مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 944

(143)
جلسة 9 من إبريل سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نصحي بولس فارس وعبد الرؤوف محمد محي الدين وعبد اللطيف أحمد أبو الخير وفاروق علي عبد القادر - المستشارين.

الطعن رقم 1195 لسنة 28 القضائية

( أ ) عقد إداري - تكييفه.
يشترط في العقد الإداري الذي يختص بالفصل في المنازعات الناشئة عنه القضاء الإداري مجلس الدولة أن تكون جهة الإدارة طرفاً في العقد وأن يتضمن شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص - العلاقة الناشئة عن التعهد الذي يوقعه الموظف الموفد في بعثة أو منحة علمية أو تدريبية بالعودة والعمل لدى الجهة الموفدة هي علاقة تتوافر فيها خصائص ومقومات العقود الإدارية - الأثر المترتب على ذلك: دخول المنازعة في شأن هذه العلاقة في اختصاص القضاء الإداري بمجلس الدولة - تطبيق.
(ب) عقد إداري - التعهد بالدراسة وخدمة الحكومة.
نقل المتعهد بخدمة الحكومة تبعاً لندبه للعمل بجهة أخرى لا يسقط التزامه بالعمل طالما ثبت أن الجهتين شخص معنوي واحد والعمل يتم لحسابه ولصالحه - تطبيق.
(جـ) دعوى - طلبات في الدعوى - طلب إحالة الدعوى للتحقيق.
طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق - المحكمة ليست ملزمة بإجابة المدعي إلى طلبه - إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات إخلال جهة الإدارة بالتزامها - ترخص المحكمة في إجابة هذا الطلب أو رفضه في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها وتقديرها للأدلة المقدمة فيها لتتحقق فيما إذا كان هذا الإثبات منتجاً في الدعوى من عدمه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق السادس من شهر يونيه سنة 1982 أودع الأستاذ مصطفى خفاجي المحامي نيابة عن الأستاذ صلاح صالح المحامي الوكيل عن المهندس نظمي حسن علي أحمد بموجب التوكيل الرسمي العام رقم 2989/ أ لسنة 1982 توثيق الإسكندرية، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد برقم 1195 لسنة 28 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 8/ 4/ 1982 في الدعوى رقم 953 لسنة 33 قضائية المقامة من المطعون ضده ضد الطاعن والذي قضى بإلزام المدعي بأن يؤدي إلى الصندوق المدعي مبلغ 3725.342 جنيه والمصروفات وبوقف الفصل في طلب الفوائد القانونية لحين الفصل في الدعوى الدستورية رقم 20 لسنة 1 قضائية. وطلب الطاعن للأسباب التي تضمنها تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الصندوق المطعون ضده المصروفات والأتعاب وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 10/ 8/ 1982 وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعن انتهت فيه للأسباب التي ارتأتها إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة جلسة 16/ 1/ 1985 وبجلسة 20/ 2/ 1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة المذكورة لنظره بجلسة 5/ 3/ 1985 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما تبين من الأوراق تخلص في أن صندوق دعم صناعة الغزل والمنسوجات أقام الدعوى رقم 953 لسنة 33 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في 13/ 8/ 1979 طلب فيها الحكم بإلزام المهندس نظمي حسن علي أحمد بأن يؤدي إليه مبلغ 3725.0342 جنيهاً والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تاريخ السداد مع إلزامه المصروفات، وقال