مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1017

(156)
جلسة 4 من مايو سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحسن حسنين علي ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 222 لسنة 28 القضائية

دعوى الإلغاء - شروط قبولها - توجيهها إلى قرار إداري.
دعوى الإلغاء توجه إلى قرار إداري - إذا تخلف القرار تخلف مناط قبول الدعوى - القرار الإداري قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً أو سلبياً - القرار الإداري السلبي يتحقق عندما ترفض الجهة الإدارية أو تمتنع عن اتخاذ إجراء كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون - يتعين لقيام القرار السلبي أن يكون ثمة إلزام على الجهة الإدارية باتخاذ قرار معين - إذا لم يكن إصدار مثل هذا القرار واجباً عليها فإن امتناعها عن إصداره لا يشكل قراراً سلبياً مما يقبل الطعن عليه بالإلغاء - أساس ذلك: المادة 10 من القانون رقم 47 لسنة 1972 - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 20 من يناير سنة 1982 أودع الأستاذ بلاتون فلاسكاكي - المحامي بصفته مصفياً لتركة المرحوم ديران كيفورك جرابيديان - قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 222 لسنة 28 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1981 في الدعوى رقم 603 لسنة 30 قضائية والقاضي بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً مع إلزام المدعي بالمصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم مجدداً بالطلبات الابتدائية مع إلزام المطعون ضدهم المصاريف والأتعاب.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 21/ 1/ 1985، وقررت الدائرة بجلسة 4/ 3/ 1985 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 13/ 4/ 1985، وفي الجلسة الأخيرة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قدم في الميعاد القانوني مستوفياً أوضاعه الشكلية، فمن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 21/ 1/ 1976 أقام الأستاذ بلاتون فلاسكاكي، بصفته مصفياً لتركة المرحوم ديران كيفورك جرابيديان، الدعوى رقم 603 لسنة 30 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة طلب في ختامها الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب عليه من آثار.
وقال المدعي، شرحاً لدعواه، أنه سبق أن أقام الدعوى رقم 2211 لسنة 1971 مدني كلي شمال أمام محكمة القاهرة الابتدائية طالباً صرف مقابل انتفاع في صورة فوائد عن الأرض التي نزعت ملكيتها ومساحتها 19 قيراطاً بواقع 4% من تاريخ الاستيلاء وحتى تاريخ السداد وأنه بجلسة 11/ 11/ 1971 صدر الحكم في هذه الدعوى بإلزام المدعى عليهم (محافظ القاهرة وآخرين) بأن يدفعوا إلى المدعي بصفته تعويضاً عن التأخير في سداد قيمة الأرض المنزوع ملكيتها للمنفعة العامة بواقع 4% سنوياً من تاريخ الاستيلاء حتى تاريخ السداد. إلا أن محافظة القاهرة لم ترتض هذا الحكم فأقامت طعناً عليه، الاستئناف رقم 4493 لسنة 88 قضائية الذي قضى فيه بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى فطعن - أي المدعي - في هذا الحكم الاستئنافي بطريق النقض.
وأضاف المدعي أنه بالنظر إلى وجود اتفاقية فرنسية مصرية ضد المخاطر غير التجارية أدخلت في تعريف الاستثمار صالح ورثة المرحوم جرابيديان حتى ولو كانت سابقة على هذه الاتفاقية المنشورة بالجريدة الرسمية في 11/ 10/ 1975 ونصت على تحكيم دولي في واشنطون يتم تلقائياً دون استئذان الحكومة فمن ثم أرسل - أي المدعي - كتاباً مسجلاً إلى وزير العدل يلتمس فيه إصدار قرار بأن ممتلكات الورثة وهي أرض بناء تدخل في وصف الاستثمار بالتعريف المنصوص عليه في الاتفاقية المذكورة وبالتالي قابلية كل المنازعات حول التعويض للتحكيم دون حاجة إلى موافقة أي من الحكومتين واعتبار التقاضي المحلي بجميع درجاته مساعي حميدة لا سيما متى كانت حيثياته غير مستساغة.
واستطرد المدعي أن طلبه هذا لم يصادف قبولاً مما يمثل قراراً سلبياً بالامتناع ومن ثم فقد أقام دعواه طالباً إلغاء هذا القرار السلبي مع ما يترتب عليه من آثار.
