أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 712

جلسة 22 من مايو سنة 1954
(17)
الطلب رقم 3 سنة 24 القضائية "تنازع الاختصاص"

برئاسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، وسليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، وإسماعيل مجدي، وعبد العزيز سليمان، وأحمد العروسي، ومصطفى حسن، وحسن داود، ومحمود إبراهيم إسماعيل، ومحمود عياد، وأنيس غالي، ومصطفى كامل المستشارين.
( أ ) تنازع الاختصاص. حكم صادر من المجلس الملي بنفقة للطالبة لتتولى إنفاقها على أولادها القصر. حكم آخر مناقض للحكم الأول من المحكمة الشرعية. توافر صفتها في طلب إيقاف تنفيذ الحكم الشرعي حتى بعد تجاوز القصر من الحضانة وسن الرشد.
(ب) تنازع الاختصاص. اختصاص. اختصاص محكمة النقض بالفصل في النزاع القائم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين. هذا الاختصاص يشمل الأحكام الصادرة قبل العمل بالقانون رقم 400 لسنة 1953.
(ج) تنازع الاختصاص. مجالس ملية. محاكم شرعية. مناط اختصاص المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس. هو أن يكون طرفا الدعوى من أبناء هذه الطائفة. أحد الطرفين ينتمي لطائفة الأقباط الكاثوليك. اختصاص المحاكم الشرعية. الأمر العالي الصادر في 14/ 5/ 1883.
1 - إذا كان الحكم الصادر من المجلس الملي قد صدر للطالبة بدفع مبلغ النفقة إليها لتتولى هي الإنفاق منه على أولادها مما يترتب عليه أن يكون لها صفة في طلب إعمال أثر هذا الحكم ووقف تنفيذ الحكم الشرعي المناقض له، فإن الدفع بعدم قبول الطلب لانعدام صفة الطالبة تأسيساً على أن الأولاد المحكوم لهم بالنفقة قد جاوزوا سن الحضانة وسن الرشد هذا الدفع يكون في غير محله.
2 - إن المادة 19 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 المعدلة بالقانون رقم 400 لسنة 1953 إذ نصت على اختصاص هذه المحكمة بالفصل في النزاع القائم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صدر أحدهما من إحدى المحاكم والآخر من محكمة القضاء الإداري أو إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو صدر كل منهما من إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو المجالس الملية، فإن إطلاق النص وحكمة التشريع يقطعان بأن الغرض الذي هدف المشرع إلى تحقيقه هو خصم المنازعات التي تقوم في شأن تنفيذ الأحكام المتناقضة الصادرة من جهات القضاء المختلفة، أما النص في القانون رقم 400 لسنة 1953 على أنه يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية فإنه تأكيد لاختصاص المحكمة بالفصل فيما يكون قائماً يوم نشر القانون من منازعات على تنفيذ الأحكام المشار إليها متى كان التناقض قائماً.
3 - لما كان الأمر العالي الصادر في 14 من مايو سنة 1883 بالتصديق على لائحة ترتيب واختصاصات المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس والمعدل بالقوانين رقم 8 لسنة 1908 ورقم 3 لسنة 1912 ورقم 19 لسنة 1927 قد قصر اختصاص هذا المجلس على المنازعات التي تقوم بين أبناء هذه الطائفة، وكانت المحاكم الشرعية هي صاحبة الولاية العامة في الفصل في منازعات الأحوال الشخصية بين المصريين المختلفي المذهب، وكانت الطالبة تنتمي إلى طائفة الأقباط الأرثوذكس في حين ينتمي المدعى عليه إلى طائفة الأقباط الكاثوليك لما كان ذلك، فإن المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس إذ قضى بإلزام المدعى عليه بنفقة للطالبة يكون قد جاوز حدود اختصاصه ويكون الحكم الصادر من المحكمة الشرعية ببراءة ذمة المدعى عليه من متجمد هذه النفقة قد صدر من جهة ذات ولاية ويتعين رفض طلب وقف تنفيذ الحكم الشرعي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع مرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع - تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن السيدة قونه سليمان الطالبة أقامت في 15/ 2/ 1943 الدعوى رقم 12 لسنة 1943 