أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 701

جلسة 22 من مايو سنة 1954
(16)
الطلب رقم 3 سنة 23 القضائية "تنازع الاختصاص"

برئاسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، وسليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، ومصطفى فاضل، وإسماعيل مجدي، وعبد العزيز سليمان، وأحمد العروسي، ومصطفى حسن، وحسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومحمود عياد، وأنيس غالي، ومصطفى كامل المستشارين.
( أ ) تنازع الاختصاص. اختصاص محكمة النقض بالفصل في النزاع القائم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين. هذا الاختصاص يشمل الأحكام الصادرة قبل العمل بالقانون رقم 400 لسنة 1953. المادة 19 من القانون رقم 147 لسنة 1949 المعدلة بالقانون رقم 400 لسنة 1953.
(ب) تنازع الاختصاص. مجالس ملية. اختصاص. المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك. السند القانوني الذي يستمد منه اختصاصه القضائي. القانون رقم 8 لسنة 1915.
(ج) تنازع الاختصاص. مجالس ملية. محاكم شرعية. اختصاص. ثبوت أن طرفي النزاع من أبناء طائفة الروم الكاثوليك. اختصاص المجلس الملي لهذه الطائفة بنزاعهما المتعلق بالأحوال الشخصية. عدم اختصاص المحاكم الشرعية بهذا النزاع. وجوب إيقاف تنفيذ الحكم الشرعي الصادر في النزاع.
1 - لما كانت المادة 19 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 المعدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 400 لسنة 1953 قد نصت على اختصاص هذه المحكمة بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صدر أحدهما من إحدى المحاكم والآخر من محكمة القضاء الإداري أو إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو صدر كل منها من إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو المجالس الملية، فإن إطلاق النص وحكمة التشريع يقطعان بأن مقصود الشارع هو معالجة التناقض الذي يكون قائماً وقت العمل بالقانون بين حكمين نهائيين مما نصت عليه المادة المشار إليها وليس هذا الطلب طريقاً من طرق الطعن في هذه الأحكام حتى يصح القول بعدم سريانه على الأحكام الصادرة قبل العمل به، ولا يغير من هذا النظر أن يكون الطالب قد استشكل أمام قاضي الأمور المستعجلة في تنفيذ الحكم الصادر ضده من المحاكم الشرعية أو أنه أقام دعوى أمام تلك المحاكم بطلب الكف عن مطالبته بالنفقة المحكوم عليه بها بالحكم المذكور.
2 - لما كانت طائفة الروم الكاثوليك هي من الطوائف التي كان معترفاً لمجلسها الملي بالفصل في المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية التي تقوم بين أبناء هذه الطائفة، وكان القانون رقم 8 لسنة 1915 قد نص في المادة الأولى منه على استمرار السلطات القضائية الاستثنائية المعترف بها حتى الآن في الديار المصرية إلى حين الإقرار على أمر آخر بالتمتع بما كان لها من حقوق عند زوال السيادة العثمانية، وكان من مقتضى ذلك أن السلطات القضائية المذكورة هي والهيئات التي تمارس تلك السلطات أعمالها يكون مخولاً لها بصفة مؤقتة جميع الاختصاصات والحقوق التي كانت تستمدها لغاية الآن من المعاهدات والفرامانات والبراءات العثمانية فإن المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك أصبح يستمد ولايته من القانون رقم 8 لسنة 1915 ولا محل للجدل في أصل مشروعية ولايته التي كان يباشرها قبل صدور هذا القانون.
