أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 812

جلسة 22 من إبريل سنة 1954
(121)
القضية رقم 328 سنة 22 القضائية

برياسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، ومصطفى فاضل، وأحمد العروسي، ومحمود عياد المستشارين.
ضرائب. المنشأة القائمة خارج القطر. شرط خضوعها للضريبة. تحديد معنى النشاط المستمر في مصر. مسألة موضوعية. المادة 33 من القانون رقم 14 لسنة 1939.
جرى قضاء هذه المحكمة بأن المادة 23 من القانون رقم 14 لسنة 1939 تستلزم لكي تخضع المنشأة للضريبة قيامها في مصر ومزاولتها أعمالاً تجارية أو صناعية بها، وفي حالة قيام المنشأة في الخارج أن يكون لها ممثلون في مصر خاضعون لأوامرها، فإذا لم يكن لها ممثلون أن تقوم في مصر بنشاط تجاري أي عمليات تجارية تتسم بسمة الاعتياد. وإذن فمتى كان كل ذلك غير متوافر في العملية المفردة التي قامت بها الشركة المطعون عليها، فإنها لا تخضع للضريبة ولا يغير من ذلك أن تكون الشركة قد باعت الصفقة التي اشترتها على دفعتين متى كانت محكمة الموضوع لم تر في هذه العملية ما يدل على وجود نشاط ثابت مستمر للشركة في مصر مما يخضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية، وكان تقرير المحكمة في هذا الخصوص هو تقرير موضوعي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطاعنة والمطعون عليها الأولى والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع كما يبين من الحكم المطعون فيه وباقي أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليها الأولى (شركة كلسيفيشيو وكوتونيفتشيو روبرتوفراري) هي شركة إيطالية مساهمة تشتغل بالنسيج. اشترت من مصر في 3 من سبتمبر سنة 1947 بوساطة المطعون عليها الثانية 1200 بالة من القطن بسعر 20.75 بنساً لليرة لتصديرها إلى إيطاليا ثم تعاقدت مع المطعون عليها الثانية على شراء 51 بالة في 26 من نوفمبر سنة 1947 بسعر 23.16 بنساً لليرة تسليم جنوا. ونظراً لارتفاع أسعار القطن بعد ذلك باعت المطعون عليها الأولى هذه الأقطان في مصر بفرق سعر مقداره نصف بنس لليرة وبذلك حققت ربحاً مقداره 2500 جنيهاً و875 مليماً واستبان ذلك للطاعنة عند فحصها حسابات للمطعون عليها الثانية فأرسلت إليها تنبيهين بدفع قيمة الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية والضريبة على الأرباح الاستثنائية عن هذا الربح وحددتهما بمبلغي 307 جنيهاً و608 مليماً و1578 جنيهاً و526 مليماً بما في ذلك الرسوم البلدية باعتبارها مسئولة عن هذه الضرائب. فطعنت المطعون عليها في هذين التنبيهين بالدعوى رقم 158 سنة 1950 تجاري الإسكندرية وطلبتا إلغاء التنبيهين المذكورين وإلزام الطاعنة بأن ترد إلى المطعون عليها الأولى مبلغ 1886 جنيهاً و134 مليماً والفوائد القانونية بواقع 5% سنوياً من الطلب حتى الوفاء. وفي 28 من إبريل سنة 1951 حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء التنبيهين المعلنين إلى محل رودوكاناكي وشركاه (المطعون عليها الثانية) بتاريخ 15 من نوفمبر سنة 1949 وإلزام مصلحة الضرائب (الطاعنة) بأن ترد لشركة كلسيفيشيو (المطعون عليها الأولى) مبلغ 1886 جنيهاً و134 مليماً والمصاريف المناسبة وعشرة جنيهات أتعاباً للمحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم وقيد استئنافها برقم 308 سنة 7 تجاري استئناف الإسكندرية كما