أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 44 - صـ 542

جلسة 9 من فبراير سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ محمود شوقي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد الزواوي، محمد جمال نائبي رئيس المحكمة، سعيد شعله والسيد حشيش.

(90)
الطعنان رقما 4634، 4467 لسنة 61 القضائية

(1) إثبات "عبء الإثبات". التزام. إثراء بلا سبب.
الإثراء بلا سبب. عبء إثباته. وقوعه دائماً على عاتق الدائن المفتقر.
(2) التزام. رد ما دفع بغير وجه حق. عقد "عيوب الإرادة: الإكراه".
رد ما دفع بغير حق. لا محل له إذا كان الموفي يعلم أنه غير ملزم بالوفاء. الإكراه المبطل للوفاء المسوغ للرد. شرطه. التقاضي والإبلاغ. لا يعتبران إكراهاً على الوفاء. علة ذلك.
(3) التزام. رد ما دفع بغير حق. حكم "عيوب التدليل: الخطأ في القانون" "ما يعد قصوراً".
تمسك الطاعنون بأن وفاء المطعون ضده بالمبلغ المطالب برده كان عن تروٍ وبصيرة ودون إكراه. عدم مواجهة الحكم المطعون فيه هذا الدفاع دون أن يعرض لمدى شروط الفقرة الثانية من المادة 181 مدني. خطأ وقصور.
1 - من المقرر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إن عبء إثبات حصول الإثراء بلا سبب والذي من تطبيقاته رد غير المستحق يقع دائماً على الدائن المفتقر.
2 - النص في الفقرة الثانية من المادة 181 من القانون المدني على أنه "لا محل للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه إلا أن يكون ناقص الأهلية أو يكون قد أكره على هذا الوفاء" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا محل للرد إذا كان الدفع عن بصيرة وتروٍ أي عن علم الدافع بأنه غير ملزم بما دفعه، وأن الإكراه الذي عناه بهذا النص المبطل الذي حصل بناءً عليه والمسوغ للرد هو ذات الإكراه الذي يجيز إبطال العقد والمنصوص عليه في المادة 117 من القانون المدني وشرط تحققه أن يكون الإكراه قد بعث الرهبة في نفس المكره بغير وجه حق باعتبار أن الأعمال المشروعة قانوناً لا يمكن أن يترتب عليها إبطال ما ينتج عنها وأن التقاضي والإبلاغ لا يعتبران بذاتهما إكراهاً لأنهما من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم.
3 - إذ كان الطاعنون قد تمسكوا بأن تلك المبالغ المدفوعة من المطعون ضده والتي يطالب الحكم بردها إنما دفعت عن بصيرة وتروٍ وفاءً لما هو مستحق لهم عليه بموجب إيصالات تقدموا بها وأنه لم يكن قد أكره على هذا الوفاء، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع ويقسطه حقه من البحث والتحقيق، وجرى في قضائه على القول بأن الطاعنين عجزوا عن إثبات ما قرروه من تقاضي المطعون ضده لمبالغ خارج نطاق عقد الإيجار وهم المكلفون بإثبات أنهم يداينونه بهذه المبالغ ودون أن يعرض لمدى توافر الشروط التي استلزمها نص الفقرة الثانية من المادة 181 من القانون المدني ويواجه دفاع الطاعنين - الذي قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى - فإنه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 1469 لسنة 1986 مدني شمال القاهرة الابتدائية على الطاعنين بطلب الحكم بإلزامهم برد المبالغ المبينة بالأوراق التي تسلموها منه دون وجه حق والفوائد القانونية فضلاً عن مبلغ مائة وخمسين ألف جنيه تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية، وقال بياناً لذلك إن المطعون ضدهم ادعوا عليه كذباً تقاض مبالغ خارج نطاق عقود الإيجار وضبط للواقعة المحضر 21 سنة 83 جنح أمن دولة مدينة نصر، كما شكوه إلى جهاز المدعي العام الاشتراكي، فاضطر تحت تأثير الإكراه المعنوي أن يدفع إلى كل منهم المبلغ الذي ادعاه خشية إجراءات التحقيق والمحاكمة وإذ قضت محكمة أمن الدولة الجزئية ببراءته فقد أقام دعواه بالطلبات السالفة، وبتاريخ 30/ 1/ 1989 حكمت محكمة أول درجة برد المبالغ والفوائد والتعويض الذي قدرته. استأنف الطرفان هذا الحكم بالاستئنافين 2751، 3285 لسنة 106 ق القاهرة، وبتاريخ 19/ 12/ 1991 وجهت محكمة الاستئناف اليمين المتممة إلى المطعون ضده بالصيغة المبينة به، وبعد الحلف عادت وقضت بتاريخ 20/ 6/ 1991 برفض الاستئنافين، طعن الطاعنون في هذا الحكم بالطعن 4467 لسنة 61 ق، كما طعنت...... والطاعنون عدا الأخير...... - مختصمين إياه مع المطعون ضده بالطعن 4634 لسنة 61 ق، وقدمت النيابة في كل من الطعنين مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظرهما وفيها قررت ضمهما والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون - في الطعنين - على الحكم
المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلزامهم برد المبالغ التي أوفى لهم بها المطعون ضده وفوائده على مجرد القول أنهم عجزوا في تحقيق الجنحة 21 لسنة 1983 أمن دولة مدينة نصر عن إثبات أنه كان قد تقاضاها خارج نطاق عقود الإيجار، في حين أن على المطعون ضده إثبات أن تلك المبالغ لم تكن مستحقة لهم وقت الوفاء وأنه رغم علمه بذلك أكره على أدائها مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن عبء إثبات حصول الإثراء بلا سبب والذي من تطبيقاته رد غير المستحق يقع دائماً على الدائن المفتقر، وأن النص في الفقرة الثانية من المادة 181 من القانون المدني على أنه "لا محل للرد إذا كان من قام بالوفاء يعلم أنه غير ملزم بما دفعه إلا أن يكون ناقص الأهلية أو يكون قد أكره على هذا الوفاء" يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لا محل للرد إذا كان الدفع عن بصيرة وتروٍ أي عن علم الدافع بأنه غير ملزم بما دفعه، وأن الإكراه الذي عناه بهذا النص المبطل للوفاء الذي حصل بناءً عليه والمسوغ للرد هو ذات الإكراه الذي يجيز إبطال العقد والمنصوص عليه في المادة 117 من القانون المدني وشرط تحققه أن يكون الإكراه قد بعث الرهبة في نفس المكره بغير وجه حق باعتبار أن الأعمال المشروعة قانوناً لا يمكن أن يترتب عليها إبطال ما ينتج عنها وأن التقاضي والإبلاغ لا يعتبران بذاتهما إكراهاً لأنهما من الحقوق المباحة ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، وإذ كان الطاعنون قد تمسكوا بأن تلك المبالغ المدفوعة من المطعون ضده والتي يطلب الحكم بردها إنما دفعت منه عن بصيرة وتروٍ وفاءً لما هو مستحق لهم عليه بموجب إيصالات تقدموا بها وأنه لم يكن قد أكره على هذا الوفاء إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع ويقسطه حقه من البحث والتحقيق، وجرى في قضائه على القول بأن الطاعنين عجزوا عن إثبات ما قرروه من تقاضي المطعون ضده لمبالغ خارج نطاق عقد الإيجار وهم المكلفون بإثبات أنهم يداينونه بهذه المبالغ ودون أن يعرض لمدى توافر الشروط التي استلزمها نص الفقرة الثانية من المادة 181 من القانون المدني ويواجه دفاع الطاعنين - الذي قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى - فإنه يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعنين.