مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1027

(158)
جلسة 4 من مايو سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله ومحمود مجدي أبو النعاس وجمال السيد دحروج - المستشارين.

الطعنان رقما 3340/ 641 لسنتي 29/ 31 القضائيتين

دعوى - الحكم في الدعوى - بطلان الأحكام - حالات عدم البطلان.
المادتان 176 و170 مرافعات - النظام القضائي المصري يحظر على غير القضاة الذين سمعوا المرافعة أن يشتركوا في المداولة - سماع المرافعة شرط للاشتراك في المداولة - أساس ذلك: القضاة الذين سمعوا المرافعة هم الذين تتوافر لهم بحكم اللزوم ولاية الفصل في المنازعة على أساس ما سمعوه أثناء المرافعة - المادة 170 مرافعات أجازت أن يشترك في الهيئة عند تلاوة الحكم أعضاء آخرون غير الذين سمعوا المرافعة إذا قام لدى هؤلاء مانع من حضور جلسة تلاوة الحكم - شرط ذلك: أن يوقع العضو المتغيب مسودة الحكم دليل اشتراكه في المداولة - الأثر المترتب على ذلك: توقيع الهيئة التي سمعت المرافعة واشتركت في المداولة مسودة الحكم يعصمه من البطلان - لا ينال من ذلك أن يشترك في الهيئة التي نطقت بالحكم أعضاء آخرون غير الذين حضروا المداولة ووقعوا على مسودة الحكم حتى ولو كان الذين حضروا جلسة تلاوة الحكم لا ولاية لهم في إصداره - أساس ذلك: تلاوة الحكم بعد التوقيع على مسودته من هيئة مختصة لا يعدو أن يكون عملاً إجرائياً بحتاً يقصد به إعلان الحكم لترتيب آثاره - لا ينال من صحة الحكم أن يكون قد اشترك في الهيئة التي قامت بتلاوة الحكم اثنان من المستشارين العاملين بمجلس الدولة بدلاً من عضوين من الشخصيات العامة اللذين ثبت أنهما اشتركا في المداولة ووقعا على مسودة الحكم - تطبيق.


