أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 5 - صـ 950

جلسة 10 من يونيه سنة 1954
(146)
القضية رقم 9 سنة 23 القضائية "أحوال شخصية"

برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد وكيل المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: سليمان ثابت، ومحمد نجيب أحمد، وأحمد العروسي، ومحمود عياد المستشارين.
( أ ) أحوال شخصية. دعوى طلاق بين زوجين يونانيين. تأسيسها على تصدع الحياة الزوجية. تحديد معنى تصدع الحياة الزوجية المبرر لطلب الطلاق. المادتان 1442، 1448 من القانون المدني اليوناني.
(ب) أحوال شخصية. دعوى نفقة بين زوجين يونانيين. التزام الزوج بالنفقة لزوجته. متى لا تستحق الزوجة هذه النفقة. المادتان 1391، 1394 من القانون المدني اليوناني.
1 - لما كانت المادة 1442 من القانون المدني اليوناني تشترط لتوافر حالة تصدع الحياة الزوجية التي تبرر طلب الطلاق أن يكون التصدع ناشئاً عن خطأ الزوج المدعى عليه، وأن يكون هذا الخطأ قد أدى إلى تصدع الحياة الزوجية بشكل جدي، وأن يصبح استمرارها فوق ما يطيقه طالب الطلاق وكانت المادة 1448 من هذا القانون قد نصت على سقوط حق الزوج طالب الطلاق بمضي سنة من تاريخ علمه بسبب الطلاق أو بمضي عشر سنوات من تاريخ قيام هذا السبب في كل الأحوال، وكانت المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية قد نفت وقوع التصدع القوي الذي يبيح للزوج طلب التطليق وأنه على فرض حدوث هذا التصدع فلم تكن الزوجة هي المتسببة فيه، وأن ما نسبه الزوج إليها لا يعدو أن يكون من الهنات التي تقع بين الزوجين ولا تكون سبباً لتصدع الحياة الزوجية وأن المآخذ التي عزاها إليها لم تحل دون استمرار الحياة الزوجية من تاريخ زواجهما إلى أن حدثت بينهما مشادة يقع الخطأ فيها على عاتق الزوج، لما كان ذلك، فإن المحكمة تكون قد استعملت سلطتها الموضوعية في تقدير واقعة الدعوى ولم ينطو هذا التقدير الموضوعي على خطأ في فهم معنى تصدع الحياة الزوجية المبرر لطلب الطلاق.
2 - لما كان الزوج وفقاً لنص المادتين 1391، 1394 من القانون المدني اليوناني ملزماً بالنفقة لزوجته إلا إذا كانت هي التي انسحبت من الحياة الزوجية المشتركة من غير مبرر معقول، وكانت المحكمة قد أثبتت بالأدلة السائغة التي أوردتها أن الزوج هو الذي رفض استئناف الحياة الزوجية وأن الزوجة سعت إلى منزل الزوجية فصدها هو عنه وأنها لم ترتكب خطأ يبرر هجر زوجها لها، فإن حق الزوجة في هذه الأحوال لا يسقط في تقاضي النفقة المستحقة لها عملاً بالمادتين المشار إليهما.