مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 11

(1)
دائرة توحيد المبادئ
جلسة 12 من إبريل سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف شلبي يوسف وعبد الفتاح السيد بسيوني وعادل عبد العزيز بسيوني وفؤاد عبد العزيز عبد الله رجب ونبيل أحمد سعيد علي وعبد العزيز أحمد سيد أحمد حماده ومحمد المهدي مليحي والدكتور محمد جودت أحمد الملط ومحمد أمين العباسي المهدي وشفيق محمد سليم مصطفى - المستشارين.

الطعن رقم 3387 لسنة 29 القضائية

دعوى - الحكم في الدعوى - الطعن في الأحكام - طعن الخارج عن الخصومة.
المادتان (23) و(51) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
مر قضاء المحكمة الإدارية العليا في شأن الطعن المقدم من الخارج عن الخصومة بمرحلتين: في المرحلة الأولى: كانت الأحكام متجهة إلى جواز قيام الشخص الذي لم يكن طرفاً أو ممثلاً في الدعوى ومس الحكم الصادر فيها مصلحة له أن يطعن على الحكم مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا - استند هذا القضاء إلى أن حكم الإلغاء يعتبر حجة على الكافة ولا تقتصر هذه الحجية على أطراف الخصومة - اعتمد هذا الاتجاه على اعتبارات العدالة وحسن توزيعها رفعاً للضرر الذي قد يصيب من لم يكن طرفاً في الدعوى الصادر فيها حكم الإلغاء - في المرحلة الثانية عدل قضاء المحكمة الإدارية العليا عن هذا الاتجاه مقرراً عدم جواز طعن الخارج عن الخصومة أمام المحكمة الإدارية العليا - تختص المحكمة التي أصدرت الحكم بنظر الطعن في الحدود المقررة قانوناً لالتماس إعادة النظر - أساس ذلك: أن المادة (23) من القانون رقم 47 لسنة 1972 حددت أحوال الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - طعن الخارج عن الخصومة ليس من بين هذه الأحوال - تطبيق.


إجراءات الطعن

تجمل وقائع الطعن الأول رقم 3387 لسنة 29 ق في أن السيد/ أحمد محمد هنادي جويد أقام الدعوى رقم 233 لسنة 36 ق ضد محافظ الوادي الجديد بصفته أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة الترقيات) بصحيفة أودعت قلم كتابها في 2 من نوفمبر سنة 1981 طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري رقم 27 لسنة 81 الصادر بتاريخ 30 من يونيو سنة 1981 والمعتمد من محافظ الوادي الجديد بتاريخ 29 من يونيو سنة 1981 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مدير شئون زراعية المقرر لها الدرجة الأولى من المجموعة النوعية لوظائف الزارعة ذات الربط 960/ 1800 اعتباراً من 30 من يونيو سنة 1981 وترقيته إليها اعتباراً من هذا التاريخ مع ما يترتب على ذلك من آثار. وبجلسة 23 من يونيو سنة 1983 حكمت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار رقم 27 الصادر في 30 من يونيو سنة 1981 إلغاء مجرداً مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.
وقد أقام السيد/ محافظ الوادي الجديد بصفته بصحيفة مودعة في 22/ 8/ 1983 الطعن رقم 3382 لسنة 29 ق ضد السيد/ أحمد محمد هنادي في ذلك الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا وأعلن الطعن قانوناً.
