مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 837

(126)
جلسة 23 من مارس سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمود عبد العزيز الشربيني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد العزيز أحمد سيد حمادة وثروت عبد الله أحمد عبد الله وجمال السيد دحروج وعادل محمود فرغلي - المستشارين.

الطعن رقم 1586 لسنة 28 القضائية

قرار إداري - سحبه.
القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة ومطابقة للقانون - أساس ذلك: دواعي المصلحة العامة التي تقضي باستقرار تلك القرارات - القرارات الفردية غير المشروعة يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً منها بحكم القانون وتصحيحاً للأوضاع المخالفة له - استقرار القرار غير المشروع بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح - فوات ستين يوماً على تاريخ نشر القرار غير المشروع أو إعلانه تكسبه حصانة من أي إلغاء أو تعديل - إذا صدر قرار ساحب لقرار إداري سليم أو قرار إداري مخالف للقانون فات ميعاد سحبه فإن القرار الساحب يكون باطلاً - ليس من شأن بطلان القرار الساحب أن ينحدر به إلى مرتبة العدم بل يتحصن بعدم الطعن عليه أو سحبه خلال الستين يوماً - تحصن القرار الساحب بفوات ميعاد الطعن أو السحب ولو كان مخالفاً للقانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 9 من أغسطس سنة 1982 أودع الأستاذ/ غبريال إبراهيم غبريال المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/.......... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1586 لسنة 26 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 16 من يونيه سنة 1982 في الدعوى رقم 1455 لسنة 35 القضائية المرفوعة من السيد/........... ضد رئيس مجلس الوزراء بصفته ورئيس الجهاز المركزي بصفته والقاضي بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه وإلزام المدعي بالمصروفات وقد طلب الطاعن للأسباب التي أوردها في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء له بطلباته التي أبداها أمام محكمة القضاء الإداري مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وبعد أن أعلن تقرير الطعن إلى ذوي الشأن على النحو المبين بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة الثالثة) جلسة 18 من إبريل سنة 1984 فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 12/ 6/ 1984 وبجلسة 16/ 10/ 1984 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 1/ 12/ 1984 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوى الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة 23/ 2/ 1983 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 5 من إبريل سنة 1981 أودع السيد/......... قلم كتاب محكمة القضاء الإداري عريضة دعوى طلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بصفة أصلية الحكم بإلغاء قرار إنهاء خدمته لعدم قيامه على سند صحيح من القانون مع ما يترتب على ذلك من آثار وبصفة احتياطية اعتبار قرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1980 في شأن سحب قرار إنهاء خدمته ما زال قائماً مع ما يترتب على ذلك من آثار وبالتالي اعتبار قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 655 لسنة 1981 وارداً على غير محل وإلزام المعلن إليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأورد المدعي في عريضة دعواه أنه كان يعمل مديراً بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وحصل على إجازة بدون مرتب لمرافقة زوجته المعارة للعمل