مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 869

(131)
جلسة 30 من مارس سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وحسن حسنين علي ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 750 لسنة 28 القضائية

ترخيص - ترخيص الاتجار في الأسلحة والذخائر - تخلف شروط الأمن العام.
المادة 12 من القانون رقم 34 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر - يلزم الحصول على ترخيص خاص من وزير الداخلية أو من ينيبه للاتجار في الأسلحة والذخائر - سلطة الإدارة في منح هذا الترخيص سلطة تقديرية حماية للمجتمع ووقاية للأمن العام فلا معقب عليها طالما خلت من إساءة استعمال السلطة واستهدفت الصالح العام - قرار رفض منح الترخيص لتخلف شروط الأمن العام - مطابقته للقانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم 8/ 4/ 1982 أودعت إدارة قضايا الحكومة نائبة عن السيد وزير الداخلية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 750 لسنة 28 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 9/ 2/ 1982 في الدعوى رقم 1603 لسنة 32 قضائية والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم تكليف المدعي باستيفاء شروط الأمن اللازمة في محله ومنحه المهلة اللازمة لذلك مع إلزام وزارة الداخلية بالمصروفات.
وطلبت الإدارة الطاعنة - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - إحالته إلى دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا لتقضى بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يفصل في موضوع الطعن مع إلزام المطعون ضده بمصاريف هذا الطلب، ثم إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الطعن ارتأت فيه الحكم:
أولاً: بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.
ثانياً: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 3/ 12/ 1984 وتداول نظره أمامها حيث قررت بجلسة 4/ 2/ 1985 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 9/ 3/ 1985 وفي هذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قدم في الميعاد القانوني مستوفياً أوضاعه الشكلية، فمن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 19/ 8/ 1976 أقام السيد/ محمد أنور الشيخ عثمان الدعوى رقم 382 لسنة 3 قضائية ضد وزير الداخلية ومدير أمن أسيوط أمام المحكمة الإدارية بأسيوط بعريضة طلب في ختامها الحكم بأحقيته في الموافقة على الترخيص له في الاتجار في الأسلحة والذخائر بمحله الكائن بشارع القيسارية بأسيوط وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه تقدم بطلب لمنحه ترخيصاً للاتجار في الأسلحة والذخائر بمحله المشار إليه طبقاً للقانون رقم 394 لسنة 1954 - في شأن الأسلحة والذخائر - وقدم رسماً بموقع المحل وأبعاده وحصل على موافقة قسم أول أسيوط ومباحث أمن الدولة وشعبة البحث الجنائي وتبعاً لذلك حصل على الموافقة المبدئية من وزارة الداخلية ومن ثم تقدم إلى وزارة الإسكان بطلب الترخيص بالمحل فحصل على رخصة منها. وبعد استيفاء جميع الإجراءات وافقت مديرية الأمن بكتابها رقم 355 المؤرخ 19/ 2/ 1976 على الترخيص له في الاتجار في الأسلحة والذخائر على أن تشكل لجنة لتحديد مدى سعة المحل من الأسلحة والذخائر وعلى ألا تقل هذه السعة عن الحد الأدنى المقرر. غير أن هذه اللجنة حادت عن مهمتها وأخذت تبحث في مدى صلاحية موقع المحل وأبدت تخوفها من امتداد الحريق إليه عن طريق محمصة تبعد عنه بأكثر من سبعة أمتار وكذلك لوجود محل للخيش مع أن هذا المحل يفصله عن محله مخزن زيت ومحل بقالة في الشارع الخلفي، كما أبدت اللجنة تخوفها من ثقب المحل وسرقته.
وأضاف المدعي أنه ما كان يجوز للجنة أن تعاود النظر في مدى صلاحية الموقع بعد أن تمت الموافقة عليه لأن هذه الموافقة لا يجوز سحبها لأسباب كانت قائمة عند صدورها، فضلاً عن أن الشارع الذي يقع به محله مسموح بفتح محال للاتجار في الأسلحة والذخائر به بدليل وجود محل آخر على بعد ثلاثة أمتار منه كما أن المحمصة تبعد عنه بسبعة أمتار وليس بخمسة أمتار فقط كما تقضي اشتراطات الإسكان، وبالإضافة إلى ذلك فإن المحل ليس به فتحات وسقفه من المسلح وله باب حديد وبه جهاز إطفاء.
