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود والتعويضات بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى رقم 2326 لسنة 37 ق شكلاً لرفعها بعد الميعاد وإلزام المطعون ضدهم المصروفات، وأسست المحكمة - قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه صدر من نائب رئيس الجمهورية بتاريخ 23/ 9/ 1962 ونشر في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 246 في 24/ 10/ 1962 ونص في مادته الأولى على اعتبار الأرض اللازمة لإنشاء مشروع صومعة غلال بناحية ميت شماس مركز الجيزة من أعمال المنفعة العامة، ونص في مادته الثانية على أن يستولى بطريق التنفيذ المباشر على المساحة المبينة بالخرائط المرفقة بالقرار وقدرها 15 س 17 ط 5 ف وقد تم توقيع النماذج من ملاكها بما يفيد بيعها إلى الشركة الطاعنة، كما أودعت نماذج البيع الخاصة بها مكتب الشهر العقاري بعد أن تم صرف التعويضات الخاصة بكل منهم ومن ثم فإن الطعن على القرار المشار إليه لا يقبل من المطعون ضدهم إلا خلال الستين يوماً التالية على تاريخ علم كل منهم به واستطردت المحكمة قائلة بأن العبرة في تحديد قيام القرار على سببه وتوافره لباقي أركانه هي بوقت صدوره وإذ لم يقم بهذا القرار عيب آنذاك ولم يطعن عليه في الميعاد القانوني في ذلك الحين فكون قد أضحى حصيناً من الإلغاء. وأضاف الطالبون أن رئيس وأعضاء المحكمة الإدارية العليا دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود والتعويضات المخاصمون فيما ذهبوا إليه في الحكم المشار إليه قد وقعوا في خطأ مهني جسيم يجيز مخاصمتهم طبقاً لنص المادة (494) مرافعات وبياناً لهذا الخطأ المهني الجسيم فإن نزع الملكية للمنفعة العامة هو إجراء من شأنه حرمان شخص من ملكه العقاري جبراً عنه لتخصيصه للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل، وهذا الإجراء يمثل اعتداء خطيراً على الملكية الفردية لا يبرره إلا إيثار المصلحة العامة على المصالح الفردية الخاصة، مع ضرورة مراعاة هذه المصالح الخاصة ولذلك كان نزع الملكية للمنفعة العامة إجراء استثنائياً لا يجوز الالتجاء إليه إلا وفقاً لنصوص قانونية تجيزه صراحة وفي حدود القيود والضوابط التي تعينها هذه النصوص، وينبغي أن يستهدف نزع الملكية المنفعة العامة، وألا يكون هناك سبيل آخر لتحقيقها سوى اللجوء إلى هذا الإجراء وينبني على ذلك أنه يجب لإصدار قرار المنفعة العامة أن يكون المشروع قد تم دراسته وإعداد خطته وأسلوب تنفيذه وأن يكون البدء في تنفيذه متوقفاً على تدبير حاجته من العقارات المملوكة للأفراد ملكية خاصة الأمر الذي تقدم معه سلطة الإدارة على اللجوء إلى نزع الملكية إذ بغير ذلك تكون هذه السلطة في غير محلها وتغدو مفتقدة لمناسبتها ولا سبيل إلى الدليل على توافر هذا المحل وتلك المناسبة إلا بأن يتم الشروع في تنفيذ المشروع خلال وقت ملائم من تاريخ نشر قرار المنفعة العامة. ولما كان الثابت أن قرار المنفعة العامة رقم 2791 صدر في عام 1962 ونص فيه على الاستيلاء بالتنفيذ المباشر على الأرض التي يتطلبها بما يفيد أن الحاجة ماسة وعاجلة، وفي ذات الوقت مضى على صدور هذا القرار أكثر من ربع قرن من الزمان دون أن تفكر الجهة الإدارية في تنفيذ المشروع المزمع تنفيذه، بل ومما يؤكد عدم وجود المنفعة العامة وقت صدور القرار تنازل الشركة الصادرة لصالحها القرار عنه إلى جهة أخرى لتقيم مشروعاً آخر لم يقم بدوره حتى الآن، لذلك فإن القرار رقم 2791 لسنة 1962 لم يكن له سبب عند إصداره، إذ لم يكن ثمة مشروع نفع عام قد وجد بعد فإذا ما أضيف إلى ذلك أن قرارات النفع العام مما يقترن السبب فيها بالغاية وأن الغاية في هذا القرار منعدمة حيث شابه انحراف عن غاية النفع العام التي شرع من أجلها لأن سلطة إصدار قرارات المنفعة العامة إذا لم تستهدف غاية النفع العام كان ذلك قرينة على أن القرار الصادر منها لم يقصد سوى الإضرار بالغير، ولا يغير من ذلك أنه قد ترتب على القرار نقل ملكية العقارات للمنفعة العامة وتم صرف التعويضات لأن العيب الذي شاب القرار يلحق بكل ما ترتب عليه من آثار وما بني عليه من إجراءات ولذلك يكون القرار رقم 2791 لسنة 1961 قد ولد معدوماً في سببه وغايته وهذا الانعدام يرتد بالقرار إلى تاريخ صدوره حيث كان هذا العيب في ذلك الحين خافياً وكشف عنه انقضاء هذا الدهر الطويل وبناء عليه فإن الطعن على هذا القرار لا يتقيد بميعاد طالما صدر منعدماً في أساسه فاقداً لسببه وغايته، وخلص الطالبون إلى أنه وقد ذهب المخاصمون في حكمهم إلى غير ذلك فإنهم يكونون قد وقعوا في خطأ مهني جسيم، وقدم الطالبون مذكرة بدفاعهم لا تخرج في مضمونها عما ورد بتقرير المخاصمة كما قدمت الجهة الإدارية مذكرة بدفاعها طلبت في ختامها الحكم برفض دعوى المخاصمة.