مجلس ملي فرعي الجيزة للأقباط الأرثوذكس وطلبت فيها إلزام زوجها أسعد سليمان وشقيقه كامل سليمان (المدعى عليه الأول) وولديه جبران وعزيز بأن يدفعوا إليها متضامنين نفقة شهرية مقدارها عشرة جنيهات ابتداء من أول فبراير سنة 1943 وذلك للاحتياج للإنفاق على أولادها الفونس وماري وعياد وجرانت الذين هم في حضانتها ورزقت بهم من أسعد سليمان. وفي 21/ 7/ 1943 قضى المجلس بإلزام كامل سليمان بأن يدفع إليها نفقة شهرية مقدارها جنيهان لأولاد أخيه ابتداء من 1/ 5/ 1943 ورفض ما عدا ذلك من الطلبات وأسس المجلس قضاءه على أن تلك النفقة يجب أصلاً أداؤها من الوالد ولكن لإعساره ينتقل الالتزام بها إلى العم الذي ثبتت ميسرته. وفي 23/ 3/ 1944 قضى المجلس الملي العام في الاستئناف المرفوع من الطالبة والمحكوم عليه والمقيد برقم 144 لسنة 1943 بتعديل النفقة المحكوم بها على كامل سليمان وبتقديرها بمبلغ أربعة جنيهات شهرياً ولما أن نفذت الطالبة هذا الحكم على كامل سليمان أقام الأخير عليها الدعوى رقم 3225 لسنة 1942 - 1944 محكمة شبرا الشرعية وطلب فيها الكف عن مطالبته بالنفقة المحكوم بها عليه نهائياً لأولاد أخيه من المجلس الملي العام في 23/ 3/ 1944 في الاستئناف رقم 144 لسنة 1943 ودفعت السيدة قونه الدعوى بعدم اختصاص المحكمة الشرعية بنظرها لإتحاد الطرفين ملة ومذهباً لأنهما من طائفة الأقباط الأرثوذكس الذين يختص بنظر منازعاتهم في مواد الأحوال الشخصية المجلس الملي لتلك الطائفة وقدمت ورقة صادرة من بطريركية الأقباط الأرثوذكس تقول إن الطرفين من طائفة الأقباط دون أن تشير إلى المذهب ورد كامل سليمان على هذا الدفع بأنه ينتمي إلى طائفة الأقباط الكاثوليك منذ سنة 1903 وأنه رفع الدعوى إلى الجهة المختصة طالباً إسقاط النفقة استناداً إلى أن قونه وزوجها وأولادهما قد أيسروا مما لم يعد معه مبرر للحكم عليه بالنفقة. وفي 10/ 12/ 1944 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم الاختصاص وأمرت السيدة قونه بالكف عن مطالبة العم بما فرض عليه من نفقة وأسست حكمها على أنه يبين من الاطلاع على مستندات الطرفين أن الدفع في غير محله ومن ثم يتعين رفضه وعلى أن النفقة ليس لها موجب وذلك أخذاً بما قرره الشهود في هذا الخصوص وفي 5/ 3/ 1945 قضت محكمة مصر الشرعية بتأييد هذا الحكم لأسبابه في الاستئناف المرفوع من قونه والمقيد برقم 875 لسنة 1944 - 1945. وفي 20/ 5/ 1945 قضت محكمة شبرا الشرعية في الدعوى رقم 727 لسنة 1944 - 1945 ببراءة ذمة كامل سليمان من مبلغ أربعين جنيهاً متجمد النفقة عن المدة من 1/ 6/ 1943 إلى 10/ 12/ 1944 وذلك عن النفقة المحكوم بها عليه نهائياً بموجب الحكم الصادر من المجلس الملي العام في 23/ 3/ 1944 فاستأنفت هذا الحكم فقضت محكمة مصر الشرعية بتأييده في الاستئناف رقم 3124 لسنة 1944 - 1945. وفي 17/ 12/ 1947 قضت محكمة شبرا الشرعية في القضية رقم 3366 لسنة 1946 - 1947 ببراءة ذمة كامل سليمان من مبلغ 15 جنيهاً و333 مليماً باقي متجمد النفقة ولم تستأنف السيدة قونه هذا الحكم كما هو ظاهر من الشهادة الرسمية المقدمة من المدعى عليه الأول ضمن أوراق الطلب وفي 20/ 1/ 1954 قدمت السيدة قونه طلباً لهذه المحكمة ضد كامل سليمان وزوجها أسعد سليمان وطلبت فيه القضاء لها ببطلان الحكمين الصادرين من محكمة شبرا الشرعية في القضيتين رقم 3225 لسنة 1943 - 1944 ورقم 727 لسنة 1944 - 1945 وبقيام حكم المجلس الملي الصادر في الاستئناف رقم 144 لسنة 1943 القاضي بإلزام المدعى عليه الأول بنفقة شهرية مقدارها أربعة جنيهات. وبجلسة 27/ 2/ 1954 قضت هذه المحكمة بعدم قبول الطلب لعدم تقديم توكيل الطالبة لمحاميها ثم جددت طلبها بتاريخ 2/ 3/ 1954 وطلبت فيه الطلبات الآنف ذكرها تأسيساً على أن حكم المجلس الملي قد صدر نهائياً من جهة لها ولاية القضاء بين خصوم متحدي الملة والمذهب فحاز الحكم المذكور بذلك قوة الأمر المقضي ثم صدر بعد ذلك الحكمان الشرعيان مناقضين لما قضى به.