وبجلسة 11/ 1/ 1978 قضت المحكمة الإدارية بأسيوط بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص. وبناء على ذلك قيدت الدعوى بجدول محكمة القضاء الإداري برقم 1603 لسنة 32 قضائية فأصدرت فيها حكمها المطعون فيه الذي قضى بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم تكليف المدعي باستيفاء شروط الأمن اللازمة في محله ومنحه المهلة المناسبة لذلك. وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من أوراق الدعوى أن جهة الإدارة رفضت الترخيص للمدعي بالاتجار في الأسلحة والذخائر بعد أن وافقت مبدئياً على الترخيص وذلك بعد أن أسفرت معاينة المحل الذي كان سيزاول المدعي فيه نشاطه التجاري عن أنه غير مستوف لشروط الأمن والحريق إذ جاء بتقرير اللجنة التي شكلت في 4/ 3/ 1976 أن المحل يمكن وصول الخارجين على القانون إليه عن طريق إحداث فتحة بسطح المقلى المجاور للمحل ثم ثقب جدارها للوصول إليه وكذلك عن طريق الفتحات الموجودة بشارع الشيخ شلعب وهو شارع ضيق مظلم فضلاً عن وجود ثغرة بأعلى الباب العمومي للعقار.
وبالنسبة لأمن الحريق فإنه يوجد فرن بالمقلى المجاور للمحل يمكن أن يصل مصدره الحراري للذخائر الموجودة به كما يوجد محل خيش مستهلك وآخر للزيوت يجاوران المحل، وهي مواد سريعة الاشتعال. هذا إلى أن المنطقة التي يوجد بها المحل مزدحمة بالمحلات العامة والسكان.
واستطردت المحكمة أن لوزارة الداخلية سلطة تقديرية واسعة في تقدير شروط الأمن في المحل الذي تزاول فيه تجارة الأسلحة والذخائر ولا معقب عليها في ذلك إلا في وجوب قيامها على أسباب موجودة وصحيحة واقعاً وقانوناً تبرر النتيجة التي انتهت إليها باستخلاص سائغ مقبول.
وأضافت أن مصلحة الأمن العام كانت قد عقبت على ما ارتأته مديرية الأمن بأسيوط من عدم توافر شروط الأمن بالمحل المطلوب الترخيص له وذلك بكتابها المؤرخ 17/ 4/ 1976 وحاصله أنه بالنسبة للأمن العام يمكن تكليف الطالب باتخاذ احتياطيات الأمن اللازمة في ذات المحل مثل سد الثقب الموجود بأعلى الباب العمومي للعقار والشباك المجاور لهذا الباب.
أما بالنسبة لأمن الحريق فإن قرار وزير الإسكان رقم 1209 لسنة 1965 حدد الاشتراطات العامة في محال تجارة الذخائر ومن بينها بعدها عن الأماكن التي توجد بها نيران أو مواد قابلة للاشتعال بمسافة لا تقل عن خمسة أمتار. غير أن مديرية الأمن أصرت على رأيها في رفض منح المدعي الترخيص المطلوب ما لم يغير المحل متعللة في ذلك بأن الشارع ضيق ومزدحم مع أن الثابت من ملف طلب الترخيص أن محل المدعي يبعد عن المقلاة المجاورة بمسافة سبعة أمتار وأن في مواجهته محلاً آخر للاتجار في الأسلحة والذخائر، أي في ذات الشارع، ومن ثم يكون رفض طلب الترخيص للمدعي غير قائم على أسباب صحيحة تبرر النتيجة التي انتهى إليها قرار الرفض دون أن يغير من ذلك عدول مصلحة الأمن العام عن موقفها وموافقتها على رفض الترخيص وتكليف المدعي بالبحث عن محل آخر تتوافر فيه الشروط الأمنية إذ أن هذا العدول لم يقم على أسباب جديدة تبرر تغيير موقفها السابق.
