مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 773

(116)
جلسة 16 من مارس سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح محمد إبراهيم صقر وحسن حسنين علي ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعنان رقما 396 و470 لسنة 30 القضائية

اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - قرارات المدعي العام الاشتراكي.
المواد 16 و21 و34 و35 و38 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980 - إلى جانب الاختصاصات التي يباشرها المدعي العام الاشتراكي بوصفه سلطة تحقيق وإدعاء أمام محكمة القيم، فإنه يمارس نوعاً آخر من الاختصاصات تدخل في نطاق الوظيفة الإدارية للسلطة التنفيذية له بمقتضاها حق الاعتراض على أسماء المرشحين لعضوية المجالس الشعبية أو لرياسة وعضوية الجهات الأخرى - القرارات التي يتخذها في نطاق هذه الوظيفة ما هي إلا قرارات إدارية بطبيعتها - يدخل في اختصاص مجلس الدولة ولاية الفصل في الطعون بطلب إلغائها والتعويض عنها - التظلم من هذه القرارات أمام محكمة القيم لا يعدو أن يكون من قبيل التظلم الإداري رأى المشرع أن يوكله إلى جهة أخرى - وهو لا يرقى إلى مرتبة الدعوى القضائية التي تستهدف إلغاء القرار - يؤكد ذلك - وصف المشرع في المادة 21 لالتجاء المعترض على ترشيحه لمحكمة القيم بأنه تظلم في الوقت الذي نص فيه على اختصاص المحكمة بالفصل في جميع الدعاوى التي يقيمها المدعي العام الاشتراكي، الأمر الذي يفيد أن المشرع قصد المغايرة بين لفظ الدعوى ولفظ التظلم بما يحمله كلاهما من مدلول قانوني. أثر ذلك - أن ولاية محكمة القيم تقف عند الفصل في التظلم دون أن تصادر حق صاحب الشأن في مخاصمة هذا القرار أمام مجلس الدولة باعتباره القاضي الطبيعي بنظر هذه المنازعة بحكم الدستور فضلاً على أن التظلم إلى محكمة القيم تتحسر عنه صفة الطعن الموازي - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 24 من نوفمبر سنة 1983 أودع الأستاذ أحمد نبيل الهلالي المحامي بصفته وكيلاً عن مجدي سيد سعفان قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 396 لسنة 30 القضائية، ضد المدعي العام الاشتراكي ووزير القوى العاملة ورئيس الاتحاد العام لنقابات العمال بصفاتهم، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 9 من أكتوبر سنة 1983 في الدعوى رقم 5859 لسنة 37 ق، والقاضي بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظرها، وبإحالتها إلى محكمة القيم للفصل فيها.
وطلب للأسباب الواردة بالتقرير قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، ثم بطلبات الطاعن فيها.
وفي 6 من ديسمبر سنة 1983 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة تقرير طعن في الحكم ذاته قيد برقم 470 لسنة 30 القضائية، وطلب لما ورد به من أسباب إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها وإعادتها إليها للفصل فيها. وأعلن الطعنان على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي فيهما أبدت فيه طلباتها. وعرض على دائرة فحص الطعون فقررت ضم الطعنين لارتباطهما وأحالتهما إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) وهذه المحكمة نظرت الطعنين على ما هو مبين بمحاضر جلساتها، حيث سمعت ما رأت لزوما له من إيضاحات ذوى الشأن، وقررت إرجاء إصدار الحكم في الطعنين إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع تخلص - على ما يبين من الحكم المطعون وسائر أوراق الطعنين - في أن مجدي سيد سعفان أقام في 27/ 9/ 1983 الدعوى رقم 5859 لسنة 37 ق. أمام محكمة القضاء الإداري، ضد المدعي العام الاشتراكي ووزير القوى العاملة ورئيس الاتحاد العام لنقابات العمال طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار المدعي العام الاشتراكي بالاعتراض على ترشيحه لعضوية مجلس إدارة الشركة الأهلية للصناعات المعدنية بأبي زعبل، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار "تأسيساً" على مخالفته للدستور الذي يكفل حرية الرأي وإنشاء النقابات والاتحادات، ولأحكام القانون رقم 35 لسنة 1967 الخاص بالنقابات العمالية، ولأحكام الشريعة الإسلامية التي لا تجيز تكفير المسلم، فضلاً عن عدم جدية سببه، إذ اعترض به على ترشيحه في الدورة 1979 - 1983 وقضت محكمة القضاء الإداري بإلغائه، ومذكرة مباحث أمن الدولة التي استند إليها اتهامه بأنه من الداعين إلى مذهب ينكر الأديان، عارية من الدليل وطلبت إدارة قضايا الحكومة الحكم أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى لاختصاص محكمة القيم بها وفصلها في تظلمه في 1/ 10/ 1983، كما دفعت بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها من تلك المحكمة، وفي الموضوع طلبت رفضها لقيام القرار على سببه، إذ للمدعي نشاط شيوعي اعترف به في تحقيقات نيابة أمن الدولة. وصمم المدعي على طلباته، كما طلب احتياطياً: وقف نظر الدعوى ليقيم الدعوى بعدم دستورية المادة 3 من القانون رقم 33 لسنة 1978، والمادة 21 من القانون رقم 95 لسنة 1980.