بدولة الإمارات العربية المتحدة وذلك لمدة عام اعتباراً من 28 من أغسطس سنة 1975 وتم تجديدها حتى 28 من أغسطس سنة 1977 وبتاريخ 22 من أكتوبر سنة 1977 صدر قرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 97 لسنة 1977 متضمناً إنهاء خدمته اعتباراً من 27 من أغسطس سنة 1977 تاريخ انتهاء مدة الإجازة ولم يعلن بهذا القرار وعقب عودته للبلاد وفي 12 من أكتوبر سنة 1980 علم بالقرار رقم 97 لسنة 1977 المشار إليه وذلك عند توجيهه للجهاز لاستلام عمله فبادر بالتظلم من هذا القرار وترتب على ذلك أن قام الجهاز بسحب القرار المتظلم منه في 12 من نوفمبر سنة 1980 لعدم ثبوت إنذاره قبل إصدار قرار إنهاء خدمته وقرر المدعي في عريضة دعواه المشار إليها أنه صدر قرار نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 655 لسنة 1981 في 10 من فبراير سنة 1981 بإعادة تعيينه في وظيفة مدير عام ونظراً لأنه لم يتبين وضعه الوظيفي بعد تقدمه بتظلمه الأول المؤرخ 12 من نوفمبر سنة 1980 إلا بعد صدور قرار نائب رئيس مجلس الوزراء المشار إليه الذي يعتبر خاتمة البحث بالنسبة لتظلمه من قرار إنهاء خدمته فقد بادر بإقامة هذه الدعوى محدداً طلباته على النحو المشار إليه.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه وأن ما يدعيه المدعي من أنه قد تظلم بتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1980 ليس صحيحاً لأن ما تقدم به في هذا التاريخ عبارة عن مذكرة أوضح بها ظروف سفره ووفاة زوجته وأنه بذلك فقد السبب الذي من أجله وافق له الجهاز على السفر لمرافقة زوجته وانتهى إلى التماس إلحاقه بالعمل نظراً لظروفه النفسية التي يمر بها ولم يشر في هذه المذكرة إلى طلب إلغاء قرار إنهاء خدمته ولم يطعن عليه وعلى ذلك فلا تعتبر هذه المذكرة تظلماً في مفهوم قرار رئيس مجلس الدولة رقم 72 لسنة 73 بشأن إجراءات التظلم الوجوبي من القرارات الإدارية المنصوص عليها في المادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وبالنسبة لموضوع الدعوى فقد قررت الجهة الإدارية أنه صدر قرار من رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في 12 من أكتوبر سنة 1977 متضمناً إنهاء خدمة العامل المذكور وفي 13 من أكتوبر سنة 1980 تقدم بعد عودته من الخارج بطلب إلحاقه بالعمل فوافق رئيس الجهاز في 12 من نوفمبر سنة 1980 على سحب القرار الصادر بإنهاء خدمته على أساس أنه لم يثبت أنه أخطر بعدم الموافقة على تجديد إجازته وإنذاره بالعودة وإذ تبين بعد ذلك أنه أنذر بضرورة العودة لاستلام عمله فقد رؤى إعادة النظر في وضعه على أساس أن القرار الصادر بإنهاء خدمته سليم ولا يجوز سحبه لتحصنه وصدر قرار نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 655 لسنة 1981 بتاريخ 10 من فبراير سنة 1981 بإعادة تعيين المدعي اعتباراً من هذا التاريخ وتسلم عمله اعتباراً من 11 من فبراير سنة 1981.
وبجلسة 16 من يونيه سنة 1982 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه وإلزام المدعي بالمصروفات واستندت المحكمة في ذلك إلى أن المدعي يهدف من دعواه إلى إلغاء قرار نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 655 لسنة 1981 والمتضمن إعادة تعيينه مديراً عاماً بالجهاز والاعتداد بالقرار الصادر من رئيس الجهاز لسحب قرار إنهاء خدمته رقم 97 الصادر في 12 من أكتوبر سنة 1977 ولما كانت الجهة الإدارية قد دفعت بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من هذا القرار ورد عليها المدعي بأن التظلم المقدم منه في 12 من أكتوبر سنة 1980 والقرار المطعون فيه يعتبر النتيجة النهائية لهذا التظلم.