وخلصت المحكمة مما تقدم إلى أن قرار رفض الترخيص للمدعي بالاتجار في الأسلحة والذخائر في محله الذي اختاره دون تكليفه باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين المحل على النحو الذي ارتأته مصلحة الأمن العام وإعطائه المهلة المناسبة لذلك.... هذا القرار غير قائم على أساس سليم من القانون ومن ثم أصدرت حكمها المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن الماثل في الحكم المشار إليه يقوم على أساس أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ بعد أن كيف الدعوى في صدره على أنها طعن في قرار إداري إيجابي هو القرار الصادر برفض منح المدعي الترخيص المطلوب عاد في منطوقه فكيف الدعوى على أنها طعن في قرار سلبي يتمثل في عدم إعطاء المدعي فرصة لاستيفاء شروط الأمن وبذلك أصبح هناك قراران أحدهما إيجابي والآخر سلبي في حين أن الثابت من الأوراق أن ثمة قراراً إيجابياً واحداً برفض منح المدعي الترخيص، وهذا القرار صدر صحيحاً ومتفقاً مع القانون إذ البادي من نص المادة 12 من القانون رقم 34 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر أن سلطة وزير الداخلية أو من ينيبه في منح التراخيص بالاتجار في الأسلحة والذخائر هي سلطة تقديرية لا معقب عليها طالما كان الهدف منها الصالح العام. والثابت أن القرار الصادر برفض منح المدعي الترخيص قام على عدة أسباب مؤداها أن المحل غير مستوف للشروط اللازمة للأمن العام ولأمن الحريق، وتقدير هذه الأسباب متروك لجهة الإدارة، ومن ثم يكون القرار قد صدر في حدود السلطة المخولة لها قانوناً دون رقيب طالما لم يثبت تعسفها في استعمال تلك السلطة. يضاف إلى ذلك أن الأسباب المنوه عنها والتي انتهى الحكم إلى عدم مشروعية عدم إعطاء المدعي مهلة لاستيفائها منها ما هو خاص بمحله كوجود فتحات به ومنها ما هو خارج عن نطاق المحل ولا يتسنى له استيفاؤه (كمجاورة المحل للمقلي ولمحل تجارة الخيش والزيت ووجوده في شارع مزدحم).
ومن حيث إن الثابت من ملف الترخيص - المرفق بالأوراق - أن المطعون ضده (المدعي في الدعوى الصادر فيها الحكم محل الطعن الماثل) تقدم بطلب مؤرخ 31/ 3/ 1973 إلى مدير أمن أسيوط للترخيص له بالاتجار في الأسلحة والذخائر في محله الكائن بشارع القيسارية بأسيوط وأعدت وحدة الرخص بالمديرية مذكرة في هذا الشأن أشارت فيها إلى أن عدد المحال المسموح بفتحها للاتجار في الأسلحة والذخائر بدائرة المديرية هو 23 محلاً وأن المرخص فيه فعلاً هو سبعة محال فقط ومن ثم فليس ثمة ما يمنع من السير في إجراءات فتح المحل المطلوب مبدئياً. وقد تأشر على هذه المذكرة في 11/ 4/ 1973 من مدير الأمن بالموافقة. وبناء على ذلك تم استطلاع رأي جهات الأمن المختلفة في منح الترخيص المطلوب، وإذ أبدت تلك الجهات موافقتها حررت وحدة الرخص مذكرة انتهت إلى طلب الموافقة على منح الترخيص وتأشر عليها بالموافقة من مدير الأمن في 19/ 2/ 1976 مع تشكيل لجنة لتحديد الكميات التي يصرح بها من الأسلحة والذخائر بناء على ذلك أرسلت مديرية الأمن في ذات اليوم (19/ 2/ 1976) كتابها رقم 335 إلى مأمور قسم أول أسيوط بطلب "تشكيل لجنة طبقاً للتعليمات الواردة بالبند 44 من كتاب الأسلحة والذخائر برئاسة قسم الرقابة الجنائية والمأمور ومندوب المطافي لمعاينة المحل وتحديد كميات الأسلحة والذخائر التي يرى الترخيص للطالب بالاتجار فيها على أن يراعى في هذا التقدير سعة المحل وصالح الأمن" وبتاريخ 4/ 3/ 1976 حررت اللجنة محضراً ارتأت فيه عدم توافر شروط الأمن العام أو أمن الحريق بالمحل وتكليف الطالب بالبحث عن محل آخر وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: بالنسبة للأمن العام:
1 - إمكانية وصول أي من الخارجين على القانون إلى داخل المقلى المجاورة للمحل وهو جزء من مساحة المقلى، ومنها يمكن عمل ثقب بدار المحل من أي من الجهتين البحرية والغربية عن طريق الفتحة التي بسطح المقلى.
