مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1225

(182)
جلسة أول يونيه سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله ومحمود مجدي أبو النعاس وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 1285 لسنة 28 القضائية

حراسة - حكم محكمة القيم - أثره.
( أ ) المادة 34 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980 - يجوز أن ينص في الحكم الصادر بفرض الحراسة على تقرير نفقة للمفروضة عليه الحراسة وأسرته ويجوز أيضاً بدلاً من تقرير هذه النفقة أن تستثنى بعض الأموال من الخضوع للحراسة وتترك للخاضع حرية استعمالها واستغلالها والتصرف فيها - يترتب على صدور الحكم غل يد الشخص عن إدارة أمواله التي فرضت عليها الحراسة ومنعه من التصرف فيها دون أن يمتد هذا الأثر إلى الأموال الأخرى التي لم يشملها الحكم أو الأموال التي يتكسبها بعد صدوره - صدور حكم محكمة القيم بفرض الحراسة على أموال شخص باستثناء ورشة بلاط ليديرها وينتفع بعائدها - هذا الحكم لا يترتب عليه منعه من اكتساب الحقوق والأموال في المستقبل - غاية أثر الحكم هي غل يده عن إدارة الأموال التي فرضت عليها الحراسة فعلاً دون أن ينال من أهلية الخاضع للحراسة - تطبيق.
(ب) حراسة - حكم محكمة القيم - أثره.
المادة 4 من قانون حماية القيم من العيب - يجوز لمحكمة القيم عند الحكم بفرض الحراسة على الأموال النص على مجازاة الخاضع بأحد التدابير الواردة في المادة 4 منه - صدور حكم محكمة الحراسة دون مجازاة الخاضع بأي من التدابير لا يمس أهليته - صفته كرئيس مجلس إدارة الجمعية لا تزول عنه تلقائياً وبقوة القانون بصدور حكم الحراسة - الأثر المترتب على ذلك: بقاء مصلحة الخاضع قائمة في مخاصمة القرار الصادر بحل مجلس الإدارة وتعيين مجلس إدارة مؤقت - تطبيق.
(ج) دعوى - شروط قبول الدعوى - التظلم.
المادة 88 من قانون التعاون الاستهلاكي الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1975 - اللجنة المنصوص عليها في المادة 88 منه - عدم التظلم إلى هذه اللجنة لا يحول بين صاحب الشأن وبين حقه في الالتجاء مباشرة إلى القضاء الإداري بطلب الحكم بإلغاء القرار - يجب أن يرد النص على وجوب التظلم من القرار قبل الطعن عليه بدعوى الإلغاء واضحاً وقاطعاً في الدلالة باعتباره وارداً على خلاف الأصل العام - التنظيم المقرر بموجب قانون التعاون الاستهلاكي للتظلم من قرارات الوزير المختص أو الجهة الإدارية المختصة بحل مجلس إدارة الجمعية وتعيين مجلس إدارة مؤقت لم يستوجب هذا التظلم قبل رفع الدعوى بطلب إلغاء القرار - أساس ذلك: القرار نهائي قابل للتنفيذ فور صدوره وأن الطعن ينصب على القرار وليس على قرار اللجنة المنوط بها البت في التظلم - تطبيق.
(د) تعاون استهلاكي.
المادة 66 من قانون التعاون الاستهلاكي - يجوز بقرار من رئيس الجمهورية تحديد الوزير المختص والجهة الإدارية المختصة ببعض أوجه النشاط التعاوني الاستهلاكي - وزير الإسكان والتعمير هو الوزير المختص في تطبيق الفقرة الثانية من المادة 66 والهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان هي الجهة المختصة بالنسبة إلى نشاط الإسكان التعاوني - الاختصاص بحل مجالس إدارة الجمعيات التعاونية للإسكان وتعيين مجالس إدارة مؤقتة لإدارتها منوط بوزير الإسكان والهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان - تطبيق: صدور قرار المحافظ بحل مجلس إدارة الجمعية التعاونية للإسكان - باطل - أساس ذلك: صدوره من جهة لا ولاية لها قانوناً في إصداره - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 20 من يونيو سنة 1982 أودع الأستاذ/ جلال يوسف الشبكة - المحامي، والوكيل عن السيد/ إبراهيم محمد أبو غالية بصفته رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية للإسكان بقليوب قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1285 لسنة 28 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 20 من إبريل سنة 1982 في الدعوى رقم 801 لسنة 34 قضائية والقاضي بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء له بطلباته في الدعوى المشار إليها مع إلزام المطعون ضده الأول والثالث بالمصروفات عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الطعين وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وتداول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون حتى قررت بجلسة 18/ 4/ 1985 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 11/ 5/ 1985، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قدم في الموعد القانوني مستوفياً أوضاعه الشكلية، فمن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 801 لسنة 34 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار محافظ القليوبية رقم 13 لسنة 1980 الصادر بتعيين مجلس إدارة مؤقت لإدارة الجمعية التعاونية للإسكان بقليوب وما يترتب على ذلك من آثار أهمها استمرار مجلس إدارة الجمعية المنحل ضمناً بهذا القرار والذي يرأسه المدعي.