الصندوق شرحاً لدعواه أن الصندوق يعتبر من الهيئات العامة وتسري على العاملين به اللوائح الداخلية ثم أحكام قانون العاملين بالدولة فيما لم يرد بشأنه نص في تلك اللوائح وأن المدعى عليه حاصل على بكالوريوس هندسة الغزل والنسيج من كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية دور يونيه سنة 1970، ونقل إلى الصندوق من شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار اعتباراً من 21/ 4/ 1977 للعمل في وظيفة أخصائي بالدرجة الخامسة، وقد أوفده الصندوق في منحة تدريبية بالمملكة المتحدة مقدمة من هيئة التنمية الصناعية التابعة لهيئة الأمم المتحدة وذلك لحساب مشروع تطوير الصناعات النسيجية التابعة للصندوق، وذلك اعتباراً من 5/ 1/ 1978، وعند ترشيحه للمنحة وقع إقراراً بتعهده بالعمل في المشروع المشار إليه المدة اللازمة لتنفيذه وفي حالة إخلاله بذلك يتعهد بسداد المبالغ التي صرفت عليه خلال المنحة، وفي 3/ 6/ 1978 ترك المدعى عليه مقر المنحة قبل الموعد المحدد لانتهائها وهو 30/ 6/ 1978 وعاد إلى مقر عمله بالقاهرة في 10/ 6/ 1978 ثم انقطع عن العمل من 7/ 9 إلى 20/ 10/ 1978 ومن 22/ 10/ 1978 حتى تاريخ رفع الدعوى، وبذلك يكون المدعى عليه قد خالف شروط المنحة، وقد أجرى التحقيق الإداري معه وعلى أثره صدر قرار بإحالته إلى المحكمة التأديبية، وتم إنذاره في 28/ 6/ 1979 بسداد مبلغ 3725.342 جنيهاً قيمة ما صرف عليه خلال المنحة يشمل ما دفع لهيئة الأمم المتحدة وأجور السفر والرسوم والمرتبات التي صرفت له دون وجه حق واشتراكات التأمينات الاجتماعية عن المدة من 1/ 1/ 1978 حتى 30/ 8/ 1978 ولما لم يستجب لهذا الإنذار أقام الصندوق هذه الدعوى للمطالبة بهذا المبلغ استناداً إلى المادتين 23 و31/ 1 من القانون رقم 112 لسنة 1959 بشأن البعثات والإجازات الدراسية والمنح ورد المدعى عليه في الدعوى بأن جهة الإدارة أخلت بالتزاماتها وأنها استندت في مطالبتها إلى كشف محرر من جانبها وحدها وأنه لا ينازع في قيمة هذه المبالغ وإنما يرفضها جملة وتفصيلاً وبجلسة 8/ 4/ 1982 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، وأسست قضاءها على أن الثابت أن الصندوق المدعي أوفد المدعى عليه في منحة تدريبية إلى انجلترا لمدة ستة أشهر اعتباراً من 5/ 1/ 1978 وأن المدعى عليه وقع على تعهده بالعودة إلى مصر فور انتهاء المنحة والعمل بالصندوق مدة لا تقل عن مدة تنفيذ مشروع تطوير الصناعات النسيجية وفي حالة إخلاله بذلك يتعهد بسداد كافة المبالغ التي صرفت عليه في المنحة وكافة الالتزامات المالية التي ترتبت عليها، وكان التوقيع بتاريخ 4/ 1/ 1978، والثابت أيضاً أن المدعى عليه أخل بالتزامه الأصلي بخدمة الصندوق المتفق عليها في التعهد إذ ترك مقر المنحة في 3/ 6/ 1978 قبل انتهاء مدتها في 30/ 6/ 1978 ودون إذن سابق وبعد عودته انقطع عن العمل من 22/ 10/ 1978 حتى تاريخ إقامة الدعوى التأديبية ضده والحكم عليه فيها بالفصل في 8/ 12/ 1980، ولذلك يكون الالتزام البديل أن يؤدي المدعى عليه جميع المبالغ التي أنفقها عليه الصندوق وقدرها 3725.342 جنيه.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون لأسباب ثلاثة هي:
أولاً: إن الحكم المطعون فيه انتهى إلى أن الإقرار الذي وقعه الطاعن هو بمثابة عقد إداري في حين أن علاقته الوظيفية انقضت وطبقاً للقواعد العامة أصبح الطاعن من عامة المواطنين ولذا تصبح المنازعة من اختصاص القضاء العادي.