2 - إمكانية الوصول إلى المحل عن طريق الفتحات الموجودة بشارع الشيخ شلعب خاصة وأن الشارع ضيق ومظلم مع وجود ثغرة بأعلى الباب العمومي للعقار أو من الشباك المجاور لذلك الباب.
ثانياً: بالنسبة لأمن الحريق:
1 - وجود فرن بالمقلى المجاور للمحل الأمر الذي يمكن أن يوصل المصدر الحراري للاشتعال إلى الذخيرة التي قد تكون بذلك المحل.
2 - وجود محل لتجارة الخيش المستهلك وآخر للزيوت مجاور للمحل وهي مواد سريعة الاشتعال الأمر الذي يهدد أمن الحريق بالمنطقة.
3 - أن المنطقة مزدحمة بالمحلات العامة والسكان - الأمر الذي يهدد الاقتصاد والأرواح بالمنطقة حالة حدوث حريق بالمحل المذكور.
وبتاريخ 15/ 3/ 1976 أشر مدير الأمن على المذكرة التي عرضت عليه برأي اللجنة المشار إليها بعبارة عدم الموافقة على المحل وحررت المديرية إلى مصلحة الأمن العام بما انتهت إليه من عدم الموافقة فأرسلت إليها المصلحة رداً على ذلك في كتابها رقم 3522 المؤرخ 11/ 4/ 1976 المتضمن "أنه بالنسبة إلى ما جاء بمحضر اللجنة بخصوص الأمن العام فإنه يمكن للمديرية تكليف الطالب باتخاذ احتياطيات الأمن اللازمة في هذا الصدد بما يكفل عدم حدوث ذلك.
وبالنسبة إلى ما جاء بالمحضر بخصوص أمن الحريق فإن قرار وزير الإسكان والمرافق رقم 1209 لسنة 1965 قد حدد الاشتراطات العامة في محال تجارة الذخائر ومن بينها أن تكون هذه المحال بعيدة بعداً كافياً عن الأماكن التي توجد بها نيران أو مواد شديدة القابلية للاشتعال وبمسافة لا تقل عن خمسة أمتار. ولما كان الطالب قد حصل فعلاً على رخصة الإسكان من مجلس مدينة أسيوط عن هذا المحل بالإضافة إلى أن قرار السيد وزير الداخلية الصادر سنة 1955 قد حدد الشوارع والميادين والطرقات التي يجوز فتح محل تجارة الأسلحة والذخائر بها لذلك يرجع إلى مجلس مدينة أسيوط بشأن ما تضمنه محضر المعاينة والإفادة بما يستقر عليه الرأي في ضوء ذلك.
وبناء على ما تقدم شكلت لجنة أخرى لإعادة المعاينة تضم مندوبين عن وحدة الحريق وقسم شرطة أول أسيوط وقسم الرقابة الوقائية ومهندساً برخص مجلس المدينة. وقد انتهت هذه اللجنة إلى تأييد رأي اللجنة الأولى لذات الأسباب. كما أوضح مأمور قسم أول أسيوط أن محل التجارة الأسلحة الكائن في مواجهة محل الطالب (المدعي) تعرض لحادث سرقة حرر عنه المحضر رقم 2964 لسنة 1973 جنايات القسم وأنه مما ساعد على وقوع هذا الحادث ضيق الشارع المؤدي إلى منطقة القيسارية التي يقع بها بالإضافة إلى ظلمة المنطقة. ومن ثم حررت مذكرة عرضت على مدير الأمن فأشر عليها بعدم الموافقة على فتح المحل وتمت الكتابة بذلك إلى مصلحة الأمن العام التي ردت بكتابها رقم 9678 باعتماد قرار المديرية والتنبيه إلى تكليف الطالب بالبحث عن محل آخر تتوافر فيه الشروط المطلوبة.
ومن حيث إن المادة 12 من القانون رقم 34 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر تنص على أنه "لا يجوز بغير ترخيص خاص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه استيراد الأسلحة المنصوص عليها في المادة الأولى وذخائرها والاتجار بها أو صنعها أو إصلاحها. ويبين في الترخيص مكان سريانه ولا يجوز النزول عنه" ولوزير الداخلية أو من ينيبه عنه رفض إعطائه كما له تقييد مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة والذخائر أو تقييده بما يراه من شروط لمصلحة الأمن العام، وله سحبه في أي وقت أو إلغاؤه على أن يكون قراره في حالتي السحب والإلغاء مسبباً".