وبجلسة 9 من أكتوبر سنة 1983 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى ولائياً، وبإحالتها إلى محكمة القيم للفصل فيها، لما أوردته في أسباب حكمها من أن المستفاد من المواد 21، 34، 38 من قانون حماية القيم من العيب الصادر به القانون رقم 95 لسنة 1980 أن التظلم من قرارات المدعي العام الاشتراكي بالاعتراض على الترشيح لرياسة أو عضوية مجالس إدارة الجهات المبينة بها والطعن فيها ومناقشة مشروعيتها يكون لمحكمة القيم وفقاً للإجراءات وفي المواعيد المبينة به، فهي وحدها صاحبة الاختصاص دون غيرها بذلك، وعن طريقها يتحقق لأصحاب الشأن مزايا وضمانات قضاء الإلغاء، وتعتبر هيئة قضائية تختص بنظرها بحكم نهائي على مقتضى إجراءات قضائية تكفل حقوق الدفاع وأصول التقاضي بصفة عامة.
وفي هذا الحكم طعن المدعي أمام المحكمة الإدارية العليا، كما طعنت فيه هيئة مفوضي الدولة، بطعنيهما هذين، وطلباً إلغاءه والقضاء باختصاص المحكمة بنظر الدعوى وإعادتها إليها للفصل فيها.
ومن حيث إن مبنى الطعن الأول أن الحكم المطعون فيه شابه:
أولاً: عيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، إذ أنه مع تسليمه بأن القرار المطعون فيه قرار إداري، إلا أنه لم يرتب على ذلك أثره، بل فسر القانون رقم 95 لسنة 1980 على أساس أنه يحجب اختصاص القضاء الإداري برقابة مشروعيته، مع خلو القانون من نص بذلك، فما نظمه هو التظلم منه ولم يتعرض إلى دعوى الإلغاء، والتظلم ليس بديلاً عن الطعن القضائي، على ما سبق أن قضت به محكمة القضاء الإداري في حكمها في الدعوى رقم 3123 لسنة 35 ق، والمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 830 لسنة 20 ق.
ثانياً: ثم إن الحكم شابه القصور في التسبيب إذ التفت عن الدفع الذي أبداه المدعي بشأن عدم دستورية تلك المواد من القانون رقم 95 لسنة 1980. ولم يقف الدعوى ليرفع المدعي دعواه بذلك. أما الطعن الثاني، فيقوم على أن ذلك الحكم جانبه الصواب فيما انتهى إليه من أن التظلم إلى محكمة القيم يحقق لذي الشأن ضمانات قضاء الإلغاء ومزاياه، في حين أنه لا يتحقق فيه ذلك، إذ التقاضي هناك على درجة واحدة لا درجتين، كما في قانون مجلس الدولة، ولا يخوله مزية المطالبة بوقف التنفيذ وهي مرحلة من التقاضي أيضاً. يضاف إلى ذلك أن هناك قضاء "سابقاً" للمحكمة ذاتها انتهى إلى عكس النتيجة التي انتهى إليها حكمها هذا، إذ قضت في الدعوى رقم 934 لسنة 36 ق في 12/ 4/ 1983 بأن التظلم إلى محكمة القيم لا يعتبر دعوى، بل يظل محتفظاً بطبيعته كتظلم والقرار الصادر فيه لا يعتبر حكماً يحوز حجية الشيء المقضي، بل مجرد أمر ولائي. وقد ميز القانون رقم 95 لسنة 1980 بين الدعاوى التي تنظرها وبين التظلمات، فهي في هذه جهة تظلم من القرارات أسند إليها ذلك لأهمية تلك القرارات وأثرها. ولا يعتبر بديلاً عن الطعن قضاء بدعوى الإلغاء. وكذلك قضت المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 830 لسنة 20 ق، في 29/ 12/ 1979 بأن اختصاص محكمة أمن الدولة العليا بالفصل في التظلمات الناشئة عن فرض الحراسة طبقاً للمادة 3 من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 لا يستقيم اختصاصاً مانعاً من ولاية القضاء الإداري، صاحب الولاية العامة في المنازعات الإدارية (م 172 من الدستور) ولا يحول دون الطعن بالإلغاء، ولا يعد مقابلاً له يتساوى في الضمانات والآثار، ولذلك لا يحد من الاختصاص العام المعقود للقضاء الإداري في هذا الشأن.