3 - متى كان الثابت أن والد المدعى عليها الذي كان تابعاً لطائفة الأرمن الكاثوليك قدم طلباً لانضمامه إلى كنيسة الروم الكاثوليك هو زوجته وابنته وقبل انضمامه لهذه الطائفة وتم عماد المدعى عليها وتثبيتها حسب طقوس هذه الكنيسة، فلما تزوجت من الطالب الذي ينتمي لنفس الطائفة نص في عقد الزواج على أنها من طائفة الروم الكاثوليك، ولما أنجبت ولداً تم عماده أيضاً حسب طقوس الكنيسة المذكورة كما نص في الشهادة الصادرة من كنيسة الروم الكاثوليك أن طرفي الخصومة من أبناء هذه الطائفة، وكانت المدعى عليها أيضاً هي التي افتتحت النزاع بأن التجأت إلى المحكمة الكنسية للروم الكاثوليك بطلب تقرير نفقة لها على زوجها الطالب وهي المحكمة التي لا تختص إلا بالفصل في منازعات أبناء هذه الطائفة فإنها تكون بالأقل قد أقرت بعد أن جاوزت سن الرشد تبعيتها لمذهب الروم الكاثوليك الذي سبق أن اعتنقه والدها، ويكون المجلس الملي لهذه الطائفة هو المختص بنظر مسائل الأحوال الشخصية الخاصة بالطرفين وتكون المحكمة الشرعية إذ قضت في دعوى النفقة المقامة من الزوجة على زوجها قد جاوزت حدود ولايتها مما يتعين معه إيقاف تنفيذ الحكم الصادر منها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع مرافعة المحامين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن نديم زمر والد المدعى عليها كان تابعاً لطائفة الأرمن الكاثوليك، وفي 22 من يونيه سنة 1925 تزوج من السيدة ماري زند وعقد زواجهما في الكنيسة الإنجيلية، وقد ذكر في عقد الزواج أنه من طائفة الأرمن الكاثوليك وأن الزوجة من طائفة المارون الكاثوليك، وفي 24 من يوليه سنة 1926 أنجبا المدعى عليها السيدة رينيه نديم زمر، وفي 15 من أكتوبر سنة 1927 قدم نديم زمر طلباً إلى كنيسة الروم الكاثوليك لانضمامه إلى هذه الكنيسة مع زوجته السيدة ماري زندوا ابنته منها رينيه نديم زمر وأنه يرغب في تعميدها بها، وفي 27 من أكتوبر قبل انضمامه إلى طائفة الروم الكاثوليك، وفي 8 من يوليه سنة 1928 تم عماد المدعى عليها وتثبيتها حسب طقوس هذه الكنيسة، وفي 15 من أغسطس سنة 1943 عقد زواج الطالب بشاره أشقر عن المدعى عليها وذكر في محضر عقد الزواج أنهما من طائفة الروم الكاثوليك، وفي 20 من أغسطس سنة 1944 أنجبا ولداً سمي سليم وقد تم عماده وتثبيته حسب طقوس الكنيسة المذكورة، وقد استمرت العلاقة بين الطرفين حتى اعتراها الخلاف في سنة 1949 فعرض الأمر على المجلس الكنسي، وفي 25 من يونيه سنة 1949 تم الصلح بينهما على أن يدفع الطالب إلى المدعى عليها مبلغ 14 جنيهاً من راتبه ويبحث عن مسكن يقيم فيه مع زوجته وعلى هذه الأخيرة إطاعة زوجها، وفي أول أكتوبر سنة 1950 أقامت الزوجة الدعوى أمام المحكمة الكنسية الابتدائية للروم الكاثوليك على زوجها تطلب فيها الحكم بنفقة شهرية لها ولابنها مقدارها 20 جنيهاً ابتداء من أول أغسطس سنة 1950، وفي 26 من أكتوبر سنة 1950 اتفق الطرفان على أن يدفع الطالب لزوجته مبلغ 25 جنيهاً نفقة عن المدة الماضية وأن تقيم الزوجة مع زوجها في المسكن الذي أعده لها، وفي أول نوفمبر سنة 1950 رفع الزوج دعوى أمام المحكمة الكنسية طلب فيها الحكم بعدم استحقاق زوجته للنفقة لنشوزها