مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1239

(184)
جلسة 8 من يونيه سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 343 لسنة 27 القضائية

( أ ) استثمار مال عربي وأجنبي - مشروع استثماري.
القانون رقم 43 لسنة 1974 بنظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة معدلاً بالقانون رقم 32 لسنة 1977 - المقصود بالمشروع الاستثماري - يتعين لاعتبار المشروع من مشروعات الاستثمار الخاضعة لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1974 أن يوافق عليه ابتداء مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة - تنفيذ المشروع يتم على أساس ما تتضمنه هذه الموافقة من شروط - البدء في تنفيذ المشروع يكون تالياً لصدور الموافقة وطبقاً لشروطها - مخالفة ذلك - أثرها - سقوط الموافقة - أساس ذلك: المادة 27 من القانون رقم 43 لسنة 1974 - تطبيق.
(ب) دعوى - الحكم في الدعوى - حجية الأحكام - صدور أحكام جنائية أو مدنية استندت في أسبابها إلى وجود قرار صادر من هيئة الاستثمار بالموافقة على المشروع باعتباره مشروعاً استثمارياً دون أن تتعرض تلك الأحكام لمدى مشروعية القرار - خروج بحث مشروعية القرار عن نطاق الاختصاص الولائي للمحاكم الجنائية أو المدنية - حجية تلك الأحكام فيما فصلت فيه من مسائل تدخل في نطاق الاختصاص الولائي للمحاكم العادية ولا تحوز قوة الأمر المقضي فيما يتعلق بمشروعية قرار الهيئة والتي يختص القضاء الإداري وحده بالفصل فيها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 14/ 2/ 1981 أودع الأستاذ/ عبد الحليم حسن رمضان المحامي نيابة عن الأستاذ/ عصمت الهواري المحامي بصفته وكيلاً عن الدكتور مهندس/ أحمد محمد أبو شادي، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 343 لسنة 27 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 6/ 1/ 1981 في الدعوى رقم 1555 لسنة 34 ق، المقامة من المطعون ضدهم من الأول حتى الحادية عشرة ضد الطاعن والمطعون ضدهم من الثاني عشر حتى الرابع عشر، والقاضي:
أولاً: بقبول طلب التدخل المقدم من السيدة/ حسنة علي أبو طالب خصماً منضماً للمدعين.
ثانياً: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضدهم من الأول حتى الحادية عشرة وإلزامهم المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 4/ 6/ 1984 وتدوول بجلساتها على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قرر الحاضر عن المطعون ضده السادس أن المطعون ضده الأول توفي إلى رحمة الله، وطلب الحكم أصلياً بانقطاع الخصومة، وبناء على طلب الطاعن تم إعلان الطعن لورثة المطعون ضده الأول، وبجلسة 4/ 3/ 1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 6/ 4/ 1985، بهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن، وبجلسة 4/ 5/ 1985 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم التالي وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 10/ 5/ 1980 أقام المطعون ضدهم من الأول حتى العاشر الدعوى رقم 1555 لسنة 34 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) ضد الطاعن والمطعون ضدهم من الثاني عشر حتى الرابع عشر، وطلبوا في ختامها الحكم:
أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي من هيئة الاستثمار بعدم سحب وإلغاء قرار مجلس إدارة الهيئة الصادر في 17/ 3/ 1977 فيما تضمنه من اعتبار العقار سكنهم مشروعاً استثمارياً طبقاً للقانون رقم 43 لسنة 1974.
ثانياً: وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المدعى عليهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعون شرحاً لدعواهم، أنهم يستأجرون شققاً بالعمارتين رقم خلف 341 مستجد أ، ب بطريق الجيش بالإسكندرية، وأن المدعى عليه الأخير (الطاعن) - مالك العمارتين - تحايلاً منه على قوانين تحديد الأجرة والتهرب منها يدعى خضوع العمارتين للقانون رقم 43 لسنة 1974 بشأن استثمار المال العربي والأجنبي، في حين أنهما تخضعان للقانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، لأن المالك قام بشراء الأرض المقامة عليها العمارتان من شركة التأمين الأهلية التي لها امتياز البائع على الأرض، كما قام باستخراج ترخيص بناء لكل من العمارتين من حي شرق الإسكندرية بوصفهما عمارتين للإسكان العادي، حيث ذكر ذلك في طلبه صراحة كما وقع على نموذج رقم (1) الخاص بكشف التوزيع الصادر عن مديرية الإسكان بمحافظة الإسكندرية وحدد الأجرة الخاصة بكل شقة كذلك حدد في طلبه طبقاً للاستثمار (2) التكاليف ومواد البناء المطلوبة والمدعومة من الدولة والتي حصل عليها فعلاً، وأقر بالخضوع لأحكام القانون في هذا الشأن التي منها الالتزام بالأجرة التي تحددها اللجان المختصة.
وبناء على ذلك صدر من حي شرق الإسكندرية الترخيص رقم 601 لسنة 1975 في 16/ 2/ 1975 بالنسبة إلى العمارة الأولى (مستجد أ خلف رقم 341 طريق الجيش)، ثم تقدم المالك بطلب للتعلية فصدر له ترخيص التعلية رقم 81 لسنة 1976، وصدر الترخيص رقم 602 سنة 1975 في 18/ 3/ 1975، وبالنسبة إلى العمارة الثانية (مستجد ب خلف رقم 341 طريق الجيش) ثم صدر الترخيص رقم 82 لسنة 1976 بتعليتها.
واستطرد المدعون أن المالك بدأ في العمل منذ عام 1975 حتى وصلت الطوابق المبنية إلى نهايتها فعلاً، وأنه مما يدل على ذلك:
( أ ) إدخال المياه للعمارتين للأغراض الإنشائية بتاريخ 26/ 4/ 1975.
(ب) عقد المقاولة بين المالك وبين المقاول عام 1975 الذي بدأ العمل فعلاً.
(جـ) استلام المالك للأسمنت المدعوم طبقاً للشهادات الخاصة بذلك من الجهات الرسمية المختصة.
(د) صدور موافقات من لجنة التيسيرات الاقتصادية لشراء بعض المواد من الخارج مثل المصعدين وبعض المعدات، وتم تنفيذ ذلك فعلاً وأفرج عن هذه المواد من الجمارك في عامي 1976، 1977.
(هـ) قيام المالك بتحرير عقود إيجار عن بعض الوحدات ذكر فيها صراحة خضوع العمارتين لقوانين الإسكان وتحديد الأجرة.
(و) رفع عامود المياه من العمارتين وإدخال المياه للشقق بتاريخ 23/ 2/ 1977، وتعهد المالك لدى مرفق المياه بتوزيع تكلفة المياه على السكان.
