مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 981

(150)
جلسة 23 من إبريل سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الرؤوف محمد محيي الدين ومحمد محمود البيار وعلي محمد حسن وفاروق علي عبد القادر - المستشارين.

الطعن رقم 1266 لسنة 28 القضائية

عقد إداري - التعهد بالدراسة وخدمة الحكومة.
قرار رئيس الجمهورية رقم 1620 لسنة 1961 بإنشاء المدرسة الثانوية للبريد وقرار وزير المواصلات رقم 255 لسنة 1961 باللائحة الداخلية للمدرسة. التحاق الطالب بالمدرسة دون توقيعه على التعهد بخدمة الهيئة عقب تخرجه - متى تقدم الطالب للالتحاق بالمعهد فإنه قد قبل جميع ما نص عليه قرارا رئيس الجمهورية ووزير المواصلات - تكييف العلاقة بين الطالب والمعهد - نشوء عقد إداري غير مكتوب بين هيئة البريد والطالب - لا يشترط العقد الإداري أن يكون مكتوباً - التزام الطالب بناء على العقد غير المكتوب بجميع الالتزامات التي فرضها قرار رئيس الجمهورية رقم 1620 لسنة 1961 وقرار وزير المواصلات رقم 255 لسنة 1961 - انقطاع المتعهد بالعمل بعد تكليفه مما ترتب عليه فصله بحكم من المحكمة التأديبية - إخلاله بالتزامه بالاستمرار في خدمة الهيئة مما يترتب عليه التزامه برد النفقات طوال مدة الدراسة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 15 من يونيو سنة 1982 أودعت إدارة قضايا الحكومة نائبة عن الطاعن تقرير الطعن الماثل ضد السيد/ حامد عبد الملك حتا وورثة المرحوم محمد محمود حافظ وهم: السيد فتحية محمد إسماعيل عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر منى وحافظ محمد محمود حافظ، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 25/ 4/ 1982 في الدعوى رقم 1222 لسنة 34 ق والقاضي برفض الدعوى وإلزام الهيئة المدعية المصروفات، وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن للأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وتأييد الدعوى مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضدهم في 19/ 7/ 1982.
وقامت هيئة مفوضي الدولة بتحضير الطعن وأودعت تقريراً برأيها القانوني انتهت فيه إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلزام المطعون ضده الأول بأن يدفع للطاعن بصفته مبلغ 1435.678 جنيهاً والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 25/ 3/ 1980 حتى تمام السداد مع إلزامه بالمصروفات.
ونظر الطعن بجلسات دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 6/ 2/ 1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 26/ 2/ 1985 وبعد إذ أحيل الطعن إلى المحكمة قررت التأجيل لجلسة 29/ 3/ 1985 وفيها تقرر حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يتضح من الأوراق - تتحصل في أن السيد رئيس مجلس إدارة هيئة البريد كان قد أقام الدعوى رقم 1222 لسنة 34 ق أمام محكمة القضاء الإداري - طالباً الحكم بإلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 1435.678 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد مع إلزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. واستند في ذلك إلى أن المطعون ضده الأول كان قد التحق بالمعهد العالي للشئون البريدية بعد أن وقع تعهداً بأنه في حالة تركه العمل قبل انتهاء مدة التكليف يكون ملزماً برد المصروفات التي أنفقتها عليه الهيئة طوال مدة دراسته، وأن المطعون ضده الثاني قد ضمنه في تنفيذ التزامه غير أنه بعد أن تخرج المطعون ضده الأول من المعهد في نوفمبر سنة 1975 وكلف بالعمل في الهيئة لمدة عامين انقطع عن العمل لمدة زادت عن 15 يوماً مما ترتب عليه أن إحالته الهيئة إلى المحكمة التأديبية التي قررت بجلسة 27/ 10/ 1977 فصله من الخدمة، وبذلك فإنه يكون ملتزماً برد ما أنفق عليه من مصروفات دراسة بلغت 1435.678 جنيهاً وأثناء نظر الدعوى توفى المطعون ضده الثاني إلى رحمة الله فاختصمت الهيئة ورثته.
