مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 738

(111)
جلسة 12 من مارس سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الرؤوف محمد محيي الدين وعبد اللطيف أحمد أبو الخير وعلي محمد حسن وفاروق علي عبد القادر - المستشارين.

الطعنان رقما 1260 و1310 لسنة 28 القضائية

( أ ) نظام الطوارئ - أساسه.
نظام الطوارئ أرسى الدستور أساسه ووضع القانون قواعده ويخضع لمبدأ سيادة ورقابة القضاء - هو نظام استثنائي - مبرراته: ما يعترض حياة الدولة من ظروف وأحداث تعرض أمن البلاد وسلامتها للخطر - يتعين التقيد بما ورد من نصوص صريحة على سبيل الحصر - أساس ذلك. قاعدة التفسير الضيق للاستثناءات - تطبيق.
(ب) اعتقال.
لجهة الإدارة سلطة تقديرية في اختيار الأسباب التي تقيم عليها قراراتها ما لم يقيدها المشرع بتحديد سبب معين لإصدار القرار - قرارات الاعتقال التي تصدر في حالة الطوارئ مقصورة على المشتبه فيهم والخطرين على الأمن والنظام العام.
(جـ) اشتباه.
القانون رقم 98 لسنة 1945 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم - المقصود بالمشتبه فيهم في تطبيق القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ هو المعنى الاصطلاحي لهذه العبارة الذي حدده المشرع في القانون رقم 98 لسنة 1945 - المادة الخامسة من القانون رقم 98 لسنة 1945 معدلة بالقانون رقم 110 لسنة 1980 حددت الأشخاص المشتبه فيهم - الخطرون على الأمن والنظام العام هم الذين تقوم بهم خطورة خاصة على الأمن والنظام تستند إلى وقائع حقيقية منتجة في الدلالة - يجب أن يرتكب الشخص فعلاً وشخصياً أموراً من شأنها أن تصفه بهذا الوصف.
(د) اعتقال.
يشترط أن تكون حالة الاشتباه أو الخطورة على الأمن والنظام العام قائمة بالشخص وقت صدور قرار الاعتقال - الأثر المترتب على ذلك: لا يجوز التسليم بأن من قامت به هذه الحالة في وقت معين يفترض أن تستمر معه إلى ما لا نهاية ويصبح عرضة للاعتقال كلما أعلنت حالة الطوارئ - يتعين أن تتوافر الدلائل الجدية على استمرار الحالة مقرونة بوقائع جديدة تكشف عنها - مثال: في مجال الاشتباه لا يعتد بالحكم الجنائي إذا كان الشخص قد رد إليه اعتباره. وفي مجال الخطورة على الأمن والنظام العام لا تفترض هذه الصفة في جريمة أدين فيها شخص ونفذ العقوبة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق الثالث عشر من شهر يونيه سنة 1982 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد برقم 1260 لسنة 28 قضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة العقود والتعويضات) الصادر بجلسة 2/ 5/ 1982 في الدعوى رقم 1978 لسنة 34 قضائية والذي قضى بإلزام وزير الداخلية بصفته بأن يدفع للمدعي السيد/ فرنسيس لبيب كيرلس مبلغ أربعة آلاف جنيه والمصروفات، وطلبت الهيئة للأسباب التي تضمنها تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه برفض الدعوى، وتم إعلان تقرير الطعن إلى إدارة قضايا الحكومة في 14/ 7/ 1982.
وفي يوم الخميس الموافق الرابع والعشرين من شهر يونيه سنة 1982 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير الداخلية، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد برقم 1320 لسنة 28 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري المشار إليه في الطعن رقم 1260 لسنة 28 قضائية وطلب الطاعن للأسباب التي تضمنها تقرير الطعن الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده. وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 21/ 8/ 1982.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعنين انتهت فيه للأسباب التي ارتأتها إلى رفض طلب وقف التنفيذ وبقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً مع إلزام وزير الداخلية بالمصروفات.