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر ومرافعة المحاميين عن الطرفين والنيابة العامة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه، وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 27 سنة 1950 بور سعيد الابتدائية وقالت في صحيفتها إنها تزوجت من الطاعن في 16 من أكتوبر سنة 1941 بمدينة الإسماعيلية حسب طقوس الكنيسة الرومية الأرثوذكسية، وقد أنجبت منه ولداً وبنتاً، وأن الطاعن هجر منزل الزوجية على أثر اعتدائه عليها بالضرب وإصابتها وتهديدها في حياتها وطلبت الحكم بإلزامه بنفقة شهرية لها ولولديها مقدارها 150 جنيهاً واستندت في ذلك إلى الصورة الرسمية من محضر الجنحة رقم 1670 سنة 1950 قسم أول الإسماعيلية، وإلى خطاب من شركة قنال السويس يعين مرتب الطاعن. فأقام الطاعن الدعوى رقم 8 سنة 1951 بور سعيد الابتدائية وطلب فيها الحكم بفسخ عقد الزواج المعقود في 16 من أكتوبر سنة 1941 وبتسليم ولديه، واحتياطياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة الوقائع التي أدت إلى تفكك رابطة الزوجية وقال بياناً لدعواه إن الخطأ كان من جانب الزوجة، وإن والدها مع ثرائه الواسع لم يمنح ابنته البائنة (الدوطة) التي تناسب حالته الاجتماعية، وذلك وفقاً للمادة 1495 من القانون المدني اليوناني، وأن الزوجة استقلت بإدارة شئون الأسرة دونه خلافاً لحكم المادة 1387 من هذا القانون، كما أنها خالفت العرف بأن فرضت إرادتها وسمت ولدها منه باسم والدها، وأنها كانت تظهر الكراهية لأخوته، ولم ترغب في الإقامة معه وقت أن كان يباشر أعماله بالإسكندرية واستمرت في الإقامة مع والدها بعد عودته إلى الإسماعيلية بالرغم من معارضته الشديدة في ذلك، ورغبته في الحصول على مسكن مستقل، وأنها استولت على جواز سفره وقامت بإجراء تعديلات تحكمية فيه بأن أزالت منه اسمها واسمي ولديها وصورتهم واستخرجت جواز سفر مستقل، وطلب الحكم برفض دعوى النفقة تأسيساً على أن الزوجة لا تستحقها وفقاً للمادة 1393 من القانون المدني اليوناني إلا بمشاركته في الحياة الزوجية كما طلب فسخ عقد الزواج وفقاً للمادة 1442 من هذا القانون. وفي 8 من مايو سنة 1951 قررت المحكمة ضم دعوى الطلاق إلى دعوى النفقة، وفي 15 من مايو سنة 1951 قضت برفض دعوى الطلاق، وفي دعوى النفقة بإلزام الطاعن بأن يدفع لزوجته بصفتيها ثمانين جنيهاً شهرياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء وذلك على سبيل النفقة الشاملة لها ولولديها، فاستأنف الطاعن هذا الحكم وقيد استئنافه برقم 4 سنة 3 ق المنصورة. كما رفعت المطعون عليها استئنافاً مقابلاً قيد برقم 5 سنة 3 ق المنصورة. وفي 8 من أكتوبر سنة 1951 قررت المحكمة ضم الاستئنافين. وفي 7 من مايو سنة 1952 حكمت بقبولهما شكلاً، وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت الطاعن، أولاً: أن حياته الزوجية قد اعتراها خلل قوي يتعذر معه استمرارها وأن زوجته هي المتسببة في ذلك، ثانياً: أن والد الزوجة في حالة ثراء ورغم ذلك لم يقدم لها البائنة، وبعد تنفيذ الحكم التمهيدي قضت المحكمة في موضوع الاستئنافين برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف. وألزمت كل من المستأنفين بمصروفات استئنافه. فقرر الطاعن الطعن في هذا الحكم بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن مقام على