وبتاريخ 22 من أغسطس سنة 1983 أقام السيد/ عبد الخالق محمد سلطان طعناً في ذات الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بتقرير طعن أودع قلم كتابها وقيد بجدولها العام تحت رقم 3387 لسنة 29 ق عليا ضد كل من: 1 - السيد محافظ الوادي الجديد بصفته 2 - السيد / أحمد محمد هنادي جويده وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بالإبقاء على ترقية الطاعن إلى الدرجة الأولى مع إلزام المطعون ضده الثاني بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وقد ضم هذا الطعن إلى الطعن رقم 3382 لسنة 29 ق عليا المقام من الحكومة عن ذات الحكم المطعون فيه. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في هذين الطعنين ارتأت فيه قبولهما شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى. وأقامت رأيها فيما يتعلق بقبول الطعن رقم 3387 لسنة 29 ق عليا شكلاً - على أنه ولئن كان الطاعن في هذا الطعن لم يكن طرفاً في الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه إلا أن له صفة ومصلحة قانونية مباشرة في الطعن على هذا الحكم باعتباره من ذوي الشأن الذين عناهم المشرع في المادة 44 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة والذي أجاز لهم بموجب هذا النص الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا متى توافر في شأنه شرط المصلحة وذلك عن طريق طعن الخارج عن الخصومة في الحكم الصادر في الدعوى التي لم يكن طرفاً فيها. وأشارت هيئة مفوضي الدولة - تأييداً لرأيها - إلى ما انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقم 62 لسنة 20 ق ورقم 284 لسنة 22 ق بجلسة 23 من فبراير سنة 1980 ورقم 1444 لسنة 28 ق بجلسة 24 فبراير سنة 1985.
وتجمل وقائع الطعن الثاني المقيد بالسجل العام تحت رقم 3155 لسنة 31 ق عليا المقام من الدكتورة/ نادية حسن بدراوي في أن الدكتورة فاطمة محمد مختار الهنيدي أقامت الدعوى رقم 165 لسنة 35 ق لدى محكمة القضاء الإداري "دائرة الجزاءات والترقيات" بصحيفة أودعت قلم كتابها في 28 من أكتوبر سنة 1980 ضد رئيس جامعة القاهرة بصفته طالبة في ختامها الحكم بإلغاء قرار رئيس جامعة القاهرة بتعديل أقدمية الدكتورة/ ناديه حسن بدراوي لتكون سابقة على قريناتها والإبقاء على الأقدميات وفق تاريخ شغل الوظيفة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات. وبجلسة 27 من ديسمبر سنة 1984 حكمت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجامعة المدعى عليها بالمصروفات. وبتاريخ 21 من يوليو سنة 1985 أقامت الدكتورة / نادية حسن بدراوي طعناً في ذلك الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بتقرير طعن أودع قلم كتابها وقيد بجدولها العام تحت رقم 3155 لسنة 31 ق. عليا ضد كل من: 1 - الدكتورة/ فاطمة محمد مختار الهنيدي 2 - الأستاذ الدكتور رئيس جامعة القاهرة بصفته. وطلبت الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضدها الأولى بالمصروفات. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في هذا الطعن ارتأت فيه الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظره واقترحت إحالته إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص: تأسيساً على أن الطاعنة الدكتورة نادية حسن بدراوي لم تكن طرفاً أو ممثلة في الدعوى رقم 165 لسنة 35 ق المطعون في الحكم الصادر فيها، وبذلك فإن الطعن فيها يكون عن طريق التماس إعادة النظر أمام المحكمة التي أصدرت الحكم وهي محكمة القضاء الإداري "دائرة الجزاءات والترقيات" باعتبارها خارجة عن الخصومة، إذ صدر الحكم المطعون فيه بعد العمل بالقانون رقم 13 لسنة 1968 بشأن المرافعات المدنية والتجارية. واستند هذا الرأي إلى الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 185 لسنة 18 ق الصادر بجلسة أول يوليو سنة 1979.