وأضاف المدعون أنه بعد بداية العمل بعامين وبعد أن شارفت العمارتان على الانتهاء تقدم المالك بطلب مؤرخ 23/ 1/ 1977 إلى الهيئة العامة لاستثمار المال العربي والأجنبي بالنسبة إلى ما أسماه "مشروع لإنشاء عدد 2 عمارة سكنية" وألحق بطلبه الدراسة الخاصة بإنشاء العمارتين بوصفهما مستجدتين من البداية، ودون أن يذكر في الطلب أية إشارة عن بناء العمارتين فعلاً وسبق الترخيص بهما وفقاً لقانون إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، وبناء على هذا الغش من جانب المالك عرض الأمر على مجلس إدارة الهيئة بمذكرة واضح منها أن العمارتين سوف يتم إنشاؤهما في المستقبل وفقاً لشروط تتعلق بالتمويل وغيره، فأصدرت الهيئة في 27/ 3/ 1977 قراراً بالموافقة على إنشاء العمارتين، ولكن على أساس واضح وصريح وهو أن العمارتين لم يرخص بهما بعد من أية جهة، وأن الموافقة هي موافقة مبدئية ومشروطة، إذ تضمنت أن تتخذ خطوات تنفيذية جدية من جانب المستثمر خلال ستة أشهر من تاريخ صدور القرار على أن يكون من بين تلك الخطوات تقديم الرسومات النهائية للعمارتين للحصول على ترخيص البناء وتقديم الفواتير المبدئية الخاصة بمستلزمات البناء من الخارج لاعتمادها، كما تضمنت أن هذه الموافقة خاصة ويتعين إعادة العرض على المجلس في أية مخالفة أو عدم استيفاء أي بند من البنود سالفة الذكر.
وقال المدعون أن المالك لم يتقدم - بطبيعة الحال - بأي بيان مطلوب أو بأي رسم لإصدار الترخيص لأن الحقيقة أن الترخيص كان قد صدر من سنتين، كما أنه لم يتقدم بأية فواتير للاستيراد من الخارج، فالذي استورده من الخارج بدون تحويل عمله هو بعض الأشياء قليلة القيمة قصد منها التهرب من عمولة الوكيل المحلي، وكان ذلك قبل التقدم بطلب الاستثمار وعندما لم يتقدم المالك بأي مستند أو طلب مما ذكر أرسلت إليه الهيئة الإنذار تلو الإنذار مؤكدة على ضرورة تنفيذ أحكام القرار دون أدنى استجابة من المالك، الذي كان من المستحيل عليه تنفيذ طلبات الهيئة ما دام أن العمارتين تم بناؤهما فعلاً قبل التقدم بطلب الاستثمار وبالتالي قبل موافقة الهيئة.
وبناء على ذلك أعدت الهيئة مذكرة في الموضوع تبين سقوط موافقة مجلس الإدارة على أساس أن السقوط تلقائي طبقاً للمادة 27 من القانون رقم 43 لسنة 1974، ثم قامت الهيئة في 27/ 4/ 1978 بإبلاغ المالك بسقوط موافقة مجلس الإدارة لعدم اتخاذ خطوات جدية نحو التنفيذ. إلا أن المالك - في مغالطة ثانية - تقدم بتظلم يقول فيه أن العمارتين تم بناؤهما دون أن يذكر متى تم هذا البناء، وأنه تم إسكانهما، وبالتالي فقد حقق شروط القرار المرخص، وطلب إيفاد لجنة المعاينة، وبالفعل توجهت لجنة للمعاينة، ادعى المالك أمامها أنه قام بالتنفيذ بعد قرار الاستثمار وطبقاً لشروطه، ولم تتحقق اللجنة من حقيقة الوضع بالنسبة إلى تاريخ إنشاء المباني، كما أدخل المالك في روعة اللجنة أنه استورد من الخارج مواداً بموافقات رسمية مع أن هذه الموافقات هي في الحقيقة دليل إدانته، حيث إنها صدرت بالنسبة إلى المعدات قليلة القيمة قبل طلب اعتبار المشروع استثمارياً ولم ينفذ أي منها عن طريق هيئة الاستثمار، ولم يتقدم المالك إلى هذه الهيئة بأية فواتير مبدئية لاعتمادها والتحقق من أنها تساوي المبلغ الذي التزم بإدخاله إلى البلاد عندما تقدم بطلب الترخيص إلى الهيئة ومقداره 348 ألف دولار، وقد أكدت الهيئة على هذه المخالفة بكتابها إلى المالك في 23/ 10/ 1978. وكان من نتيجة التقرير الذي أعدته اللجنة - والمبنى على وقائع مضللة - أن عادت الهيئة وأبلغت المالك في 14/ 11/ 1978 بإلغاء قرار السحب.
وخلص المدعون إلى أنه لما كان مؤدى ذلك هو بطلان القرار الصادر من هيئة الاستثمار بإخضاع العمارتين المشار إليهما لنظام الاستثمار، فقد بادروا فور علمهم بقرار السحب بتظلم مطالبين بإلغاء هذا القرار استناداً إلى أن القرار الصادر بإخضاع العمارتين لنظام الاستثمار بني على الغش وإخفاء المعلومات ومن ثم فهو قرار معدوم لا يجوز أن يرتب مصلحة لمن صدر له أو أن يضر بالآخرين، وأن قرار سحبه الصادر في 27/ 4/ 1978 وقع سليماً قانوناً، وأن إلغاء السحب الذي تم بعد ذلك جاء بناء على معلومات وبيانات مضللة، ولذلك فإنه بدور قرار معدوم ولا يجوز أن يترتب عليه أثر. وأضاف المدعون أن قانون الاستثمار ولوائحه لا تجيز تغيير المراكز القانونية المستقرة فعلاً طبقاً لقوانين أخرى قائمة، وأنه في الحالة المعروضة تحدد مركز المالك بالترخيص الصادر له من الإسكان لينشئ مبناه طبقاً لقانون إيجار الأماكن، وقد نفذ المالك المبنى على هذا الأساس، كما ارتبط بالمستأجرين بعقود على نفس الأساس السابق لم يذكر فيها أي شيء عن خضوع العمارتين لأي قانون غير قانون تحديد الأجرة، وأن حصول المالك على موافقة هيئة الاستثمار جاء بناء على وقائع مزورة، وأن موافقة الهيئة سقطت تلقائياً لعدم تحقق شروطها، وأن العمارتين المشار إليهما لم تدخلا في نطاق تطبيق القانون رقم 43 لسنة 1974 ولا يستفيد مالكهما من أحكامه أضراراً بالمستأجرين الذين استقرت أوضاعهم القانونية طبقاً لقانون آخر.