وإذ كانت المذكرة المقدمة من المدعي في 12 من أكتوبر سنة 1980 والمقول أنها تظلم لا تعد كذلك على النحو الذي عناه المشرع لأنها خلو من البيانات الأساسية التي تطلبها قرار رئيس مجلس الدولة رقم 72 لسنة 1973 بشأن إجراءات التظلم الوجوبي من القرارات الإدارية وعلى فرض أن هذه المذكرة تعتبر تظلماً إدارياً فإن الجهة الإدارية قد استجابت لالتماسه بإلحاقه بالخدمة ووافق رئيس الجهاز بتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1980 على سحب القرار رقم 97 لسنة 1977 فيما تضمنه من إنهاء خدمة المدعي وتسلم عمله فعلاً بتاريخ 5 من نوفمبر سنة 1980 ولما كان الأمر كذلك فإنه يكون قد نشأ للمدعي مركز قانوني جديد وهو سحب القرار رقم 97 لسنة 1977 واستلام المدعي لعمله بالجهاز على هذا الأساس. ولما كان قد صدر بعد ذلك قرار نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 655 لسنة 1981 متضمناً إنشاء مركز قانوني جديد مغاير للمدعي والذي أقر بأنه استلم العمل بتاريخ 11 من فبراير سنة 1981 ومن ثم فإنه من غير المتصور قانوناً أن ينصرف التظلم الأول بفرض صحته على هذا المركز القانوني الجديد وكان يتعين والحالة هذه أن يتقدم المدعي بتظلم مستقل عن هذه الواقعة الجديدة ولا وجه للقول بأن القرار رقم 655 لسنة 1981 هو خاتمة بحث الالتماس المقدم بتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1980 الذي استنفذ هدفه وانتهى بصدور قرار سحب القرار الصادر بإنهاء الخدمة رقم 97 لسنة 1977 وانتهت محكمة القضاء الإداري في حكمها إلى عدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه كما سبق البيان.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد صدر مخالفاً للقانون ذلك أن المستقر عليه في الفقه والقضاء الإداريين بل وفي الفقه والقضاء المدنيين أن القرار المعدوم لا يعتبر قراراً إدارياً ولا يستلزم والأمر كذلك التظلم منه قبل رفع الدعوى بإلغائه ولا تتقيد دعوى الإلغاء بميعاد الستين يوماً ومتى كان الأمر كذلك فإن قرار نائب رئيس مجلس الوزراء يكون قد ورد على غير محل ومن ثم يكون معدوماً سيما وأنه قد صدر بعد أكثر من ستين يوماً على قرار رئيس الجهاز بسحب قرار إنهاء خدمة الطاعن ومن ثم يجوز الطعن على قرار إعادة التعيين دون التقيد بالمواعيد أو التظلم المسبق ولا حجة لما يذهب إليه الجهاز المركزي أنه وقع في غلط عندما أصدر قراراً بسحب قرار إنهاء خدمة المدعي لأن ذلك القرار قد تحصن بفوات ستين يوماً على صدوره.
وقد تقدم الطاعن بمذكرة ردد فيها أوجه طعنه على الحكم المطعون فيه وأضاف إليها أن قرار نائب رئيس مجلس الوزراء فضلاً عن أنه قرار معدوم فإنه بني على غش إذ صدر بناء على مذكرة الجهاز المؤرخة 24 من نوفمبر سنة 1980 التي خلت من ذكر الوقائع الصحيحة التي اعترفت بها في مذكرتها السابقة المؤرخة 28 من أكتوبر سنة 1980 كما أن المذكرة المؤرخة 24 من نوفمبر سنة 1980 عمدت إلى ذكر أكاذيب تدل على سوء النية وقصد النكاية بالطاعن فقد زعمت أنه أنذر إنذاراً صحيحاً على عنوانه في الإمارات العربية وأنه علم أيضاً بقرار إنهاء خدمته وقدم تظلماً في الميعاد وهذه كلها وقائع غير صحيحة تغاير تماماًَ ما ورد في المذكرة المؤرخة 28 من أكتوبر سنة 1980 وإذ كان الغش يفسد كل التصرفات وكان ما بني على الباطل فهو باطل بدوره، فإن مؤدى ذلك ولازمه أن قرار رئيس الوزراء هو قرار معدوم.
وانتهى الطاعن في مذكرته إلى طلب التصدي لموضوع الدعوى والحكم له بطلباته.
وقد أودع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة مذكرة رداً على الطعن ردد فيها الوقائع السابقة وبين وجهة نظره والتي تخلص أن الطاعن لم يتقدم بتظلم من قرار إنهاء خدمته الصادر في 12 من أكتوبر سنة 1977 وإنما قدم التماساً شرح فيه ظروفه العائلية وحاجته للعودة إلى وظيفته ودون إشارة بالطعن في ذلك القرار بأي شكل وبالتالي لا يكون هذا الالتماس تظلماً في مفهوم المادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة كما أنه لم يتظلم من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 655 لسنة 1981 الصادر بتاريخ 10 من فبراير سنة 1981 والمتضمن إعادة تعيينه والذي يعتبر ساحباً للقرار الصادر في 12 من نوفمبر سنة 1980 والمتضمن سحب قرار إنهاء خدمة الطاعن وعلى هذا الوجه تكون الدعوى المرفوعة من الطاعن أمام محكمة القضاء الإداري غير مقبولة شكلاً كما ذهب بحق الحكم المطعون فيه.