وبجلسة 15/ 12/ 1981 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات. واستهلت المحكمة حكمها بالرد على الدفع الذي أبدته إدارة قضايا الحكومة ببطلان عريضة الدعوى على أساس التجهيل بموضوع القرار المطعون فيه فقالت أن المدعي قد أفصح في صحيفة دعواه وفي مذكرات دفاعه عن أن القرار المطعون فيه هو القرار السلبي بامتناع وزير العدل عن وصف الأرض المنزوع ملكيتها من ورثة المرحوم/ ديران جرابيديان بأنها استثمار بالمفهوم الوارد في الاتفاقية المصرية الفرنسية المشار إليها وبالتالي فليس ثمة تجهيل في خصوص القرار. واستطردت المحكمة أنه عن موضوع الدعوى فقد تم في 22/ 12/ 1974 التوقيع في القاهرة بين كل من جمهورية مصر العربية والجمهورية الفرنسية على اتفاقية دولية بشأن التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات.
وبتاريخ 16/ 3/ 1975 صدر قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 231 لسنة 1975 بالموافقة على هذه الاتفاقية وتم نشر كل من القرار والاتفاقية في العدد رقم 41 من الجريدة الرسمية بتاريخ 11/ 10/ 1975، وأنه باستعراض أحكام الاتفاقية المذكورة يبين أنها أبرمت رغبة من الحكومتين في تنمية التعاون الاقتصادي بين الدولتين وفي خلق الظروف المواتية للاستثمارات الفرنسية في مصر والاستثمارات المصرية في فرنسا.
وبعد أن أورد الحكم بعض نصوص الاتفاقية المشار إليها وأوضح دخولها حيز التنفيذ اعتباراً من 9/ 8/ 1975 أضاف أن الثابت من الأوراق أن المدعي بصفته مصفياً لتركة المرحوم ديران جرابيديان صدر لصالحه الحكم رقم 5612 لسنة 1967 مدني كلي القاهرة بجلسة 29/ 4/ 1971 ويقضي هذا الحكم بتقدير التعويض المستحق على الأرض المنزوع ملكيتها من أملاك المرحوم/ ديران جرابيديان بواقع 760 قرشاً للمتر الواحد بمساحة 19 قيراطاً بناحية منية السيرج ساحل روض الفرج محافظة القاهرة وأنه نتيجة لذلك قامت المحافظة بإيداع قيمة التعويض خزانة محكمة القاهرة الابتدائية لحساب الورثة في 11/ 7/ 1968، 4/ 7/ 1969 ومن هذا يبين أن الأرض المملوكة لهؤلاء الورثة قد تم نزع ملكيتها للمنفعة العامة قبل 9/ 8/ 1975، تاريخ العمل بأحكام الاتفاقية المصرية الفرنسية وأن جهة الإدارة (محافظة القاهرة) قامت بأداء كامل التعويض المستحق مقابل نزع ملكية هذه الأرض قبل تاريخ العمل بأحكام الاتفاقية بعدة سنوات وبالتالي فإن ما يقره المدعي من خضوع كل من تلك الأرض والتعويض المستحق عنها لأحكام هذه الاتفاقية لا سند له من القانون لأن أحكام الاتفاقية لا تسري على الوقائع السابقة على تاريخ العمل بها في 9/ 8/ 1975 ومن ثم فإن قرار جهة الإدارة السابق المطعون فيه يكون قد صدر ممن يملكه ومتفقاً وصحيح حكم القانون. ومما يؤكد ذلك أنه لو كان ما يقوله المدعي صحيحاً لقامت الحكومة الفرنسية بإثارة هذا الموضوع مع حكومة جمهورية مصر العربية وبادرت - في حالة رفض حكومة جمهورية مصر العربية لوجهة نظرها - بعرض هذا النزاع على التحكيم عملاً بصريح نص المادة 11 من الاتفاقية المذكورة.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على أنه مع تسليمه بأن الاستثمارات السابقة على المعاهدة المصرية الفرنسية تتمتع بالضمان إلا أنه وقع في الخطأ عندما ذهب إلى خروج الواقعة محل الدعوى من نطاق الاتفاقية ما دام أن التعويض عن نزع الملكية تم سداده قبل تاريخ نفاذها. ذلك أن هذا التعويض ما زال مودعاً كأمانات بمحكمة القاهرة، ومن ثم فإنه يعد استثماراً تسري عليه أحكام الاتفاقية. كما وقع الحكم في الخطأ أيضاً حين ذهب إلى أن سكوت السفارة الفرنسية أو تراخيها في تحريها التحكيم الدولي هو إقرار ضمني بعدم خضوع الواقعة لضمانات الاتفاقية. ذلك أن السكوت لا يعدو كونه معادلة دبلوماسية انتظاراً للتصحيح القضائي المحلي - هذا فضلاً عن تدخل السفارة في إحدى القضايا المرفوعة أمام المحكمة الدستورية العليا "القضية رقم 48 لسنة 3 قضائية".