ومن حيث إن النيابة العامة والمدعى عليه الأول دفعا بعدم قبول الطلب شكلاً تأسيساً على أنه لا صفة للطالبة في تقديمه إذ أنها رفعت أمام المجلس الملي دعوى النفقة لأولادها الذين كانوا في حضانتها وقد مضت من وقت الحكم لهم بالنفقة في سنة 1943 حتى وقت تقديم الطلب مدة جاوزوا فيها سن الحضانة وسن الرشد مما يجب معه أن يرفع الطلب من ذوي الشأن فيه لا من الطالبة التي زالت صفتها في التداعي نيابة عن أولادها.
ومن حيث إن هذا الدفع في غير محله. ذلك أن الحكم الصادر من المجلس الملي قد صدر للطالبة بدفع مبلغ النفقة إليها لتتولى هي منه الإنفاق على أولادها مما يترتب عليه أن يكون لها لو صح طلبها صفة في إعمال أثر حكم المجلس الملي وفي وقف تنفيذ الحكمين الشرعيين.
ومن حيث إن ما طلبته الطالبة من بطلان الحكمين الصادرين من المحكمة الشرعية وبقيام حكم المجلس الملي العام إنما تهدف فيه إلى طلب وقف تنفيذ الحكمين المذكورين بحجة تعارضهما مع حكم المجلس الملي مما يجوز معه لهذه المحكمة عملاً بالمادة 19/ 2 من قانون نظام القضاء أن تفصل في طلب وقف التنفيذ لأنه يتدرج في عموم طلب الحكم بالبطلان.
ومن حيث إن المدعى عليه الأول دفع الطلب بعدم قبوله تأسيساً على أن القانون رقم 400 لسنة 1953 والمعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 15/ 8/ 1953 قد عدّل المادة 19 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 تعديلاً من مقتضاه أن لا ينسحب أثره إلى الماضي ويترتب على ذلك أن لا تنظر هذه المحكمة في الطلب المرفوع من المدعية بالطعن على الحكمين الصادرين من المحكمة الشرعية قبل العمل بالقانون المشار إليه.
ومن حيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن المادة 19 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 المعدلة بالقانون رقم 400 لسنة 1953 قد نصت على اختصاص هذه المحكمة (بالفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من إحدى المحاكم والآخر من محكمة القضاء الإداري أو إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو صادر كل منهما من إحدى محاكم الأحوال الشخصية أو المجالس الملية). وإطلاق النص وحكمة التشريع يقطعان بأن الغرض الذي هدف المشرع إلى تحقيقه هو حسم المنازعات التي تقوم في شأن تنفيذ الأحكام المتناقضة الصادرة من جهات القضاء المختلفة، أما النص على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية فتأكيد لاختصاص المحكمة بالفصل فيما يكون قائماً يوم نشر القانون من منازعات على تنفيذ الأحكام المشار إليها متى كان التناقض قائماً. ومن ثم يكون الدفع على غير أساس.