سببين خاصين بدعوى الطلاق وعلى سببين آخرين خاصين بدعوى النفقة، ويتحصل السبب الأول في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض طلب فسخ عقد الزواج تأسيساً على أن الأسباب التي بني عليها هذا الطلب لا تدخل في مدلول المادة 1442 من القانون المدني اليوناني التي تشترط لإباحة الطلاق أن يكون ثمة تصدع قوي قد طرأ على العلاقات الزوجية لا يحتمل معه استمرارها بالنسبة لطالب الطلاق، ذلك لأن ما يعزوه الطاعن إلى زوجته المطعون عليها لا يعدو أن يكون من الهنات الهينات التي تقع دائماً بين الزوجين، وليست من قبيل التصدع القوي الذي يتعذر رأبه، إذ قرر الحكم ذلك فقد أخطأ في فهم مراد الشارع من التصدع المبرر للحكم بالطلاق، ذلك أن المادة 1442 من القانون المشار إليه تهدف إلى أن تكون الرحمة والاطمئنان هي غاية الحياة الزوجية، فإذا تخلف هذا الشرط قضى بإنهاء هذه الحالة. وقد استقر القضاء اليوناني على قياس التصدع وأسبابه بالنتيجة التي تحدثها في نفس كل من الزوجين وأثر زوال المودة والرحمة بينهما في جعل الحياة الزوجية غير محتملة وقد ثبت لدى المحكمة كل المآخذ التي ساقها الطاعن ضد زوجته من عصيان وجفوة وتمرد وكراهة للزوج وأهله، وتحريض أولاده على كراهيته، ثم رفض مساكنته، وهي دون ما اعتبرته المحاكم اليونانية داخلاً في قصد الشارع من أسباب الطلاق، إلا أن الحكم المطعون فيه اعتبرها من الهنات التي لا تدخل في مدلول المادة المشار إليها. وهو نظر خاطئ في القانون، ذلك أنه لا يقصد من المادة 1442 أن تصل الجفوة بين الزوجين إلى أبعد ما وصلت إليه بين الطاعن والمطعون عليها.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد الأسباب التي استند إليها الطاعن في القول بتصدع الحياة الزوجية، أقام قضاءه برفض دعوى التطليق على أساس أن هذه الأسباب لا تدخل في مدلول المادة 1442 من القانون المدني اليوناني إذ أن هذه المادة تشترط لإباحة التطليق أن يكون ثمة تصدع قوي طرأ على العلاقات الزوجية يصبح معه استمرار الحياة الزوجية غير محتمل بالنسبة لطلب الطلاق، وأن ما يعزوه الطاعن إلى زوجته من أمور لا تعدو أن تكون من الهنات التي تقع بين الزوجين، وليست من قبيل التصدع الذي يتعذر رأبه، وليس أدل على ذلك من أن الطاعن لم يتبرم من هذه الأمور حين وقوعها، إذ هو قد ظل يعاشر زوجته طوال تلك السنين منذ زواجهما في 16 من أكتوبر سنة 1941 إلى أن وقعت بينهما المشادة بسبب استخراج الزوجة جواز سفر خاص بها في سنة 1950، دون أن يشكو من أنها أضافت إلى اسم ابنها البكر اسم أبيها أو أنها أقامت في الإسماعيلية أو أنها كانت تتردد على القاهرة والإسكندرية والسويس. وأنه لا ضير على المطعون عليها إن هي أقامت مع زوجها بالإسماعيلية، وقد ترتب على ذلك وبفضل مسعى حميه أن حصل على مركز يتقاضى منه أجراً شهرياً مقداره 450 جنيه بعد أن كان مرتبه في شركة مضارب الأرز بالإسكندرية 35 جنيهاً فقط. أما عن القول بأن الدكتور ديمتري إليو والد