مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 853

(74)
جلسة 27 من يناير سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أنور محفوظ رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة وسعد الله محمد حنتيرة وإسماعيل صديق راشد المستشارين.

الطعن رقم 1434 لسنة 32 القضائية

مسئولية - أركانها - الخطأ المشترك - أثره على التعويض (تعويض).
مسئولية الإدارة عن قراراتها تقوم على وجود خطأ من جانبها وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر مباشر من الخطأ وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر - إذا تخلف ركن أو أكثر من هذه الأركان الثلاثة انتفت المسئولية المدنية - الضرر المترتب على القرار غير المشروع لا يقوم على الافتراض والتسليم لمجرد إلغاء القرار وإنما يتعين على من يدعيه إثباته بكافة طرق الإثبات وباعتبار أن التعويض عن الضرر يشمل ما لحق المدعي من خسارة وما فاته من كسب - يتعين عند تقدير التعويض تقصي وجود الخطأ المشترك وأثره - المضرور لا يتقاضى تعويضاً كاملاً بل يتحمل نصيبه من المسئولية - يجب البحث فيما إذا كان الخطأ وقع من جانب الإدارة وحدها أم أن المضرور شارك في وقوعه بخطأ من جانبه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين 24/ 3/ 1986 أودع الأستاذ/ حليم توفيق بشارة المحامي بالإدارة العامة للشئون القانونية بالهيئة العامة للإصلاح الزراعي قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن رقم 1434 لسنة 32 ق. ع عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود الإدارية والتعويضات) بجلسة 26/ 1/ 1986 في الدعوى رقم 678 لسنة 38 ق والقاضي بإلزام الهيئة المدعى عليها بأن تدفع للمدعين مبلغ ألف وستمائة وثمانين جنيهاً والمصروفات، وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وأعلن الطعن قانوناً، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بالرفض مع إلزام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالمصروفات، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 3/ 4/ 1989 وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر وقررت الدائرة بجلسة 3/ 7/ 1989 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) لنظره بجلسة 11/ 11/ 1989 وفيها نظر وبعد أن حضر من يمثل كلاً من أطراف الطعن وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
وحيث إن الطعن أقيم خلال الستين يوماً التالية ليوم صدور الحكم المطعون فيه واستوفى أوضاعه القانونية الأخرى فيكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل - حسبما هو ثابت في الأوراق - في أنه بتاريخ 13/ 11/ 1983 أقامت السيدة/ حاكمة محمد متولي أبو شتيه وأولادها محمد وعادل ومحمود وأحمد وابتسام وحامد وفاطمة محمود أحمد أبو شتيه الدعوى رقم 678 لسنة 38 ق ضد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بطلب الحكم بإلزام الهيئة بأن تدفع لهم مبلغ 1680 جنيهاً والمصروفات، وقال المدعون أن الهيئة المدعى عليها استولت في مايو سنة 1966 على مساحة فدان أرض زراعية بحوض السرو/ 48 بالقطعة رقم 90/ 35 بناحية برمبال القديمة مركز منية النصر محافظة الدقهلية بمقولة إنه من أملاك محمد توفيق المتولي أبو شتيه الخاضع للقانون رقم 127 لسنة 1961 في حين أنه مملوك لمورثهم المرحوم محمود أحمد أبو شتيه، وأنهم أقاموا الاعتراض رقم 43 لسنة 1978 أمام اللجان القضائية للإصلاح الزراعي فقررت اللجنة بجلسة 11/ 2/ 1981 رفع الاستيلاء عن هذه المساحة وأصبح هذا القرار نهائياً بعدم الطعن عليه وتم تسلمهم للفدان بمحضر إفراج نهائي بتاريخ 23/ 9/ 1981 وأن الهيئة تكون مسئولة عن ريع الفدان طوال مدة الاستيلاء الذي تم بطريق الخطأ كما تسأل عن تعويضهم عن الأضرار التي أصابتهم باعتبار أن الفدان يقل حوالي ستة قناطير من القطن في السنة أو عشرة أرادب من القمح أو ثلاثة أطنان من الأرز وأن متوسط صافي الريع في السنة وبعد المصروفات حوالي 105 جنيهاً وذلك دون التقيد بحكم المادة 33 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 والتي لا تحكم سوى العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر على ما استقر عليه قضاء المحاكم العليا، وأنه لا شأن للمدعين بأن الهيئة كانت تستغل الفدان المذكور بالإيجار بالنقد لبعض المنتفعين إذ سبق إنذارها على يد محضر بأنهم أصحاب الحق في إدارته، وردت الهيئة بأنها لا تقوم بزراعة الأرض وإنما تلزم بإدارتها واستغلالها خلال فترة الاستيلاء بتأجيرها نقداً لحساب من تثبت ملكيته للأرض وأنه على حساب المدعين مبلغ 359.411 جنيهاً بالتسوية