وحدد لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) جلسة 17/ 10/ 1984 وفيها قررت الدائرة ضم الطعنين ليصدر فيهما حكم واحد، وتأجيل نظر الطعنين لجلسة 17/ 11/ 1984 ثم لجلسة 2/ 1/ 1985 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظرهما بجلسة 22/ 1/ 1985 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة، حسبما تبين من الأوراق، تخلص في أن السيد فرنسيس لبيب كيرلس أقام الدعوى رقم 1978 لسنة 34 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في 7/ 7/ 1980 ضد رئيس الجمهورية ووزير الداخلية وطلب فيها الحكم بإلزامهما متضامنين بتعويضه تعويضاً مناسباً عن الأضرار المادية والأدبية التي سببها اعتقاله في 22/ 8/ 1961 وفي 17/ 5/ 1969 مع إلزامهما بالمصروفات، وقال شرحاً لدعواه أنه قبض عليه في 23/ 8/ 1958 في قضية سياسية وصدر ضده حكم جنائي بالحبس تم تنفيذه حتى 21/ 8/ 1961 ثم اعتقاله من اليوم التالي لانتهاء تنفيذ عقوبته، وظل معتقلاً في جوف الصحراء بالواحات الخارجة إلى أن أفرج عنه في 16/ 4/ 1964، وكان هذا الاعتقال بلا سبب ومخالفاً للقانون وتم تنفيذه في جو يسوده الإرهاب ومورست ضده وزملائه المعتقلين صنوف من التعذيب والمهانة والتجريح مما أضر به ضرراً بليغاً، وفي 17/ 5/ 1969 أعيد اعتقاله مرة أخرى بلا سبب إلى أن أفرج عنه في 17/ 5/ 1970 ونعى المدعي على قراري اعتقاله انعدام السبب ومخالفة القانون والانحراف بالسلطة، وقد لحق به من جراء القرار الأول تأخر تخرجه من الجامعة مدة خمس سنوات حيث كان طالباً بكلية الآداب عام 1958، وتخرج سنة 1967 وفقد الدخل الذي كان يعيش عليه من القطاع الخاص خلال تعليمه، ولحق به من القرار الثاني فقد مرتبه الذي كان يتقاضاه من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية مدة عشرين شهراً بخلاف الحوافز والبدلات، هذا علاوة على الأضرار النفسية التي لحقت به نتيجة لفقد حريته الشخصية وتأخر زواجه ووفاة والده وهو في المعتقل، وردت إدارة قضايا الحكومة على الدعوى بمذكرة دفعت فيها الدعوى بالتقادم وأبدت أن المدعي ضبط عام 1951 يوزع منشورات شيوعية، وثم أعيد ضبطه في القضية رقم 217 لسنة 1953 عسكرية عليا تنظيم شيوعي، وفي 22/ 9/ 1958 اعتقل استناداً إلى قانون الأحكام العرفية رقم 553 لسنة 1954 وقدم للمحاكمة في القضية رقم 17 لسنة 1958 عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، ولا حجة فيما ذهب إليه المدعي أنه اعتقل لأغراض سياسية لا علاقة لها بالصالح العام لأنه سبق القبض عليه في قضايا التنظيم الشيوعي منذ عام 1951 وهذا يكفي لترجيح خطورته على الأمن والنظام العام مما يجوز معه اعتقاله، وبجلسة 2/ 5/ 1982 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه، وأسست المحكمة قضاءها على أن المادة 57 من الدستور الصادر سنة 1971 ألغت التقادم بالنسبة إلى الاعتداء على الحرية الشخصية وذلك قبل اكتمال مدة التقادم الخاص بالتعويض المطلوب، وإن جهة الإدارة لم تقدم سبباً لاعتقال المدعي سوى ما أبدته إدارة قضايا الحكومة في مذكرتها وهو سبق صدور حكم جنائي بسجن المدعي مدة ثلاث سنوات في قضية تنظيم شيوعي، وهو لا يكفي لإسباغ المشروعية على قراري الاعتقال، لأنه وقد استوفى العقوبة المقررة فلا يجوز تقييد حريته مدة أطول من مدة العقوبة وإلا تحولت العقوبة من مدة محددة إلى مدة غير محددة بغير سند من القانون ما دام لم تنسب إليه وقائع مادية محددة بعد انتهاء مدة العقوبة ثم خلال المدة من 4/ 4/ 1964 حتى 22/ 5/ 1968 شكل خطورة على الأمن والنظام العام الأمر الذي يتوافر معه ركن الخطأ الموجب للمسئولية الإدارية، أما بالنسبة إلى ركني الضرر وعلاقة السببية، فليس ثمة شك في أن الاعتقال في ذاته يترتب عليه أضرار جسيمة تتمثل في تقييد حرية المدعي وحرمانه من مورد رزقه فضلاً عن الأضرار الأدبية والآلام النفسية.