استأنفته المطعون عليها الأولى في خصوص رفضه طلب الفوائد وقيد استئنافها برقم 47 سنة 8 تجاري. وفي 8 من مايو سنة 1952 حكمت محكمة استئناف الإسكندرية بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوعهما أولاً - برفض الاستئناف المرفوع من مصلحة الضرائب وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رد المبلغ المحكوم به. ثانياً - بقبول الاستئناف المرفوع من الشركة - المطعون عليها الأولى - وإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلب الفوائد وإلزام مصلحة الضرائب بأن تدفع إلى الشركة المستأنفة (المطعون عليها الأولى) فوائد المبلغ المحكوم برده بواقع 5% سنوياً ابتداء من 9 من يناير سنة 1950 لغاية 28 من أغسطس سنة 1950. فقررت الطاعنة بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على سبب واحد يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون من وجهين: الأول - إذ اشترط وهو في مقام تفسير عبارة منشأة مشتغلة في مصر أن يكون للمنشأة في مصر مكان خاص تزاول نشاطها فيه وقرر أن العملية موضوع الدعوى هي عملية فردية عرضية فلا تستحق الضريبة على الربح الناتج منها - مع أن المادة 33 من القانون 14 سنة 1939 مقتبسة من القانون الفرنسي الذي ينص على مبدأ إقليمية الضريبة ومع ذلك فإن مجلس الدولة في فرنسا وإن كان قد اتجه في البداية إلى التقرير بأن ضريبة الأرباح التجارية والصناعية لا تستحق على المنشآت الأجنبية ما دام ليس لها فروع أو مكاتب أو متاجر في فرنسا إلا أنه عدل أخيراً عن هذا الرأي وقضى بأن الضريبة الفرنسية تستحق عند القيام بنشاط صناعي أو تجاري معين في إقليم الدولة بصرف النظر عما إذا كان هذا النشاط قد تم أو لم يتم عن طريق منشأة كائنة في فرنسا أو في الخارج. وهذا القضاء هو الواجب الاتباع في مصر يؤيد ذلك أن المواد من 30 إلى 32 مكررة من القانون رقم 14 لسنة 1949 تفرض الضريبة على أرباح المهن والمنشآت دون أن تستلزم أن تكون هذه الأرباح نتيجة وجود منشأة ما بل تكتفي بأن تكون الأرباح نتيجة مزاولة مهنة معينة وأن المشرع في سنة 1949 أفصح عن إرادته في فرض الضريبة على نوع معين من أنواع الإيرادات المنقولة أو الأرباح التجارية والصناعية سواء أجاءت تلك الأرباح نتيجة منشآت بالمعنى الضيق أم لم تكن كذلك. أما القول بأن العملية التي استحقت عليها الضريبة هي عملية فردية عرضية فمردود بأن المفروض أن الضريبة تلحق بنتائج العملية الفردية التي تباشرها المنشأة التجارية سواء تعلقت بغرضها الأصلي أم لم تتعلق به ما دامت الأموال المستخدمة في هذه العملية مأخوذة من رأس مال الشركة. ومن ثم فهذه العملية وقد ثبت أنه قامت بها منشأة غرضها الكسب وتخضع أصلاً للقانون الضرائبي فإن العملية بالتالي تخضع للضريبة على الأرباح التجارية ولذلك يخضع للضريبة في مصر أصحاب المهن الأجانب الذين يباشرون في مصر عمليات مربحة كفرق التمثيل الأجنبية وعارضات الأزياء وشركات الأفلام الأمريكية التي مركزها في الخارج. ولا يجوز لبيوت الغزل الأجنبية أن تدعي أن عملها في مصر عارض لأن مصر سوق دائم لشراء القطن اللازم لصناعتها وفوق ذلك فقد تكررت عمليات البيع إذ باعت الشركة القطن على دفعتين الأولى بتاريخ 25 نوفمبر سنة 1947 وكان موضوعها 1200 بالة والثانية بتاريخ 5 فبراير سنة 1948 وكان موضوعها 51 بالة وقد تمت هذه العملية بناء على عقد