أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 5 - صـ 661

جلسة 25 من مارس سنة 1954
(105)
القضية رقم 168 سنة 21 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، وسليمان ثابت، وأحمد العروسي، ومحمود عياد المستشارين.
شفعة. تقايل البيع. أثره على حق الشفعة.
التقايل في البيع لا يعتبر بيعاً جديداً يتولد عنه للشفيع حق الشفعة لأن التقايل أو التراد في البيع هو فسخ له بتراضي الطرفين لا إنشاء لبيع جديد ومن شأنه في قصد المتعاقدين إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل البيع ومحو كل أثر له مما لا يكون معه أساس لطلب الشفعة. وإذن فمتى كان التقايل قد حصل قبل طلب الشفعة فإنه يعدم أثر البيع الأول ولا يبقى محل لطلب الشفعة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطاعنين والمطعون عليهما الرابع والخامس والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليه الأول كان قد اشترى من باقي المطعون عليهم 8 أفدنة و22 قيراطاً بموجب عقد بيع مؤرخ في 18 من أكتوبر سنة 1947 ومسجل في أول ديسمبر سنة 1947، وبعريضة معلنة في 28 من فبراير سنة 1984، وفي أول مارس سنة 1948 أقام الطاعنون على المطعون عليهم دعوى أمام محكمة دمنهور الابتدائية قيدت في جدولها برقم 103 سنة 1948 طلبوا فيها القضاء لهم بأحقيتهم في الشفعة في الأطيان المذكورة واستندوا في طلبهم إلى جوار أرضهم المشفوع بها للأرض المشفوع فيها من الحد القبلي إلى وجود حقوق ارتفاق الري والصرف لكل من الأرض المشفوع بها والأرض المشفوع فيها على الأخرى. وفي جلسة 7 من نوفمبر سنة 1948 قال الطاعنون إنهم عندما قدموا طلب الشفعة إلى مصلحة الشهر العقاري علموا بصدور عقد جديد من المطعون عليه الأول إلى باقي المطعون عليهم وصف بأنه تفاسخ عن البيع الصادر منهم إليه عن الأطيان المشفوع فيها وإن هذا العقد هو عقد صوري لم يحرر إلا بقصد إسقاط حقهم في الشفعة وأصروا على طلب الشفعة حتى مع افتراض جدية هذا العقد وذلك على اعتبار أنه عقد بيع جديد يتولد منه حقهم في طلب الشفعة. وفي 21 من نوفمبر سنة 1948 حكمت المحكمة تمهيدياً بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات صورية هذا العقد، وبعد تنفيذ هذا الحكم التمهيدي بسماع شهود الطرفين حكمت في 28 من مايو سنة 1950 برفض دعوى الطاعنين. فرفعوا استئنافاً عن هذا الحكم قيد في جدول محكمة استئناف الإسكندرية برقم 195 سنة 6 ق. وفي 10 من مارس سنة 1951 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف. فقرر الطاعنون بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب يتحصل السببان الأول والثاني منها في تعييب الحكم المطعون فيه بقصور أسبابه وتناقضها وفي بيان ذلك يقول الطاعنون أولاً: إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه إذ قضى استناداً إلى أقوال الشهود بأن العقد المطعون فيه بالصورية هو عقد تفاسخ حقيقي، قد وقف عند مجرد استعراض أقوال شهود الإثبات والنفي ولم يناقشها ولم يرجح بينة على أخرى. وثانياً: إن الحكم المطعون فيه قد أقر الحكم المستأنف في اعتماده أقوال شهود النفي في خصوص واقعة وضع اليد على الأطيان المبيعة المشفوع فيها ولم يعتد بأقوال شهود الإثبات في هذا الخصوص دون الإفصاح عن سبب هذا الترجيح، ولم يرد على ما وجهه الطاعنون من طعون مؤيدة بالمستندات إلى ما شهد به شهود النفي. وثالثاً - إن الطاعنين قد استدلوا أمام محكمة الاستئناف على صورية العقد المشار إليه فضلاً عن أقوال الشهود بقرائن منها أن عقد البيع الصادر إلى المطعون عليه الأول والمسجل في أول ديسمبر سنة 1947 قد استغرق تحريره وإعداده للتسجيل نحو ثلاثة أشهر في حين أن العقد المطعون فيه بالصورية قد لابست ظروف تحريره وتسجيله سرعة غير عادية إذ قدم الطلب الخاص بهذا العقد في أول فبراير سنة 1948 إلى مصلحة الشهر العقاري فقامت المصلحة بتحريره ومراجعته في اليوم الثاني ثم صدق على التوقيعات فيه في 3 من فبراير سنة 1948 وسجل في 4 منه. ومنها أن محكمة الدرجة الأولى كانت قد اعتمدت ما قيل من أن سبب التفاسخ هو وجود عجز في الأطيان المبيعة فلما رفع الطاعنون استئنافهم نعوا على الحكم المستأنف في هذا الخصوص قصوره في تحري حقيقة هذا السبب وعدم بيانه ما إذا كان العجز المدعى به هو في مساحة الأطيان المبيعة أم هو في المكلف منها باسم البائعين وعدم بيانه مقدار العجز - وقدم الطاعنون إلى محكمة الاستئناف مستندات تنفي وجوده فلم يعن الحكم المطعون فيه بالرد عليها. كما قال الطاعنون إن صدور عقد التفاسخ في تاريخ سابق على تاريخ طلب الشفعة لا يدل في ذاته على جدية هذا العقد وذلك للأسباب المبينة في دفاعهم وقد أغفل الحكم الرد عليها. ورابعاً: إن الحكم المطعون فيه أورد ضمن أسبابه أنه استخلص أن عقد التفاسخ هو عقد حقيقي من أقوال شهود النفي والإثبات معاً في حين أن ما قاله شهود الإثبات يؤدي إلى صورية العقد مما كان لا يصح معه الاستدلال على صحة التفاسخ بأقوال شهود الطرفين ويكون الحكم إذ قال بذلك قد خالف مصادره في الأوراق وشابه التناقض.