ومن حيث إن المادة 68 من الدستور تنص على أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات التقاضي من المواطنين. ويحظر النص في القوانين على تحصين أي قرار إداري من رقابة القضاء، وتنص المادة 172 على أن "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية. ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى. وإيراد نص الفقرة الأخيرة من المادة 68 سالفة الذكر مع حكم المادة 172 التي تحدد اختصاصات مجلس الدولة باعتباره قاضي القانون العام في المنازعات الإدارية مبعثه ما درجت عليه بعض التشريعات السابقة على صدور دستور سنة 1971 من تحصين بعض القرارات الإدارية ضد الطعن بالإلغاء أو التعويض على نحو انطوى على افتئات على مجلس الدولة وتقليص اختصاصاته في رقابة مشروعية القرارات الإدارية، وكانت الحجة التي تذرعت بها تلك التشريعات أنه ما دام أن اختصاص مجلس الدولة قد نظمه القانون، فإنه يمكن بالقانون الحد منه، ومن ثم كان إيراد المشرع الدستوري لحكم المادتين 68، 172 من الدستور سالفتي الذكر، حتى لا يكون هناك جنوح عن مبدأ الشرعية أو مروق عن سيادة القانون.
وأصبح مجلس الدولة بذلك هو القاضي الطبيعي بالنسبة للمنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية بنص الدستور.
ومن حيث إنه إن صح القول - افتراضاً - بإمكان إسناد الفصل في بعض المنازعات الإدارية إلى جهات قضائية أخرى، وأن ذلك إنما يكون على سبيل الاستثناء من الأصل، وبالقدر وفي الحدود التي يقتضيها الصالح العام - فإنه يتعين لإعمال هذا الاستثناء أن يتم بنص صريح لا يحتمل اللبس أو التأويل، وأن لا يترتب على تقريره الإخلال بالضمانات الجوهرية والمزايا الرئيسية التي يكفلها التقاضي أمام مجلس الدولة.
وينبني على ذلك أنه في حالة غياب النص الصريح الذي يحجب اختصاص مجلس الدولة في نظر المنازعة الإدارية أو كان الطعن أمام الجهة الأخرى، لا يوفر أياً من هذه الضمانات أو تلك المزايا، كان حقاً لصاحب الشأن أن يلجأ إلى مجلس الدولة قاضيه الطبيعي بما يكفله حق التقاضي أمامه، إذ أن ذلك هو ما يتواءم وما جرت به نصوص المادتين 68، 172 من الدستور، ويحقق الغاية التي استهدفها المشرع الدستوري من إيراد هاتين المادتين في صلب الدستور.