رقم 34 في ديسمبر سنة 1981 وتم تسديد الضرائب العقارية بدكرنس بمبلغ 67.066 جنيهاً ويمكن لهم صرف القيمة الإيجارية المعلاة لحسابهم وأن قرار الاستيلاء على الفدان كان في حدود اختصاص الهيئة وسلطتها التقديرية وينتفي بذلك ركن الخطأ الموجب للتعويض، وبجلسة 26 يناير سنة 1986 حكمت المحكمة بإلزام الهيئة بأن تدفع للمدعين مبلغ 1680 جنيهاً والمصروفات وأقامت قضاءها على أن قرار اللجنة القضائية الصادر بجلسة 11/ 2/ 1981 في الاعتراض رقم 43 لسنة 1978 أصبح نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضي وعنواناً للحقيقة في أن الاستيلاء على هذه المساحة قد وقع بطريق الخطأ إذ أنها ليست من أملاك الخاضع للاستيلاء طبقاً للقانون رقم 127 لسنة 1961 وأن قيام الإصلاح الزراعي بتأجيرها قد جاء أيضاً بطريق الخطأ وأن مورث المعترضين كان يضع يده على المساحة بصفة هادئة ومستمرة وظاهرة وبنية التملك المدة الطويلة المكسبة للملكية ونفاذاً للتصرفين الصادرين له وأن المجادلة في مدى توافر ركن الخطأ في جانب الهيئة تغدو أثراً ممتنعاً قانوناً نزولاً على حجية قرار اللجنة القضائية وأنه بالنسبة للضرر فإن الاستيلاء المخالف للقانون أفضى إلى حرمان المدعين من استغلال هذه المساحة والحصول على الريع طوال مدة الاستيلاء من سنة 1966 حتى سنة 1981 وأن المحكمة لا ترى وجهاً لانطباق حكم المادة 33 من قانون الإصلاح الزراعي بعدم زيادة أجرة الأراضي الزراعية على سبعة أمثال الضريبة الأصلية المربوطة عليها بحسبانها لا تجد مجالاً في التطبيق إلا في نطاق العلاقة الإيجارية وليس هذا شأن العلاقة بين المدعين والهيئة المدعى عليها، وتقدر المحكمة التعويض عن الأضرار التي حاقت بالمدعين من جراء الاستيلاء الخاطئ بمقدار ما حرموا منه من ثمار وذلك باعتبار ريع الأرض - على النحو الذي أبانوا عنه في صحيفة الدعوى - بمثابة التعويض المناسب ودون مغالاة في التقدير وبعد استبعاد المصروفات التي تنفق على الزراعة.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد شابه خطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال وذلك أن عنصر الخطأ في مسئولية الهيئة غير متوافر لصدور القرار في حدود اختصاصات الهيئة وسلطتها التقديرية في بحث المستندات المقدمة لها من أصحاب الشأن وفقاً لما يقضي به القانون 178 لسنة 1952 وأن القرار غير مشوب بأي عيب مما نص عليه قانون مجلس الدولة وبذلك لا تسأل الهيئة عن نتائجه مهما كانت جسامة الضرر، وأن الدولة لا تسأل عن تعويض الأضرار التي تسببها القوانين إعمالاً لمبدأ سيادتها على الجميع وأنه تم سداد الضرائب العقارية المستحقة على الفدان محل الاستيلاء وتم تعلية باقي الريع تحت طلب المطعون ضدهم وأن الهيئة لا تقوم بالزراعة وإنما تلزم بإدارة واستغلال الأرض طوال مدة الاستيلاء وتحصيل الأجرة نقداً لحساب من يثبت ملكيته للأرض، وبذلك ينتفي ركنا الخطأ والضرر في هذا النزاع مما يسوغ طلب وقف تنفيذ وإلغاء الحكم سالف الذكر.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية الصادرة منها تقوم على ثبوت وجود خطأ من جانبها بأن يكون القرار غير مشروع أي يشوبه عيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر مباشر من هذا الخطأ وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر فإن تخلف ركن أو أكثر من هذه الأركان الثلاثة انتفت المسئولية المدنية في جانب الإدارة، وأنه فيما يتعلق بركن الضرر المترتب على القرار الإداري غير المشروع فإنه لا يقوم على الافتراض والتسليم بمجرد إلغاء القرار المشوب بمخالفة موضوعية للقانون وإنما يتعين على من يدعيه إثباته بكافة طرق الإثبات وباعتبار أن التعويض عن الضرر يشمل ما لحق المدعي من خسارة وما فاته من كسب وأن يكون هذا نتيجة طبيعية للقرار المعيب، وأنه يتعين كذلك عند تقدير التعويض تقصي وجود الخطأ المشترك وأثره وذلك عملاً بالقاعدة الواردة في المادة 216 من القانون المدني والتي تأخذ بها هذه المحكمة في مجال التعويض عن القرارات الإدارية المعيبة وهي تنص على أنه "يجوز للقاضي أن ينقص مقدار التعويض أو ألا يحكم بتعويض ما إذا كان الدائن بخطئه قد اشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه" ولما كان مؤدى هذه القاعدة أن المضرور لا يتقاضى تعويضاً كاملاً بل يتحمل نصيبه من المسئولية فإنه يلزم أن تأخذ المحكمة في الاعتبار درجة الخطأ الذي شاب القرار المعيب وما إذا كان هذا الخطأ قد وقع من جهة الإدارة وحدها أم أن المضرور شارك في وقوعه بخطأ من جانبه بحيث هيأ للإدارة فرصة إصدار ذلك القرار وذلك لما لهذه الأمور من أثر قانوني في تقدير التعويض على أساس سليم يطابق حكم القانون.
