أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 834

جلسة 6 من مايو سنة 1954
(124)
القضية رقم 202 سنة 21 القضائية

برئاسة السيد الأستاذ أحمد حلمي وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، وعبد العزيز سليمان، وأحمد العروسي المستشارين.
( أ ) بيع. وعد بالبيع. انقضاء الأجل دون إظهار الموعود له رغبته في الشراء. حكمه.
(ب) بيع. وعد بالبيع. وصول القبول إلى محل الموجب قبل انقضاء الأجل المحدد لإبداء الرغبة. هذا يعتبر قرينة على علم الموجب بالقبول. إذا ادعى العكس فعليه عبء الإثبات.
1 - متى كان المطعون عليه قد تعهد بأن يبيع عقاراً للطاعن إذا قبل هذا الأخير ذلك وقام بدفع الثمن في خلال مدة معينة، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ إذ كيف هذا الاتفاق بأنه وعد بالبيع من جانب المطعون عليه يسقط من تلقاء نفسه بلا إنذار ولا تنبيه إذا انقضى الأجل دون أن يظهر الطاعن رغبته في الشراء، ذلك أن الطاعن لم يلتزم بشيء بل كان له الخيار إن شاء قبل إيجاب المطعون عليه ودفع الثمن خلال الأجل المتفق عليه، وإن شاء تحلل من الاتفاق دون أية مسئولية عليه.
2 - ذهاب الطاعن قبل نهاية الأجل إلى محل إقامة المطعون عليه ومقابلة ابن هذا الأخير وإبداء رغبته له في الشراء واستعداده لدفع الثمن يعتبر قرينة على علم المطعون عليه بالقبول ويقع على عاتقه عبء نفي هذه القرينة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحامين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 53 سنة 1948 كلي أسيوط على المطعون عليه وقال في صحيفتها إنه كان مديناً إلى نسيم بدروس جرجس بمبلغ فنزع ملكيته من 1 فدان و15 قيراط و16 سهم بزمام ناحية بني فيز مركز صدفا مديرية أسيوط ورسا مزادها على الدائن في القصية رقم 501 سنة 1933 كلي بيوع أسيوط. وفي 20 من مارس سنة 1943 تصرف الراسي عليه المزاد في الأطيان المذكورة بالبيع إلى المطعون عليه بعقد ثابت التاريخ في 29 من مارس سنة 1943 ومسجل في 3 من إبريل سنة 1943 - وبإقرار مؤرخ في 29 من مارس سنة 1943 تعهد المطعون عليه للطاعن بأن يتنازل له عن الأرض المبيعة إذا دفع إليه الطاعن مبلغ 270 جنيهاً في شهر أكتوبر سنة 1947. وفي 30 من أكتوبر سنة 1947 أظهر الطاعن رغبته في دفع المبلغ مقابل تنازل المطعون عليه له عن هذه الأطيان بأن عرض عليه الثمن المبين في الإقرار عرضاً حقيقياً فرفض استلامه فقام بإيداعه خزانة قلم كتاب محكمة أبي تيج على أن تصرف له عند تحريره عقداً ببيع الأرض وأن هذا الاتفاق ما هو إلا بيع بات توافرت له جميع الأركان الخاصة بالبيع وهي الثمن والمبيع والرضا ولذلك يطلب الحكم بتثبيت ملكيته إلى الأطيان واحتياطياً إثبات صحة التعاقد مقابل الثمن - وفي 15 من فبراير سنة 1950 قضت المحكمة برفض دعوى الطاعن تأسيساً على أن الورقة أساس الدعوى لا تخرج عن كونها وعداً بالبيع من جانب واحد وهو المطعون عليه الذي وعد بموجبها ببيع الأرض للطاعن إذا دفع إليه مبلغ 270 جنيهاً في شهر أكتوبر سنة 1947 ولم يرتبط بموجبها الطاعن بأي التزام وأنه إذا حدّد المتعاقدان أجلاً لقبول الموعود له الشراء ثم انقضى الأجل دون أن يظهر رغبته في الشراء سقط تعهد الواعد من تلقاء نفسه بدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار رسمي منه بذلك وأصبح في حل من