مبرم بين المطعون عليهما وهذا التعاقد ينشئ للشركة مركزاً مادياً في مصر فضلاً عن أن العملية كلها تمت في مصر. والوجه الثاني: إذ قضى الحكم للشركة المطعون عليها الأولى بالفوائد عن المبلغ المحكوم برده إليها اعتباراً من 9 يناير سنة 1950 حتى 28 أغسطس سنة 1950 مع أنه لا محل لتطبيق القانون المدني في هذا الشأن لأن القانون الواجب التطبيق هو القانون الضرائبي. وقد أجاز المشرع للطاعنة تحصيل الضريبة ولو كانت متنازعاً عليها وخول لها التنفيذ بموجب أوراد واجبة النفاذ. فالطاعنة في قيامها بالتنفيذ قد باشرت حقاً مخولاً لها وقامت بواجب فرضه عليها القانون ولا تثريب عليها إذا كانت قد أخطأت في تفسير القانون - هذا فضلاً عن أن القانون رقم 146 سنة 1950 الذي عدل المادة 101 من القانون 14 لسنة 1939 صريح في عدم جواز الحكم على مصلحة الضرائب. بفوائد عن المبالغ التي يحكم عليها بردها وقد جرى العمل به من 21 أغسطس سنة 1950، ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بعد هذا التاريخ فإنه كان يتعين العمل بأحكام هذا القانون لأن القواعد المتعلقة بالفوائد الجائز الحكم بها هي من النظام العام. والقاعدة العامة هي أن مناط سريان القانون على الماضي هو إما وجود نص في التشريع الجديد وإما كونه متعلقاً بالنظام العام ولذلك لا يجوز الحكم بالفوائد على خلاف النص الجديد حتى ولو كانت الدعوى بها قد رفعت قبل تاريخ صدوره.
ومن حيث إنه جاء بالحكم المطعون فيه رداً على هذا السبب بوجهيه ما يأتي: "إن مصلحة الضرائب ليست على حق فيما ذهبت إليه من أن الضريبة تستحق في المكان الذي تحقق فيه الربح إذ أن في ذلك إغفالاً لمبدأ إقليمية الضريبة المنصوص عليه في المادة 33 والذي مبناه النشاط الإقليمي وإذا كانت المصلحة سالفة الذكر تستند إلى ما قضى به مجلس الدولة في فرنسا فإن أحكام هذا المجلس واضحة في أنها تشترط تكرار العمليات المنتجة والاعتياد عليها فهذا الاعتياد هو الذي يميزها أما العمليات الفردية فإنها لا تكفي لأن تكون عملاً تجارياً خاضعاً للضريبة الإقليمية". "وفيما يختص بالفوائد موضوع استئناف الشركة لعدم القضاء بها من محكمة الدرجة الأولى فإنه من المبادئ المقررة بالقانون المدني أنه في كافة الأحوال التي يكون فيها محل الالتزام مبلغاً من المال فإن الفوائد القانونية تستحق اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية ما لم ينص القانون أو العقد أو العرف على خلاف ذلك... وأن المحكمة لا توافق مصلحة الضرائب على أنه مخوّل لها اقتضاء الضريبة من المموّلين بالرغم من المنازعة فيها وأن دين الضريبة واجب الأداء في مقر المصلحة وأنه لا يترتب على رفع الدعوى من المموّل إيقاف استحقاق الضرائب إذ أن محل هذا القول أن تكون المصلحة قد طبقت القانون على الوجه الصحيح، أما إذا أساءت تطبيقه أو نأت بنصوصه عن المقصود منها فإنها تكون قد حرمت المموّل من مال له وضيعت عليه فائدة استغلاله وأن القانون رقم 146 سنة 1950 الذي نصت المادة 101 منه على عدم جواز الحكم على مصلحة الضرائب بفوائد عن المبالغ التي يحكم بردها للمولين قد بدأ سريانه ابتداء من 4 سبتمبر سنة 1950 وليس له أثر رجعي على الماضي..." وهذا الذي انتهى إليه الحكم في خصوص وجهي الطعن صحيح في القانون ذلك أولاً بأن المادة 33 من القانون رقم 14 سنة 1939 على ما جرى به قضاء هذه المحكمة تستلزم لكي تخضع