وقد عرض الطعنان على الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا بعد أن أحيلا إليها من دائرة فحص الطعون وتدوول كل منهما بالجلسات على الوجه المبين بمحاضرها. ونظراً لما تبين للدائرة المذكورة من اختلاف الرأي حول جواز طعن الخارج عن الخصومة في الدعوى المنظورة أمام القضاء الإداري في الحكم الصادر لدعوى التي لم يكن طرفاً فيها مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا ولصدور حكمين متعارضين في هذه الخصوصية فقد قررت الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 25 من يناير سنة 1987 إحالة كل من الطعنين رقم 3387 لسنة 29 ق عليا ورقم 3155 لسنة 31 ق عليا إلى هذه الهيئة إعمالاً لحكم المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة المضافة بالقانون رقم 136 لسنة 1984. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني تناولت فيه أسانيد الاتجاهين مثار المنازعة المطروحة أمام هذه المحكمة، وأيدت في تقريرها الاتجاه لعدم جواز طعن الخارج عن الخصومة أمام المحكمة الإدارية العليا مباشرة، وإنما يجوز له الطعن بطريق التماس إعادة النظر أمام ذات المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، واقترحت لذلك الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطعنين المعروضين وإحالتهما إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص وإبقاء الفصل في المصروفات.
وحدد لنظر الطعنين أمام هذه الهيئة جلسة الأول من مارس سنة 1987 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت إصدار الحكم بجلسة 12 من إبريل سنة 1987 وبالجلسة المذكورة أعيد الطعنان للمرافعة نظراً لتغيير تشكيل الهيئة ونظر الطعنان على الوجه المبين بالمحضر ثم تقرر إصدار الحكم آخر الجلسة وصدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الخلاف المعروض يدور حول ما إذا كان من الجائز لمن لم يكن طرفاً في الخصومة أمام محكمة القضاء الإداري أن يطعن على الحكم الصادر فيها أمام المحكمة الإدارية العليا مباشرة متى كانت له مصلحة قانونية أو مادية مسها ذلك الحكم أم من المتعين عليه أن يسلك طريق الطعن بالتماس إعادة النظر أمام ذات المحكمة التي أصدرت الحكم.
ومن حيث إنه بتتبع قضاء المحكمة الإدارية العليا في شأن الخلاف المتقدم تبين أنها اتجهت تارة إلى الأخذ بجواز قيام الشخص الذي لم يكن طرفاً أو ممثلاً في الدعوى ومس الحكم الصادر فيها مصلحة له بالطعن عليه مباشرة لدى المحكمة الإدارية العليا، كما اتجهت تارة أخرى إلى الأخذ بعدم جواز لجوء من لم يكن طرفاً في الخصومة إلى الطعن على الحكم الصادر فيها من القضاء الإداري أمامها مباشرة وإنما يتعين عليه أن يسلك طريق الطعن بالتماس إعادة النظر أمام المحكمة التي أصدرت الحكم ومن أمثلة قضاء المحكمة الإدارية العليا المعبرة عن الاتجاه الأول حكمها في الطعن رقم 474 لسنة 15 ق عليا الصادر بجلسة 2 من يونيو سنة 1973 والذي ذهبت فيه إلى أنه ولئن كان حكم الإلغاء يعتبر حجة على الكافة وليست حجيته نسبية تقتصر على طرفي الخصومة دون غيرهما وإنما حجيته مطلقة تتعدى إلى الغير أيضاً وفقاً لما حرصت على تأييده جميع التشريعات المتتالية لمجلس الدولة إلا أنه من الأصول المسلمة التي يقوم