وقال المدعي شرحاً لدعواه، أنه رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية للإسكان بقليوب وأنه فوجئ بصدور القرار المشار إليه والذي ينعى عليه صدوره من غير مختص لأن المشرع ناط بالهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان والاختصاص في إنشاء الجمعيات التعاونية لبناء المساكن والإشراف عليها وحل مجالس إدارتها وتعيين مجالس مؤقتة.
وبجلسة 20 من إبريل سنة 1982 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه فقضت بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 18/ 1/ 1980 أصدر محافظ القليوبية قراره رقم 13 لسنة 1980 فنص في المادة الأولى منه على "تعيين مجلس إدارة مؤقت لإدارة الجمعية التعاونية للإسكان بقليوب من السادة......." ثم عاد المحافظ وأصدر بتاريخ 2/ 4/ 1980 قراره رقم 234 لسنة 1980 الذي قضى في مادته الأولى بأن "تضاف فقرة أولى إلى المادة الأولى من قرارنا رقم 13 لسنة 1980 ليصبح القرار على النحو التالي من تاريخ سريانه:
( أ ) حل مجلس إدارة الجمعية التعاونية للإسكان بقليوب.
(ب) تعيين مجلس إدارة مؤقت لإدارة الجمعية من السادة...".
كما أن الثابت من الأوراق أن المدعي العام الاشتراكي أحال المدعي إلى محكمة القيم لأنه خلال الفترة من عام 1965 وحتى عام 1980 بدائرة مركز قليوب أتى أفعالاً من شأنها الإضرار بالمصالح الاقتصادية للمجتمع الاشتراكي ببيعه الأراضي المملوكة للجمعية بالمخالفة لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 "الخاص بتقسيم الأراضي" مما عرض عقود المشترين للبطلان وأموالهم للضياع، وأعاد بيع تلك الأراضي بطرق ملتوية تؤول معها إلى ذويه بالمخالفة للائحة النظام الداخلي للجمعية المذكورة، وقد تضخمت ثروته وزوجته وأولاده نتيجة استغلاله لمنصبه كرئيس لمجلس إدارة الجمعية، واختلاسه مالها المبين بالتحقيقات. وطلب المدعي العام الاشتراكي من محكمة القيم الحكم بفرض الحراسة على أموال المذكور بصفة أصلية وعلى أموال باقي المدعى عليهم بالتبعية إعمالاً لنص المواد 2، 3/ 1، 5، 18/ 3 من القانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب.
وبجلسة 4/ 10/ 1981 قضت محكمة القيم في الدعوى رقم 13 لسنة 11 حراسات بفرض الحراسة على أموال المدعي وسائر أفراد عائلته الواردة أسماؤهم في حكمها. وبجلسة 13/ 2/ 1982 قضت المحكمة العليا للقيم بقبول الطعن المقدم من المدعي في الحكم المذكور شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد ذلك الحكم.
وأضافت المحكمة في حكمها المطعون فيه أن المادة 50 من قانون حماية القيم من العيب رقم 95 لسنة 1980 تنص على أن "يكون الحكم الصادر من المحكمة العليا للقيم نهائياً ولا يجوز الطعن فيه بأي وجه من وجوه الطعن عدا إعادة النظر" ومن ثم فإن الحكم الصادر من المحكمة العليا للقيم بتأييد فرض الحراسة على أموال المدعي يكون حكماً نهائياً، واعتباراً من 13/ 2/ 1982. تاريخ صدور هذا الحكم - يصبح المدعي غير كامل الأهلية المدنية نظراً لما ينطوي عليه الحكم الصادر بفرض الحراسة من منع المدعي من التصرف في أمواله وتعيين حارس يقوم بإدارتها نيابة عنه.