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 14/ 1/ 1976 أرسل المدعي بصفته مصفياً لتركة المرحوم/ ديران جرابيديان كتاباً بالبريد المسجل إلى وزير العدل أشار فيه إلى صدور حكم لصالحه بصفته بإلزام محافظة القاهرة بأن تدفع إليه تعويضاً عن التأخير في سداد قيمة الأرض المنزوع ملكيتها للمنفعة العامة موضوع الدعوى "والداخلة ضمن عناصر التركة" بواقع 4% سنوياً من تاريخ الاستيلاء حتى تاريخ السداد. كما أشار إلى صدور حكم استئنافي بإلغاء الحكم المذكور وبرفض الدعوى.
واستطرد أن إحدى ورثة المرحوم/ ديران جرابيديان فرنسية الجنسية، وبالتالي تستفيد من أحكام الاتفاقية التي أبرمت بين جمهورية مصر العربية والجمهورية الفرنسية بشأن التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات. واختتم المدعي كتابه إلى وزير العدل بطلب "إصدار قرار بأن ممتلكات الورثة تدخل في وصف الاستثمار بالتعريف المنصوص عليه في تلك الاتفاقية" وبتاريخ 21/ 1/ 1976 - أي بعد أسبوع من إرسال هذا الكتاب المسجل - أقام الدعوى - رقم 603 لسنة 30 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طعناً على القرار السلبي بامتناع وزير العدل عن وصف الأرض المنزوع ملكيتها من ورثة المرحوم/ ديران جرابيديان بأنها استثمار بالمفهوم الوارد في الاتفاقية المشار إليها.
ومن حيث إن من المسلم أن دعوى الإلغاء إنما توجه إلى قرار إداري، فإذا انتفى وجود القرار تخلف مناط قبول الدعوى. والقرار الإداري قد يكون صريحاً تفصح به جهة الإدارة في الشكل الذي يحدده القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانوني معين، وقد يكون القرار ضمنياً أو سلبياً وذلك عندما ترفض الجهة الإدارية أو تمتنع عن اتخاذ إجراء كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون بمعنى أنه يتعين لقيام القرار السلبي أن يكون ثمة إلزام على الجهة الإدارية باتخاذ قرار معين، فإذا لم يكن إصدار مثل هذا القرار واجباً عليها فإن امتناعها عن إصداره لا يشكل قراراً سلبياً مما يقبل الطعن عليه بالإلغاء وفي ذلك تنص المادة 10 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 على أنه "ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح".
ومن حيث إنه ليس ثمة نص سواء في الاتفاقية المصرية الفرنسية آنفة الذكر أو في غيرها يوجب على وزير العدل إصدار قرارات بتفسير أحكام تلك اللائحة أو بيان نطاق تطبيقها بناء على طلب أحد الأفراد فمن ثم فإن امتناع الوزير عن إصدار مثل هذا القرار لا ينهض قراراً سلبياً بالامتناع.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم - وبغض النظر عن خضوع أو عدم خضوع الواقعة محل الدعوى الصادر فيها الحكم موضوع الطعن الماثل لأحكام الاتفاقية المشار إليها - فليس ثمة قرار يقبل الطعن عليه أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري مما كان يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى لتخلف مناط قبولها. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فمن ثم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يستوجب إلغاءه والحكم بعدم قبول الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.