وضم ابنه إليه وإسقاط حضانة والدته، فقرر وكيل الزوجة نزولها عن حقها في النفقة ودفع في جلسة أول مارس سنة 1951 بعدم اختصاص المحكمة لاختلاف ملة طرفي الخصومة إذ أن الزوجة من طائفة الإنجيلين، وفي 2 من مارس سنة 1951 قضت المحكمة باختصاصها وبإلزام الزوجة إطاعة زوجها والإقامة معه في منزل الزوجية، فاستأنفت الزوجة هذا الحكم أمام المحكمة الكنسية الاستئنافية، وفي 15 من ديسمبر سنة 1951 قضت بتأييد الحكم الابتدائي وحرمان الزوجة من النفقة مع تسليم الابن سليم أشقر إلى والده إذ أنه جاوز السابعة من عمره وإلزام الزوج بدفع النفقة لابنه عن المدة التي قضاها في حضانة والدته، وفي 29 من ديسمبر سنة 1952 أقام الطالب الدعوى رقم 12 لسنة 1952 أمام المجلس الملي الابتدائي لطائفة الروم الكاثوليك على زوجته وطلب فيها الحكم بعدم استحقاقها النفقة لأنها لم تدخل في طاعته مع اعتبارها ناشزاً على أساس الحكمين الابتدائي والاستئنافي الصادرين من المحكمة الكنسية، فدفع الحاضر عن الزوجة بعدم اختصاص المجلس الملي لاختلاف ملة الخصوم ولأنه لا ولاية له إلا باتفاق الطرفين، وفي 13 من فبراير سنة 1953 قضى المجلس أولاً بولايته في نظر الدعوى، وثانياً بعدم اختصاص المجلس الملي في النظر في الطلبات الموضوعية استناداً إلى أن مبدأ عدم استحقاق النفقة سبق أن تقرر من المجلس الكنسي بحكم نهائي، فاستأنف الطالب هذا الحكم أمام المجلس الملي الاستئنافي، وتمسك الحاضر عن الزوجة بالدفع الذي أثاره أمام المجلس الملي الابتدائي، وفي 19 من يونيه سنة 1953 قضى بقبول الاستئناف شكلاً وبتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من ولاية المحكمة الملية بنظر الدعوى وبإلغائه فيما قضى به من عدم اختصاص المجلس الملي في النظر في موضوع الدعوى وفي الموضوع بأنه ليس للزوجة رينيه أشقر الحق في طلب نفقة من زوجها.
ومن حيث إنه أثناء سير هذه الخصومة أقامت الزوجة الدعوى رقم 398 سنة 1951 الأزبكية الشرعية على زوجها الطالب بصحيفة معلنة في 20 من فبراير سنة 1951 وقالت فيها إنها لا تزال في عصمة زوجها وطاعته، وأنه تركها وابنها منه دون نفقة لهما. وطلبت الحكم بنفقة لها ولولدها وأجرة حضانة ومسكن ابتداء من أول أغسطس سنة 1950، فدفع الطالب بعدم اختصاص المحكمة لأنه وزوجته من طائفة الروم الكاثوليك، وقدم إثباتاً لذلك الحكم الصادر من المحكمة الكنسية الابتدائية وشهادة باستئناف الزوجة لهذا الحكم. وفي 23 من يونيه سنة 1951 قضت المحكمة الشرعية بقبول الدفع وبعدم اختصاص المحكمة الشرعية بنظر الدعوى، فاستأنفت الزوجة هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 2455 سنة 1951 القاهرة الابتدائية الشرعية، وفي 9 من ديسمبر سنة 1951 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً، وبإلغاء الحكم المستأنف وبإعادة القضية إلى محكمة أول درجة للسير فيها طبقاً للوجه الشرعي استناداً إلى أن المحاكم الشرعية هي المختصة بالنظر في مسائل الأحوال الشخصية لسائر المصريين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، ولا يسلب هذا الاختصاص العام من المحاكم الشرعية إلا بقانون، وإلى أنه على فرض التسليم بأن الطرفين من