وأفاد المدعون أن إدارة الشئون القانونية بالهيئة أعدت مذكرة في الموضوع بعد بحثه، ارتأت فيه أن قرار السحب واجب الإلغاء، وأنه يجب عرض الأمر على مجلس الإدارة لمجازاة الموظفين المتسببين في إلغاء السحب الذي تم في 27/ 4/ 1978، وعندما تظلم المالك أحيل الموضوع إلى المستشار القانوني للهيئة فانتهى إلى تأييد رأي إدارة الشئون القانونية، وأنهم - أي المدعين - استمروا في اتصالاتهم بالهيئة حيث استدعتهم مع المالك لمناقشة الموضوع، إلا أنه على الرغم من ذلك لم يتم البت فيه.
وانتهى المدعون إلى أنه لما كان هذا الموقف من جانب الهيئة يشكل قراراً سلبياً بالامتناع عن إصدار قرار من المتعين اتخاذه، وهو إلغاء قرار إخضاع العمارتين لقوانين الاستثمار، ولما كان في استمرار هذا القرار نتائج يتعذر تداركها، يتحصل أقلها في إعطاء المالك سلاحاً بتاراً في وجه المدعين بعدم خضوعهم للأجرة التي تم تحديدها طبقاً لقوانين إيجارات الأماكن وإعطائه الحق في تحديد أجرة الوحدات السكنية في العمارتين بإرادته الحرة دون التقيد بأحكام تلك القوانين، مما يؤثر على حقوقهم المكتسبة ويحرمهم من مزايا قوانين الإيجارات المتعاقبة، وهو الأمر الذي حدث فعلاً حيث قام المالك بتوجيه إنذارات إلى بعضهم مطالباً إياهم بزيادة الأجرة، لذلك فقد أقاموا دعواهم الماثلة بطلباتهم سالفة الذكر.
وقدم المالك - المدعى عليه الرابع في الدعوى - حافظة ضمت صورة من تقرير أحد المحاسبين القانونيين عن مراجعة مشروع إنشاء العمارتين موضوع الدعوى.
وقدم الحاضر عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة صورة من قرار رئيس قطاع المناطق الحرة بالهيئة رقم 9 لسنة 1980 لصادر في 3/ 6/ 1980 بناء على تكليف نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية بتشكيل لجنة لفحص مشروع إنشاء العمارتين ومعاينة وبحث ودراسة كافة ما يتعلق به من إجراءات ودراسات، وذلك لتحديد مكوناته الإنشائية المحلية منها والمستوردة ووسائلها وسائر التكاليف الاستثمارية والمصروفات العامة الممولة بنقد محلي أو محول من الخارج، وكذا التحقق من مدى التزام المشروع بالشروط الواردة بموافقة مجلس إدارة الهيئة.
كما أودع حافظة طويت على صور من أوراق ملف مشروع العمارتين، والمذكرة التي أعدتها اللجنة المشكلة بموجب القرار رقم 9 لسنة 1980 المشار إليه، ومذكرة إدارة الشئون القانونية بالهيئة، ومذكرة المستشار القانوني للهيئة بشأن الموضوع.
وقدم المدعون حافظة بمستنداتهم ومذكرة بدفاعهم رددوا فيها ما سبق ذكره بصحيفة الدعوى، وصمموا فيها على طلباتهم السابقة.
وبجلسة 28/ 10/ 1980 تقدمت السيدة/ حسنة علي أبو طالب - مستأجرة إحدى الشقق - بعريضة تدخل هجومي في الدعوى، طلبت في ختامها الحكم أصلياً - بوقف تنفيذ القرار الصادر من هيئة الاستثمار بتاريخ 14/ 11/ 1978 بإلغاء قرار سحب اعتمادها مشروع إقامة العمارتين موضوع التداعي (الصادر في 27/ 3/ 1977) وما يترتب على ذلك من آثار، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، واحتياطياً: بوقف تنفيذ وإلغاء القرار بالامتناع عن سحب القرار الساحب المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، ومن باب الاحتياط الكلي بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من هيئة الاستثمار بما يطلق يد المالك (المدعى عليه الأخير) في أن يتجاوز الأجرة المحددة في عقود الإيجار، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار المخالف لأحكام القانون.
وبجلسة 6/ 1/ 1981 قضت محكمة القضاء الإداري:
أولاً: بقبول طلب التدخل المقدم من السيدة/ حسنة علي أبو طالب خصماً منضماً للمدعين.
ثانياً: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها - فيما يختص بقبول طلب التدخل - على أن المتدخلة تطالب أصلياً: بذات طلبات المدعين في الدعوى، وتستند إلى ذات الأسس التي يستندون إليها، ومن ثم تتحقق مصلحتها وتنهض صفتها كمستأجرة لإحدى الشقق في الطعن على القرار، مما يتعين معه الحكم بقبول تدخلها.
واستندت المحكمة - فيما قضت به من وقف تنفيذ القرار المطعون فيه - إلى أن المادة الأولى من نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة الصادرة بالقانون رقم 43 لسنة 1974 - المعدل بالقانون رقم 32 لسنة 1977 تنص على أنه يقصد بالمشروع في تطبيق أحكام هذا القانون كل نشاط يدخل في أي من المجالات المقررة فيه ويوافق عليه مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار العربي والأجنبي والمناطق الحرة، وتقضي المادة (27) بأن تقدم طلبات الاستثمار إلى الهيئة ويوضح في الطلب المال المراد استثماره وطبيعته وسائر البيانات الأخرى التي من شأنها إيضاح كيان المشروع المقدم بشأنه الطلب، ولمجلس إدارة الهيئة سلطة الموافقة على طلبات الاستثمار التي تقدم إليه، وتسقط هذه الموافقة إذا لم يقم المستثمر باتخاذ خطوات جدية بتنفيذها خلال ستة أشهر من صدورها. والمستفاد من ذلك أن الأصل في مشروعات الاستثمار أن تتم ابتداء بموافقة من الهيئة المشار إليها، بحيث يجرى تنفيذها على أساس ما تتضمنه هذه الموافقة من شروط، وأن هذا الأمر كان مفهوماً وواضحاً في قرار الهيئة المؤرخ 27/ 3/ 1977 بالموافقة على الطلب المقدم من المدعى عليه الرابع (المالك) وذلك بالنص في صلب القرار على التزام المستثمر باتخاذ خطوات جدية خلال ستة أشهر من تاريخ صدور القرار يكون من بينها تقديم الرسومات النهائية للعمارتين للحصول على ترخيص البناء، وتقديم الفواتير المبدئية الخاصة بمستلزمات البناء من الخارج لاعتمادها. كما أن المستفاد من نص المادة (27) من القانون سقوط موافقة الهيئة إذا لم يقم المستثمر باتخاذ هذه الخطوات في الأجل المذكور.
