مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 768

(115)
جلسة 16 من مارس سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 347 لسنة 28 القضائية

أموال الدولة الخاصة - التعدي عليها - إزالته بالطريق الإداري - عقد البيع العرفي.
قرار إزالة التعدي لا يزعزعه بحسب الظاهر عقد البيع العرفي اللاحق، إذ لا ينبئ بذاته عن أن البائع كان مالكاً للأرض محل هذا العقد - مفاد العقد العرفي تراضي طرفيه على البيع والشراء بالشروط المتفق عليها بينهما - لا يخل ذلك بحق الملكية الذي قد يثبت للغير على هذه الأرض وما يخوله هذا الحق لصاحبه من مكنة دفع التعدي الواقع عليها واسترداد حيازتها بالطريق الإداري الذي رسمه القانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 13 من فبراير سنة 1982 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسكك الحديدية قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 347 لسنة 28 القضائية ضد السيد أحمد كامل عبد الحافظ عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 29 من ديسمبر سنة 1981 في الدعوى رقم 1266 لسنة 35 القضائية المقامة من المطعون ضده ضد الطاعن الذي قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الهيئة العامة للسكك الحديدية المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن قانوناً وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم:
أولاً: بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بمصاريف هذا الطلب.
ثانياً: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 21 من مايو سنة 1984 وبجلسة 7 من يناير سنة 1985 أمرت الدائرة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضده بمصروفات هذا الطلب وقررت إحالة الطعن إلى (الدائرة الأولى) بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 26 من يناير سنة 1985 وفي هذا الجلسة نظرته المحكمة وبعد أن سمعت ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بموجب عريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بتاريخ 18/ 3/ 1981 أقام أحمد كامل عبد الحافظ الدعوى رقم 1266 لسنة 35 القضائية ضد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للسكك الحديدية طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر من الهيئة العامة للسكك الحديدية بإزالة التعدي المنسوب إليه على الأرض الموضحة الحدود والمعالم بعريضة الدعوى وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وإلزام المدعى عليه المصروفات.
وجاء في بيان الدعوى أنه بموجب عقد بيع مؤرخ 1/ 3/ 1968 باعت السيدة خيرية محمود عبد الرحمن للمدعي قطعة أرض فضاء مساحتها أربعة أفدنة بناحية أبي زعبل مركز الخانكة محافظة القليوبية بحوض الدائرة العلوية الموضحة الحدود والمعالم في عقد البيع وذلك بثمن قدره 1000 (ألف جنيه) وقد استصدر حكماً في الدعوى رقم 286 لسنة 1979 بتاريخ 10/ 4/ 1979 قضى بالمصادقة على عقد الصلح المؤرخ 9/ 4/ 1979 الموقع عليه من البائعة وإلحاقه بمحضر الجلسة لإثبات محتواه وجعله في قوة السند التنفيذي - وأقام المدعي في عام 1968 على جزء من هذه الأرض فيلا والجزء الباقي أرض فضاء صالحة للبناء جار بشأنها إعداد مشروع تقسيم وقد تصرف في البعض منها بالبيع. وقد فوجئ بحضور بعض العاملين بورش السكك الحديدية لإخطاره بصدور قرار إداري من الهيئة المدعى عليها بإزالة الفيلا والاستيلاء على الأرض بالقوة الجبرية فحرر محضراً بقسم الشرطة عن هذه الواقعة إلا أن هؤلاء العاملين عاودوا هجومهم على الأرض بحجة أنها ملك الهيئة ولما طالبهم بصورة القرار الصادر في هذا الشأن امتنعوا عن ذلك، ولما كان هذا القرار فيما لو صح صدوره ينطوي على اعتداء على ملكيته دون سند من القانون فقد أقام هذه الدعوى للحكم بالطلبات المتقدمة. ولم تعقب الهيئة المدعى عليها على الدعوى بأي تعقيب.
وبجلسة 29 من ديسمبر سنة 1981 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه الذي قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الهيئة العامة للسكك الحديدية المصروفات.
وأقامت قضاءها على أن المدعي يحمل حكماً قضائياً في الدعوى رقم 286 لسنة 1979 مدني قليوب بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر إليه من السيدة خيرية محمود عبد الرحمن بتاريخ 1/ 3/ 1968 وقد أقرت المحكمة الصلح المبرم بين الطرفين في هذا الشأن وقضت بإلحاقه بمحضر الجلسة وإثبات محتواه وجعله في قوة السند التنفيذي ولم تقدم الهيئة المدعى عليها ما يضحد هذا السند أو ما يدلل على ملكيتها للأرض موضوع النزاع أو ما يثبت اعتداء المدعى عليها وبالتالي فإن قرار الهيئة بإزالة التعدي بفرض صدوره بحسب الظاهر من الأوراق لا سند له من القانون ويتحقق من ثم ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه كما يتحقق أيضاً ركن الاستعجال في هذا الطلب لما يترتب على القرار من مساس بملكية المدعي وبحيازته للأرض..