عليها حسن توزيع العدالة وكفالة تأدية الحقوق لأربابها ألا يحول دون ذلك صدور حكم حاز قوة الشيء المقضى به بمقولة إن حكم الإلغاء يكتسب حجة عينية تسري على الكافة ما دام هذا الحكم يتعدى أطراف الخصومة ومنهم ذوي الشأن الذين عناهم نص المادتين 15 و23 من القانون رقم 55 لسنة 1959 الخاص بمجلس الدولة والتي يقابلهما نص المادتين 23 و44 من قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنة 1972 بما تضمنه من تحديد ميعاد الطعن بستين يوماً من تاريخ صدور الحكم بحيث يمس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حقوق ومصالح ومراكز قانونية مستقرة للغير الذي كان يتعين أن يكون أحد الطرفين الأصليين في المنازعة ومع ذلك لم توجه إليه ولم يكن في مركز يسمح بتوقعها أو العلم بها حتى يتدخل فيها في الوقت المناسب، إذ لا مناص من رفع الضرر الذي يصيبه من تنفيذ الحكم الذي لم يكن طرفاً فيه، وذلك بتمكينه من التداعي بالطعن في هذا الحكم من تاريخ علمه حتى يجد له قاضياً يسمع دفاعه وينصفه إذا كان ذا حق في ظلامته ما دام قد استغلق عليه سبيل الطعن في هذا الحكم أمام محكمة أخرى، والقول بغير ذلك فيه حرمان لصاحب المصلحة الحقيقي من حق اللجوء إلى القضاء متظلماً من حكم في منازعة لم يكن طرفاً فيها ولم يعلم بها وتمس آثار هذا الحكم حقوقاً له. ويؤخذ مما سبق أن هذه المحكمة قد أقرت بحق الخارج عن الخصومة في الطعن على الحكم الذي يصدر ويتعدى أثره إليه وذلك إذا لم يعلم بقيام الخصومة أو لم يكن في مركز يسمح بتوقعها، وفي هذه الحالة تحسب مواعيد الطعن من تاريخ علمه بالحكم. أما إذا كان الغير يعلم بقيام الخصومة أو كان في مركز يسمح بتوقعها فلا يقبل منه الطعن على الحكم طالما لم يتدخل في الخصومة أمام محكمة القضاء الإداري، إذ في هذه الحالة يكون الغير قد فوت على نفسه فرصة عرض ظلامته على جهة القضاء، وإذا كانت اعتبارات حسن توزيع العدالة تسوغ إفساح المجال للغير ممن يتعدى أثر الحكم إليه ولم يعلم بقيام الخصومة للطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، فإن هذه الاعتبارات ذاتها تأبى مساندة هذا الغير الذي علم بالخصومة ووقف حيالها موقف المتربص: فإن صدر الحكم لصالحة سكت، وإن صدر ضد مصالحه نازع فيه وطعن عليه. والمعول عليه هو علم صاحب الشأن نفسه علماً يقينياً بالخصومة.
ومن حيث إن الواضح مما تقدم أن ركيزة وأساس هذا الاتجاه الأول إنما تقوم على اعتبارات العدالة وحسن توزيعها رفعاً للضرر الذي قد يصيب من لم يكن طرفاً في الدعوى الصادر فيها حكم الإلغاء وذلك على الوجه وبالقيود التي بينها ذلك القضاء، والتي من بينها وكما هو واضح من الأسباب أن يكون قد استغلق عليه سبيل الطعن في هذا الحكم أمام محكمة أخرى. ومن ثم مكنه هذا القضاء للمحكمة الإدارية العليا من التداعي بالطعن أمامها في ذلك الحكم من تاريخ علمه حتى يجد له قاضياً يسمع دفاعه وينصفه إذا كان ذا حق في ظلامته.
ومن حيث إن تقدير الاتجاه الذي أقر بحق الخارج عن الخصومة في الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا ينبغي أن يتم بمراعاة ما هو مقرر من حجية مطلقة لحكم الإلغاء ومن أن تحديد طرق الطعن في الأحكام هو عمل من أعمال المشرع يرد حصراً في القانون المنظم لها المحدد لوسائلها.