وقالت المحكمة أن البادي من ظاهر الأوراق أن المدعى عليه الرابع كان قد حصل على تراخيص بناء العمارتين، وتعليتهما في تاريخ سابق على تقدمه بطلب الاستثمار، وأن العمل كان جارياً في إنشائهما قبل تقدمه بهذا الطلب، كما أنه استورد بعض ما يلزم لهما من الخارج بناء على موافقة سابقة من لجنة التيسيرات الاستيرادية بوزارة التجارة، وحصل على 360 طناً من الأسمنت المدعم اللازم للبناء من مكتب بيع الأسمنت، منها 170 طناً في عام 1975 طبقاً لما هو ثابت بالشهادتين المستخرجتين من منطقة الإسكان والتعمير بمحافظة الإسكندرية، بل أن حافظة المستندات المقدمة منه تؤكد هذا الأمر وتؤيده. كذلك فإن البادي أن المدعى عليه الرابع لم يقم بتنفيذ الشروط التي تضمنتها موافقة الهيئة على المشروع على نحو ما أفصحت عنه مذكرتا إدارة الشئون القانونية بالهيئة والمستشار القانوني لها وتقرير اللجنة المشكلة بقرار رئيس قطاع المناطق الحرة بالهيئة رقم 9 لسنة 1980م
وخلصت المحكمة مما تقدم إلى أمرين:
أولهما: أن القرار الصادر في 27/ 3/ 1977 بالموافقة على المشروع بني على وقائع وبيانات غير صحيحة، منها أن المباني لم يرخص بها بعد ولم يبدأ العمل فيها.
والثاني: أن القرار الصادر بسحب الموافقة أو بتقرير سقوطها هو قرار سليم يتفق وأحكام القانون، بل لا يعدو أن يكون تطبيقاً للمادة 27 آنفة الذكر، وبالبناء على ذلك ما كان يجوز إلغاء أو سحب هذا القرار السليم بقرار لاحق، وبالتالي يكون القرار الصادر من الهيئة بإلغاء السحب - وهو القرار المطعون فيه - قد جاء مخالفاً للقانون وتضمن إحياء لقرار ساقط، والساقط لا يعود، ومن ثم يكون ركن الجدية قد توافر في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه. أما عن ركن الاستعجال فإنه يبدو متوافراً بدوره لما يؤدي إليه الاستمرار في تنفيذ القرار من نتائج يتعذر تداركها، تتمثل في حرمان المدعين من الإفادة من قوانين تحديد أجرة المساكن وتهديدهم بالمطالبة بقيمة إيجارية حرة ينفرد المالك بتحديدها، وقد يعجزون عن الوفاء بها مما يلجئهم إلى التخلي عن مساكنهم، وفي ضوء ذلك يتعين - دون مساس بطلب الإلغاء وما يتعلق به من دفوع ويرد عليه من دفاع - الحكم بوقف تنفيذ هذا القرار.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على أساس أن هذا الحكم يخالف أحكام القانون، وذلك لما يأتي:
1 - الحكم المطعون فيه أهدر حجية أحكام قضائية صدرت لصالح الطاعن وحظيت بقوة الأمر المقضي، مما يتعين معه الالتزام بما قضت به، ومن هذه الأحكام:
( أ ) الحكم الصادر بجلسة 25/ 2/ 1979 في الجنحة المباشرة رقم 1176 لسنة 1978 جنح سيدي جابر، التي أقامها بعض المطعون ضدهم بدعوى أن الطاعن تقاضى منهم مبالغ إضافية خارج نطاق عقد الإيجار زيادة على التأمين والأجرة المنصوص عليها في العقد، وقد قضى في هذه الجنحة حضورياً ببراءة الطاعن من التهمة المسندة إليه تأسيساً على أن العمارتين اللتين أقامهما - محل النزاع - تخضعان لنظام استثمار المال العربي والأجنبي.
(ب) مذكرة شئون أمن الدولة في الجنحة رقم 160 لسنة 1977 أمن دولة سيدي جابر التي انتهت إلى إلغاء الحكم القاضي بإدانة الطاعن في هذه الجنحة، استناداً إلى أن الثابت من الأوراق أن مشروع إقامة العمارتين المذكورتين من مشروعات الاستثمار.
(جـ) الحكم الصادر بجلسة 26/ 6/ 1980 في الدعوى رقم 2420 لسنة 1979 مدني كلي الإسكندرية والدعاوى المنضمة إليها، المقامة من الطاعن والمطعون ضدهم بخصوص الطعن على قرار لجنة تقدير الإيجارات الصادر بشأن الوحدات السكنية بالعمارتين، حيث استند هذا الحكم فيما قضى به إلى أسباب حاصلها إخراج العمارتين من نطاق القوانين الخاصة بتحديد الأجرة عملاً بالمادة 19 من قانون الاستثمار. ولما كان من المستقر عليه فقهاً وقضاء أن الحجية تلحق بمنطوق الحكم وبأسبابه المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذا المنطوق، وكانت الأحكام المشار إليها قد قطعت في أن العمارتين محل النزاع - الصادر بشأنهما الحكم المطعون فيه - هما من مشروعات الاستثمار، فإنه يتعين على الحكم المطعون فيه أن ينزل عند قضاء تلك الأحكام وأن يتقيد بكل ما فصلت فيه.
2 - الحكم المطعون فيه استند إلى وقائع غير صحيحة على خلاف الحقيقة الثابتة في الأوراق، ذلك أن الإدارة العامة للإسكان بالإسكندرية هي جهة تلقي الرسومات، وقد قام الطاعن بتقديم الرسومات إلى تلك الجهة باعتبارها رسومات إنشاء مبان فوق المتوسط دون الحصول على مواد بناء مدعمة ويتم استيرادها من الخارج من خلال استخدام مدخراته، وأن الرسومات النهائية كانت معدة بالفعل عندما تقدم الطاعن بطلبه إلى الهيئة، وكان إعداد هذه الرسومات من دواعي التخطيطات المبدئية للمشروع، وقدمت إلى وكيل وزارة الإسكان بالإسكندرية ابتغاء طلب التصريح بإقامة مباني المشروع على أساس أنه استثماري ودون المطالبة بمواد تموينية مدعومة، وأنه لم تكن ثمة ضرورة أو مبرر للعرض على مجلس إدارة الهيئة لعدم وجود أية مخالفات أو عقبات تقتضي اللجوء إلى الهيئة.