زوجته قد طلب منه مغادرة منزله، فإنما كان ذلك على أثر اعتداء الطاعن على زوجته، فما كان ينبغي للطاعن أن يعتدي على زوجته بصفعها على وجهها لأنها استعاضت عن جواز السفر المشترك بجواز سفر خاص بها لأن والدتها كانت مريضة وظلت زمناً طريحة الفراش في المستشفى بالإسكندرية، وكان على الزوجة أن تزورها من حين لآخر، ولهذا استخرجت جواز سفر مستقل لتتلافى الصعوبات أثناء مرورها في منطقة القنال وقت حرب فلسطين، وأن المحكمة ترتاح إلى تعليل الزوجة في هذا الخصوص. وأنه فضلاً عن أن الأسباب التي بنى عليها الطاعن دعواه لا تبرر الطلاق للأسباب السالف بيانها، فإن التحقيق لم يسفر عن إثبات ما يدعيه الطاعن في هذا الخصوص إذ أن المحكمة قد استشفت من أقوال شهود الطاعن أن الزوجين كانا يعيشان معاً في سلام، وأنهما ظلا على هذا الوئام حتى النزاع الذي قام بينهما بسبب جواز السفر، وأنه لم يثبت من أقوال هؤلاء الشهود بطريقة يقينية أن الحياة الزوجية قد اعتراها خلل يستحيل معه استمرارها، وأن مرد أقوال جورج فركاس والسيدة إلينكي سريوس وإيمانويل دبا كاكيس التي يستند إليها الطاعن في القول بأن الصلح لم يعد ممكناً - إذ صدقت هذه الأقوال - مردها أن النزاع بين الزوجين لم يكن قد مضى عليه الوقت الكافي لمحو أثاره، وأن هؤلاء الشهود قد تعوزهم الدراية الكافية لإصلاح ذات البين، وأن المحكمة تلمس ثنايا أوراق الدعوى ومن التحقيق ما يكنه كل زوج للآخر من حب. وأن الزوجة أرادت فعلاً استئناف الحياة الزوجية بأن حاولت أمام محكمة أول درجة الذهاب معه إلى بيته فأبى، ثم ذهبت بنفسها إلى منزله، ولكن الطاعن أمر خادمته بطردها ففعلت، وهو ما لم ينكره الطاعن. وانتهى الحكم المطعون فيه إلى تقرير أن الطاعن قد عجز عن إثبات تصدع الحياة الزوجية، وأنه على فرض قيام هذا التصدع فإنه قد عجز عن إثبات أن المطعون عليها هي المتسببة فيه، وهو ما تشترطه المادة 1442 من القانون المدني اليوناني، وهذا الذي قرره الحكم لا خطأ فيه، ذلك أن المادة 1438 من القانون المدني اليوناني حصرت أسباب الطلاق فيما ورد بالمواد 1439 و1446، وقد أشار المشرع اليوناني إلى حالة تصدع الحياة الزوجية في المادة 1442 - وهي التي يستند إليها الطاعن في طلب الطلاق - فنص على أنه يجوز لكل من الزوجين أن يطلب الطلاق إذا طرأت أسباب جدية تعزي لخطأ الزوج الآخر أدت إلى تصدع الحياة الزوجية، بحيث يصبح استمرارها فوق طاقة طالب الطلاق، ولا يكون للطالب حق الطلاق، حتى لو كان الخطأ المنوه عنه معزواً إلى الزوجين معاً، إذا كان تصدع العلاقة الزوجية ناتجاً في الغالب من خطئه، ومفاد هذا النص أن المشرع اليوناني اشترط لتوفر حالة التصدع التي تبرر طلب الطلاق، أن يكون هذا التصدع ناشئاً عن خطأ الزوج المدعى عليه، وأن يكون هذا الخطأ قد أدى إلى تصدع الحياة الزوجية بشكل جدي، وأن تصبح استمرارها فوق ما يطيقه طالب الطلاق، ثم نصت المادة 1448 من هذا القانون على أن حق طالب الطلاق في الحالة