واستطردت المحكمة أنه بالرجوع إلى أحكام القانون رقم 109 لسنة 1975 الخاص بالتعاون الاستهلاكي والذي كانت أحكامه سارية المفعول على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان يبين أن المادة 51/ 1 منه تنص على أنه "يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس إدارة الجمعية ما يلي:
1 - أن يكون كامل الأهلية المدنية".
كما أنه باستعراض أحكام القانون رقم 14 لسنة 1981 بإصدار قانون التعاون الإسكاني الذي بدأ العمل بأحكامه اعتباراً من 6/ 3/ 1981 يبين أن المشرع أورد في هذا القانون نصاً مماثلاً إذ قضت المادة 42 منه بأنه "مع مراعاة الشروط الخاصة التي يتضمنها النظام الداخلي يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس إدارة الجمعية ما يلي:
1 - أن يكون كامل الأهلية المدنية".
وأضافت المحكمة أن من المسلم به في فقه وقضاء القانون الإداري أن شرط المصلحة الواجب تحققه لقبول الدعوى يتعين أن يتوافر للمدعي من وقت رفع الدعوى وأن يستمر قيامه حتى يفصل فيها نهائياً ومن ثم فإنه يتعين على المحكمة الحكم بعدم قبول الدعوى الماثلة، على الرغم من تسليمها بانعدام القرار المطعون فيه لصدوره من جهة غير مختصة قانوناً، نظراً لأن عضوية المدعي بمجلس إدارة الجمعية التعاونية للإسكان بقليوب، زالت عنه تلقائياً وبقوة القانون أثناء نظر الدعوى وعلى وجه التحديد من 13/ 2/ 1982 تاريخ صدور حكم المحكمة العليا للقيم المشار إليه بفرض الحراسة على أمواله وما يترتب عليه من صيرورة المدعي غير كامل الأهلية المدنية على النحو السالف بيانه.
ومن حيث إن مبنى الطعن في هذا الحكم أن الجزاء المترتب على فرض الحراسة ورد النص عليه في المادة 21 من القانون رقم 34 لسنة 1971 وهو "رفع يد الخاضع عن إدارة المال المفروضة عليه والتصرف فيه" كما أن القانون رقم 95 لسنة 1980 نص على الجزاءات التي توقعها المحكمة في حالة فرض الحراسة وهو ما لم تقض به المحكمة ضد الطاعن، هذا إلى أن التقاضي طبقاً للمادة 68 من الدستور حق طبيعي للفرد لا يسقط عنه إلا بنص صريح.
ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل يدور حول أثر الحكم الصادر بفرض الحراسة على أموال الطاعن على أهليته، وبالتالي أثر ذلك على رئاسته لمجلس إدارة الجمعية التعاونية للإسكان بقليوب.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق أنه بجلسة 4/ 10/ 1981 أصدرت محكمة القيم حكمها بفرض الحراسة على أموال الطاعن وأفراد أسرته وأمرت باعتبار ورشة تصنيع البلاط المملوكة لهم نفقة شاملة للمدعي عليهم. وقد تأيد هذا الحكم من محكمة القيم العليا بجلسة 13/ 2/ 1982.
ومن حيث إن المادة 34 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980 تنص على أن "تختص محكمة القيم دون غيرها بما يأتي:
أولاً: الفصل في جميع الدعاوى التي يقيمها المدعي العام الاشتراكي طبقاً للمادة 16 من هذا القانون.
ثانياً: كافة اختصاصات المحكمة المنصوص عليها في القانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب والمقررة بالقانون المذكور...".