ومن حيث إن الطعن رقم 1260 لسنة 28 قضائية يقوم على أن المطعون ضده يعتبر مشتبهاً فيه وبماضيه السابق على الاعتقال يعد خطراً على الأمن والنظام العام ولذا يعتبر قرار الاعتقال سليماً وينتفي الخطأ في دعوى التعويض، ولا ينال من ذلك أن الاعتقال تم مباشرة بعد قضاء مدة العقوبة الجنائية إذ لا يشترط في حالة الاشتباه أو الخطورة على الأمن أن تكون سابقة على الاعتقال مباشرة وإنما تقوم في الشخص بماضيه البعيد والقريب على السواء، والاعتقال يتم في ظروف بالغة الدقة لا تحتمل التردد ولا يؤثر في سلامته شموله من نطق ماضيه بخطورته وإن سلم حاضره منها بل أن تنفيذ الحكم بالعقوبة يدعم الاشتباه ويؤكد الخطورة على الأمن والنظام العام.
ومن حيث إن الطعن رقم 1320 لسنة 28 قضائية يقوم على أن قرار الاعتقال يقوم على أسباب صحيحة تبرره مما لا يجوز معه التعويض عنه، فالمادة 3 من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن الطوارئ تعطي رئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يعتقل المشتبه فيهم والخطرين على الأمن والنظام العام، والثابت أن حالة الطوارئ كانت معلنة وقت اعتقال المطعون ضده، وتحققت جهات الأمن من خطورته على الأمن العام على نحو يسوغ اعتقاله، وهي القادرة دون غيرها على التعرف على الخطرين بحكم وظيفتها ومن المتعين أن يترك لها تقرير ذلك دون تعقيب عليها خاصة وأن الخطورة تقوم على مجرد استدلالات لا ترقى إلى مرتبة الدليل الحاسم على ارتكاب جرائم معينة تخضع لقانون العقوبات، والمطعون ضده من الأعضاء البارزين في التنظيم الشيوعي وسبق اعتقاله أكثر من مرة لنشاطه غير المشروع في هذا التنظيم بل وصدر ضده حكم جنائي بالسجن لمدة ثلاث سنوات في القضية رقم 17 لسنة 1958 عسكرية عليا مما يقطع بوجود السبب المبرر للاعتقال، وفضلاً عن ذلك فإن الحكم المطعون فيه قضى بتعويض للمطعون ضده دون بيان عناصر الضرر إلى عوض عنها كما بالغ في تقدير التعويض مما يجعله مخالفاً للقانون خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن أساس مسئولية الحكومة عن القرارات الإدارية الصادرة منها وجود خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإداري غير مشروع وأن يترتب عليه ضرر وأن تقوم علاقة سببية بين الخطأ والضرر ومقتضى ذلك التصدي لمشروعية القرار الصادر باعتقال المطعون ضده السيد فرنسيس لبيب كيرلس واستظهار ما لحقه من الضرر من جرائمه.
ومن حيث إن نظام الطوارئ في مصر هو نظام أرسى الدستور أساسه، ووضع القانون قواعده، ويخضع بطبيعته لمبدأ سيادة القانون ورقابة القضاء، وهو كأصل عام، ليس نظاماً طبيعياً، وإنما هو نظام استثنائي، يجد مبرراته فيما يعترض حياة الدولة من ظروف وأحداث تعرض أمن البلاد وسلامتها للخطر، ولذا فإن هذا النظام، شأن كل استثناء، لا يسوغ القياس عليه ولا التوسع في تفسيره، بل يتعين التقيد بما ورد في شأنه من نصوص صريحة على سبيل الحصر، والتزاماً بقاعدة التفسير الضيق للاستثناءات.