وعده وأن الطاعن لم يظهر رغبته إلا بعد فوات الميعاد المحدد فيما بينهما - استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط وقيد استئنافه برقم 261 سنة 25 ق. فقضت في 13 من مارس سنة 1951 بتأييده لأسبابه ولما أضافته إليها من أسباب. فقرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب: حاصل الأول والثاني منها هو قصور الحكم في الرد على دفاع الطاعن وخطؤه في التكييف من ثلاثة أوجه: الأول - إذ استند الطاعن في تكييف العقد المبرم بينه وبين المطعون عليه بأنه إما بيع كامل مع تأجيل الثمن وإما وعد بالبيع من جانب المطعون عليه مع تأجيل الثمن مقترن بقبول من الطاعن لهذا الوعد وأن تحديد شهر أكتوبر سنة 1947 لم يكن لإظهار ذلك القبول بل لدفع الثمن - استند في هذا التكييف إلى (1) أن كون العقد حرر من صورتين مما يدل على تلاقي الإيجاب والقبول. (2) العبارة الواردة في صدر عقد المطعون عليه وهو "شروط بيع" (3) تمسك الطاعن بتاريخ العلاقة السابقة بينه وبين نسيم (البائع للمطعون عليه) ثم بين الطاعن والمطعون عليه - لإثبات أن نية الطاعن انصرفت دائماً إلى الاحتفاظ بأرضه - ومع أن هذه الأوجه جوهرية يتغير بها وجه الرأي في الدعوى فإن الحكم رد عليها بقوله إن "نص الاتفاق صريح في أنه وعد بالبيع من جانب المستأنف عليه (المطعون عليه) ملزم له دون أن يلزم المستأنف (الطاعن) بقبول هذا الوعد". وهذا لا يعتبر رداً وافياً. كما أنه كان من المتعين على المحكمة أن تورد في أسباب حكمها نص الاتفاق كاملاً حتى تمكن محكمة النقض من الفصل في الخلاف على تكييف العقد. (الوجه الثاني) - إذ تمسك الطاعن بأن صورة العقد المسلمة إليه خالية من عبارة "أنه بمجرد مضي الميعاد يصبح العقد لاغياً قانوناً ولا يعمل به بلا تنبيه ولا إنذار". بخلاف الصورة التي تحت يد المطعون عليه - وطلب عدم التعويل على ما جاء بالصورة الأخيرة لما شابها من كشط وإعادة على الكتابة. فكان رد الحكم على ذلك. أنه "لا عبرة بهذا الخلاف لأنه متى حدّد المتعاقدان أجلاً لقبول الموعود له الشراء ثم انقضى هذا الأجل دون أن يظهر رغبته في الشراء سقط إيجاب الواعد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار". وهذا الرد معيب - لأن تحلل الواعد من وعده هو فسخ للعقد لعدم تحقق شرطه أو لتخلف الموعود عن الوفاء بالتزامه. وهذا الفسخ لا يقع من تلقاء نفسه إلا إذا نص العقد على الإعفاء من التنبيه أو الإنذار. الأمر الذي لم يتوافر في حالة الدعوى. (والوجه الثالث) - إذ تمسك الطاعن بأنه قام بكل ما فرضه عليه العقد. ففي يوم 29 من أكتوبر سنة 1947 توجه صحبة شهود إلى المطعون عليه في محل إقامته لعرض الثمن عليه فلم يجده ووجد ابنه الذي رفض قبول الثمن المعروض - وفي30 من أكتوبر سنة 1947 قدّم محضر العرض إلى قلم محضري محكمة أبي تيج وطلب إثبات الواقعة الأولى بشهادة الشهود كما طلب اعتبار الواقعة الثانية بمثابة القبول في الميعاد لأن العبرة هي بإظهار الرغبة لا بإعلانها. فكان رد الحكم عن طلب تحقيق الواقعة الأولى أنه غير منتج لأن المطعون عليه لم يكن طرفاً فيها - مع أن هذا لا يغير من الأمر شيئاً - وكان رد الحكم عن الواقعة الثانية قوله إنه "لا محل لما ذهب إليه المستأنف من تشبيه هذه الحالة بحالة التعاقد بطريق المراسلة لأنه قياس مع الفارق" - وهذا منه رد مبهم.