ومن حيث إن المادة 494 من قانون المرافعات تنص على أنه تجوز مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة في الأحوال الآتية:
1 - إذا وقع من القاضي أو عضو النيابة في عملهما غش أو تدليس أو غدر أو خطأ مهني جسيم.. الخ ومفاد ذلك أنه يجوز مخاصمة القاضي إذا وقع منه في عمله خطأ مهني جسيم، وغني عن البيان أن الخطأ المهني الجسيم الذي يبيح مساءلة القاضي بدعوى المخاصمة إنما هو الخطأ الذي يرتكبه نتيجة غلط فاضح ما كان ليساق إليه أو اهتم بواجباته الاهتمام العادي أو لإهماله في عمله إهمالاً مفرطاً مما يوصف بأنه الخطأ الفاحش الذي لا يقع فيه أحد أو الجهل الفاضح بمبادئ القانون والوقائع الثابتة في أوراق الدعوى فلا يدخل في نطاقه الخطأ في التقدير أو استخلاص الوقائع أو تفسير القانون أو قصور الأسباب وعليه يخرج من دائرة هذا الخطأ كل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وآراء الفقهاء يكمل من ذلك وفيما يختص بالمحاكم العليا في دائرة ما نيط بها من الاختصاص أنها هي القوامة على إنزال حكم القانون وإرساء الأصل الأصيل من مبادئه وقواعده بما لا معقب عليها في ذلك، الأمر الذي لا يسوغ معه نسبة الخطأ المهني الجسيم إليها، إلا أن يكون هذا الخطأ بيناً غير مستور ينبئ في وضوح عن ذاته، إذ الأصل فيما تستظهره، المحكمة العليا من حكم القانون أن يكون هو صحيح الرأي في هذا الحكم بما لا معقب عليها فيه بحسبانها على مستوى القمة في مدارج التنظيم القضائي. والخطأ في هذه الحالة إن لم يكن بيناً في ذلك كاشفاً عن أمره بما لا مجال فيه إلى خلف بين وجهات النظر المعقولة، لا يستوي سبباً صالحاً لتحريك دعوى المخاصمة أو لشجب قضاء ارتأته المحكمة العليا بما وسد لها من أمانة القضاء وعظيم رسالاته وإرساء الصحيح من المبادئ في تفسير القانون واستلهام قاعدته.