وأشار الجهاز المركزي في مذكرته إلى أن القرار الصادر بإنهاء خدمة الطاعن رقم 97 لسنة 1977 قد صدر غير مشوب بأي عيب من عيوب القرار الإداري فمن ثم لا يسوغ إلغاؤه أو سحبه دون التقيد بمواعيد الإلغاء القضائي أو السحب الإداري كما لا يجوز إلغاؤه قضاء وسحبه إدارياً في غير المواعيد المقررة قانوناً ومن ثم فإن ما يدعيه الطاعن من أن هذا القرار قد تم سحبه في 12 من نوفمبر سنة 1980 هو قول قد جانبه الصواب إذ أن الثابت من الأوراق أن القرار الصادر بسحب القرار المطعون فيه قد صدر بعد فوات ستين يوماً التي تتحصن بها القرارات الإدارية السليمة بل والباطلة ومن ثم فإن الطاعن وقد أصبح في مركز قانوني نشأ نتيجة قرار إنهاء الخدمة هو انقطاع صلته بجهة الإدارة ومن ثم فإنه لا يسوغ القول بصدور قرار لاحق من جهة الإدارة ينشئ له مركزاً قانونياً جديداً يهدر به ما سبق تحصنه وعلى هذا الأساس يكون القرار الصادر من نائب رئيس مجلس الوزراء بإعادة تعيينه قراراً سليماً متفقاً مع أحكام القانون.
وطلب الجهاز المركزي في مذكراته قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
ومن حيث إن القاعدة المستقرة هي أن القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك الأوامر وأما بالنسبة للقرارات الفردية غير المشروعة فالقاعدة عكس ذلك إذ يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً منها بحكم القانون وتصحيحاً للأوضاع المخالفة له إلا أن دواعي المصلحة العامة تقتضي أنه إذا صدر قرار إداري معيب من شأنه أن يولد حقاً فإن هذا القرار يجب أن يستقر عقب فترة معينة من الزمن بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح وقد استقر القضاء الإداري على تحديد هذه الفترة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلانه قياساً على مدة الطعن القضائي بحيث إذا انقضت هذه الفترة اكتسب هذا القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان القرار الإداري السليم لا يجوز سحبه كذلك فإنه لا يجوز سحب القرار الإداري المخالف للقانون بفوات الميعاد المشار إليه إلا أنه إذا ما صدر قرار إداري سليم أو قرار إداري مخالف للقانون فات عليه ميعاد السحب فإن هذا القرار وهو القرار الساحب يكون باطلاً لمخالفته للقانون إلا أنه ليس من شأن هذا البطلان أن ينحدر بهذا القرار إلى مرتبة العدم ومن ثم فإنه يتحصن بعدم الطعن عليه خلال المواعيد القانونية أو عدم سحبه من جانب جهة الإدارة وبذلك يستقر المركز القانوني لصاحب الشأن على أساس القرار الساحب بعد تحصنه حتى ولو كان هذا القرار مخالفاً للقانون كما سلف القول.
ومن حيث إنه متى كان الثابت من الأوراق أنه صدر قرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 97 لسنة 1977 بتاريخ 22 من أكتوبر سنة 1977 متضمناً إنهاء خدمة الطاعن وقد تم سحب هذا القرار بقرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في 12 من نوفمبر سنة 1980 ومن ثم وأياً كان الرأي في القرار الأخير وسواء اعتبر صحيحاً لا شائبة فيه أو معيباً لوروده على قرار إنهاء الخدمة السليم أو لصدوره بعد الميعاد المقرر لسحب القرارات الإدارية فإن هذا القرار الساحب في جميع الأحوال وبدون قطع في صحته أو بطلانه قد أصبح قراراً منتجاً لجميع آثاره حصيناً من السحب أو الإلغاء.