ومن حيث إن المدعى عليه الأول دفع بعدم اختصاص هذه المحكمة تأسيساً على أن موضوع الحكم النهائي الصادر من المجلس الملي بفرض النفقة عليه يختلف عن موضوع الحكمين النهائيين الصادرين من المحكمة الشرعية في الدعويين رقمي 3225، 727 بالكف عن مطالبته بالنفقة وببراءة ذمته من متجمدها.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله ذلك أن الطالبة إنما أسست دعواها على أن الحكمين النهائيين الصادرين من المحكمة الشرعية في الدعويين رقمي 3225 و727 يتعارضان مع الحكم النهائي الصادر من المجلس الملي، ومن ثم ينحصر البحث فيما إذا كان التناقض قائماً.
ومن حيث إن المدعى عليه الأول دفع بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أنه ليس ثمة تناقض بين حكم المجلس وحكمي المحكمة الشرعية المطلوب وقف تنفيذهما ذلك أن حكم المجلس الملي القاضي بفرض النفقة عليه هو حكم مؤقت وقد عدل عنه لزوال المبرر للنفقة بالحكمين الشرعيين اللذين قضياً بالكف عن مطالبة المدعى عليه الأول بالنفقة ببراءة ذمته من المتجمد منها مما لا يكون معه محل للقول بقبول الدعوى.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن أحد الحكمين المطلوب وقف تنفيذهما وهو الصادر في الدعوى رقم 757 سنة 1944 قد صدر ببراءة ذمة المدعى عليه الأول من مبلغ أربعين جنيهاً متجمد النفقة ابتداء من 1/ 6/ 1943 إلى 10/ 12/ 1944 ولما كان حكم المجلس الملي بالنفقة قد صدر ابتدائياً في 21/ 7/ 1943 بتقرير النفقة ابتداء من 1/ 5/ 1943 وتأييداً استئنافياً في 23/ 3/ 1944 فإن الحكم الشرعي سالف الذكر يكون متناقضاً مع حكمي المجلس الملي وهو ما يكفي لرفض الدفع.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الصادر في 10/ 12/ 1944 في الدعوى رقم 3225 لسنة 1944 شبرا الشرعية والمؤيد بالحكم الصادر من محكمة مصر الشرعية في 5/ 3/ 1945 أنه أسس قضاءه برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الشرعية وباختصاصها على ما استبان للمحكمة من أن المستندات المقدمة في تلك الدعوى تدل على أن المدعى عليه الأول ينتمي إلى طائفة الأقباط الكاثوليك منذ سنة 1903 وهي غير طائفة الأقباط الأرثوذكس التي تنتمي إليها الطالبة. ولما كان الأمر العالي الصادر في 14/ 5/ 1883 بالتصديق على لائحة ترتيب واختصاصات المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس والذي عدل بالقوانين رقم 8 لسنة 1908 ورقم 3 لسنة 1912 ورقم 19 لسنة 1927 قد قصر اختصاص هذا المجلس على المنازعات التي تقوم بين أبناء هذه الطائفة. لما كان ذلك وكان قد ثبت لهذه المحكمة أن الطالبة من طائفة الأقباط الأرثوذكس وأن المدعى عليه الأول ينتمي إلى طائفة الأقباط الكاثوليك وذلك وفقاً للشهادتين المقدمتين منه والصادرتين من بطريركية الأقباط الكاثوليك والمحررتين في 28/ 6/ 1944 و5/ 2/ 1954 ووفقاً للخطاب المرسل إليه في 28/ 3/ 1931 من مجلس حسبي قويسنا بإخطاره بتعيينه عضو ملة عن الطوائف الكاثوليكية فإن الحكم الصادر من المجلس الملي في دعوى النفقة المقامة من الطالبة عليه يكون صادراً في غير حدود ولايته ولما كانت المحاكم الشرعية هي صاحبة الولاية بالفصل في منازعات الأحوال الشخصية بين المصريين المختلفي المذهب فإن الحكمين المطلوب وقف تنفيذهما يكونان قد صدرا في حدود ولاية الجهة القضائية التي أصدرتهما.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون طلب وقف تنفيذ الحكمين الشرعيين الآنف ذكرهما والصادرين من جهة لها الولاية فيماً قضت به في غير محله ومن ثم يتعين رفضه.