مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1989 إلى آخر فبراير سنة 1990) - صـ 1069

(94)
جلسة 13 من فبراير سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: حنا ناشد مينا حنا وفاروق علي عبد القادر والدكتور محمد عبد السلام مخلص وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي - المستشارين.

الطعن رقم 735 لسنة 28 القضائية

فوائد قانونية - دستورية نص المادة 226 مدني (دستور).
يجب الالتزام بتطبيق نص المادة 226 من القانون المدني على الدعاوى التي تقام من الجهات الإدارية للمطالبة بالمبالغ المستحقة لها قبل الأفراد الملتزمين تجاهها بسداد مبالغ مالية محددة إذا تأخر هؤلاء عن السداد في المواعيد المقررة - يعتبر هذا النص واجب التطبيق في ظل دستور 1971 وقبل أو بعد تعديله سنة 1980 - النص في الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ليس من شأنه إسقاط هذه المادة طالما لم يصدر تشريع لاحق بإلغاء أو تعديل هذا النص - الخطاب الوارد بالدستور في هذا الشأن موجه إلى المشرع لحثه على تعديل النصوص التشريعية القائمة بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية - ما لم ينهض المشرع بهذه المهمة فإن النصوص التشريعية التي لم تعدل تظل هي الواجبة التطبيق ويلتزم القضاء بإنزال حكمها على كل منازعة تعرض عليه متى اقتضى موضوع المنازعة ذلك - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 6/ 2/ 1982 أودعت هيئة مفوضي الدولة - سكرتارية المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد بجدول المحكمة برقم 375 لسنة 28 ق ضد كل من السيدة/ عايدة محمد محمد سليم، والسيد/ محمد محمد سليم في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 14/ 2/ 1982 في الطعن رقم 220 لسنة 3 ق. والذي قضى بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام المدعى عليها في الدعوى رقم 95 لسنة 4 ق بالفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من المبلغ المحكوم به من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد وقد طلب السيد الأستاذ رئيس هيئة مفوضي الدولة في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بتأييد ما قضت به المحكمة الإدارية بالمنصورة في الدعوى رقم 95 لسنة 4 ق من إلزام المدعى عليهما متضامنين بالفوائد القانونية بواقع 4% عن المبلغ المحكوم به من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على الوجه المقرر قانوناً.
ثم أحيل الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة حيث قدمت تقريراً برأيها القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبتأييد حكم المحكمة الإدارية بالمنصورة في الدعوى رقم 95 ق بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي الفوائد القانونية عن المبلغ المحكوم به بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد.
وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون حيث قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة - حيث نظر أمامها بجلسة 9/ 1/ 1990 وما تلاها من جلسات على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر حجزه للحكم فيه بجلسة اليوم حيث تم النطق بالحكم علناً وأودعت مسودته المشتملة على الأسباب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد أقيم في الميعاد المقرر قانوناً، كما استوفى سائر الأوضاع الشكلية الأخرى، فمن ثم يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً.
ومن حيث إن واقعات النزاع - حسبما يبين من الأوراق - تخلص في أن السيد/ محافظ الدقهلية كان قد أقام الدعوى رقم 774 لسنة 25 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد السيدة/ عايدة محمد محمد سليم، والسيد/ محمد محمد سليم طلب فيها الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له (بصفته) مبلغ 45 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد والمصروفات، وقال شرحاً لدعواه إن المدعى عليها الأولى قد التحقت بدار المعلمات بالمنصورة في العام الدراسي 66، 1967 ووقعت تعهداً بضمان والدها المدعى عليه الثاني التزمت فيه بالاستمرار في دراستها حتى التخرج ثم القيام بالتدريس لمدة خمس سنوات تالية، وفي حالة إخلالها بذلك تلتزم برد ما أنفق عليها من مصروفات دراسية بواقع 15 جنيهاً عن كل سنة دراسية أو جزءاً منها، غير أن المدعى عليه انقطعت عن الدراسة اعتباراً من 17/ 12/ 1969 بدون عذر قانوني مما يترتب عليه فصلها وبذلك تكون قد أخلت بالتزامها.
وقد أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية بالمنصورة للاختصاص حيث قيدت بجدولها برقم 95 لسنة 4 ق وبجلسة 3/ 2/ 1981 حكمت المحكمة في هذه الدعوى بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي (بصفته) مبلغ 45 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد والمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن المدعى عليهما قد أخلا بالتزامهما المنصوص عليه في التعهد الموقع عليه من المدعى عليها الأولى ووالدها.
وبتاريخ 24/ 3/ 1981 أقام السيد الأستاذ رئيس هيئة مفوضي الدولة الطعن رقم 220 لسنة 3 ق. أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الاستئنافية ضد المدعى عليهما المذكورين طلب فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من إلزام المدعى عليها بسداد 4% سنوياً من المبلغ المحكوم به كفوائد تأخير، على أساس أن الفوائد المحكوم بها تعتبر ربا محرماً شرعاً طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع في دستور مصر الدائم سنة 1971.