ومن حيث إن المادة 3 من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، التي اعتقل المطعون ضده في ظلها، تقضي بأن لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير الآتية:
1 - وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة، والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم، والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وكذلك......
ومن حيث إن من المسلمات أن لكل قرار إداري سبب يقوم عليه باعتباره تصرفاً قانونياً والأصل أن يكون لجهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة في اختيار الأسباب التي تقيم عليها قراراتها، ما لم يقيدها المشرع بتحديد سبب معين لإصدار القرار كما هو الشأن في قرارات الاعتقال التي تصدر في حالة الطوارئ، فقد قصرتها المادة 3 من القانون رقم 162 لسنة 1958 المشار إليها على المشتبه فيهم والخطرين على الأمن والنظام العام.
ومن حيث إن المقصود بالمشتبه فيهم في تطبيق قانون الطوارئ المشار إليه هو المعنى الاصطلاحي لهذه العبارة الذي حدده المشرع في القانون رقم 98 لسنة 1945 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم ذلك أن هذا القانون استعمل نفس العبارة في عنوانه وفي المادة الخامسة منه التي تضمنت تعريفاً للمشتبه فيهم، فإذا جاء قانون لاحق مستعملاً نفس العبارة، فالأصل أنه قصد معناها الذي أخذ به في القوانين القائمة طالما لم يحدد لها معنى آخر، ويعزز هذا النظر أن القانون رقم 533 لسنة 1954 بشأن الأحكام العرفية كأن يجيز اعتقال ذوي الشبهة، وهي عبارة تختلف عن عبارة المشتبه فيهم التي استعملها القانون رقم 98 لسنة 1945 المشار إليه ولذلك أخذت المحكمة الإدارية العليا في تفسيرها بالمعنى اللفظي أو اللغوي الذي يشمل كل من تحوم حوله شبهة سواء ممن ينطبق عليهم القانون رقم 98 لسنة 1945 أو من غيرهم وذلك في حكمها الصادر بجلسة 23/ 3/ 1963 في الطعن رقم 1720 لسنة 6 قضائية أما القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ الذي حل محل القانون رقم 533 لسنة 1945 بشأن الأحكام العرفية، فقد أجاز اعتقال المشتبه فيهم، وهي عبارة تختلف عن عبارة ذوي الشبهة التي وردت في القانون رقم 533 لسنة 1945 المشار إليه، وهذه المغايرة لا تعني سوى أن القانون رقم 162 لسنة 1958 قصد التزام العبارة الواردة في القانون رقم 98 لسنة 1945 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم أي أنه قصد المعنى الاصطلاحي لها دون المعنى اللفظي أو اللغوي وهو ما أخذت به المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 27/ 5/ 1978 في الطعن رقم 675 لسنة 22 قضائية، ولا خلاف بين الحكمين المشار إليهما لأنهما لا يفسران نصاً واحداً وإنما يفسران عبارتين مختلفتين ويعزز النظر المتقدم أيضاً أن المعنى الاصطلاحي لعبارة المشتبه فيهم أضيق من معناها اللفظي أو اللغوي ولذا فإن المعنى الاصطلاحي يرجح المعنى اللغوي وفقاً لقاعدة التفسير الضيق للاستثناءات التي يتعين الالتزام بها في تفسير قانون الطوارئ كما سلف البيان. هذا وقد نصت المادة الخامسة من القانون رقم 98 لسنة 1945 بشأن المتشردين والمشتبه فيهم معدلة بالقانون رقم 110 لسنة 1980 على الآتي (يعد مشتبهاً فيه كل شخص تزيد سنه على ثماني عشرة سنة حكم عليه أكثر من مرة في إحدى الجرائم الآتية: أو اشتهر عنه لأسباب مقبولة إنه اعتاد ارتكاب بعض الجرائم أو الأفعال الآتية:
1 - الاعتداء على النفس أو المال أو التهديد بذلك.