ومن حيث إن هذا النعي بجميع وجوهه مردود أولاً بأن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أورد رداً على الادعاء بصورية عقد التفاسخ ما يلي: - وحيث إنه عن الأمر الأول وهو صورية عقد الفسخ فإن الثابت من صحيفة دعوى الشفعة المعلنة في 28/ 2/ 1948 أن المدعين يقولون فيها إنه نمى إلى علمهم أمس بواقعة بيع المدعى عليهم الأربعة الأخيرين للأول 8 أفدنة و22 قيراطاً أي أن بدء علمهم كان في 27/ 2/ 1948 والثابت قطعاً أن عقد الفسخ المسجل في 2/ 2/ 1948 أي قبل العلم بخمسة وعشرين يوماً فلا وجه للمدعين إذن في قولهم إن الفسخ إنما عمل عندما علم المدعى عليهم بأن المدعين يسعون للأخذ بالشفعة إذ أنه في هذا الوقت لم يسع أحد للأخذ بالشفعة ولم تبدر بادرة من المدعين تفيد هذا العزم ومتى ثبت ذلك ضعفت حجة المدعين في الأسباب التي بنوا عليها دفاعهم وكان قول المدعى عليهم في معرض الرد على تلك الأسباب أقرب إلى التصديق وخصوصاً إذ أيدهم في ذلك شهود النفي وقد قالوا عن السبب الأول بأن الداعي لهذا الفسخ إنما هو وجود العجز وخوفاً من أن يحصل نزاع بين أحد البائعين عبد الله أفندي وبين محمد الشربيني وورثتهم بسبب هذا العجز ويدفع بأن عبد الله أفندي باع أكثر مما يملك ولأنه أي محمد الشربيني يريد المحافظة على صلة الود بينه وبين عائلة الطرابلسي، كل هذا تعليل مقبول ويبين من هذا الذي أورده الحكم أنه قد استدل على نفي صورية عقد التفاسخ بأن هذا العقد حرر قبل تاريخ علم الطاعنين على حد قولهم، بالبيع الصادر إلى المطعون عليه الأول من باقي المطعون عليهم بخمسة وعشرين يوماً وبالتالي قبل شروعهم في طلب الشفعة ورجح الحكم استناداً إلى هذه القرينة أقوال شهود النفي فيما قرروه من حصول التفاسخ حقيقة ومن أن سببه هو وجود العجز وخشية المطعون عليهم قيام نزاع بسببه بين المشتري والبائعين وحرص المشتري على استبقاء صلة الود بينه وبينهم. ومردود ثانياً - بأنه وإن كان قد ورد في الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف تقر محكمة الدرجة الأولى على ما استخلصته في خصوص جدية عقد التفاسخ من أقوال الشهود جميعاً إثباتاً ونفياً فإن مفاد هذا بداهة هو أن محكمة الاستئناف قد أقرت محكمة الدرجة الأولى على ما استخلصته من نتيجة التحقيق وظاهر من أسباب الحكم الابتدائي أن المحكمة قد رجحت أقوال شهود النفي على أقوال شهود الإثبات - ومردود أخيراً بأن باقي ما ورد في أوجه هذا النعي لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة المقدمة إليها مما تستقل هي به بلا معقب عليها وبأن محكمة الموضوع ليست ملزمة بالرد على الخصوم في كافة مناحي دفاعهم وبحسبها أن تقيم حكمها على أسباب سائغة تكفي لحمله وتحمل في ذاتها الرد الضمني على ما يخالفها كما هو الحال في الدعوى.
ومن حيث أن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم خالف القانون إذ اعتبر أن التقايل من البيع يسقط الحق في طلب الشفعة ذلك لأنه وإن كانت الحكمة في تخويل الجار حق الشفعة هي دفع ضرر الجوار إلا أن الشفعة لا تدور مع هذه الحكمة وجوداً وعدماً وإنما تدور مع علة الشفعة وهي الجوار فمتى تحققت هذه العلة صح الأخذ بالشفعة ولو لم تتحقق العلة منها لأن الأحكام القانونية لا تجعل توافر الحكمة ضابطاً في تقرير الحقوق إذ هو ضابط متغير بل ضابط في تقرير هذه الحقوق هو توافر العلة التي لا تتغير.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يخطئ في تطبيق القانون في هذا الخصوص ذلك أن التقايل من البيع هو إعدام لعقده وبحصوله قبل طلب الشفعة يعتبر البيع كأن لم يكن فلا تجوز الشفعة مع زواله ولهذا جرى قضاء هذه المحكمة في الطعن رقم 127 سنة 15 ق على عدم اعتبار التراد في البيع بيعاً جديداً يتولد عنه للشفيع حق الشفعة لأن التقايل أو التراد في البيع هو فسخ له بتراضي الطرفين لا إنشاء لبيع جديد ومن شأنه في قصد المتعاقدين إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل البيع ومحو كل أثر له مما لا يكون معه أساس لطلب الشفعة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.