ومن حيث إن المستفاد من هذا النص أن المشرع استلزم الحصول على ترخيص خاص من وزير الداخلية أو من ينيبه للاتجار في الأسلحة والذخائر وأنه خول جهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال تقديراً منه لخطورة هذا النوع من التجارة وذلك حماية للمجتمع ووقاية للأمن العام ودرءاً للمخاطر قبل وقوعها، ومن ثم فإن هذه السلطة التقديرية لا معقب عليها طالما خلت من إساءة استعمال السلطة واستهدفت الصالح العام.
ومن حيث إن الثابت من واقعات النزاع الماثل أن ثمة لجنتين شكلتا لمعاينة المحل الذي طلب المدعي الترخيص له بفتحه للاتجار في الأسلحة والذخائر، وأن هاتين اللجنتين اتفق رأيهما على تخلف شروط الأمن العام وأمن الحريق في المحل للأسباب السابق إيرادها تفصيلاً وهي أسباب سائغة ومقبولة دون أن ينال منها أن يكون هذا المحل على مسافة سبعة أمتار وليس خمسة أمتار فحسب من المقلى، لأن مجرد توافر شرط المسافة لا يعني وجوب الموافقة على منح الترخيص وإنما تصدر هذه الموافقة في ضوء عدة اعتبارات تحيط بموقع المحل من ناحية الأمن والحريق. كما لا ينال من ذلك أن يكون هناك محل للاتجار في الأسلحة في مواجهة محل المدعي ووقوع المحلين في شارع مرخص في فتح هذا النوع من المحال به... ذلك أن المحل المقابل قد لا تتوافر بالنسبة إليه ذات الظروف المحيطة بمحل المدعي، كما أن الثابت من الأوراق أن المحل المذكور تعرض لحادث سرقة، وإذا كان من الصحيح القول بأن حادث السرقة في حد ذاته لا يسوغ مبرراً لرفض الترخيص للغير بحسبان أن السرقة أمر وارد في جميع الأحوال وأياً كان موقع المحل - إلا أن البادي، حسبما أفاد مأمور قسم أسيوط ولم توضحه الأوراق، أن ظلمة المنطقة التي تؤدي إلى المحل قد ساعدت على ارتكاب الحادث.. ولا جدال في أن الوضع يبرر مسلك الإدارة في إصدار قرارها المطعون فيه بمراعاة الاعتبارات الأخرى التي أشير إليها في تقرير اللجنتين وخلو الأوراق مما ينهض دليلاً على انحراف جهة الإدارة بسلطتها، بل إن المستفاد من واقع الأوراق أنها سارت في إجراءات الترخيص فوافقت عليه مبدئياً، وعندما ورد كتاب مصلحة الأمن المؤرخ 11/ 4/ 1976 شكلت لجنة أخرى شارك فيها مندوب عن مجلس المدينة لإعادة معاينة الموقع. وقد جاء رأي هذه اللجنة متفقاً في أسبابه ونتائجه مع رأي اللجنة الأولى.
ومن حيث إنه لا وجه للنعي على مسلك الجهة الإدارية بمقولة أنها لم تكلف المدعي باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين المحل.. ذلك أنه وإن صح أن بإمكان المدعي اتخاذ مثل تلك الإجراءات بالنسبة للمحل ذاته، فإنه من المتعذر عليه اتخاذها بالنسبة إلى موقع المحل من حيث ظلمة المنطقة التي تؤدي إليه ووجوده في مكان مزدحم ومجاورته لبعض المحال التي تعتبر مصدراً حرارياً يمثل خطورة على الأسلحة والذخائر.
وحيث إنه يخلص من جماع ما تقدم أن قرار الترخيص للمدعي بالاتجار في الأسلحة والذخائر بمحله المنوه عنه قام على أسباب تسوغه واستهدف تحقيق الصالح العام، ومن ثم تكون الدعوى بطلب إلغائه غير قائمة على أساس من القانون حرية بالرفض وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون جديراً بالإلغاء.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصاريفها عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

"حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.