ثانياً: أن الحكم المطعون فيه اعتمد على بيان المبالغ المقدمة من الصندوق دون أن يقدم الصندوق ما يفيد تحمله تلك المبالغ ثم أن التعهد كان للعمل بالمشروع وليس بالصندوق وكل منهما له ذمة مالية مستقلة والصندوق نقل الطاعن من المشروع وبذلك يسقط التزام الطاعن.
ثالثاً: أن الحكم المطعون فيه أخل بضمانات حق الدفاع لأن الطاعن طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن جهة الإدارة أخلت بالتزاماتها ولم ترد المحكمة على هذا الدفاع.
ومن حيث إنه عن السبب الأول للطعن فإنه لا يشترط في العقد الإداري أن يكون المتعاقد مع الجهة الإدارية من الموظفين العموميين، وإنما يشترط في العقد الإداري الذي يختص بالفصل في المنازعات الناشئة عنه القضاء الإداري بمجلس الدولة طبقاً للمادة 10 بند حادي عشر من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، أن تكون جهة الإدارة طرفاً في العقد، وأن يتضمن شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص وقد جرى قضاء هذه المحكمة على تكييف العلاقة الناشئة عن التعهد الذي يوقعه الموظف الموفد في بعثة أو منحة علمية أو تدريبية بالعودة إلى مصر فور انتهاء البعثة أو المنحة والعمل لدى الجهة الموفدة أو الجهة التي تحددها له مدة معينة، بأنها علاقة تتوافر فيها خصائص ومقومات العقود الإدارية الأمر الذي تدخل معه المنازعة في شأن هذه العلاقة في اختصاص القضاء الإداري بمجلس الدولة، ويضحى معه السبب الأول للطعن غير قائم على أساس من القانون.
ومن حيث إن السبب الثاني للطعن مردود بأن التعهد الذي وقعه الطاعن وهو أساس المطالبة بنفقات البعثة على الآتي (............ فإنني أتعهد بالعمل لدى الصندوق بعد عودتي وعلى الأقل لمدة لا تقل عن مدة تنفيذ المشروع المذكور والانتهاء منه مع الهيئة المذكورة وفي حالة إخلالي بذلك فإنني أتعهد بسداد كافة المبالغ التي صرفت عليَّ في هذه البعثة للصندوق وكافة الالتزامات المالية التي ترتبت عليها) ومقتضى هذا التعهد الالتزام بسداد المبالغ التي صرفت على الطاعن سواء تحمل الصندوق هذه المبالغ من ميزانيته أو تحملتها هيئة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة لحساب الصندوق، وأن يعمل الطاعن لدى الصندوق أو في أي جهة تابعة للصندوق مثل مشروع تطوير الصناعات النسيجية الذي يعتبر جزءاً من الصندوق ووحدة من وحداته ونقل الطاعن من المشروع تبعاً لندبه للعمل بالصندوق لا يسقط التزام الطاعن بالعمل لأن المشروع والصندوق كليهما شخص معنوي واحد والعمل يتم لحسابه ولصالحه.
ومن حيث إنه عن السبب الثالث للطعن، فمن المسلمات أن المحكمة ليست ملزمة بإجابة المدعي إلى طلبه إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن جهة الإدارة أخلت بالتزامها، وإنما تترخص المحكمة في إجابة هذا الطلب أو رفضه في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها وتقديرها للأدلة المقدمة فيها وما إذا كان هذا الإثبات منتجاً في الدعوى من عدمه، ولذا يكون هذا السبب من أسباب الطعن غير مستند على أساس من القانون، هذا بالإضافة إلى أن الطاعن لم يبين وجه إخلال الصندوق بالتزاماته والتي طلب إحالة الدعوى بشأنه إلى التحقيق.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن أخل بالتزامه بالعمل بالصندوق المدة المحددة في تعهده الأمر الذي يترتب عليه التزامه بأداء جميع المبالغ التي أنفقت عليه في البعثة، فإن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى ذلك يكون قد وافق صحيح حكم القانون، ويتعين لذلك الحكم برفض الطعن الماثل مع إلزام الطاعن بالمصروفات طبقاً للمادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.