المنصوص عليها في المادة 1442 - يسقط بمضي سنة من تاريخ علم الزوج المعتدى عليه بسبب الطلاق أو بمضي عشر سنوات من تاريخ قيام هذا السبب في كل الأحوال، ولما كانت - في حدود سلطته الموضوعية قد نفت وقوع التصدع القوي بين الزوجين الذي يبيح للزوج طلب التطليق وأنه على فرض حدوث هذا التصدع فإن الزوجة لم تكن هي المتسببة فيه، وأن ما نسبه الطاعن إليها لا يعدو أن يكون من الهنات التي تقع بين الزوجين، ولا تكون سبباً لتصدع الحياة الزوجية، وأضافت أن التحقيق لم يسفر عن إثبات ذلك أو أن الزوجة كانت هي المتسببة فيه. وأن المآخذ التي عزاها الطاعن إلى زوجته لم تحل دون استمرار الحياة الزوجية من تاريخ زواجهما في 16 من أكتوبر سنة 1941 إلى أن وقعت بينهما المشادة في سنة 1950 بسبب استخراج المطعون عليها جواز سفر خاص بها، وأن الطاعن قد أخطأ إذ اعتدى على زوجته بصفعها على خدها لهذا السبب في حين أن تصرف الزوجة في هذه الحالة كان له ما يبرره. إذ قرر الحكم ذلك فإنه إنما استعمل سلطته الموضوعية في تقدير واقعة الدعوى، ولم ينطو هذا التقدير الموضوعي على خطأ في فهم معنى تصدع الحياة الزوجية تصدعاً تصبح معه استمرار الحياة الزوجية فوق طاقة طالب الطلاق، وهو ما تشترطه المادة 1442 من القانون المدني اليوناني.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بتحريف الواقع والاستناد إلى غير ما ورد بالأوراق، ذلك أن المحكمة إذ وصفت ما وقع بين الطاعن والمطعون عليها بأنه لا يندرج تحت ما تصوره المشرع من أسباب لتصدع الحياة الزوجية، وأحست بمجافاة هذا التقرير للفهم الصحيح للقانون، اتجهت إلى واقع الدعوى على أمل أن تحصل منه أن الطاعن قد عجز عن إثبات تصدع الحياة الزوجية إلا أنها جرفت هذه الوقائع وأضافت إليها ما ليس بها، فقالت إن المحكمة استشفت من أقوال شهود الطاعن أن الزوجين كانا يعيشان معاً في سلام وظلا كذلك إلى أن لاحت في أفقهما مسألة استبدال جواز السفر الخاص بجواز السفر المشترك. ولم يثبت من أقوال هؤلاء الشهود بطريقة يقينية أن الحياة الزوجية قد اعتراها خلل يستحيل معه استمرارها....... ولا يتفق هذا الذي أورده الحكم مع الواقع الثابت في الأوراق. ذلك أن ما قرره الحكم من أن الزوجين ظلا سعيدين حتى وقعت مسألة استبدال جواز السفر هو تحريف شهادة شاهد واحد هو جورج ليفتشي. وحرفت المحكمة أقوال هذا الشاهد إذ نسبت إليه أنه قال في التحقيق إن الطاعن أخبره أنه يود الصلح مع زوجته، كما أن الحكم أخطأ إذ قال إن شهود الطاعن جميعاً قالوا إن الزوجين كانا سعيدين قبل حادث استبدال جواز السفر في حين أن أحداً منهم لم يقرر هذه الواقعة فيما عدا عبارة حرفتها المحكمة وردت على لسان الشاهد السابق. ثم أورد الحكم أن شهود الطاعن فيما عدا جورج بيركاس وإلينكي سريوس وإيمانويل ديا كاكيس قالوا بإمكان الصلح بين الطرفين في حين أن الثابت من شهادة غير هؤلاء من شهود الطاعن أنهم أجمعوا على عدم إمكان الصلح واستئناف الحياة الزوجية.