ومن حيث إن المادة 52 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن تسري في شأن جميع الأحكام القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة.. ذلك أن الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية مناطها رقابة شرعية القرار الإداري في ذاته ووزنه بميزان القانون: فإما أن يسفر الفحص عن شرعيته فترفض الدعوى أو تتقرر عدم مشروعيته فيحكم بإلغائه. والحكم الصادر بالإلغاء يعدمه في ذاته فينقضي ذات وجوده ولهذا ينعدم وينقضي وجوده ويزول بالنسبة لكل الناس:
من كان قد صدر لصالحه أو ضده من أفاده ومن أضر به من طعن عليه ومن لم يطعن عليه، من كان طرفاً في دعوى مهاجمة القرار ومن لم يكن، وأياً كانت الأسباب التي استندت إليها مهاجمته. ولهذا كان الحكم بالإلغاء حجة على الكافة لأنه يقوم على تقرير عدم مشروعية القرار من حيث هو في ذاته بغض النظر عن المصالح التي يمسها نفعاً وضراً، فيما الحكم الصادر في دعوى غير دعوى الإلغاء ويصدر في خصومة ذاتية تتعلق بمصالح أطرافه فتكون له حجية نسبية مقصورة على هذه الأطراف. وإذ كان مؤدى الحجية المطلقة لحكم الإلغاء سريانه في مواجهة كافة الناس سواء في ذلك من طعن على القرار المقضي بإلغائه ومن لم يطعن عليه فقصر هذه الحجية على من كان طرفاً في دعوى مهاجمته دون من لم يكن طرفاً أو ممثلاً فيها هو حد لإطلاق الحجية لا يجوز إلا استناداً إلى نص صريح في القانون الذي قرر الحجية المطلقة صدوراً عن عينية الطعن. فليست العبرة بمصلحة من تمكن أو مكن من الدفاع عن هذه المصلحة بالطعن على القرار أو بطلب رفض الطعن عليه، وإنما العبرة في جوهر الأمر وحقيقته بمطابقة القرار للقانون. وهذا أمر لا يتأثر فحصه إلا بحكم القانون فهو معياره الوحيد ومناطه الذي لا يختلف باختلاف المصالح المتعارضة في القرار لمن يطبق في شأنهم أو يسري عليهم. فمتى كان محل رقابة القرار فحص مشروعيته، ومعيارها مطابقته للقانون، فلا عبرة بأوجه الدفاع التي تعرض أو تبحث، إذ يقوم عمل القاضي على دقيق تطبيق صحيح القانون تطبيقاً موضوعياً على القرار لا يتأثر بأي أمر خارج عن ذلك: ويتحتم أمام هذه الحجية المطلقة الناشئة عن عينية الخصومة الالتفات عن أي اعتراض على الحكم الصادر في دعوى الإلغاء ممن لمن يكن طرفاً فيها إذ من شأن ذلك جحد هذه الحجية المطلقة وقلبها نسبية بقصرها على أطراف الدعوى وحدهم حين يكون لكل خارج عن الخصومة الأصلية ولم يكن طرفاً أو ممثلاً فيها الطعن على الحكم الصادر فيها أمام محكمة الطعن عند علمه اليقين بالحكم الصادر فيها، خاصة وأن ذلك يتيح تسلسل الطعن إلى غير نهاية بتعدد أصحاب المصالح التي يمسها القرار المطعون فيه إيجاباً أو سلباً، فيضيف إلى فقد الحجية المطلقة عدم الاستقرار المطلق للقرار. والاستقرار اعتبار قانوني يقوم على أساسه تنظيم الطعن وتحديد أمده وليس اعتباراً عملياً فقط، بل إن هذا التسلسل ينقض اعتبارات العدالة ذاتها التي كانت أساس الاتجاه الأول ومبتغاة. وبذلك فإن هذا الاتجاه وإن بان في ظاهره محققاً لقدر من العدالة إلا أنه في جوهره هادم لها ما حق إياها.