ومن حيث إن المادة 16 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980 تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة (19) من هذا القانون" يتولى المدعي العام الاشتراكي دون غيره سلطة التحقيق والإدعاء أمام محكمة القيم بالنسبة للمسئولية عن الأفعال المنصوص عليها في هذا القانون.." كما تنص المادة 21 على أنه "يتعين على الجهات المختصة بالإشراف على الانتخابات لعضوية المجالس الشعبية أو رياسة أو عضوية مجالس إدارة التنظيمات النقابية أو الأندية والهيئات أو الشركات العامة أو المؤسسات الصحفية أو الجمعيات بجميع صورها بما فيها الجمعيات التعاونية والروابط إخطار المدعي العام الاشتراكي بأسماء المرشحين فور إقفال باب الترشيح. وللمدعي العام الاشتراكي أن يعترض على الترشيح في الأحوال ووفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة (3) من القانون رقم 33 لسنة 1978 وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ إخطاره. ويعتبر اعتراضه قراراً منه باستبعاد اسم المرشح من قوائم الترشيح تلتزم به الجهات المشار إليها. ولمن اعترض على ترشيحه أن يتظلم من قرار الاعتراض الصادر من المدعي العام الاشتراكي أمام محكمة القيم خلال ثلاثة أيام من تاريخ إعلانه بالاعتراض وتفصل المحكمة في التظلم على وجه السرعة، وتصدر حكمها في شأنه قبل الموعد المحدد لإجراء الانتخابات بأسبوع على الأقل، وإلا اعتبر الاعتراض كأن لم يكن، ويكون الحكم الصادر في التظلم غير قابل للطعن فيه بأي وجه" كما تنص المادة 34 على أن تختص محكمة القيم دون غيرها:
أولاً: بالفصل في جميع الدعاوى التي يقيمها المدعي العام الاشتراكي طبقاً للمادة 16 من هذا القانون.
ثانياً: كافة الاختصاصات المنصوص عليها في القانون رقم 34 لسنة 1971.
ثالثاً: الفصل في الأوامر والتظلمات التي ترفع طبقاً لأحكام هذا القانون.
رابعاً: الفصل في الحالات المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 53 لسنة 1973.
خامساً: الفصل في التظلمات من الإجراءات التي تتخذ وفقاً للمادة 74 من الدستور وتنص المادة 35 على أنه (لا يجوز الإدعاء المدني أمام محكمة القيم) كما تنص المادة 38 على أن تتبع في المحاكمة أمام محكمة القيم القواعد والإجراءات المبينة في هذا القانون وما لا يتعارض معها من القواعد والإجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإثبات وقانون الإجراءات الجنائية، ويكون لها الاختصاصات المقررة لسلطات التحقيق.
ومن حيث إنه يبين من النصوص المتقدمة أنه إلى جانب الاختصاصات التي يباشرها المدعي العام الاشتراكي بوصفه سلطة تحقيق وإدعاء أمام محكمة القيم، فإنه يمارس نوعاً آخر من الاختصاصات تدخل في نطاق الوظيفة الإدارية للسلطة التنفيذية، ويكون له بمقتضاها حق الاعتراض على أسماء المرشحين لعضوية المجالس الشعبية أو لرياسة وعضوية الجهات الأخرى المشار إليها في المادة 21 من قانون حماية القيم من العيب، وذلك في الأحوال ووفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة 3 من القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، والقرارات التي يتخذها المدعي العام الاشتراكي في نطاق هذه الوظيفة الإدارية ما هي إلا قرارات إدارية بطبيعتها، مما يدخل في اختصاص مجلس الدولة ولاية الفصل في الطعون بطلب إلغاء هذه القرارات أو التعويض عنها. وإذا كان قانون حماية القيم من العيب قد أجاز لمن اعترض المدعي العام الاشتراكي على ترشيحه التظلم من هذه القرارات أمام محكمة القيم، فإن هذا التظلم لا يعدو أن يكون من قبيل التظلم الإداري رأى المشرع أن يكل نظره، لجهة أخرى غير التي أصدرته، بالنسبة إلى أهمية القرار المتظلم منه، لما ينطوي عليه من مساس بالحرية الشخصية في الترشيح للجهات المنصوص عليه في المادة 21 من القانون سالف الذكر، وما يؤدي إليه من عزل المواطن وتقييد حركته في المساهمة في الأنشطة الاجتماعية والنقابية والمهنية في وطنه. ولا يرقى التظلم في هذه الحالة إلى مرتبة الدعوى القضائية التي تستهدف إلغاء هذا القرار، يؤكد