طائفة الروم الكاثوليك فإن هذه الطائفة ليس لها مجلس ملي معترف به صادر به قانون أو أوامر سلطانية. فلما أعيد نظر الدعوى أمام محكمة الأزبكية الشرعية تمسك المدعى عليه (الطالب) بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وفي الموضوع بأن الزوجة لا تستحق نفقة لنشوزها، وفي 25 من أكتوبر سنة 1952 قضت المحكمة بفرض مبلغ 12 جنيهاً شهرياً نفقة للزوجة من ذلك 9 جنيهات لنفقتها بأنواعها ابتداء من 15 فبراير سنة 1951 والباقي لنفقة الولد بنوعيها، استناداً إلى أن الدفع بنشوز المدعية لا يعول عليه إلا إذا استصدر الزوج حكماً بالطاعة. فاستأنف الزوج هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 3919 سنة 1952 القاهرة الابتدائية وتمسك بما دفع به أمام محكمة أول درجة. وفي 15 من مارس سنة 1953 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه فيما عدا كسوة الولد. وأقام الطالب إشكالاً أمام محكمة الأمور المستعجلة قيد برقم 5871 سنة 1952 القاهرة وطلب فيه وقف تنفيذ الحكم الصادر في 20 من ديسمبر سنة 1952 فقضت المحكمة في موضوع الإشكال برفضه وبصفة مستعجلة باستمرار تنفيذ الحكم المستشكل فيه فاستأنف الطالب هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 225 سنة 1953 القاهرة الابتدائية، وفي 25 من مارس سنة 1953 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف، وفي 22 من أكتوبر سنة 1953 أعلن الطالب المدعى عليها بصحيفة دعوى أمام محكمة الأزبكية الشرعية وطلب فيها الحكم بمنعها من المطالبة بحكم النفقة الصادر في القضية الشرعية المشار إليها ابتداء من 16 يونيه سنة 1953 وأمرها بالكف عن مطالبته بما تجمد لديها.
ومن حيث إن الطالب أقام هذا الطلب، وقال في صحيفته إنه حصل على حكم نهائي من المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك بعدم استحقاق زوجته المدعى عليها نفقة عليه لنشوزها، ثم حصلت المدعى عليها - وهي من طائفته - على حكم نهائي آخر من المحكمة الشرعية باستحقاقها للنفقة التي رفضها المجلس الملي ولما كان هذان الحكمان قد صدرا في موضوع واحد أحدهما من المحكمة الشرعية والآخر من المجلس الملي، وقد أصبحا نهائيين وهما متناقضان، وكانت المحاكم الشرعية لا ولاية لها للفصل في هذا النزاع لأن طرفي الخصومة من طائفة الروم الكاثوليك والمجالس الملية هي المختصة بالفصل فيه لأنها تستمد ولايتها القضائية من الوثيقة الصادرة في فبراير سنة 1856 المعروفة بالخط الهمايوني الذي كفل الامتيازات الروحية للطوائف الغير الإسلامية، ثم أصدر المشرع المصري القانون رقم 8 لسنة 1915 وبمقتضاه أصبحت السلطة القضائية التي تباشرها الطوائف الدينية التي منحت اختصاصات في مسائل الأحوال الشخصية بالمعاهدات أو الفرامانات أو البراءات العثمانية تستمد ولايتها من هذا القانون. وهذا يدل على أن المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك هو الهيئة المختصة بنظر النزاع الخاص بالنفقة والطاعة والنشوز. وطلب الحكم بوقف تنفيذ الأحكام الشرعية المشار إليها. وفي جلسة 23 من يناير سنة 1954 قصر طلباته على طلب وقف تنفيذ الحكم الشرعي فيما قضى به من نفقة للزوجة المدعى عليها.