ومن حيث إنه وإن صح ذلك بالنسبة لحكم الإلغاء وأمده فإنه سواء بالنسبة إلى كافة الأحكام سواء بالإلغاء أو بغير ذلك وفي كافة المنازعات الإدارية وحتى التأديبية منها فالمقرر أن تحديد طرق الطعن في الأحكام هو عمل المشرع وحده يرد حصراً في القانون المنظم لها. وقد حددت المادة 23 من قانون مجلس الدولة أحوال الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، وهي لا تسع الطعن أمامها من الخارج عن الخصومة: فالطعن أمام المحكمة الإدارية العليا لا يجوز إلا لمن كان طرفاً في الخصومة التي انتهت بصدور الحكم المطعون فيه. وإذ كان طعن الخارج عن الخصومة نوعاً من اعتراض الخارج عن الخصومة الذي كان ينظمه قانون المرافعات السابق في فصل مستقل وألغي في قانون المرافعات الحالي الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 فلا سند في استبقائه بعد هذا الإلغاء في صورة طعن الخارج عن الخصومة إلى المحكمة الأعلى المختصة بنظر الطعن على الحكم المطعون فيه والذي لم يكن الخارج عن الخصومة طرفاً أو ممثلاً في الدعوى التي انتهت بصدوره. خاصة وأن اعتراض الخارج عن الخصومة كان قبل إلغائه يقدم إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم وليس أمام محكمة الطعن، فلا يجوز إعادته إلى الحياة في صورة الطعن إلى محكمة الطعن بعد أن لم يعد جائزاً أمام المحكمة التي أصدرت الحكم محل الاعتراض وبذلك يبدو واضحاً تعارض الاتجاه القضائي الذي أقر قبول طعن الخارج عن الخصومة أمام محكمة الطعن - وهي في الحالة المعروضة المحكمة الإدارية العليا - مع مبدأ انفراد المشرع وحده بتحديد طرق الطعن في الأحكام على سبيل الحصر، ويؤكد ذلك أن تعبير ذوي الشأن الذي له حق الطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا طبقاً للمادة 23/ 2 من قانون مجلس الدولة نظيراً في ذلك لرئيس هيئة مفوضي الدولة، إنما يقصد به ذا الشأن في الحكم وفي الطعن عليه وليس في القرار محل الحكم المطعون فيه - ولا يمكن أن تنصرف عبارة ذي الشأن إلى من لم يكن ذا شأن في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون عليه. فذو الشأن هو من كان طرفاً في الدعوى: ويقطع بذلك أن المشرع حينما أراد أن يخرج عن هذا المدلول في تحديد ذي الشأن ويتوسع فيه في المادة 22/ 2 من قانون مجلس الدولة اعتبر من ذوي الشأن في الطعن على أحكام المحاكم التأديبية، بالإضافة إلى المتهم وهيئة مفوضي الدولة وهما ذوا الشأن طبقاً للمادة 23/ 2، الوزير المختص ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ومدير النيابة الإدارية. نص على هذا الاعتبار صراحة، ولو اتسعت عبارة ذوي الشأن لهم على غير مقتضى ما تقدم لما احتاج المشرع إلى النص الصريح الخاص لتقرير اعتبارهم من ذوي الشأن: خاصة وأن مدير النيابة الإدارية هو الطرف الأصلي في الدعوى التأديبية الذي يقيمها ويتولى الادعاء طرفاً فيها ممثلاً للصالح العام، ومثله الوزير المختص ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات اللذين يتعين إقامة الدعوى التأديبية بناء على طلبهم، ولا شك أن هذا يقطع بأن مدلول عبارة ذوي الشأن الواردة في المادة 23/ 2 هم ذوي الشأن في الدعوى الذين كانوا طرفاً فيها وفي الحكم الصادر فيها بذاته أو بمن يمثله قانوناً، ولا تنصرف عبارة ذوي الشأن إلى كل من يدعي له مصلحة في القرار المطعون فيه محل الدعوى الصادر فيها الحكم سواء بطلب إلغائه أو برفض طلب الإلغاء وليس كل من يدعي مصلحة مسها الحكم بوجه أو بآخر سواء في دعوى الإلغاء أو غيرها من أنواع المنازعات الأخرى التي يتولاها قضاء مجلس الدولة.