أما بالنسبة إلى كتاب الهيئة المؤرخ في 27/ 4/ 1978 الذي أرسلته إلى الطاعن تفيده فيه بسقوط الموافقة السابقة، بمقولة عدم اتخاذه خطوات جدية لتنفيذ المشروع فإنه لا يصلح سبباً يحمل الحكم المطعون فيه عليه قضاءه، ذلك أن وكيل الطاعن بادر بالتظلم إلى الهيئة موضحاً أن الخطوات التنفيذية للمشروع اتخذت بصفة جدية، وقامت لجنة مشكلة من الهيئة بالتحقق من صحة ذلك، وصدر - بناء على ذلك - قرار بإلغاء قرار السحب.
3 - عول الحكم المطعون فيه على أن الطاعن حصل خلال شهر أكتوبر سنة 1976 على موافقة لجنة التيسيرات الاستيرادية بوزارة التجارة وأنه استصدر تراخيص بناء العمارتين من الإدارة العامة للمباني والتخطيط بمديرية الإسكان والمرافق بمحافظة الإسكندرية، وهذا الذي عول عليه الحكم ما هو إلا حقائق تساند دفاع الطاعن، ذلك أن الحصول على الموافقات المذكورة كان من دواعي التخطيط للمشروع على أساس أنه مشروع استثماري يتم تمويله بمال المستثمر ومدخراته، كما أن مواد البناء فيه مستوردة من الخارج، وكانت اللوائح تتطلب اللجوء إلى لجنة التيسيرات الاستيرادية لتسليم الطاعن الموافقات اللازمة لهذا الغرض كما أن استصدار تراخيص بناء العمارتين كان مجرد إجراءات تخطيطية سابقة على المشروع، وقد تمت على أساس أنه مشروع استثماري.
4 - ساير الحكم المطعون فيه المطعون ضدهم في زعمهم أن الطلب المقدم من الطاعن للحصول على موافقة الهيئة على المشروع قام على الغش ومخالفة الحقيقة، في حين أنه ليس في الأوراق المقدمة من الطاعن إلى الهيئة ورقة واحدة تثبت أن الطاعن دون واقعة على غير الحقيقة، كما أنه ليس ثمة واقعة مادية تكشف عن الغش وليس في نصوص القانون واللوائح وتعليمات الهيئة ما يلزم المستثمر بعدم التقدم بأي طلب موافقة لمشروع سبق التخطيط له من قبل.
5 - استند الحكم المطعون فيه إلى ما ورد في مذكرتي المستشار القانوني للهيئة وإدارة الشئون القانونية بها من أن المستثمر تقدم للهيئة بطلب الموافقة على المشروع سنة 1977 بعد أن كان قد حصل على تراخيص البناء سنة 1975 وقام بالبناء فعلاً، وأن المستلزمات المستوردة سنة 1976 سابقة على قرار الموافقة على المشروع وليست تنفيذاً له. وهذا القول مردود عليه بأن استصدار تراخيص البناء وشراء المستلزمات من الخارج كان مجرد تخطيط للمشروع، وأن العقد الرسمي لأرض المشروع تم تسجيله في مارس سنة 1976، وقد تضمن أن هذه الأرض فضاء لم تقم عليها أية مبان، أما فيما يتعلق بالقول بأن الطاعن استخدم كمية من الأسمنت المدعم، فإن غالبية مشروعات الهيئة صرفت وتصرف تباعاً الأسمنت وغيره من المواد المدعمة في المشروعات التي تم استصدار قرارات بالموافقة عليها سواء قبل أو بعد المشروع محل النزاع، وقد استخدم الطاعن كمية الأسمنت المدعم التي صرفت له في أجزاء المجسات اللازمة بالموقع وحفر الآبار، واستهلكت كل كمية في إصلاح التربة قبل البدء في المشروع كعمل وقائي لا يدخل في المتطلبات العادية للمشروع.
6 - استند الحكم المطعون فيه إلى ما خلصت إليه اللجنة المشكلة بالقرار رقم 9 لسنة 1980 في تقريرها من أن الجزء الأكبر من المشروع نفذ قبل صدور قرار موافقة الهيئة على المشروع، وأن هذا القرار بني على حقائق غير كاملة عن المشروع، وهذا الذي خلصت إليه اللجنة هو أمر مجهل لا سند له من الواقع، كما أن اللجنة خلصت في تقريرها إلى أن الطاعن لم يلتزم بتنفيذ شروط موافقة الهيئة ونصوص قانون الاستثمار، ولم تبين اللجنة الالتزامات التي لم يتم تنفيذها أو النصوص التي خالفها الطاعن، بل جاءت أقوالها مرسلة وعلى غير الحقيقة، كذلك فقد ضمنت اللجنة تقريرها واقة غير صحيحة هي أن الطاعن تعذر عليه إثبات أن الأموال النقدية المحولة من الخارج أنفقت لحساب المشروع وهذه الواقعة مردود عليها بالمستندات الرسمية القاطعة التي قدمها الطاعن والتي تتمثل في البيانات المعتمدة من محاسبين معتمدين مؤيدة بالإشعارات البنكية الرسمية والمبالغ المحولة من الخارج إلى البنوك المحلية والتي تزيد على ربع مليون دولار أمريكي بالإضافة إلى الأدوات والمواد والمعدات والأجهزة والخامات اللازمة للمشروع والمستوردة من الخارج والتي تزيد قيمتها على ربع مليون دولار، وليس في الأوراق ما يفيد بأن للطاعن مشروعاً آخر صرف عليه تلك الاستثمارات. أما ما ورد في تقرير اللجنة من أن شراء مستلزمات مواد البناء تم عن طريق وزارة التجارة سنة 1976 وهو تاريخ سابق على موافقة الهيئة على المشروع، فمردود عليه بأنه كان ضمن التخطيط للمشروع، حيث بدأ الطاعن في تخزين لوازم المشروع ما بين حصوله على تراخيص المباني (1975/ 1976) والموافقة على مشروعه الاستثماري سنة 1977، وتؤكد مذكرة المبادئ التي أقرها مجلس إدارة هيئة الاستثمار سنة 1977 موافقة الهيئة على المشروعات التي تكون قد اتخذت خطوات تنفيذية جدية قبل صدور القرار بالموافقة عليها، بل وتفضل هذه المشروعات على غيرها، وقد صدرت الموافقة للطاعن على مشروعه في ظل العمل بمذكرة المبادئ المشار إليها.