ومن حيث إن الحاضر عن المدعى عليها دفع أولاً في جلسة 9 من يناير سنة 1954 المحددة لنظر طلب وقف التنفيذ مؤقتاً بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الطلب، لأن القانون رقم 400 لسنة 1953 قد استحدث نصاً جديداً لم يكن مقرراً من قبل، وأن الأحكام موضوع هذا النزاع صدرت وأصبحت نهائية قبل صدور هذا القانون. وفي مذكرته دفع بعدم قبول الطلب لأن القانون المشار إليه أنشأ طريقاً للطعن في الأحكام لم يكن مقرراً من قبل فلا يعمل في شأن الأحكام الصادرة قبله، يؤيد هذا الدفع أن الطالب سبق أن طرح هذا النزاع أمام القضاء العام والقضاء الشرعي إذ رفع إشكالاً في تنفيذ الحكم الشرعي، وكان دفاعه فيه هو نفس الدفاع الذي أبداه أمام هذه المحكمة، كما أنه عرض هذا الموضوع على المحكمة الشرعية التي أصدرت الحكم بالنفقة، ولا زالت الدعوى منظورة أمامها. وثانياً بسقوط حق الطالب في رفع هذا الطلب لأنه أقام دعوى موضوعية أمام محكمة الأزبكية الشرعية بصحيفة معلنة في 24 من أكتوبر سنة 1953 وطلب فيها الحكم بالكف عن مطالبته بالنفقة المحكوم بها عليه، وقد أسس دفاعه على سقوط حق المدعى عليها في النفقة لنشوزها، وهذا يعتبر منه قبولاً لولاية المحاكم الشرعية ونزولاً عن هذا الطلب - وثالثاً بعدم اختصاص المجلس الملي للروم الكاثوليك بالفصل في النزاع الذي عرض عليه لأن التشريعات المصرية مقصورة على تنظيم المجالس الملية للأقباط الأرثوذكس وطائفة الإنجيلين والأرمن الكاثوليك. وأما المجالس الملية الأخرى فإنه لم يصدر بشأنها تشريع خاص. والقانون رقم 8 لسنة 1915 لا يخول لهذه المجالس اختصاصاً قضائياً إذ أن الفرمانات الصادرة من الدولة العلية لا تعتبر نافذة في مصر إلا إذا صدر قانون يقضي بنفاذها، فضلاً عن أن الخط الهمايوني الصادر في فبراير سنة 1856 لم يخول لهذه المجالس اختصاصاً قضائياً مانعاً من اختصاص أية محكمة أخرى، بل خولها الاختصاص على سبيل التحكيم فقط. يضاف إلى ذلك اختلاف ملة طرفي الخصومة لأن المدعى عليها من طائفة الإنجيلين، وأضاف في مذكرته الأخيرة أن والدي المدعى عليه عقد زواجهما أمام الكنيسة الإنجيلية، وأن والدها أرمني كاثوليكي وأمها مارونية، فهي قد ولدت على مذهب أبيها وهو الأرمن الكاثوليك ولا يؤثر في ذلك أن يكون والداها غيرا مذهبهما بعدئذ ولا أن يكونا قد عمداها بكنيسة الروم الكاثوليك. ورابعاً بأنه لا توجد هيئة تدعى المحكمة الكنسية، والقانون رقم 400 لسنة 1953 مقصور على تنازع الاختصاص بين حكمين متناقضين صادر أحدهما من المجالس الملية والآخر من محاكم الأحوال الشخصية وطنية كانت أو شرعية لأن الهيئة الكنسية لا تصدر أحكاماً وإنما تسعى في سبيل الصلح.