ومن حيث إنه جاء بالحكم المطعون فيه في خصوص الوجهين الأول والثاني من السبب الأول وفي خصوص السبب الثاني من أسباب الطعن ما يأتي: "وحيث إن المستأنف "الطاعن" تمسك في صحيفة الاستئناف وفي المرافعة بأن ورقة الاتفاق المحررة بينه وبين المستأنف عليه (المطعون عليه) تعتبر وعداً من المستأنف عليه بالبيع ووعداً من المستأنف بالشراء فهي تتضمن بيعاً باتاً لا يؤثر عليه تأخير عرض الثمن وهو تفسير لا تقره المحكمة إذ أن نص الاتفاق صريح في أنه وعد بالبيع من جانب المستأنف عليه ملزم له دون أن يلزم المستأنف بقبول هذا الوعد - وحيث إنه لا محل للتعرض لما أثاره المستأنف من أن صورة الاتفاق المقدمة من المستأنف عليه قد حصل بها محو وإضافة جملة "ولا يعمل به بلا تنبيه ولا إنذار" فإن هذا لو صح لما كان له تأثير في قيمة الاتفاق ونتائجه لأن من المقرر فقهاً وقضاء أنه إذا حدّد المتعاقدان أجلاً لقبول الموعود له بالشراء ثم انقضى الأجل دون أن يظهر رغبته في الشراء سقط إيجاب الواعد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار" - وهذا الذي جاء بالحكم المطعون فيه لا خطأ فيه بالنسبة لتكييف ورقة 29 من مارس سنة 1943 الموقع عليها من المطعون عليه على أنها تتضمن وعداً من جانبه ببيع الأرض للطاعن إذا قبل ذلك ودفع مبلغ 270 جنيهاً في أجل غايته آخر أكتوبر سنة 1947 ذلك أن الطاعن لم يلتزم بشيء فيها بل كان له الخيار إن شاء قبل إيجاب المطعون عليه بدفع الثمن خلال الأجل المبين في الورقة وإن شاء تركه دون أية مسئولية عليه ولا يقدح في صحة التكييف كون الورقة المذكورة حررت منها صورتان إحداهما ظلت مع الواعد والأخرى سلمت للموعود له ذلك أن هذا ليس من شأنه أن يرتب على الموعود له التزاماً لم يرتبط به كما لا يقدح في صحته ما ذكر في صدر ورقة الاتفاق من أنها "شروط اتفاق بيع" ذلك أن التكييف القانوني لما تضمنته الورقة المشار إليها هو من شأن المحكمة ولا تلتزم فيه وصف الخصوم لها - كما لم يخطئ المحكم فيما قرره من أنه إذا اتفق الطرفان على أجل لقبول الموعود له الشراء ثم انقضى الأجل دون أن يظهر الموعود له رغبته في الشراء سقط تعهد الواعد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار رسمي وأصبح في حل من وعده ذلك أن الإنذار إنما يوجه من الدائن في العقود الملزمة للجانبين إلى المدين الذي لم يوف بالتزامه والطاعن في صورة الدعوى لم يلتزم بشيء قبل المطعون عليه مما يكون معه غير منتج ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في رده على ما تمسك به من أن صورة الورقة المقدمة منه خالية من عبارة "إنه بمجرد مضي الميعاد يصبح العقد لاغياً ولا يعمل به بلا تنبيه أو إنذار"، ومن أن هذه العبارة أضيفت بغير علمه في النسخة المقدمة من المطعون عليه، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في الوجهين الأول والثاني من السبب الأول وما يعيبه على الحكم في السبب الثاني من خطأ في تكييف الورقة المشار إليها هو على غير أساس.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في الوجه الثالث من السبب الأول هو في محله ذلك أن الطاعن تمسك بأنه في 29 من أكتوبر سنة 1947 توجه إلى محل إقامة المطعون عليه صحبة شهود، وأخذ معه مبلغ الثمن المتفق عليه لعرضه على المطعون عليه، فقابل ابنه وأبدى له قبوله البيع واستعداده لدفع الثمن إذ ذاك، فأجابه ابن المطعون عليه بأن والده متغيب بالقاهرة وأنه لا يملك التصرف في هذا الشأن في غيابه، فقام من جانبه في اليوم التالي أي 30 من أكتوبر سنة 1947 بتقديم محضر عرض الثمن إلى قلم محضري محكمة أبو تيج وأن هذا ثابت من ختم قلم المحضرين على محضر العرض، وطلب إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات الواقعة الأولى، فلو صح الشق الأول من هذا الدفاع مضافاً إليه ما هو ثابت في الشق الثاني منه لكان من شأنه قيام الدليل لمصلحة الطاعن على أنه أعلن قبوله الشراء واستعداده لدفع الثمن في محل إقامة المطعون عليه خلال المدة المتفق عليها مما يصح معه افتراض علم هذا الأخير بقبول الموعود له الشراء مع استعداده لدفع الثمن، وعلى المطعون عليه يقع عبء نفي ذلك، ومن ثم يكون رد الحكم على طلب الطاعن تحقيق هذه الواقعة بأنها غير منتجة لأن المطعون عليه لم يكن أحد طرفيها أو لم يكن له دور فيها هو رد قاصر، ومن ثم يتعين نقض الحكم في هذا الخصوص.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون من وجهين: الأول - إذ قرر أن مجرد انقضاء الميعاد كاف وحده لتحلل المطعون عليه من وعده دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار مع مخالفة ذلك للقانون لأن الإعفاء من التنبيه أو الإنذار لا يفترض بل يجب أن يحصل بشأنه اتفاق صريح، والوجه الثاني - إذ رفض طلب الإحالة على التحقيق بحجة أن الواقعة المراد إثباتها غير منتجة مع أن هذا القول غير سائغ لأنها تثبت قيام الطاعن بالتزاماته في العقد خصوصاً وأنه ما كان ملزماً قانوناً بحمل الدين إلى محل الدائن وهي واقعة مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود.
ومن حيث إن الوجه الأول من هذا السبب إنما هو ترديد للوجه الثالث من السبب الأول وقد سبق الرد عليه، والوجه الثاني إنما هو ترديد للوجه الثالث من السبب الأول وقد سبق بيان وجه خطأ الحكم في خصوصه.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم في خصوص الوجه الثالث من السبب الأول والوجه الثاني من السبب الثالث.