إجراءات الطعن

في 7 من أغسطس سنة 1983 أودع الأستاذ/ محمد ممتاز نصار المحامي بصفته وكيلاً عن مؤسسي حزب الجبهة الوطنية تحت التأسيس قلم كتاب محكمة القضاء الإداري صحيفة دعوى قيدت بجداول تلك المحكمة تحت رقم 4983 لسنة 37 القضائية طلب فيها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع ببطلان القرار الصادر في الطعن رقم 1254 لسنة 25 القضائية عليا وإلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال في بيان دعواه أن الحكم الصادر في الطعن المذكور قد شابه بطلان يتعلق بالنظام العام يجوز معه الاتجاه إلى محكمة القضاء الإداري للحكم ببطلانه بحسبان أنه صدر من لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي، وافتقد معه المقومات الأساسية للأحكام، ذلك أنه من مقومات الحكم ودعائمه التي يقوم عليها أن يوقع القضاة الذين اشتركوا في المداولة على مسودة الحكم، وإذ لم يوقع على مسودة الحكم المطعون عليه بالبطلان كل من الأستاذين المستشارين/ صلاح الدين السعيد، وأحمد سعد الدين قمحة، من الشخصيات العامة في الدائرة، فمن ثم يكون الحكم قد جاء باطلاً على ما استقرت عليه أحكام محكمة النقض من أنه يتعين أن يبين في الحكم أن القاضي الذي لا يحضر النطق به قد اشترك في المداولة ووقع على مسودته وإلا كان باطلاً، وأن البطلان الناشئ عن عدم توقيع أحد القضاة الذين سمعوا المرافعة على مسودة الحكم هو بطلان يتعلق بالنظام العام ولا يعتد بتوقيع قاض آخر لم يستمع إلى المرافعة، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه بالبطلان صدر عن هيئة اعتور تشكيلها خطأ يهدد مشروعيتها وتشكيلها، ذلك أن الدائرة المنوط بها نظر الطعن، وهي الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا والمنصوص على أن ينضم إلى تشكيلها عدد مماثل من الشخصيات العامة طبقاً للمادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية، قد تغيب عن الحضور فيها بجلسة 25 من يونيو سنة 1983 عضوان من الشخصيات العامة هما المستشاران/ صلاح الدين السعيد، وأحمد سعد الدين قمحة وحل محلهما عضوان آخران من المستشارين العاملين بمجلس الدولة وليس من الشخصيات العامة، الأمر الذي يهدر تشكيل المحكمة ويخل بميزان الضبط القانوني وبذلك تفقد الدائرة صلاحية تشكيلها على نحو يستتبع بطلان أعمالها، وأنه لما كانت الدائرة المذكورة بما اختلط بتشكيلها من شخصيات عامة لا تعدو أن تكون لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي يتم الطعن على القرارات الصادرة منها أمام محكمة القضاء الإداري فقد أقام المدعي دعواه بالطلبات سالفة الذكر.
وبجلسة أول يناير سنة 1985 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا المشكلة طبقاً للقانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي إنما يهدف من دعواه إلى تقرير بطلان وانعدام الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) في الطعن رقم 1254 لسنة 25 القضائية بجلسة 25 من يونيه سنة 1983 المتعلق برفض طلب المدعي بإلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية السلبي بالامتناع عن إنشاء حزب الجبهة الوطنية، وأنه لما كان قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على اختصاص تلك المحكمة في طلب إبطال الحكم الصادر فيها إذا ما شابه عيب جسيم يسمح بإقامة دعوى بطلان أصلية فمن ثم فإن محكمة القضاء الإداري لا تختص بنظر دعوى بطلان أصلية ضد الحكم المطعون فيه، وأنه لا وجه لما ذهب إليه المدعي من أن تشكيل الدائرة التي أصدرت ذلك الحكم بما انطوى عليه هذا التشكيل من شخصيات عامة يجعلها لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي يتم الطعن على القرارات الصادرة منها أمام محكمة القضاء الإداري ذلك أن تشكيل الدائرة المذكورة بإضافة عدد مماثل من الشخصيات العامة لا يغير من طبيعة كون الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، بتشكيلها المشار إليه، محكمة تصدر أحكاماً قضائية في الطعون المقدمة إليها في شأن طلبات إلغاء قرارات الاعتراض على إنشاء الأحزاب، إذ أن ضم الشخصيات العامة إلى الدائرة سالفة الذكر لا يؤدي إلى انتفاء صفة الأحكام عما تصدره هذه المحكمة في الطلبات التي ترفع إليها بإلغاء قرارات الاعتراض على إنشاء الأحزاب السياسية.
وتنفيذاً للحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بعدم الاختصاص والإحالة أحيل الطعن إلى هذه المحكمة وقيد بجدولها تحت رقم 641 لسنة 31 القضائية.
وفي يوم الخميس 18 من أغسطس سنة 1983 أودع الأستاذ/ محمد ممتاز نصار المحامي بصفته أحد مؤسسي حزب الجبهة الوطنية تحت التأسيس قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد تحت رقم 3340 لسنة 29 القضائية في الحكم الصادر من ذات المحكمة في الطعن رقم 1254 لسنة 25 القضائية بجلسة 25 من يونيو سنة 1983 والقاضي بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بصفته بالمصروفات، وطلب الطاعن استناداً إلى ذات الأسباب التي أوردها في دعواه أمام محكمة القضاء الإداري والسابق ذكرها، الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بطلان الحكم الصادر في الطعن رقم 1254 لسنة 25 القضائية وإلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وأعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده في 29 من أغسطس سنة 1983.