وبالرجوع إلى القانون الأخير رقم 34 لسنة 1971 يبين أن المادتين 2، 3 منه أجازتا فرض الحراسة على أموال الشخص كلها أو بعضها لدرء خطره على المجتمع أو إذا قامت دلائل جدية على تضخم أمواله للأسباب الواردة بالنص وقضت المادة 17 بأن ينص في الحكم الصادر بفرض الحراسة على تقرير نفقة للمفروضة على الحراسة وأسرته ومن يعولهم فعلاً ولو كانوا بالغين، ويجوز بدلاً من تقرير هذه النفقة أن تستثنى بعض الأموال من الخضوع للحراسة وتترك للخاضع حرية استعمالها واستغلالها والتصرف فيها. ونصت المادة 18 على أنه "لا تشمل الحراسة إلا الأموال التي في ملك الخاضع فعلاً في تاريخ فرضها ولا تمتد إلى ما يؤول إليه من أموال بعد ذلك التاريخ" ونصت المادة 21 بأن "يترتب على الحكم بفرض الحراسة رفع يد الخاضع عن إدارة المال المفروضة عليه أو التصرف فيه ويقع باطلاً كل تصرف يجريه الخاضع بعد صدور الحكم بشأن المال الذي فرضت عليه الحراسة".
ومن حيث إن البادي من ذلك أن المشرع أجاز فرض الحراسة على أموال الشخص كلها أو بعضها بحكم من محكمة القيم ويترتب على صدور مثل هذا الحكم غل يد الشخص عن إدارة الأموال التي فرضت عليها الحراسة ومنعه من التصرف فيها دون أن يمتد هذا الأثر إلى الأموال الأخرى التي لم يشملها الحكم أو الأموال التي يكتسبها بعد صدوره. كما أن المشرع أجاز، بدلاً من تقرير نفقة للخاضع، أن تستثنى بعض أمواله من الخضوع للحراسة وتترك له حرية استغلالها والتصرف فيها.
ومن حيث إن الأهلية في اللغة تعنى الصلاحية لأمر معين، وفي القانون هي أيضاً الصلاحية لاكتساب الحقوق والصلاحية لإبرام التصرفات القانونية - فهي - بعبارة أخرى - صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالالتزامات ومباشرة التصرفات القانونية التي يكون من شأنها أن ترتب له هذا الأثر أو ذاك، ويرجع في تحديد هذه الأهلية إلى نصوص القانون ذاته وما تقرره من أحكام في هذا الخصوص.
ومن حيث إن القانون المدني ينص في المادة 44 منه على أن كل شخص يبلغ سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية. ويقضي في المادة 45 بأن:
1 - لا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر في السن أو عته أو جنون.
2 - وكل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقداً للتمييز.
وينص في المادة 46 على أن كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيهاً أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقاً لما يقرره القانون.
ومن حيث إن المستفاد من نصوص التقنين المدني أن الأهلية لمباشرة الحقوق أو ما يسمى بأهلية الأداء مناطها التمييز، فمن كان كامل التمييز كان كامل الأهلية، ومن نقص تمييزه كانت أهليته ناقصة، ومن انعدم تمييزه انعدمت أهليته. كما أن الأصل في الشخص أن يكون كامل الأهلية ببلوغ سن الرشد ما لم تفقد أهليته أو تنتقص للجنون أو العته أو السفه أو الغفلة بمعنى أن الأصل في الشخص الذي يبلغ سن الرشد أن يكون كامل الأهلية ما لم يسلب القانون أهليته أو يحد منها. وتطبيقاً لذلك نصت المادة 109 من القانون المدني على أن "كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون" وانعدام الأهلية أو نقصها بالتحديد الذي أورده القانون يختلف عن المنع من التصرف، إذ قد يمنع شخص من التصرف في ماله لمصلحة مشروعه دون أن يكون ذلك راجعاً إلى نقص في التمييز عند الشخص الممنوع كما هو الحال في نقص الأهلية، من ذلك منع الشخص من أن يبيع ماله في مرض الموت إلا في حدود معينة.
ومن حيث إنه بتطبيق هذه الأحكام على موضوع الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه يبين أن حكم محكمة القيم بفرض الحراسة على أموال المدعي ترك له ورشة تصنيع البلاط ليديرها وينتفع بفوائدها وينتفع بعائدها، وأن هذا الحكم لا يترتب عليه منعه من اكتساب الحقوق واكتساب الأموال في المستقبل وإنما غاية ما يترتب عليه هو غل يد المدعي عن إدارة الأموال التي فرضت عليها الحراسة أو التصرف فيها، أي منعه من إدارتها والتصرف فيها دون أن ينال الحكم من أهليته.