ومن حيث إن الطاعن قدم مذكرة بدفاعه، استعرض فيها نصوص القانون رقم 43 لسنة 1974 بنظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة - المعدل بالقانون رقم 32 لسنة 1977 - وخلص إلى أن مشروعات الإسكان هي من عداد المشروعات الاستثمارية وأن المقصود بها الاستثمارات في تشييد مبان جديدة أو شراء أرض فضاء بقصد البناء أو إعادة البناء، وأنه يعتبر مالاً مستثمراً النقد الأجنبي الحر المحول إلى مصر المستخدم في شراء أرض فضاء أو عليها مبان لتشييد عقارات عليها طبقاً لأحكام القانون سالف الذكر ولو كان شراؤها قبل الحصول على موافقة مجلس إدارة هيئة الاستثمار، وأن سلطة الموافقة على طلبات الاستثمار مقررة لمجلس إدارة هيئة الاستثمار، وسقوط هذه الموافقة رهين بعدم قيام المستثمر باتخاذ خطوات جدية بتنفيذها خلال ستة أشهر من صدورها ما لم يقرر المجلس تجديدها للمدة التي يراها. وقال الطاعن - في مذكراته - أن الطلب المقدم منه لم يتضمن غشاً أو بيانات غير صحيحة وأن مجرد سبق حصول الطاعن على ترخيص بناء العمارتين محل النزاع وبدء العمل بهما قبل الحصول على موافقة مجلس إدارة الهيئة لا يتناقض مع توافر الشروط المتطلبة لاعتبار المال المستثمر خاضعاً لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1974، فليس بلازم في مفهوم هذا القانون أن تكون إقامة المشروع لاحقة للموافقة، ولا ينال من كون المشروع استثماريا سبق استيراد أدوات من الخارج قبل الحصول على الموافقة، طالما أنها تم استيرادها بغير تحويل عملة وبموافقات مسبقة من جهات الاختصاص، كما أنه ليس بلازم أن يتضمن طلب المستثمر بيان ما إذا كان قد بدأ في تنفيذ مشروعه، ما دام أنه حدد في طلبه البيانات التي أوجب القانون تحديدها، وهي المال المراد استثماره وطبيعته وإيضاح كيان المشروع، وإذا كانت موافقة الهيئة على طلب الطاعن قد تضمنت اتخاذ خطوات تنفيذية جدية من جانبه، من بينها تقديم الرسومات النهائية للعمارتين للحصول على ترخيص البناء وتقديم الفواتير المبدئية الخاصة بمستلزمات البناء، فإن هذا لا يعني أكثر مما استلزمه القانون، وهو اشتراط اتخاذ خطوات جدية لتنفيذ المشروع، ولا يتنافى مع ذلك سبق الحصول على ترخيص البناء أو عدم تقديم الرسومات النهائية أو الفواتير المبدئية بمستلزمات البناء، وما دامت الجدية في التنفيذ قائمة وثابتة فليس ثمة مخالفة لموافقة الهيئة تقتضي إسقاط هذه الموافقة، وبالتالي يكون قرار الهيئة بإسقاط الموافقة مشوباً بعيب مخالفة القانون حقيقاً بالسحب، ولذلك بناء على ما انتهت إليه اللجنة التي قامت بمعاينة المشروع في تقريرها المؤرخ في 7/ 11/ 1978 فقد وافق الوزير في 14/ 11/ 1978 على إلغاء قرار سحب (إسقاط) الموافقة، بعد ما تبين أن المشرع اتخذ خطوات تنفيذية جدية، وقرار الوزير في هذا الشأن يتفق وصحيح حكم القانون، وقد جاء مؤكداً صحة موافقة الهيئة على المشروع في 27/ 3/ 1977.
وانتهى الطاعن إلى أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن القرار الصادر في 27/ 3/ 1977 بالموافقة على المشروع بني على وقائع وبيانات غير صحيحة وأن القرار الصادر بسحب الموافقة أو بتقرير سقوطها قرار سليم، وأن قرار الهيئة بإلغائه - وهو القرار المطعون فيه - جاء مخالفاً للقانون، هذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه يخالف صحيح حكم القانون، ومن ثم لا يتوافر في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ركن الجدية كما أن ركن الاستعجال في هذا الطلب غير متوافر، إذ ليس ثمة نتائج يتعذر تداركها فالمستأجرون جميعهم من الشخصيات القادرة، ولا محل لتهديدهم بالمطالبة بقيمة إيجارية حرة ينفرد بها الطاعن، وقد أقاموا دعاوى لتحديد الأجرة لم يفصل فيها بعد، ويقومون بسداد القيمة الإيجارية التي حددتها لجان تقدير الإيجارات المطعون عليها من الطاعن، وهي تقل عن القيمة الإيجارية المحددة بعقود الإيجار. وصمم الطاعن في ختام مذكرته على طلباته المحددة في تقرير الطعن.
وقدم الطاعن حافظة مستندات طويت على بعض الإخطارات بإيداع قيمة إيجار الشقق التي يستأجرها المطعون ضدهم بقسم الإيرادات - بحي شرق الإسكندرية - وذلك لإيضاح أنهم يقومون بسداد الأجرة المحددة بقرارات لجان تحديد الأجرة التي تقل كثيراً عن الأجرة المتعاقد عليها، وللتدليل على أنه ليس ثمة نتائج يتعذر تداركها من تنفيذ القرار المطعون فيه، وبالتالي تخلف ركن الاستعجال.
ومن حيث إن المطعون ضدهم الثاني والسادس والسابعة قدموا مذكرتين أحالوا فيها إلى المذكرات السابق تقديمها في الدعوى، وأكدوا موافقتهم على ما انتهى إليه التقرير المقدم في الطعن من هيئة مفوضي الدولة للأسباب والأسانيد القانونية الواردة به، وصمموا على طلباتهم.