2 - الوساطة في إعادة الأشخاص المخطوفين أو الأشياء المسروقة أو المختلسة.
3 - تعطيل وسائل المواصلات أو المخابرات ذات المنفعة العامة.
4 - الاتجار بالمواد السامة أو المخدرة أو تقديمها للغير.
5 - تزييف النقود أو تزوير أوراق النقد الحكومة أو أوراق البنكنوت الجائز تداولها قانوناً في البلاد أو تقليد أو ترويج شيء مما ذكر.
6 - جرائم شراء المواد التموينية الموزعة عن طريق مؤسسات القطاع العام والجمعيات التعاونية الاستهلاكية وفروعها إذا كان ذلك لغير الاستعمال الشخصي ولإعادة البيع.
7 - الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة.
8 - جرائم المفرقعات والرشوة واختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر المنصوص عليها في الأبواب الثاني مكرراً والثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.
9 - الجنايات والجنح المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج المنصوص عليها في الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.
10 - جرائم هرب المحبوسين وإخفاء الجناة المنصوص عليها في الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات.
11 - جرائم الاتجار في الأسلحة.
12 - إعداد الغير لارتكاب الجرائم أو تدريبهم على ارتكابها ولو لم تقع جريمة نتيجة لهذا الإعداد أو التدريب.
13 - إيواء المشتبه فيهم وفقاً لأحكام هذا القانون بقصد تهديد الغير أو فرض السيطرة عليه.
14 - جرائم التدليس والغش المنصوص عليها في القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش.
ويلاحظ أن هذه المادة قبل تعديلها بالقانون رقم 110 لسنة 1980 لم تكن تنص على البنود من 6 إلى 14 التي أضيفت إليها بالقانون المذكور الذي عمل به من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية في 31/ 5/ 1980.
ومن حيث إن الخطرين على الأمن والنظام العام يقصد بهم الأشخاص الذين تقوم بهم خطورة خاصة على الأمن والنظام العام تستند إلى وقائع حقيقية منتجة في الدلالة على هذا المعنى، ويجب أن تكون هذه الوقائع أفعالاً يثبت ارتكاب الشخص لها ومرتبطة ارتباطاً مباشراً بما يراد الاستدلال عليه بها وبمعنى آخر لكي يعتبر الشخص خطراً على الأمن والنظام العام يتعين أن يكون قد ارتكب فعلاً وشخصياً أموراً من شأنها أن تصمه حقاً بهذا الوصف.
ومن حيث إنه ولئن كان لا يشترط في النشاط الذي يضفي على القائم به حالة الاشتباه أو الخطورة على الأمن والنظام العام، أن يكون سابقاً على الاعتقال مباشرة، لأنها حالة تقوم في الشخص بماضيه البعيد والقريب على السواء، إلا أنه ينبغي أن تكون هذه الحالة قائمة بالشخص وقت صدور قرار الاعتقال، فلا يمكن التسليم بأن من قامت به هذه الحالة في وقت معين يفترض أن تستمر معه إلى ما لا نهاية ويكون عرضه للاعتقال كلما أعلنت حالة الطوارئ، وإنما يتعين أن تتوافر الدلائل الجدية على استمرار الحالة المذكورة به بوقائع جديدة تكشف عنها، وعلى سبيل المثال، فإنه في مجال الاشتباه لا يعتد بالحكم الجنائي إذا كان الشخص قد رد إليه اعتباره عنه سواء بحكم من المحكمة الجنائية المختصة أو بحكم القانون، وفي مجال الخطورة على الأمن والنظام العام لا تفترض هذه الصفة من جريمة أدين فيها شخص نفذ العقوبة المحكوم عليه فيها لأن المفروض أن العقوبة قد حققت غايتها في ردعه وزجره، وإنما تستشف عن وقائع جديدة منسوبة إليه يكون قد ارتكبها بعد تنفيذ العقوبة.