وبجلسة 25/ 4/ 1982 حكمت المحكمة برفض الدعوى مع إلزام الهيئة المصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أنه بالنسبة للمطعون ضده الأول فإن التعهد الذي تستند الهيئة إليه في مواجهته قد خلا من توقيعه، وأنه إذا كان قد خالف أمر تكليفه بخدمة الهيئة لمدة سنتين اعتباراً من 2/ 3/ 1976، فإن هذا يعرضه للمساءلة الجنائية ويحظر تعيينه على نحو ما نص عليه القانون رقم 18 لسنة 1975 بتكليف خريجي المعهد العالي للشئون البريدية ولا يترتب على مخالفته لأمر التكليف إلزامه بأي مبالغ مالية. وعلى هذا الوجه كذلك فلا تلزم ورثة المدعى عليه الثاني، فضلاً عن مورثهم لا يسأل مالياً عن مجرد إقراره بأن المدعى عليه الأول معروف له شخصياً وعلى ضمانته.
ومن حيث إن طعن الهيئة على هذا الحكم يقوم على أن المتعهد يلزم المطعون ضده الأول ومورث المطعون ضده الثاني ثم ينسحب إلى الورثة في حدود ما آل إليهم من التركة، إذ أن نية الضامن قد اتجهت إلى ضمان التزام وليس إلى تحديد شخصية الملتزم (المطعون ضده الأول) لأن الجهة الإدارية لم تكن في حاجة إلى ضمان شخصه إذ هو معروف لها من إثبات شخصيته، ودلالة ذلك أن مورث المطعون ضدهم قد كفل المطعون ضده الأول بناء على طلب هذا الأخير التزاماً بما أوجبه قرار رئيس الجمهورية رقم 1620 لسنة 1961، وما قضى به قرار وزير المواصلات برقم 255 لسنة 1961 ومفاد ذلك أن الطالب هو الذي قدم مورث المطعون ضدهم ليتعهد بالتضامن معه في تنفيذ التزامه ومؤدى ذلك قيام التزام أصلي على عاتق المطعون ضده الأول يلتزم بمقتضاه برد المبالغ المطالب بها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول قد التحق بالمعهد العالي للشئون البريدية عام 69/ 1970، وقد تخرج في نوفمبر سنة 1975، وعقب تخرجه صدر قرار تكليفه بالعمل بالهيئة اعتباراً من 2/ 3/ 1976 إلا أنه انقطع عن عمله اعتباراً من 25/ 10/ 1976 فتقرر إحالته للمحكمة التأديبية التي حكمت بجلسة 27/ 10/ 1977 بفصله من العمل.
وقد طالبت الهيئة المطعون ضده الأول بما أنفقته عليه من مبالغ، وقدمت تعهداً يفيد إقرار الطالب بالاستمرار في العمل بالهيئة بعد تخرجه من المعهد لمدة سبع سنوات، وإلا التزم برد جميع المصروفات التي تكبدتها الهيئة طوال مدة دراسته، إن هذا التعهد قد جاء خلواً من توقيع المطعون ضده وقد تأشر على هذا التعهد من مورث المطعون ضدهم الثاني بالعبارة الآتية: "المذكور معروف لي شخصياً وعلى ضمانتي".
ومن حيث إنه ولئن كان المطعون ضده الأول لم يوقع على التعهد المشار إليه، إلا أن التزامه برد ما أنفق عليه من مصروفات طوال دراسته، يجد سنده فيما ورد بقرار رئيس الجمهورية رقم 1620 لسنة 1961 من أحكام منظمة لعلاقة الملتحقين بالمعهد بهيئة البريد، إذ نص في المادة 18 على أنه "يلزم خريج المدرسة بالعمل في هيئة البريد مدة لا تقل عن خمس سنوات من تاريخ تعيينه وإذا رفض التعيين أو ترك الخدمة أو فصل تأديبياً قبل انقضاء المدة المذكورة ألزم مع كفيله بالتضامن بأداء المبالغ المبينة بالفقرة الثامنة من المادة 2 (وهي النفقات التي تكبدتها الهيئة طوال مدة دراسة الطالب).