ومن حيث إنه يبين من استقراء الأوراق التي تتضمنها حوافظ المستندات المودعة ملف الدعوى، أنه بتاريخ 23/ 1/ 1977 تقدم الدكتور مهندس/ أحمد محمد أبو شادي (الطاعن) بطلب إلى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة للموافقة على مشروع إنشاء عمارتين سكنيتين (إسكان فوق المتوسط) بمنطقة جليم الإسكندرية، وقد ورد في بيانات إنشاء المشروع - المدونة بمعرفته - أن المدة المقترحة لتنفيذ المشروع 12 شهراً، وأن التاريخ المقترح لبدأ التنفيذ هو فور الموافقة، وفي 27/ 3/ 1977 أصدر مجلس إدارة الهيئة قراراً بالموافقة على طلب الاستثمار المقدم من الطاعن، ونص هذا القرار على أن تتخذ خطوات تنفيذية جدية من جانب المستثمر خلال ستة أشهر من تاريخ صدور هذا القرار، على أن يكون من تلك الخطوات تقديم الرسومات النهائية للعمارتين للحصول على ترخيص البناء، وتقديم الفواتير المبدئية الخاصة بمستلزمات البناء اللازمة للعمارتين من الخارج لاعتمادها، كما نص القرار المذكور على أن تعتبر هذه الموافقة خاصة ويتعين إعادة العرض على المجلس في أية مخالفة أو عدم استيفاء أي بند من بنوده. ونظراً إلى أن المستثمر (الطاعن) لم يقم بإخطار الهيئة باتخاذ أية خطوات تنفيذية جدية لتنفيذ المشروع وفقاً لشروط الموافقة فقد أخطرته الهيئة بكتابها المؤرخ في 27/ 4/ 1978 بأن الموافقة على المشروع قد سقطت فتظلم وكيل الطاعن من قرار إسقاط الموافقة وطلب إلغاءه استناداً إلى أن الخطوات التنفيذية لأعمال البناء تمت، وأن جميع المواد المستوردة من الخارج تم استيرادها وأقيمت بها المباني، وأن غالبية السكان أقاموا في الشقق، وبناء على ذلك قامت لجنة من الهيئة بإجراء معاينة ميدانية للمشروع، وقدمت تقريراً انتهت فيه إلى أن المستثمر اتخذ خطوات جدية في تنفيذ المشروع، وأن نسبة ما تم إنجازه من الأعمال في العمارة الأولى 80% وفي العمارة الثانية 90%، وأنه في 16/ 2/ 1975، 18/ 3/ 1975 استصدر المستثمر تراخيص بناء العمارتين من الإدارة العامة للمباني والتخطيط بمديرية الإسكان والمرافق بمحافظة الإسكندرية، وأنه حصل في 2، 3/ 10/ 1976 على موافقات استيرادية من لجنة التيسيرات الاستيرادية بوزارة التجارة. وبناء على هذا التقرير وتأشيرة رئيس قطاع الاستثمار بالهيئة وافق وزير الدولة للتعاون الاقتصادي في 14/ 11/ 1978 على إلغاء قرار سحب الموافقة على المشروع وأبلغ الطاعن بذلك في ذات التاريخ للإحاطة ولموافاة الهيئة بما يتخذ من خطوات تنفيذية أولاً بأول.
وقد تظلم المطعون ضدهم - بصفتهم مستأجري بعض شقق العمارتين - من إلغاء قرار سحب موافقة الهيئة على المشروع استناداً إلى أن الطاعن تقدم بطلب الموافقة على مشروع إنشاء العمارتين إلى هيئة الاستثمار بعد الحصول على تراخيص البناء وإقامة المباني فعلاً، وأنه لذلك تكون موافقة الهيئة على المشروع صدرت بناء على غش وبيانات مخالفة للحقيقة من جانب الطاعن، وأحيل الموضوع إلى إدارة الشئون القانونية بالهيئة التي ارتأت في مذكرتها المؤرخة في 18/ 10/ 1979 أن المستثمر (الطاعن) أخفى عن الهيئة حقيقة أن العمارتين كان قد رخص بهما بالفعل - وفقاً لأحكام قانون إيجار الأماكن - وشرع في إقامتهما قبل صدور قرار الهيئة بالموافقة على المشروع، وأنه حصل على الموافقات الاستيرادية للمستلزمات السلعية للعمارتين سنة 1976 أي قبل صدور الموافقة أيضاً، وأنه تسلم 360 طناً من الأسمنت المدعم على تراخيص البناء السابق صدورها، وهو ما يقصر استخدامه على المشروعات الخارجة عن نطاق قانون الاستثمار، وقد صدرت موافقة الهيئة على المشروع على أساس تلك المعلومات غير الصحيحة، كما أن المستثمر لم يواف الهيئة ببيان الخطوات التنفيذية للمشروع ولم يقدم المستندات الدالة على استيراد الأدوات والمهمات وكيفية الإفراج عنها، وأنه لذلك فإن قرار سحب الموافقة كان صحيحاً، وأن اللجنة التي قامت بالمعاينة الميدانية جانبها الصواب فيما انتهت إليه من التوصية بإلغاء قرار سحب الموافقة على المشروع، إذ اعتبرت أن ما تم إنجازه من الأعمال الإنشائية والتشطيبات عملاً تنفيذياً، على الرغم من أنه تبين لها أن تراخيص البناء صدرت في تاريخ سابق على تاريخ الموافقة على المشروع، وأنه تم استيراد المستلزمات السلعية اللازمة للمشروع بموجب موافقات استيرادية من لجنة التيسيرات الاستيرادية بوزارة التجارة، وأنه لذلك فإن موافقة الهيئة على إلغاء قرار سحب الموافقة على المشروع بنيت على توصية جانبها الصواب. ونتيجة لذلك أحال الوزير عضوي لجنة المعاينة إلى التحقيق الإداري، وقدم المستشار القانوني للهيئة في 6/ 1/ 1980 مذكرة بالرأي القانوني في الموضوع، أبرز فيها أن المستثمر تقدم إلى الهيئة بطلب إقامة المشروع باعتباره مشروعاً جديداً، وتبين أنه كان قد نفذ منه الكثير، وأنه لم يمد الهيئة بالبيانات اللازمة التي من شأنها إيضاح كيان المشروع ولم يلتزم بالشروط التي حصلت الموافقة بناء عليها، فلم يقدم الرسومات النهائية للمشروع للحصول على تراخيص البناء، بل حصل على هذه التراخيص وجزء من مواد البناء قبل تاريخ الموافقة، دون أن يحيط الهيئة علماً بذلك، كما أنه لم يواف الهيئة بتقرير متابعة كل ستة أشهر متضمناً ما اتخذه من إجراءات تنفيذية حيال المشروع رغم تكرار الهيئة مطالبته بموافاتها بهذا التقرير، وانتهى المستشار القانوني للهيئة - في مذكرته - إلى أنه يرى مساءلة عضوي اللجنة المذكورة تأديبياً، وأنه من الملائم إرجاء البت في موضوع إسقاط الموافقة على المشروع ريثما يتم الفصل في الدعاوى المقامة أمام القضاء في شأن هذا الموضوع. وبتاريخ 17/ 4/ 1980 وجه وزير الدولة للتعاون الاقتصادي كتاباً إلى رئيس قطاع الاستثمار بالهيئة بتجميد كافة ما يتعلق بهذا المشروع من قرارات وإجراءات.