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني في الطعن رقم 3340 لسنة 29 القضائية انتهت فيه، لما ارتأته من أسباب إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات، كما قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الطعن رقم 641 لسنة 29 القضائية طلبت فيه ضم الطعن الأخير إلى الطعن الأول وارتأت القضاء بقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وحددت لنظر الطعن رقم 3340 لسنة 29 القضائية جلسة 12 من مايو سنة 1984، وتم تداوله على النحو الثابت في المحاضر كما حددت لنظر الطعن رقم 641 لسنة 31 القضائية جلسة 23 من مارس سنة 1985، وفي هذه الجلسة قررت المحكمة ضم الطعن رقم 641 لسنة 31 القضائية إلى الطعن رقم 3340 لسنة 29 القضائية للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وقررت المحكمة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن الطعنين يهدفان إلى الحكم ببطلان الحكم الصادر في الطعن رقم 1254 لسنة 25 القضائية برفض طلب إلغاء قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس حزب الجبهة الوطنية.
ومن حيث إن الطعنين يقومان على سببين، أولهما أن المستشارين صلاح الدين السعيد، وأحمد سعد الدين قمحة، من الشخصيات العامة، لم يوقعا على مسودة الحكم الصادر في الطعن رقم 1254 لسنة 25 القضائية - الأمر الذي يصم هذا الحكم بالبطلان، وثانيهما أن المستشارين المذكورين لم يحضرا جلسة النطق بالحكم وحضر بدلاً منهما اثنان من المستشارين العاملين بمجلس الدولة الأمر الذي يخل بتشكيل الدائرة على النحو الذي حدده القانون ويؤدي بالتالي إلى بطلان الحكم.
ومن حيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن فإن الثابت من الأوراق أن كلا من المستشارين صلاح الدين السعيد، وأحمد سعد الدين قمحة قد وقع على مسودة الحكم الصادر في الطعن رقم 1254 لسنة 29 القضائية، كما ورد في صدر الحكم المذكور أنه صدر وتلي علناً بجلسة يوم السبت الموافق 25 من يونيو سنة 1983 من الهيئة المبينة بصدره، وقد حل الأستاذان المستشاران حسن حسنين علي، وفاروق عبد الرحيم غنيم محل السيدين الأستاذين محمد صلاح الدين السعيد، وأحمد سعد الدين قمحة من الشخصيات العامة اللذين سمعا المرافعة وحضرا المداولة ووقعا على المسودة غير أنهما تغيبا عن جلسة النطق بالحكم، ومتى كان ذلك فإن السبب الأول الذي قام عليه الطعنان يدحضه ما هو ثابت في الأوراق ويغدو بالتالي على غير أساس من الواقع حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه عن السبب الثاني من أسباب الطعن فإن المادة 167 من قانون المرافعات تنص على أنه "لا يجوز أن يشترك في المداولة غير القضاة الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلاً" كما تنص المادة 170 من ذات القانون على أنه "يجب أن يحضر القضاة الذين اشتركوا في المداولة تلاوة الحكم، فإذا حصل لأحدهم مانع وجب أن يوقع على مسودة الحكم" ويتضح مما تقدم أن النظام القضائي المصري يحظر على غير القضاة الذين سمعوا المرافعة أن يشتركوا في المداولة أي أن سماع المرافعة شرط للاشتراك في المداولة، ذلك أن القضاة الذين سمعوا المرافعة بما أحاطوا به من حجج الخصوم وما سبق أمامهم من أوجه دفاع ودفوع هم الذين تتوافر لهم بحكم اللزوم ولاية الفصل في المنازعة على أساس ما سمعوه أثناء المرافعة، على أنه وإن كان الأصل طبقاً لحكم المادة 170 من قانون المرافعات أن الهيئة التي قامت بالمداولة هي التي تقوم بتلاوة الحكم، إلا أن تلك المادة أجازت أن يشترك في تلك الهيئة، عند تلاوة الحكم أعضاء آخرون غير الذين سمعوا المرافعة إذا قام لدى هؤلاء الآخرين مانع من حضور جلسة تلاوة الحكم، وكل ما أوجبته تلك المادة أن يوقع العضو المتغيب مسودة الحكم دليلاً على اشتراكه في المداولة، ويخلص مما تقدم أن توقيع الهيئة التي سمعت المرافعة واشتركت في المداولة على مسودة الحكم يعصمه من البطلان، ولا يعيب الحكم بعد ذلك أن يشترك في الهيئة التي نطقت به أعضاء آخرون غير الذين حضرواً المداولة ووقعوا على مسودة الحكم حتى ولو كان الذين حضروا جلسة تلاوة الحكم لا ولاية لهم في إصداره ذلك أن تلاوة الحكم بعد التوقيع على مسودته من هيئة مختصة لا يعدو أن يكون عملاً إجرائياً بحتاً يقصد به إعلان الحكم لترتيب الآثار التي نص عليها القانون، ولا يتصور أن ينال هذا الإعلان في الحالة السابقة من جوهر الحكم وتوفره على شروط صحته، وترتيباً على ما تقدم فإنه لما كانت الثابت من الأوراق أن الهيئة التي نظرت الطعن رقم 1254 لسنة 25 القضائية المطلوب القضاء ببطلان الحكم الصادر فيه هي مشكلة تشكيلاً صحيحاً وذات ولاية في نظر العطن، وهي التي وقعت على مسودة الحكم، فإن كل ذلك يجعل الحكم المذكور صحيحاً، ولا يؤثر في صحته أن يكون قد اشترك في الهيئة التي قامت بتلاوته اثنان من المستشارين العاملين بمجلس الدولة بدلاً من عضوين من الشخصيات العام اللذين ثبن أنهما اشتركا في المداولة ووقعاً مسودة الحكم، لأن تلك الحكم، على ما سلف القانون لا تعدو أن تكون مجرد لا تعدو أن تكون مجرد إعلان له ومتى بأن ذلك فإن السبب الثاني من أسباب الطعن يضحى بدوره على غير أساس سليم من القانون، ويتعين من ثم رفضه.
ومن حيث إن الطاعن أخفق في طعنيه فقد حق إلزامه بالمصروفات عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.