وبجلسة 14/ 2/ 1982 حكمت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة في هذا الطعن بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام المدعى عليهما في الدعوى رقم 95 لسنة 4 ق بالفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد وبرفض الدعوى في هذا الخصوص استناداً إلى أن دستور سنة 1971 قد تضمن حكماً جديداً مؤداه أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ثم عدل سنة 1980 وأصبحت الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع مما يوجب الالتزام بما ورد في هذه المبادئ من أحكام وذلك بمقتضى نصوص الدستور، وإذ كانت الفوائد المحكوم بها تعتبر في أحكام الشريعة الإسلامية ربا محرماً فمن ثم يتعين إلغاء الحكم بإلزام المدعى عليهما بسدادها إلى المدعي (بصفته) لا يجوز الاستناد إلى نص المادة 226 مدني في هذا الخصوص لأن هذا النص يعتبر قد سقط في التطبيق بمجرد العمل بأحكام الدستور.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى هيئة مفوضي الدولة، فقد أقام السيد الأستاذ رئيس الهيئة الطعن الماثل وطلب في ختام التقرير به الحكم بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً بتأييد الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالمنصورة في الدعوى رقم 95 لسنة 4 ق فيما قضى به من إلزام المدعى عليهما متضامنين بالفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد، واستند السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في طعنه إلى أنه يهدف منه إلى إرساء مبدأ قانوني لم يسبق للمحكمة الإدارية العليا أن قررته، وذلك استناداً من الهيئة إلى نص المادة 23 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 التي أجازت لهيئة مفوضي الدولة الطعن في أحكام محكمة القضاء الإداري الصادر في الطعون المقامة أمامها في الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية إذا كان الطعن في الحكم يقتضي تقرير مبدأ قانوني من المحكمة الإدارية العليا وأضاف السيد/ رئيس هيئة المفوضين بأنه وطبقاً لنص المادتين 25، 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تعتبر المحكمة الدستورية العليا هي وحدها صاحبة الاختصاص بالرقابة على دستورية اللوائح والقوانين، ومن ثم فإذا كانت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة قد تصدرت في حكمها المطعون فيه للفصل في دستورية المادة 226 مدني فمن ثم يكون ما ذهب إليه هذا الحكم مخالفاً للقانون لما فيه من افتئات على اختصاص المحكمة الدستورية العليا - وأن الشريعة الإسلامية تأتي في ترتيب تال للنصوص التشريعية على ما يعرض على القضاء من منازعات ومن ثم فإن نص المادة 226 من القانون المدني تكون هي الأولى في التطبيق على أحكام الشريعة الإسلامية، فإذا خالف القاضي هذا الترتيب - كما هو الحال في الحكم المطعون فيه - يكون حكمه مشوباً بعيب مخالفة القانون ويؤكد ذلك ما ورد في المادة 191 من الدستور التي تنص على أن يبقى صحيحاً ونافذاً ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور ومع ذلك يجوز تعديلها وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الدستور، كما تنص المادة الثانية من القانون المدني على أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ما ورد بنص المادة 226 من القانون المدني ولم يصدر تشريع جديد يتعارض مع حكم هذه المادة، وخلص الطاعن من ذلك إلى طلب الحكم بطلباته الموضحة في التقرير.
ومن حيث إن المادة 226 من القانون المدني تنص على أنه "إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها 4% في المسائل المدنية... وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها هذا كله ما لم ينص القانون على غيره.
ومن حيث إن المدعى عليهما في الدعوى رقم 95 لسنة 4 ق قد أخلا بالفعل بالتزاماتهما الناشئة من التعهد الموقع عليه منهما الذي تعطي باستمرار المدعى عليها الأولى في الدراسة طيلة المدة المقررة لها، وكذلك العمل بعد التخرج لدى الجهة الإدارية لمدة خمس سنوات حيث ثابت من الإدارة أن المدعى عليها الأولى قد فصلت من دار المعلمات بالمنصورة بسبب انقطاعها عن الدراسة اعتبار من 17/ 12/ 1969، ومن ثم فقد تحقق مناط التزامهما سداد مصروفات الدراسة المطالب بها والفوائد التأخيرية المستحقة عنها.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على وجوب الالتزام بتطبيق نص المادة 226 من القانون المدني على الدعاوى التي تقام من الجهات الإدارية بالمطالبة بالمبالغ المستحقة لها قبل الملتزمين تجاهها بسداد مبالغ مالية محددة إذا تأخر هؤلاء عن السداد في المواعيد المقررة، وأن هذا النص يعتبر واجب التطبيق حتى في ظل العمل بالدستور الصادر سنة 1971 سواء قبل أو بعد تعديله سنة 1980، وأما النص في المادة الثانية من الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع ليس من شأنه سقوط نص المادة 226 من القانون المدني من التطبيق طالما أنه لم يصدر تشريع لاحق بإلغاء أو تعديل هذا النص، وأن الخطاب الوارد في نص المادة الثابت من الدستور موجه إلى المشرع لحثه على تعديل النصوص التشريعية القائمة بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، وأنه ما لم ينهض المشرع بهذه المهمة فإن النصوص التشريعية التي لم تعدل تظل هي الواجبة التطبيق ويلتزم القضاء بإنزال حكمها على كل منازعة تعرض عليه متى اقتضى موضوع المنازعة ذلك.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب غير المذهب حيث قضى بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالمنصورة في الدعوى رقم 95 لسنة 4 ق فيما قضى به من إلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بصفته 4% فوائد تأخير عن المبلغ المحكوم به من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، فإن هذا الذي قضى به هذا الحكم يعتبر غير قائم على سند صحيح من القانون، ويكون خليقاً بالإلغاء والحكم بإلزام المدعى عليهما في الدعوى رقم 95 لسنة 4 ق بأن يسددا إلى الجهة المدعية 4% فوائد تأخير عن المبلغ المحكوم به لها من تاريخ المطالبة القضائية بهذا المبلغ حتى تمام السداد.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بالمصروفات طبقاً لنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليهما في الدعوى رقم 95 لسنة 4 ق بأن يؤديا للمدعي بصفته مبلغ 45 جنيهاً (خمسة وأربعين جنيهاً) والفوائد القانونية عن هذا المبلغ بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد، وألزمت المدعى عليهما بالمصروفات.