ومن حيث إن اللجنة القضائية (الرابعة) بالإصلاح الزراعي قضت بتاريخ 11/ 2/ 1981 في الاعتراض رقم 43 لسنة 1981 المرفوع من السيدة/ حاكمة محمد المتولي بقبول الاعتراض شكلاً وفي الموضوع برفع الاستيلاء عن الأطيان البالغ مساحتها فداناً واحداً شائعة بالقطعة رقم 90/ 35 بحوض السرو 48 بزمام برمبال القديمة مركز دكرنس محافظة الدقهلية وإخراجها من نطاقه طبقاً للقانون رقم 127 لسنة 1961 وذلك لما ثبت من أنها ليست ضمن أملاك الخاضع محمد توفيق أبو شتيه وأن مورث المعترضة كان يضع يده على 12 ط بالبدل منذ 3/ 1/ 1950 و12 ط بعقد بيع ابتدائي منذ 10/ 3/ 1948 بصفة هادئة ومستمرة وظاهرة وبنية التملك نفاذاً للتصرفين الصادرين له المدة الطويلة المكسبة للملكية حتى تم الاستيلاء عليها سنة 1966، فإنه احتراماً لحجية هذا القرار فإنه يتوافر ركن الخطأ في جانب الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالاستيلاء على المساحة سالفة الذكر وبما نشأ عنه مباشرة من ضرر للمعترضة المذكورة وأبنائها إلا أنه في مجال تقدير التعويض فإن المحكمة تأخذ في الاعتبار درجة الخطأ المنسوب إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي إذ أن الثابت من صورة قرار اللجنة القضائية في الاعتراض سالف الذكر والمودع من المطعون ضدها حاكمة محمد المتولي وأبنائها أن المساحة شائعة في مساحات أخرى وأنها أرجت في احتفاظ المستولى لديه وأن الملكية بشأنها لم تكن قاطعة في الثبوت لمورث المذكورة عند العمل بالقانون رقم 127 لسنة 1961 والذي عدل فيه المشرع عن مسلكه السابق في المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 إذ قرر في المادة السادسة فقرة ثانية بأنه "يتعين على واضع اليد على الأراضي المستولى عليها طبقاً لأحكام هذا القانون سواء كان هو المستولى لديه أو غيره أن يستمر في وضع يده عليها ويعتبر مكلفاً بزراعتها مقابل سبعة أمثال الضريبة يدفعها سنوياً إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي اعتبار من أول السنة الزراعية 1961/ 1962 حتى تتسلمها فعلاً الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، إذ أن مقتضى ذلك هو تحديد نطاق الأطيان التي تخضع للاستيلاء بالوضع القائم في تاريخ العمل بالقانون رقم 127 لسنة 1961 وأنه في هذا التاريخ (25/ 7/ 1961) لم تكن المدة الطويلة المكسبة للملكية قد تكاملت بالنسبة للمساحة محل الاعتراض، كما أن الثابت أن المطعون ضدهم قد ساهموا في زيادة الضرر الذي حاق بهم وذلك بعدم رفع الاعتراض عن تلك المساحة إلا في سنة 1978 وبعد اثنتي عشرة سنة من الاستيلاء الذي تم في مايو سنة 1966 وإذ كانت المادة 12 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 حددت اختصاصات الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بأن تتولى الهيئة عمليات الاستيلاء والتوزيع وإدارة الأراضي المستولى عليها إلى أن يتم توزيعها وفقاً للقانون ومن ثم فلا تثريب عليها إن هي قامت بتأجير الأراضي المستولى عليها أو التي تكون محلاً للاستيلاء باعتبار أن ذلك من أعمال الإدارة المقررة لها قانوناً وإذ كان الثابت أن الأرض محل النزاع كانت مؤجرة للمدعو مصطفى أحمد زمزم وذلك منذ تاريخ الاستيلاء سنة 1966 حتى تسليمها للمطعون ضدهم سنة 1981 فإن المحكمة تقدر التعويض المستحق للمذكورين بمقدار المبلغ الذي حصلت عليه الهيئة من المستأجر المذكور وتقرر الهيئة أنه بمبلغ 359 جنيهاً بالتسوية رقم 34 في ديسمبر سنة 1981، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين الحكم بتعديله وإلزام الطرفين المصروفات مناصفة بينهما.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلزام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بأن تؤدي مبلغ 359 جنيهاً للمطعون ضدهم كتعويض عن الاستيلاء سالف الذكر وألزمت الطرفين بالمصروفات مناصفة بينهما.