ذلك أن المشرع بعد أن عبر في نص المادة 21 المشار إليها بلفظ التظلم إلى محكمة القيم عاد فنص في المادة 34 من القانون، في معرض بيان اختصاص محكمة القيم، على اختصاصها بالفصل في جميع الأوامر والتظلمات التي ترفع إليها طبقاً لأحكام القانون سالف الذكر، مؤكداً على وصف التجاء المعترض على ترشيحه لمحكمة القيم بأنه تظلم، هذا في الوقت الذي نص فيه في البند (أولاً) من المادة ذاتها على اختصاص المحكمة بالفصل في جميع الدعاوى التي يقيمها المدعي العام الاشتراكي طبقاً للمادة 16 من القانون، الأمر الذي يفيد أن المشرع قصد إلى المغايرة بين لفظ الدعوى في البند (أولاً) ولفظ التظلمات في البندين (ثالثاً) و(خامساً) من المادة 34 من القانون، بما يحمله كلاً اللفظين من مدلول قانوني، هذا إلى أن المادة 38 منه وقد جرى نصها على أن "تتبع في المحاكمة أمام محكمة القيم والقواعد والإجراءات المقررة في قانون حماية القيم، وما لا يتعارض معها من القواعد والإجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وقانون الإثبات وقانون الإجراءات الجنائية، إنما تؤكد أن التزام المحكمة بقواعد التقاضي وضماناته مقصور على المحاكمة التي تتم أمامها، دون التظلمات التي ترفع إليها.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم، أن ولاية محكمة القيم في نظر التظلمات التي ترفع إليها من قرارات المدعي العام الاشتراكي بالاعتراض على الترشيح لرياسة أو عضوية الجهات المشار إليها في المادة 21 من قانون حماية القيم من العيب تقف عند الفصل في التظلم دون أن تصادر حق صاحب الشأن في مخاصمة هذا القرار أمام مجلس الدولة باعتباره القاضي الطبيعي بنظر هذه المنازعة بحكم الدستور، وبحكم قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنة 1972 إذ ليس من نص مانع أو حاجب لاختصاص مجلس الدولة في نظر هذه المنازعة، ففضلاً على أن التظلم إلى محكمة القيم من هذه القرارات تنحسر عنه صفة الطعن المقابل أو الموازي بالمعنى السالف بيانه، إذ اختصاص محكمة القيم في بحث هذا التظلم يقصر عن القضاء للمتظلم بوقف تنفيذ القرار المتظلم منه كما يقصر عن القضاء له بالتعويض عما عساه أن يكون قد لحق به من ضرر بسبب هذا القرار، إلى جانب عدم قبول الطعن على ما فصلت فيه أمام محكمة القيم العليا، كل ذلك من شأنه انحسار صفة الطعن الموازي في التظلم من القرارات المشار إليها، لافتقار الطريق الذي رسمه القانون لنظره لكثير من الضمانات والمزايا التي يكفلها الطعن في القرار أمام مجلس الدولة.
ومن حيث إنه لا يغير مما تقدم أو ينال منه ما نصت عليه المادة 21 من قانون حماية القيم من العيب الصادر به القانون رقم 95 لسنة 1980 من أن تفصل المحكمة في التظلم على وجه السرعة وتصدر حكمها في شأنه قبل الموعد المحدد لإجراء الانتخابات بأسبوع على الأقل، ويكون الحكم الصادر في التظلم نهائياً..". ذلك أن عبارة الحكم في التظلم لا تجاوز في مدلولها في ضوء كل ما تقدم إيضاحه سوى سرعة الفصل في التظلم، ذلك أن الحكم لا يصدر إلا في خصومة قضائية على مقتضى أصول عامة وقواعد مرعية في التقاضي من شأنها إتاحة الفرصة لذوي الشأن في إبداء دفوعهم ودفاعهم طبقاً لقواعد إجرائية ينظمها القانون، وهو ما لا يتوفر في شأن التظلم على ما سبق البيان.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم فإن اختصاص محكمة القيم بالفصل في التظلمات التي تقدم إليها من القرارات التي يصدرها المدعي العام الاشتراكي بالاعتراض على الترشيح لرياسة أو عضوية الجهات المنصوص عليها في المادة 21 من قانون حماية القيم من العيب لا يسلب مجلس الدولة ولاية الفصل في الدعاوى التي تقام أمامه طعناً في هذه القرارات. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر وقضى بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القيم للفصل فيها، بأنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ويتعين من ثم القضاء بإلغائه وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها، وأبقت الفصل في المصروفات.