المنشأة للضريبة قيامها في مصر ومزاولتها أعمالاً تجارية أو صناعية بها. وفي حالة قيام المنشأة في الخارج أن يكون لها ممثلون في مصر خاضعون لأوامرها فإذا لم يكن لها ممثلون أن تقوم في مصر بنشاط تجاري أي عمليات تجارية تتسم بسمة الاعتياد. وذلك كله غير متوافر في العملية المفردة التي قامت بها المطعون عليها الأولى. أما ما تتمسك به الطاعنة من أن المطعون عليها الأولى باعت القطن على دفعتين فمردود بأنه سواء أكان بيع صفقة القطن تم على دفعة واحدة أم على دفعتين فإن محكمة الموضوع لم تر في هذه العملية ما يدل على وجود نشاط ثابت مستمر للمطعون عليها الأولى في مصر مما يخضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية وتقريرها في ذلك هو تقرير موضوعي ليس فيه ما يخالف القانون. وثانياً فيما يختص بالفوائد فإن الحكم المطعون فيه لم يخطئ كذلك في القضاء بها وفقاً لما جرى به قضاء هذه المحكمة ذلك بأن نصوص قانون الضرائب قبل تعديلها بالقانون رقم 146 سنة 1950 لم تكن تعفي مصلحة الضرائب من الحكم عليها بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية عن كل مبلغ يقضى عليها برده للممول تعويضاً له عن حرمانه من الانتفاع بما أخذ منه بغير حق من تاريخ رفع دعواه حتى يوفى إليه حقه كاملاً ولا عبرة في هذا الخصوص بحسن نية المصلحة عند جباية الضريبة متى كان قد ثبت للمحكمة أنها حصلت من الممول ما ليس مستحقاً لها وبذلك أصبح مركزها في هذا الشأن لا يختلف عن مركز أي مدين يحكم عليه برد مبلغ من النقود أخذه بغير حق فيلزم بفوائد التأخر القانونية عنه من تاريخ المطالبة الرسمية عملاً بالمادة 185/ 3 من القانون المدني ما دام لا يوجد نص في قانون الضرائب يقضي للمصلحة بخلاف ذلك. أما التحدي في هذا الخصوص بالقانون رقم 146 سنة 1950 المعدل للمادة 101 التي تنص بعد تعديلها على عدم جواز مطالبة مصلحة الضرائب بفوائد عن المبالغ التي يحكم عليها بردها للممولين فمردود بأنه تشريع مستحدث ليس له أثر رجعي فلا يسري على الفوائد القانونية المستحقة عن مدة سابقة على تاريخ العمل به بل يسري فقط على الفوائد المطلوبة عن المدة التالية لنفاذه. وليس صحيحاً أن هذا القانون جرى العمل به من 21 من أغسطس سنة 1950 كما ورد في تقرير الطعن بل الصحيح أنه صدر في 28 من أغسطس سنة 1950 ولم يعمل به إلا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 4 من سبتمبر سنة 1950. ومن حيث إن الحكم وإن كان لم يخطئ في القضاء بفوائد التأخر القانونية عن المبالغ المحكوم بردها من 9 من يناير سنة 1950 لغاية 28 من أغسطس سنة 1950 كطلب المطعون عليها الأولى إلا أنه أخطأ في تحديد سعر الفائدة بواقع 5% سنوياً مع أنه كان يتعين الحكم بها بواقع 4% سنوياً فقط عملاً بالمادة 226 من القانون المدني التي عدلت سعر الفائدة القانونية في المواد المدنية إلى 4% بدلاً من 5% ابتداء من 15 أكتوبر سنة 1949 وهو سعر الفائدة الذي يتعين الحكم به عن المبالغ التي حصلتها مصلحة الضرائب بغير حق لا السعر المقرر في المعاملات التجارية لأن جباية الضرائب ليست عملاً تجارياً. وهذا الوجه من الخطأ يندرج في عموم الوجه الثاني من سبب الطعن ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً في هذا الخصوص وتعديل سعر الفائدة عن المبالغ المقضي على الطاعنة بردها إلى المطعون عليها الأولى إلى 4% بدلاً من 5%.