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه القانون والخطأ في تطبيقه، فقد صدر القرار رقم 372 (الرقم الصحيح 373) بتاريخ 15/ 3/ 1981 بإزالة التعديات الواقعة على أملاك الهيئة الطاعنة ومن بينها الأرض موضوع النزاع، ولما كان سند ملكية الهيئة عقود بيع نهائية مسجلة منذ عام 1930 على نحو ما هو موضح بالمستندات المرفقة بعريضة الطعن فإن اعتبار هذه الأرض مملوكة للمطعون ضده على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس من القانون. يضاف إلى ذلك أن هذا الحكم قد أخطأ حين استند إلى أن المدعي يحمل حكماً قضائياً في الدعوى رقم 289 (الرقم الصحيح 286) لسنة 1979 مدني قليوب بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 1/ 3/ 1968 فلم يسجل هذا العقد ولا الحكم الصادر في شأنه والذي بموجبه أمرت المحكمة بإلحاق محضر الصلح الذي حرره المدعي مع البائعة له بمحضر الجلسة، وذلك يدل دلالة قاطعة على أن الأرض مسجلة باسم الهيئة الطاعنة وأنه لم يكن بالإمكان تسجيل عقد المطعون ضده، فضلاً عن أن عقد البيع الابتدائي والدعوى المتعلقة به لم تكن الهيئة طرفاً في أي منهما وبالتالي لا حجية للحكم المشار إليه قبلها.
ومن حيث إن الأصل في القرارات الإدارية أن تكون واجبة النفاذ ولا يقضي بوقف تنفيذها إلا بتحقق ركنين:
الأول: الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
الثاني: يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون إدعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية يرجح معها الحكم بالإلغاء.
ومن حيث إن الظاهر من أوراق الطعن أن مستندات الهيئة الطاعنة التي سوغت لها إصدار قرار إزالة التعدي المطلوب وقف تنفيذه أقوى وأرجح من المستندات المقدمة من المطعون ضده في صدد المنازعة حول مشروعية هذا القرار. ذلك أن الهيئة تقدمت بصورة عقد بيع مسجل برقم 4433 مؤشر عليه بالاستلام في 1/ 4/ 1930 يفيد ملكيتها لمساحة من الأراضي بناحية أبي زعبل مركز شبين القناطر محافظة القليوبية جملتها 16 س 2 ط 515 ف وظاهر من العقد أنها تملكتها بطريق الشراء من بلدية الإسكندرية لإضافتها للمنفعة العامة لزوم مشروع ورش وابورات سكك حديد الحكومة المصرية بأبي زعبل وأقرت الجهة البائعة في هذا العقد أنها تملكت العقارات المذكورة بطريق الشراء من تفليسة الخواجة سوتر وشركاه بمقتضى عقد مسجل بمحكمة مصر المختلطة بتاريخ 21 أغسطس سنة 1889 نمرة 3532 وعقد قسيمة مسجل بمحكمة مصر المختلطة بتاريخ 19 أغسطس سنة 1889 نمرة 3612 وأوضحت الخرائط المساحية حدود الأراضي التي تملكتها الهيئة بمقتضى عقد البيع المشار إليه. وإذا كان ذلك هو سند الهيئة في إصدار قرار إزالة التعدي مثار المنازعة الماثلة فلا يزعزعه بحسب الظاهر عقد البيع العرفي اللاحق الذي حرره المدعي مع البائعة له بتاريخ 1/ 3/ 1968 فهو لا ينبئ بذاته عن أن البائعة المذكورة كانت مالكة للأرض محل هذا العقد أو أن المدعي قد غدا مالكاً لها بمقتضاه وكل ما يستفاد من هذا العقد العرفي هو تراضي طرفيه على البيع والشراء بالشروط المتفق عليها بينهما ولا يخل ذلك بطبيعة الحال بحق الملكية الذي قم يثبت للغير على هذه الأملاك، وما يخوله هذا الحق لصاحبه من مكنة دفع التعدي الواقع عليها واسترداد حيازتها بالطريق الذي رسمه القانون. أما الحكم الذي استصدره المدعي في القضية رقم 286 لسنة 1979 مدني قليوب بتاريخ 10/ 4/ 1979 والمؤشر عليه بأنه غير ناقل للتكليف وتم شهره برقم 1732 في 2/ 5/ 1979 فهو ليس من قبيل الأحكام التي تصدر بصحة ونفاذ عقد البيع التي يقوم تسجيلها مقام تسجيل العقد في نقل الملكية. ذلك أن هذه الأحكام تقتضي البحث فيما عساه أن يثار من منازعات بشأن ملكية البائع للمبيع كله أو بعضه ولا يجاب المشتري إلى طلبه صحة ونفاذ العقد إلا إذا كان انتقال الملكية إليه جائزاً وممكناً وليس ذلك هو شأن الحكم الذي استند إليه المدعي والذي اقتصر على التصديق على عقد الصلح المؤرخ 9/ 4/ 1979 فانحصر أثره في التزام طرفي الصلح بما تم التصديق عليه بمقتضى هذا الحكم دون القضاء بشيء فيما يتعلق بأصل الملكية وبحقوق ذوي الشأن في هذا الخصوص.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون القرار المطعون فيه بحسب الظاهر قد سانده القانون ولا يتحقق بالتالي ركن الأسباب الجدية في طلب وقف تنفيذه الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الطلب وإلزام الطالب بالمصروفات.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد قضى بغير ذلك فإنه يكون قد خالف القانون مستوجباً الإلغاء والقضاء برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعي المصروفات.