ومن حيث إن قانون حماية القيم من العيب والذي خول محكمة القيم الحكم بفرض الحراسة على الأموال أجاز في المادة 4 منه الحكم على من تثبت مسئوليته وفقاً لهذا القانون بتدبير أو أكثر من التدابير التي أوردتها المادة ومن بينها "الحرمان من الترشيح لعضوية المجالس النيابية أو الشعبية المحلية، أو الحرمان من الترشيح أو التعيين في رئاسة أو عضوية مجالس إدارة الشركات العامة أو الهيئات العامة أو التنظيمات النقابية أو الاتحادات أو الأندية أو المؤسسات الصحفية أو الجمعيات بجميع صورها بما فيها الجمعيات التعاونية والروابط والاستمرار فيها".
ومن حيث إن الحكم الصادر بفرض الحراسة على الطاعن لم يتضمن مجازاته بأي من التدابير المشار إليها في المادة الرابعة آنفة الذكر، بل ولم يتضمن قرار المدعي العام الاشتراكي بإحالته إلى محكمة القيم المطالبة بتوقيع شيء من هذه التدابير.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الحكم الصادر بفرض الحراسة على أموال المدعي لا مساس له بأهليته. وبالبناء على ذلك فليس من الصحيح القول بأن صفته كرئيس لمجلس إدارة الجمعية تزول عنه تلقائياً وبقوة القانون بفرض الحراسة على أمواله لتخلف شرط التمتع بالأهلية المدنية الكاملة في شأنه. وبالتالي فإن مصلحته تبدو قائمة ومؤكدة في مخاصمة القرار الصادر بحل مجلس الإدارة وتعيين مجلس مؤقت، وإذ كان ذلك فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف صحيح القانون عندما نحا غير هذا المذهب مما يتعين معه القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة قد دفعت أمام محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن المدعي لم يتظلم من القرار المطعون فيه إلى اللجنة المنصوص عليها في المادة 88 من قانون التعاون الاستهلاكي. وهذا الدفع مردود بأن البادي من استقراء نصوص القانون المذكور أن عدم التظلم إلى هذه اللجنة لا يحول بين صاحب الشأن وبين حقه في الالتجاء مباشرة إلى القضاء الإداري بطلب الحكم بإلغاء القرار، كما أن هذه النصوص ليس فيها ما يفيد وجوب مثل هذا التظلم قبل رفع دعوى الإلغاء، ومن المسلم أن الأصل في تلك الدعوى أن ترفع مباشرة ولو لم يسبقها تظلم سواء إلى الجهة التي أصدرت القرار أو إلى السلطة الرئاسية لها أو إلى أية جهة أخرى، غير أن ثمة حالات وردت على خلاف هذا الأصل استوجب فيها المشرع - سواء في قانون مجلس الدولة أو غيره - التظلم من القرار قبل رفع الدعوى بطلب إلغائه ورتب على إغفال هذا الإجراء عدم قبول الدعوى. ويجب أن يرد النص على وجوب التظلم من القرار قبل الطعن عليه بدعوى الإلغاء واضحاً وقاطعاً في الدلالة على هذا المعنى باعتباره وارداً على خلاف الأصل العام. ومن تطبيقات ذلك النص في المادة 12 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 على عدم قبول الطلبات "أي الدعاوى" المقدمة رأساً بالطعن في القرارات الإدارية النهائية المنصوص عليها في البنود ثالثاً ورابعاً وتاسعاً من المادة 10 وذلك قبل التظلم منها إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الهيئات الرئاسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم وكذلك النص في المادة 18 من قانون الخدمة العسكرية والوطنية رقم 127 لسنة 1980 على أن "يكون التظلم من قرارات التجنيد إلى لجنة مؤلفة من..... ولا تقبل الدعاوى أمام القضاء بإلغاء القرارات المشار إليها قبل التظلم منها على الوجه المتقدم".
ومن حيث إن التنظيم المقرر بموجب قانون التعاون الاستهلاكي للتظلم من قرارات الوزير المختص أو الجهة الإدارية المختصة بحل مجلس إدارة الجمعية وتعيين مجلس إدارة مؤقت لم يستوجب هذا التظلم قبل رفع الدعوى بطلب إلغاء القرار، كما أن المستفاد من استقراء القانون أن القرار المذكور هو قرار نهائي قابل للتنفيذ فور صدوره وبالتالي فإن الطعن أمام القضاء بدعوى الإلغاء إنما ينصب على هذا القرار وليس على قرار اللجنة المنوط بها البت في التظلم، لذا فإن الدفع المشار إليه يكون في غير محله متعين الرفض.