مما لا شك فيه أن تدارك الاعتبارات المتقدم ذكرها التي أحاطت بالاتجاه القضائي الأول المتمثل في حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في الطعن رقم 474 لسنة 15 القضائية بجلسة 2 من يونيو سنة 1973 وما سبقه من قضاء في الطعن رقم 977 لسنة 7 القضائية بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1961 - يحتم الأخذ بما ذهب إليه الاتجاه القضائي الآخر القائل بعدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا مباشرة ممن لمن يكن طرفاًَ في الدعوى ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها وإنما يتعين عليه في هذه الحالة متى مس الحكم مصلحة له أن يلجأ إلى طريق الطعن بالتماس إعادة النظر أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. وهو الاتجاه المتمثل في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 185 لسنة 18 القضائية. حيث ذهب فيه إلى أن قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر به القانون رقم 13 لسنة 1968 ألغى طريق الطعن في الأحكام بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة الذي نظمه القانون القائم قبله في المادة 450 وأضاف حالة اعتراض من يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها (مادة 450/ 1) إلى أوجه التماس إعادة النظر لما أورده في مذكرته الإيضاحية من أنها في حقيقتها ليست حالة من حالات اعتراض الخارج عن الخصومة وإنما هي تظلم من حكم من شخص يعتبر ممثلاً في الخصومة وإن لم يكن خصماً ظاهراً فيها فيكون التظلم من الحكم أقرب إلى الالتماس في هذه الحالة منه إلى الاعتراض. وهذا التبرير لإلغاء نظام اعتراض الخارج عن الخصومة وجعل هذه الحالة سبباً لالتماس إعادة النظر في الحكم يتفق مع ما قالت به المحكمة الإدارية العليا في حكمها السابق الإشارة إليه من أنه "تظلم من حكم في منازعة لم يكن طرفاً فيها". وبهذا يكون هذا القانون - أي قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968 - قد ألغى طريق الطعن في أحكام محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا من قبل الغير ممن لم يكونوا خصوماً في الدعوى التي صدر فيها أو ادخلوا أو تدخلوا فيها ممن يتعدى أثر هذا الحكم إليهم إذ أن ذلك أصبح وجهاً من وجوه التماس إعادة النظر في أحكام محكمة القضاء الإداري وفقاً لما تنص عليه المادة 51 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 من أنه "يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجنائية حسب الأحوال وذلك بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة المنظورة أمام هذه المحكمة.." وهو وجه لم يكن قائماً عندما أجازت للغير ممن يتعدى إليه أثر الحكم الطعن أمامها في أحكام محكمة القضاء الإداري مما كان محمولاً - حسبما ورد بأسباب حكمها - على أنه لا طريق أمام هذا الغير عندئذ للتداعي أو التظلم من الحكم إلا بالطعن فيه أمامها حيث يستغلق عليه سبيل الطعن فيه أمام محكمة أخرى. ويفتح الباب للطعن أمام الغير بطريق التماس إعادة النظر أمام المحكمة التي أصدرت الحكم وهو ما نصت عليه المادة 243 من قانون المرافعات وبالطريق الذي ترفع به أمامها الدعوى وفقاً للإجراءات والأوضاع المقررة لذلك. ومن ثم فإنه لم يعد بعد ذلك موجب لإجازة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا رأساً ممن يتعدى إليه أثر الحكم لانتفاء العلة التي قالت بها المحكمة الإدارية العليا في أحكامها السابقة. وطبقاً للمادة 1 و3 من قانون المرافعات فإن الحكم الذي يصدر بعد نفاذ القانون رقم 13 لسنة 1968 لا يقبل الاعتراض وإنما يقبل الالتماس بطريق إعادة النظر في مثل هذه الحالة إذا توافرت شرائطه من ناحية الإجراءات والمواعيد وتبعاً لذلك لا يكون لمن لم يكن طرفاً في حكم حق الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا لمثل هذا الوجه بل على الخارج عن الخصومة أن يسلك ما شرعه القانون لتفادي آثار الحكم والتظلم منه. وهذا التظلم سبيله القانوني هو التماس إعادة النظر في الحكم أمام المحكمة التي أصدرته وهو ليس وجهاً أو سبباً للطعن في الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا ممن لم يكن طرفاً فيه. كما أن الطعن في مثل هذه الحالة ومع مراعاة طبيعة المنازعة الإدارية ودعوى الإلغاء وحقيقة الخصوم فيها لا يعد متصلاً بعيب من العيوب التي تجعل الحكم قابلاً للطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا على ما نصت عليه المادة 23 من قانون مجلس الدولة. وقد انتهت المحكمة الإدارية العليا لما تقدم إلى الحكم بعدم اختصاصها بنظر الطعنين وإحالتهما إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص.