ومن حيث إنه بتحصن سحب قرار إنهاء خدمة الطاعن فإنه يرتب جميع الآثار القانونية المترتبة عليه فيعدم قرار إنهاء الخدمة بأثر رجعي ويمنعه من أن يرتب أي أثر في الحياة الوظيفية للطاعن بما تعتبر معه مدة خدمته متصلة وكأن لم تنته خدمته.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة قد أرسل مذكرة إلى نائب رئيس مجلس الوزراء مؤرخة 15 من ديسمبر سنة 1980 روي فيها أن الطاعن منح أجازة خاصة لمرافقة زوجته المعارة للعمل بدولة الإمارات العربية المتحدة بدأت من 28 من أغسطس سنة 1975 وانتهت في 27 من أغسطس سنة 1977 ونظراً لعدم عودته لاستلام عمله فقد صدر قرار رئيس الجهاز برقم 97 لسنة 1977 متضمناً إنهاء خدمته اعتباراً من 28 من أغسطس سنة 1977 وقد تقدم المذكور بالتماس لإعادته إلى عمله وكان آخر تقريرين دوريين وضعا عنه وقت إن كان خاضعاً لنظام التقارير الدورية بمرتبة ممتازة وانتهى رئيس الجهاز المركزي إلى طلب الموافقة على إعادة تعيينه في وظيفة مدير عام طبقاً لحكم المادة 23 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وأرفق بالمذكرة المشار إليها مشروع قرار في هذا الشأن أصدره نائب رئيس مجلس الوزراء برقم 655 لسنة 1981.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة قد حجب عن نائب رئيس مجلس الوزراء واقعة أنه سبق أن صدر قرار بسحب قرار إنهاء خدمة الطاعن في 12 من نوفمبر سنة 1980 وأن الطاعن قد استلم عمله بالجهاز أثر ذلك وأنه كان قائماً بالعمل وقت إرسال المذكرة المشار إليها وترتب على ذلك أن غم على نائب رئيس مجلس الوزراء فأصدر قراره المطعون فيه واتجهت إرادته إلى إسناد مركز قانوني للطاعن باعتبار أنه موظف سبق أن انتهت خدمته بالجهاز منذ 22 من أكتوبر سنة 1977 وذلك بإعادة تعيينه طبقاً للمادة 23 من القانون رقم 47 لسنة 1978 المشار إليه ومن ثم فإن واقع الأمر أن إرادة نائب رئيس مجلس الوزراء عندما أصدر القرار المطعون فيه كانت مشوبة - لأنه لم يكن على بينة من حقيقة المركز القانوني للطاعن - لما وقع فيه من غلط في الوقائع الجوهرية والتي لها اعتبار بمقتضى القانون وهي أن قرار إنهاء خدمة الطاعن قد سحب وأن خدمته بالجهاز متصلة تبعاً لذلك وأنه كان قائماً بالعمل شاغلاً للوظيفة العامة من قبل صدور القرار المطعون فيه ومن ثم فلم يصدر هذا القرار عن إرادة سليمة مما يعيب القرار ويعدمه وإذ مما لا شك فيه أن الخطأ الذي وقع قد ترتب عليه خطأ قانوني شاب إرادته بحسبان أن القرار الإداري بوصفه عملاً قانونياً من جانب واحد يجب أن يصدر عن إرادة سليمة ومن ثم يبطله ما يبطل الرضاء من عيوب ومنها الغلط أن توافرت عناصره وشروطه القانونية وعلى هذا الوجه يكون القرار المطعون فيه قد صدر معيباً إلى حد ينحدر به إلى درجة الانعدام، وإذا كان القرار الإداري المعدوم لا تلحقه أية حصانة فيجوز سحبه أو إلغاؤه في أي وقت دون تقيد دعوى إلغائه كقاعدة عامة بالمواعيد والإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة ومن ثم لا يشترط التظلم منه قبل إقامة الدعوى بالمطالبة بإلغائه.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بغير ذلك فإنه يكون حقيقاً بالإلغاء والحكم بطلبات الطاعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وفي موضوعها بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليهما بالمصروفات عن الدرجتين.