ومن حيث إن البين من استقراء الحكم المخاصم أن المحكمة استعرضت أحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع الملكية للمنفعة العامة والتحسين والقوانين المعدلة له واستخلصت منها أن المشرع حرص على نقل ملكية العقارات إلى المنفعة العامة بالطريق الطبيعي كلما أمكن ذلك فإذا لم يعترض أصحاب الشأن على نقل ملكية عقاراتهم أو حقوقهم عليها أو قيمة التعويض الممنوح لهم ووقع كل منهم على النموذج الخاص بالبيع وأودعت هذه النماذج مكتب الشهر العقاري المختص يقوم هذا الإيداع مقام شهر عقد البيع فإذا امتنع أصحاب الحقوق عن التوقيع تنزع ملكية العقارات المخصصة للمشروع بقرار من الوزير المختص ويودع الشهر العقاري المختص وتترتب عليه جميع الآثار المترتبة على شهر عقد البيع فإذا ما كان ذلك ووقع أصحاب الحقوق على النماذج المشار إليها في القانون بما يفيد نقل ملكيتهم الخاصة إلى الجهة التي صدر قرار المنفعة العامة لصالحها أو صدر القرار الوزاري بنزع ملكيتها وأودع مكتب الشهر العقاري المختص طبقاً للإجراءات المقررة قانوناً زالت عن أصحاب الحقوق حقوقهم في العقارات التي صدت بشأنها النماذج أو قرار نزع الملكية وتعذر عليهم المجادلة فيما تأتيه الجهة الإدارية من إجراءات أو تصرفات على العقارات التي أصبحت ملكاً خاصاً لها وقد استبان للمحكمة أن القرار المطعون فيه قد صدر من نائب رئيس الجمهورية بتاريخ 23/ 9/ 1962 ونشر في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 246 في 24/ 10/ 1962 ونص في مادته الأولى على اعتبار الأرض اللازمة لإنشاء مشروع صومعة غلال بناحية ميت شماس مركز الجيزة من أعمال المنفعة العامة كما نص في مادته الثانية على أن يستولى بطريق التنفيذ المباشر على المساحة المبينة بالخرائط المرفقة بالقرار ومقدارها 15 س 17 ط 5 ف وقد تم توقيع النماذج من ملاكها المطعون ضدهم بما يفيد بيعها إلى الشركة الطاعنة كما أودعت نماذج البيع الخاصة بها مكتب الشهر العقاري تحت رقمي 19219 و19239 بتاريخ 27/ 10/ 1963 بعد أن تم صرف التعويضات الخاصة لكل منهم وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن الطعن على القرار آنف البيان لا يقبل من المطعون ضدهم إلا خلال الستين يوماً التالية على تاريخ علم كل منهم به كما لا يقبل منهم الدفع بسقوط هذا القرار بعد صدوره إلا إذا تراخت الجهة المختصة عن إيداع النماذج أو قرار نزع الملكية مكتب الشهر العقاري خلال العامين التاليين لنشر القرار الجمهوري بتقرير النفع العام دون أن تدخل الأرض المنزوع ملكيتها بطريقة فعلية في مشروع تم تنفيذها أما وإذ كان الثابت من الأوراق أن كلاً منهم وقع على النموذج الخاص ببيع المساحة التي يملكها في الأرض المخصصة للنفع العام وأودعت النماذج الموقعة منهم خلال العام التالي لنشر القرار المطعون فيه فلا يسوغ لأي منهم الطعن في هذا القرار بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على نشره في الجريدة الرسمية وتوقيعه على النماذج التي تفيد زوال ملكيته لها بمقولة إن المشروع الذي صدر القرار من أجله لم يتم تنفيذه بعد إذ العبرة في تحديد قيام القرار على سببه وتوافره على باقي أركانه هي بوقت صدوره وإذ لم يقم به عيب آنذاك ولم يطعن عليه في الميعاد القانوني في ذلك الحين فيكون قد أضحى حصيناً من الإلغاء مما يحول دون استئناف النظر فيه وانتهت المحكمة بناء على ذلك إلى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى رقم 2326 لسنة 37 ق شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إنه - إذ كان ما تقدم - وكان تحصيل الحكم المخاصم لوقائع النزاع واستخلاصه لها وإنزال حكم القانون عليها على الوجه المبين آنفاً هو اجتهاد لا تأباه أحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين إضافة إلى أن الخلف في بيان القرار الإداري غير الصحيح الذي يطعن عليه في الميعاد والقرار الإداري المعدوم الذي لا يتقيد الطعن عليه بميعاد، لا ينزل بحكم المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن، منزل الخطأ المهني الجسيم الذي تستنهض له دعوى المخاصمة وتستقيم في ظله مبرراتها فمن ثم ليس من شأنه قط وصف عمل المخاصمين بالخطأ المهني الجسيم.
ومن حيث إن المادة 499 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه إذا قضت المحكمة بعدم جواز المخاصمة أو برفضها حكم على الطالب بغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تزيد على مائتي جنيه مع التعويضات إن كان لها وجه...... وإذ كان الثابت فيما تقدم أن أسباب المخاصمة غير قائمة على سند صحيح من القانون فمن ثم يتعين الحكم بعدم جواز المخاصمة وإلزام كل من الطالبين بغرامة خمسين جنيهاً وإلزامهم بالتساوي فيما بينهم المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم جواز المخاصمة وتغريم كل من طالبيها خمسين جنيهاً وإلزامهم المصروفات بالتساوي فيما بينهم.