ومن حيث إن الاتجاه القضائي الأخير قد وضع في اعتباره طبيعة دعوى الإلغاء وطبيعة الحكم الصادر فيها وما هو مقرر في القوانين من أوجه للطعن وما هو متاح منها للخارج عن الخصومة الذي لم يكن طرفاً فيها. كما أن الواضح أن الاتجاه القضائي الأول إنما قام على اعتبارات العدالة وحسن توزيعها رفعاً للضرر الذي قد يصيب من لم يكن طرفاً في الدعوى وفقاً لما سلفت الإشارة إليه. وهذه الاعتبارات قد تحققت في الاتجاه القضائي الأخير للمحكمة الإدارية العليا حيث فتح لمن تعدى إليه أثر الحكم ولم يكن طرفاً في الدعوى الصادر فيها الحكم باب التماس إعادة النظر على الوجه المنصوص عليه في المادة 51 من قانون مجلس الدولة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم في الحدود الجائز فيها قانوناً وهو ما نصت عليه المادة 243 من قانون المرافعات وبالطريق الذي ترفع به أمامها الدعوى ووفقاً للأوضاع والإجراءات المقررة لذلك وبما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة. ومن ثم فقد زالت بحق العلة التي قام عليها الاتجاه القضائي الأول، مما يفرض والحالة هذه الأخذ بالاتجاه القضائي الأخير للمحكمة الإدارية العليا والذي مقتضاه أن الخارج عن الخصومة لا يجوز له الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الحكم الذي تعدى إليه أثره وإنما عليه أن يسلك طريق التماس إعادة النظر أمام ذات المحكمة التي أصدرت الحكم الملتمس إعادة النظر فيه. وبذلك فإن طعن الخارج عن الخصومة في الحكم الصادر في المنازعات الإدارية بكافة أنواعها وفيها دعوى الإلغاء، وأياً كان الصادر سواء بالإلغاء أو بغير ذلك في دعوى الإلغاء وغيرها من أنواع المنازعات الإدارية وكذلك المنازعة التأديبية إلى محكمة الطعن يكون غيرها جائز قانوناً سواء كان الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا فيما يطعن فيه أمامها من أحكام أو أمام محكمة القضاء الإداري فيما يطعن فيه أمامها من أحكام طبقاً للقانون. وبتطبيق ذلك على موضوع الطعون المحالة إلى هذه الهيئة يتعين تقرير عدم جواز الطعن من الخارج عن الخصومة أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري محل اعتراض الطاعن الخارج عن الخصومة، وإنما تختص بنظرها المحكمة التي أصدرت الحكم وهي محكمة القضاء الإداري إذا ما توافرت شروط اعتبارها التماساً بإعادة النظر طبقاً لأحكام القانون المتضمنة لهذا الالتماس. لهذا يتعين إعادة الطعون إلى محكمة الالتماس المختصة أصلاً بنظر مثل هذا الالتماس لتنظره متى توافرت الشروط والقيود المقررة قانوناً لذلك. وهو ما تضحى معه المحكمة الإدارية العليا غير مختصة بنظر كل من الطعنين رقم 3387 لسنة 29 القضائية ورقم 3155 لسنة 31 القضائية باعتبارهما طبقاً للتكييف القانوني السليم مجرد التماس إعادة نظر في الحكمين الصادرين من محكمة القضاء الإداري رقم 333 لسنة 36 ق ورقم 165 لسنة 35 ق هي التي ينعقد لها الاختصاص بنظر الالتماس ويتعين على هذه الهيئة إعادة الطعون إلى الدائرة المختصة لتقضي بذلك. ويسري ذلك على الطعون المرفوعة عن أحكام المحاكم التأديبية وكذلك المرفوعة أمام محكمة القضاء الإداري في أحكام المحاكم الإدارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم جواز طعن الخارج عن الخصومة أمام المحكمة الإدارية العليا وباختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم بنظر هذا الطعن في الحدود المقررة قانوناً لالتماس إعادة النظر.