وقد استقر قضاء هذه المحكمة في حالات مماثلة على أن متى تقدم الطالب للالتحاق بالمعهد فإنه بذلك يكون قد قبل جميع ما نص عليه كل من قرار رئيس الجمهورية رقم 1620 لسنة 1961 بإنشاء المدرسة الثانوية للبريد وقرار وزير المواصلات رقم 255 لسنة 1961 باللائحة الداخلية للمدرسة ويكون بذلك قد نشأ بينه وبين هيئة البريد عقد إداري غير مكتوب إذ لا يشترط في العقد الإداري أن يكون دائماً مكتوباً، وبناء على هذا العقد غير المكتوب التزام الطالب بجميع الالتزامات التي فرضها قرار رئيس الجمهورية رقم 620 لسنة 1961 وقرار وزير المواصلات رقم 255 لسنة 1961 وعلى هذا الوجه، وإذ كان الثابت من المطعون ضده الأول بعد إذ تخرج في المعهد وصدر القرار بتكليفه بالعمل بالهيئة، انقطع عن عمله بها مما ترتب عليه إحالته للمحكمة التأديبية التي قضت بفصله، وبذلك فإنه يكون قد أخل بالتزامه بالاستمرار في خدمة الهيئة وبالتالي فإنه يلتزم بما تكبدته الهيئة من نفقات عليه طوال مدة دراسته.
ومن حيث إنه عن ضمانة ورثة المطعون ضده الثاني للأول، فثابت أن كل ما صدر عن مورثهم أن الطالب "معروف له شخصياً وعلى ضمانته" وهذه العبارة لا تفيد أكثر من معرفته للطالب فحسب ولا تفيد أن إرادته قد اتجهت إلى كفالة تنفيذ التزاماته، وإلا التزم معه بالتضامن في رد ما أنفق عليه من مصروفات.
وان صح القول بأن هناك ثمة عقد غير مكتوب بين الطالب والهيئة انعقد بطلبه الالتحاق بالمعهد طلباً للحصول على الخدمة التعليمية بغير مقابل سوى خدمة الهيئة للمدة المحددة وطبقاً للقواعد والشروط المنظمة لذلك، أن صح هذا القول في مجال هذه العلاقة بما تضمنته من تحديد لحقوق والتزامات كلا الطرفين، فلا محل للقول بقيام مثل هذا العقد بالنسبة لخارج عنه وغير مستفيد منه ومن ثم فلا يسوغ إلزامه بالتزامات الكفيل الواردة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1620 وقرار وزير المواصلات رقم 255 المشار إليهما طالما أنه لم يصدر عنه ما يفيد أن إرادته قد اتجهت إلى عقد هذه الكفالة ومؤدى ذلك أن مصدر التزام المطعون ضده الأول هو القواعد التي تضمنها قرار رئيس الجمهورية وقرار وزير المواصلات، في حين لا يقوم أي التزام بضمان تنفيذ هذه الالتزامات بالنسبة للآخر إلا بتوقيع تعهد بذلك.
ومن حيث إنه لما تقدم يتضح أن الهيئة الطاعنة على حق فيما طالبت به المطعون ضده الأول من رد للمبالغ التي أنفقتها عليه ومقدارها 1435.678 جنيهاً وأنها على غير حق فيما طالبت به ورثة المطعون ضده الثاني، لذلك يتعين الحكم بذلك. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى على خلاف ذلك، فإنه يكون قد جاء مخالفاً للقانون متعين إلغاؤه.
ومن حيث إنه عن طلب الفوائد، فلما كان المبلغ المطالب به معين المقدار عند الطلب وتأخر المدين في الوفاء به، فمن ثم فإنه يستحق عنه الفوائد بواقع 4 % سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضده الأول بأن يدفع للطاعن بصفته مبلغ 1435.678 جنيهاً (ألف وأربعمائة وخمسة وثلاثين جنيهاً و678 مليماً) والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد وألزمت المطعون ضده المصروفات.