ومن حيث إن هذا السبب مردود ذلك بأن الدعامة الأساسية التي أقام عليها الحكم قضاءه برفض دعوى التطليق هي ما ثبت للمحكمة من أن الأسباب التي بنى عليها الطاعن دعواه ورددها في صحيفة استئنافه لا تبرر الطلاق للأدلة والقرائن السائغة التي أوردتها والسابق بيانها، وهي تكفي - وحدها - لإقامة الحكم دون حاجة إلى التحقيق، ومن هذا يبين أن الحكم إذ تعرض بعد ذلك لأقوال الشهود، فإنما كان استرسالاً منه في الرد على جميع الأدلة التي يستند إليها الطاعن في طلب التطليق، على أن ما قررته المحكمة من أنها استشفت من أقوال شهود الطاعن أن الزوجين كانا يعيشان معاً في سلام إلى أن وقعت مسألة استبدال جواز السفر الخاص بجواز السفر المشترك، وأنه لم يثبت من أقوال هؤلاء الشهود بطريقة يقينية أن الحياة الزوجية قد اعتراها من الخلل ما يستحيل معه استمرارها، وأنه إذا كان بعض الشهود - وهم جورج فركاس والسيدة البنيكى سريوس وإيمانويل ديا كاكيس قد قرروا أن الصلح لم يعد ممكناً فمرد ذلك. إذا صدقت أقوالهم - إلى أن النزاع الذي نشأ بين الزوجين لم يكن قد مضى عليه الوقت الكافي لمحو آثاره، ولأن هؤلاء الشهود قد تعوزهم الدراية والأسلوب المقنع للتوفيق بين الطرفين، وأنها تلمس من سطور التحقيق وثنايا أوراق الدعوى ما يمكنه كلا الزوجين من حب للآخر فقد شهد جورج ليفندس أول شهود الطاعن أن زوجته سيدة طيبة وأنه كان يتمنى أن يصطلح معها، هذا فضلاً عن أن الزوجة قد أبدت من جانبها أمام محكمة أول درجة استعدادها لاستئناف الحياة الزوجية، ولكن الطاعن - وهو في ثورة غضبه - أبى عليها ذلك. إذ قررت المحكمة ذلك كله فإنها إنما حصلت بعض أقوال الشهود التي أدلوا بها في محضر التحقيق المرفق صورته الرسمية بملف الطعن تحصيلاً يتأدى من أقوالهم ولا يخالف الثابت بالتحقيق، ولا تثريب على المحكمة إذ هي أغفلت الرد على ما ورد بأقوال باقي شهود الطاعن، متى كانت لم تر في أقوال هؤلاء الشهود ما يغير عقيدتها التي اطمأنت إليها والتي استخلصتها من أقوال الشهود الآخرين.
ومن حيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعن بالنفقة فقد خالف القانون، ذلك أن القانون اليوناني أوجب على الزوجين التزامات متبادلة فألزمتهما المادة 1386 بأن يعيشا سوياً، وقررت المادة 1387 أن الزوج هو رب البيت وإليه يرجع الأمر في شئون الحياة الزوجية المشتركة، وألزمت المادة 1389 الزوجة أن تعتني بالمنزل والأسرة في الحدود التي يرسمها الزوج، ودعت المادة 1390 الزوجين أن ينفذ كل منهما التزاماته قبل الآخر بالعناية التي يبذلها الإنسان في رعاية أخص شئونه، وقررت المادة 1391 التزام الزوج بالنفقة للزوجة التي وفت بالتزاماتها السابق الإشارة إليها وذلك وفقاً للمادة 1393 - ومن ثم فلا محل لإلزام الزوج بالإنفاق على زوجة لا تقوم بالتزاماتها قبل الزوج، وفي مقدمة هذه الالتزامات الطاعة والإقامة في منزل الزوجية. وإلى جوار هذه الالتزامات أنشأ المشرع اليوناني أسوة بغيره من الشرائع الأوروبية التزاماً آخر عليها وقت الزواج هو أن تقدم بائنة لزوجها واعتبر إلزام الزوج بالإنفاق مقابل وفائها بهذا الالتزام. وبتطبيق حكم القانون على ما ثبت بين الطاعن والمطعون عليها يقتضي الحكم بسقوط نفقة الأخيرة، ذلك أنها أخلت بالتزاماتها كزوجة، فلم تكن في طاعة زوجها، ولم ترع شئونه وحرضت أولادها عليه وآثرت أهلها ومصالحها واحتقرت زويه، ثم رفضت أن تقيم معه في مسكن واحد عندما دعاها إلى ذلك. ثبت هذا كله في حق الزوجة، ومع ذلك قضى الحكم المطعون فيه لها بالنفقة مما يجعل قضاءه قائماً على مخالفة للقانون.