ومن حيث إن الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر هذا الطلب وبعدم قبوله مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن إطلاق عبارة نص المادة 19 من قانون نظام القضاء المعدلة بالمادة الأولى من القانون رقم 400 لسنة 1953 وحكمة التشريع يقطعان بأن مقصود الشارع هو معالجة التناقض الذي يكون قائماً وقت العمل بالقانون بين حكمين نهائيين مما نصت عليه المادة المشار إليها وليس هذا الطلب طريقاً من طرق الطعن في هذه الأحكام حتى يصح القول بعد سريانه على الأحكام الصادرة قبل العمل به تطبيقاً للفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات. ولا يغير من هذا النظر أن يكون الطالب قد استشكل أمام قاضي الأمور المستعجلة في تنفيذ الحكم الصادر عليه بالنفقة من المحكمة الشرعية، إذ أنه أقام دعوى أمام تلك المحكمة بطلب الكف عن مطالبته بالنفقة المحكوم عليه بها، ذلك لأن الاعتراض على تنفيذ الحكم المشار إليه أمام جهتي القضاء العام والشرعية لا يعتبر قبولاً منه باختصاص المحاكم الشرعية فلا يحول ذلك دون رفع هذا الطلب متى كان مؤسساً على وجود تناقض بين حكمين نهائيين صادر أحدهما من المجلس الملي للروم الكاثوليك والآخر من محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية مما يندرج في حكم المادة 19 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بنظام القضاء المعدلة بالقانون رقم 400 لسنة 1953. وكما أن رفع الطالب دعوى أمام المحكمة الشرعية بمنع زوجته المدعى عليها من مطالبته بحكم النفقة الصادر عليه من هذه المحكمة لا يسقط حقه في رفع هذا الطلب، ذلك أن اتخاذ الطالب هذه الوسيلة، إنما قصد منها التخلص من آثار الحكم الصادر عليه بالنفقة من المحكمة الشرعية، فلا يعتبر ذلك منه قبولاً لولايتها أو نزولاً منه عن هذا الطلب.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المجلس الملي للروم الكاثوليك بالفصل في دعاوى النفقة تأسيساً على أنه لم يصدر بشأنه تشريع خاص وأن القانون رقم 8 لسنة 1915 لم يخول لهذا المجلس اختصاصاً قضائياً، وأن الفرمانات الصادرة من الدولة العلية لا تعتبر نافذة في مصر إلا إذا صدر قانون يقضي بنفاذها. هذا الدفع مردود بأنه مهما يكن الرأي في الفرمانات التركية الصادرة في شأن اختصاص مجالس الطوائف الملية وسريانها بذاتها في مصر أو حاجتها إلى تشريع خاص يصدر بنفاذها، وكذلك ما إذا كانت تلك المجالس تختص بالفصل في مسائل الأحوال الشخصية الخاصة برعايا الطوائف من أبناء الملة الواحدة على سبيل التحكيم أو على سبيل القضاء الملزم، مهما يكن الرأي فإنه لا نزاع في أن طائفة الروم الكاثوليك هي من الطوائف التي كان معترفاً لمجلسها الملي بولاية الفصل في المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية، (ومنها مسائل النفقات بين الزوجين التي تقوم بين أبناء تلك الطائفة) ولما كان القانون رقم 8 سنة 1915 قد نص في المادة الأولى منه على أن السلطات القضائية الاستثنائية المعترف بها حتى الآن في الديار المصرية تستمر إلى حين الإقرار على أمر آخر على التمتع بما كان لها من الحقوق عند زوال السيادة العثمانية...... وعلى ذلك فإن السلطات القضائية المذكورة هي والهيئات التي تمارس تلك السلطات أعمالها يكون مخولاً لها بصفة مؤقتة جميع الاختصاصات والحقوق التي كانت تستمدها لغاية الآن من المعاهدات والفرامانات والبراءات العثمانية. ومن مقتضى ذلك أن المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك أصبح يستمد ولايته من القانون رقم 8 سنة 1915 فلا محل للجدل في أصل مشروعية ولايته التي كان يباشرها قبل صدور هذا القانون.