ومن حيث إن المادة 66 من قانون التعاون الاستهلاكي، والذي صدر القرار المطعون فيه في ظله، تنص على أن "يعتبر وزير التموين الوزير المختص في تطبيق أحكام هذا القانون على أنه بالنسبة للاتحادات التعاونية يتولى الوزير مباشرة جميع الاختصاصات المقررة في هذا القانون لكل من الوزير المختص والجهة الإدارية المختصة، ومع ذلك يجوز بقرار من رئيس الجمهورية تحديد الوزير المختص والجهة الإدارية المختصة ببعض أوجه النشاط التعاوني الاستهلاكي واستناداً إلى حكم هذه المادة أصدر رئيس مجلس الوزراء - بناء على التفويض المخول له بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 490 لسنة 1976 - قراره رقم 702 لسنة 1977 الذي نص في المادة الأولى منه على أن "يعتبر وزير الإسكان والتعمير الوزير المختص في تطبيق حكم الفقرة الثانية من المادة 66 من قانون التعاون الاستهلاكي الصادر بالقانون رقم 109 لسنة 1975، والهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان الجهة الإدارية المختصة وذلك بالنسبة إلى نشاط الإسكان التعاوني.
ومن حيث إن القانون المشار إليه خول "الوزير المختص والجهة الإدارية المختصة" صلاحية حل مجلس إدارة الجمعية التعاونية وتعيين مجلس إدارة مؤقت، فمن ثم فإن الاختصاص بحل مجالس إدارة الجمعيات التعاونية للإسكان وتعيين مجالس مؤقتة لإدارتها يكون منوطاً بوزير الإسكان والهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان بحسبانهما الوزير المختص والجهة الإدارية المختصة، وإذا كان ذلك فإن قرار محافظ القليوبية المطعون فيه يكون مشوباً بعيب عدم الاختصاص لصدوره من جهة لا ولاية لها قانوناً في إصداره. ولا يقدح في هذا النظر ما ذهبت إليه إدارة قضايا الحكومة في مذكرة دفاعها المقدمة إلى محكمة القضاء الإداري من اختصاص المحافظ بإصدار مثل هذا القرار استناداً إلى حكم المادة 27 من قانون نظام الحكم المحلي الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1979... ذلك أن المادة المذكورة تقضي بأن "يتولى المحافظ بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التي تدخل في اختصاص وحدات الحكم المحلي وفقاً لهذا القانون جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح ويكون المحافظ في دائرة اختصاصه رئيساً لجميع الأجهزة والمرافق المحلية كما يرأس جميع العاملين في نطاق المحافظة"، وواضح من صياغة النص أن الاختصاصات التي خولت إلى المحافظين بمقتضاه تتعلق بأجهزة الدولة والمرافق العامة، ولا مراء في أن الجمعيات التعاونية هي مؤسسات أهلية من أشخاص القانون الخاص وبهذه المثابة لا تندرج في عداد أجهزة الدولة أو مرافقها العامة وبالتالي لا يشملها حكم هذا النص. هذا إلى أن من المسلم في مجال التفسير وجوب التقيد بالحكم الذي ورد به نص صريح وإعمال مقتضاه دون الاحتجاج بما قد يستفاد ضمناً من حكم لآخر لأن الصريح أولى بالاعتبار والتقديم.
وقد سبق بيان أن قانون التعاون الاستهلاكي وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 702 لسنة 1977 يفيدان - صراحة - اختصاص وزير الإسكان والهيئة العامة لتعاونيات البناء بإصدار مثل القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه يخلص مما سبق جميعه أن للمدعي مصلحة مؤكدة في الطعن على قرار محافظ القليوبية آنف الذكر وأن المشرع لم يستلزم التظلم من مثل هذا القرار قبل رفع الدعوى بطلب إلغائه، وأن القرار المطعون فيه صدر من جهة لا ولاية لها في إصداره الأمر الذي يتعين معه الحكم بقبول الدعوى وبإلغاء هذا القرار مع إلزام محافظة القليوبية المصروفات عملاً بأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى وإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت محافظة القليوبية المصروفات.