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الزوج بنفقة الزوجية فإنه أقام قضاءه في هذا الخصوص على أن الزوج ملزم بالإنفاق على زوجته بما يتناسب مع مركزه الاجتماعي وثروته وفقاً لنص المادتين 1391، 1394 من القانون المدني اليوناني، وأنه إذا انسحب أحد الزوجين لمبرر معقول من المعيشة الزوجية المشتركة. فإنه يتقاضى النفقة المستحقة له على الزوج الآخر، وأنه وإن كان التزام النفقة الزوجية يسقط عن الزوج في حالة ما إذا كانت زوجته قد أخطأت، فإن الثابت من ظروف هذا النزاع وملابساته التي استعرضتها المحكمة بأن الزوجة لم تخطئ، وأن الزوج هو الذي أخطأ بصفع زوجته على وجهها، وأن عدم أداء الزوجة بائنة لزوجها لا يسقط حقها في النفقة الواجبة عليه لأنه ارتضى منها عدم أداء تلك البائنة. وهذا الذي قرره الحكم لا خطأ فيه، ذلك أن المادة 1391 من القانون المدني اليوناني تنص على إلزام الزوج بالنفقة لزوجته بما يتناسب مع مركزه الاجتماعي وثروته وموارده، ونصت المادة 1394 على أنه إذا انسحب أحد الزوجين لمبرر معقول من المعيشة الزوجية المشتركة. فإنه يتقاضى النفقة الواجبة له على الزوج الآخر... ومؤدى هذين النصين أن الزوج يكون ملزماً بأداء النفقة إلى زوجته إلا إذا كانت هي التي انسحبت من الحياة الزوجية المشتركة من غير مبرر معقول، ولما كانت المحكمة قد أثبتت بالأدلة السائغة التي أوردتها أن الطاعن هو الذي رفض استئناف الحياة الزوجية، وأن الزوجة سعت إلى منزل الزوجية فصدها هو عنه، وأن الزوجة لم ترتكب خطأ يبرر هجر زوجها لها، فإن حق الزوجة في هذه الأحوال لا يسقط في تقاضي النفقة المستحقة لها وفقاً لما تقضي به المادتان 1391، 1394.
ومن حيث إن السبب الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور في بيان الأسباب ذلك أن الطاعن دفع دعوى النفقة بعدم وفاء الزوجة بالتزاماتها المقررة في القانون من طاعة ورعاية لشئونه ومساكنة له، كما أنها لم تقدم البائنة (الدوطة) إلا أن المحكمة إذ قضت بالنفقة، فإنها لم تتحدث عما أثاره الطاعن من موجبات لسقوط النفقة، واكتفت بعبارة موجزة مبهمة أحالت فيها على استعراض الوقائع في دعوى الطلاق، وهذه العبارة لا ترفع القصور في بيان الأسباب، وذلك أنها بالنسبة لدعوى الطلاق سلمت بكل مآخذ الزوج على زوجته، واقتصرت على القول بأنها لا تكوّن الشرط المبرر للطلاق، ولم تتعرض في دعوى النفقة إلى ما إذا كانت هذه الأخطاء تكون الشرط المسقط للنفقة.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعن بالنفقة لزوجته المطعون عليها، فإنه قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على الأسباب السالف بيانها عند الرد على السبب السابق، والمحكمة غير ملزمة بتعقب الخصوم في جميع مناحي حججهم، متى كانت الأسباب التي استندت إليها تكفي لحمل قضائها كما هو الشأن في الدعوى.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن في غير محله ويتعين رفضه.