ومن حيث إنه لا جدوى لما تثيره المدعى عليها من الجدل حول الحكم الصادر من المحكمة الكنسية ذلك أن الحكم محل هذا الطلب والذي يقول الطالب إن الحكم الشرعي جاء مناقضاً له هو الحكم الصادر من المجلس الملي الاستئنافي بتاريخ 19 من يونيه سنة 1953، وليس الحكم الصادر من المحكمة الكنسية.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المجلس الملي بنظر الدعوى لاختلاف ملة الخصوم، فإن الثابت من المحضر الديني لبطريركية الروم الكاثوليك أن نديم أمين زمر قدم إليها طلباً في 15 من أكتوبر سنة 1926 لانضمامه إلى كنيسة الروم الكاثوليك هو وزوجته السيدة ماري زند وابنته منها رينيه نديم زمر المدعى عليها، وفي 27 منه قبل انضمامه إلى هذه الطائفة. وفي 8 من يوليه سنة 1928 تم عماد المدعى عليها وتثبيتها حسب طقوس هذه الكنيسة، فلما تزوجت من الطالب في 15 من أغسطس سنة 1943 نص في محضر عقد الزواج أنها من طائفة الروم الكاثوليك ولما أنجبت ولداً في 30 من أغسطس سنة 1944 تم عماده أيضاً حسب طقوس الكنيسة المذكورة. كما أنه ثابت من الشهادة الصادرة في 27 من فبراير سنة 1951 من كنيسة الروم الكاثوليك أن طرفي الخصومة من أبناء هذه الطائفة. فإذا روعي أن المدعى عليها هي التي افتتحت هذا النزاع بأن التجأت إلى المحكمة الكنسية للروم الكاثوليك في أول أكتوبر سنة 1950 بطلب تقرير نفقة لها على زوجها الطالب، وهذه المحكمة لا تختص إلا بالفصل في المنازعات التي تقوم بين أبناء هذه الطائفة، فإنها بالقليل قد أقرت - بعد أن جاوزت سن الرشد - تبعيتها لمذهب الروم الكاثوليك الذي اعتنقه والدها في 27 من أكتوبر سنة 1926 وهي قاصرة، وعمدها على هذا المذهب في ذلك الحين.
ومن حيث إنه عن موضوع الطلب فإنه يبين من الحكم الصادر في 19 من يونيه سنة 1953 من المجلس الملي الاستئنافي للروم الكاثوليك أنه قضى بأنه ليس للمدعى عليها الحق في المطالبة بالنفقة من زوجها تأسيساً على ثبوت نشوزها إذ أنها رفضت السكن مع زوجها في المنزل الشرعي الذي أعده لذلك وأصرت على امتناعها دون مسوغ شرعي، بل إنها قد تنازلت عن طلب النفقة لشخصها كما يبين من الحكم الصادر في 25 أكتوبر سنة 1952 من محكمة الأزبكية الشرعية أنه قضى بإلزام المدعى عليه (الطالب) بمبلغ 12 جنيهاً شهرياً للزوجة من ذلك 9 جنيهات لنفقتها بأنواعها المطلوبة ابتداء من 15/ 2/ 1951 والباقي من تاريخ الحكم لنفقة الولد سليم، وقد تأيد هذا الحكم استئنافياً في 15 من مارس سنة 1953 فيما قضى به الحكم المستأنف عدا كسوة الولد تأسيساً على أن المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك ليست له أية ولاية قضائية، وأنها لذلك وباعتبارها صاحبة الولاية العامة تكون وحدها هي المختصة بنظر النزاع.
ومن حيث إنه متى كان الثابت مما سلف بيانه أن الحكم الصادر من المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك بعدم استحقاق الزوجة النفقة على زوجها كان في حدود ولايته وكان الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بفرض هذه النفقة قد صدر من جهة غير مختصة وجاء مناقضاً للحكم السابق، وكان هذان الحكمان نهائيين فإنه يتعين وقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القاهرة الشرعية بفرض نفقة للمدعى عليها على زوجها الطالب لصدوره من محكمة غير مختصة بالفصل فيه.