ومن حيث إنه ورد في مذكرة مباحث أمن الدولة عن المطعون ضده:
1 - إنه شيوعي سبق ضبطه بتاريخ 23/ 11/ 1951 في القضية رقم 364/ 51 ح أمن الدولة العليا لقيامه بتوزيع منشورات شيوعية.
2 - أعيد ضبطه لاتهامه في القضية رقم 217/ 53 عسكرية عليا - تنظيم شيوعي.
3 - بتاريخ 22/ 9/ 1958 صدر قرار جمهوري باعتقاله حيث اتهم في القضية رقم 17 عسكرية عليا 1958 وحكم عليه بالسجن 3 سنوات وغرامة 50 جنيهاً ولما أوفي مدة العقوبة في 18/ 11/ 1961 رحل للمعتقل حتى أفرج عنه في 4/ 4/ 1964.
4 - أعيد اعتقاله لنشاطه الشيوعي في 22/ 5/ 1969 وأفرج عنه في 17/ 5/ 1970 تنفيذاً للحكم الصادر من محكمة أمن الدولة العليا في التظلم المقدم منه.
ومن حيث إن حاصل ما ورد في مذكرة المباحث المشار إليها أن المطعون ضده له نشاط شيوعي يتمثل في اشتراكه في تنظيم شيوعي وفي توزيع منشورات شيوعية، وهذا النشاط بشقيه لا تنطبق عليه أي من حالات الاشتباه المنصوص عليها في المادة الخامسة من القانون رقم 98 لسنة 1945 سواء قبل تعديلها بالقانون رقم 110 سنة 1980 أو بعده، فالنشاط الشيوعي مؤثم في الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل (الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات) في حين أن جرائم الاشتباه مقصورة على الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الخارج المنصوص عليها في الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات. وفضلاً عن ذلك فإن هذه الجنايات والجنح أضيفت إلى جرائم الاشتباه سنة 1980 أي بعد اعتقال المطعون ضده والإفراج عنه، ولذا فإن قراري اعتقاله لا يقومان على اعتباره من المشتبه فيهم بالمعنى الذي حدده القانون رقم 98 لسنة 1945.
ومن حيث إن الجهة الإدارية استندت في اعتقال المطعون ضده إلى نشاطه الشيوعي الذي يجعله خطراً على الأمن والنظام العام، ذلك النشاط الذي ثبت في حقه بالحكم الصادر بالإدانة في القضية رقم 17 عسكرية عليا سنة 1958 بمعاقبته بالسجن ثلاث سنوات انتهت في 18/ 11/ 1961 وإذ اعتقل المطعون ضده عقب قضاء مدة العقوبة مباشرة مما يستحيل معه القيام بأي نشاط شيوعي جديد يستدل منه على استمرار خطورته على الأمن والنظام العام، وأعيد اعتقاله بعد ذلك سنة 1969 دون أن تبين الجهة الإدارية الوقائع الثابتة التي استدلت منها على عودته إلى النشاط الشيوعي، فإن اعتقاله في المرتين بوصفه خطراً على الأمن والنظام العام يكون غير قائم على سند صحيح من الوقائع، ويعتبر مخالفاً للقانون، الأمر الذي يتحقق به ركن الخطأ في المسئولية الإدارية.
ومن حيث إنه مما لا ريب فيه إن اعتقال المطعون ضده قد أصابه بأضرار مادية تتمثل في تأخير تخرجه من الجامعة والحيلولة دون كسب رزقه كما أصابه بأضرار أدبية تتمثل في فقد حريته الشخصية وهي أثمن ما يعتز به الإنسان، فإذا ما قدر له الحكم المطعون فيه تعويضاً جزافياً عن هذه الأضرار بمبلغ أربعة آلاف جنيه فإنه لا يكون قد غالى في التقدير.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه ووافق صحيح حكم القانون، الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض الطعنين وإلزام وزير الداخلية بالمصروفات عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة المصروفات.


(1) بمثل هذا المبدأ قضت ذات المحكمة بذات الجلسة في الطعون الرقيمة 810، 1271، 1435 لسنة 28 القضائية.