وبناء على تكليف نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية، أصدر رئيس قطاع المناطق الحرة بالهيئة العامة للاستثمار في 3/ 6/ 1980 القرار رقم 9 لسنة 1980 بتشكيل لجنة برئاسته وعضوية بعض العاملين بالهيئة وممثل عن كل من مديرية الإسكان بمحافظة الإسكندرية ومصلحة الجمارك، لمعاينة وفحص كافة ما يتعلق بالمشروع من إجراءات وقرارات لتحديد مكوناته الإنشائية المحلية والمستوردة ووسائلها وسائر التكاليف الاستثمارية والمصروفات العامة الممولة بنقد محلي أو محول من الخارج والتحقق من مدى التزام المشروع بالشروط الواردة بموافقة مجلس إدارة الهيئة، وبعد أن انتهت اللجنة من عملها قدمت تقريراً خلصت فيه إلى ما يأتي:
1 - أن الجزء الأكبر من المشروع نفذ بالفعل قبل صدور قرار موافقة الهيئة، ولذلك فإن مديرية الإسكان بمحافظة الجيزة تصر على خضوع المشروع لقوانين الإسكان.
2 - أن قرار الهيئة بالموافقة على المشروع بني على حقائق غير كاملة عن المشروع.
3 - عدم التزام المشروع بتنفيذ شروط موافقة الهيئة ونصوص قانون الاستثمار.
4 - أن إسقاط الموافقة على المشروع في 27/ 4/ 1978 كان إجراء سليماً ومتبعاً في ذلك الوقت.
5 - أن قرار إعادة سريان الموافقة على المشروع بني أيضاً على حقائق غير كاملة عن موقف المشروع وأسلوب تنفيذه وإجراءات الإسكان بشأنه وعدم التزامه بشروط موافقة الهيئة.
6 - تعذر على المالك إثبات أن الأموال النقدية المحولة من الخارج قد أنفقت لحساب المشروع، وبالتالي فهي ليست مالاً مستثمراً.
7 - أن استيراد مستلزمات البناء تم عن طريق وزارة التجارة سنة 1976 وهو تاريخ سابق على موافقة الهيئة على المشروع.
8 - انتفت عناصر مقارنة المشروع بالمشروعات التي وافقت عليها الهيئة والتي سبق لها اتخاذ خطوات تنفيذية، والحالة الوحيدة المشابهة سحبت الهيئة موافقتها عليها بعد أن تبين لها حصول المشروع على تصريح بناء سابق من وزارة الإسكان.
ومن حيث إن المادة (1) من نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة الصادرة بالقانون رقم 43 لسنة 1974 - المعدل بالقانون رقم 32 لسنة 1977 - تنص على أنه "يقصد بالمشروع في تطبيق أحكام هذا القانون كل نشاط يدخل في أي من المجالات المقررة فيه ووافق عليه مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة". وتنص المادة (3) على أن "يكون استثمار المال العربي والأجنبي في جمهورية مصر العربية.... في المجالات الآتية:...........
3 - مشروعات الإسكان ومشروعات الامتداد العمراني، ويقصد بها الاستثمارات في تقسيم الأراضي وتشييد مبان جديدة وإقامة المرافق المتعلقة بها. ولا يعتبر شراء مبنى قائم فعلاً أو أرض فضاء مشروعاً في مفهوم أحكام هذا القانون إلا إذا كان ذلك بقصد البناء أو إعادة البناء..". وتنص المادة (27) على أن "تقدم طلبات الاستثمار إلى الهيئة ويوضح في الطلب المال المراد استثماره وطبيعته وسائر البيانات الأخرى التي من شأنها إيضاح كيان المشروع المقدم بشأنه الطلب. ولمجلس إدارة الهيئة سلطة الموافقة على طلبات الاستثمار التي تقدم إليه، وتسقط هذه الموافقة إذا لم يقم المستثمر باتخاذ خطوات جدية بتنفيذها خلال ستة أشهر من صدورها ما لم يقرر المجلس تجديدها للمدة التي يراها".
ومن حيث إن المستفاد من النصوص سالفة الذكر أنه يتعين لاعتبار المشروع من مشروعات الاستثمار الخاضعة لأحكام قانون نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة، أن يوافق عليه - ابتداء - مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بحيث يجرى تنفيذ المشروع على أساس ما تتضمنه هذه الموافقة من شروط، ويقضي ذلك - بالضرورة - أن يكون البدء في تنفيذ المشروع تالياً لصدور الموافقة وطبقاً لشروطها. ويبدو ذلك واضحاً من قرار الهيئة الصادر في 27/ 3/ 1977 بالموافقة على الطلب المقدم لها من الطاعن بشأن مشروع إنشاء العمارتين المشار إليهما، فقد قضى بالتزام المستثمر (الطاعن) باتخاذ خطوات تنفيذية جدية خلال ستة أشهر من تاريخ صدوره، يكون من بينها تقديم الرسومات النهائية للعمارتين للحصول على ترخيص البناء، وتقديم الفواتير المبدئية الخاصة بمستلزمات البناء اللازمة للعمارتين من الخارج لاعتمادها، إذ أن لازم مفهوم ذلك هو أن اتخاذ الخطوات التنفيذية الجدية المنوه عنها يتم بعد الموافقة على المشروع تنفيذاً لهذه الموافقة.
ومن حيث إنه بحسب الظاهر من الأوراق وبالقدر اللازم للفصل في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإن الطاعن كان قد حصل على تراخيص بناء العمارتين وتعليتهما في عامي 1975، 1976، واستورد بعض مستلزمات البناء بموجب موافقات استيرادية من لجنة التيسيرات الاستيرادية بوزارة التجارة خلال عام 1976، وتسلم 360 طناً من الأسمنت المدعم من مكتب بيع الأسمنت منها 170 طناً في عام 1975، وقام بتأجير بعض شقق العمارتين خلال عام 1976 بموجب عقود إيجار مبرمة وفقاً لأحكام قانون إيجار الأماكن، والبادي كذلك من الوقائع أنه كان قد شرع فعلاً في إقامة مباني العمارتين وأنجز جزءاً منهما قبل بداية عام 1977، ثم تقدم - بعد ذلك كله - في 23/ 1/ 1977 بطلب إلى هيئة الاستثمار للموافقة على مشروع إنشاء العمارتين المذكورتين، وفقاً لبيانات يفهم منها أن هذا المشروع جديد لم يخرج إلى حيز التنفيذ الفعلي، وصدر قرار الهيئة بالموافقة على المشروع في 27/ 3/ 1977 وذلك استناداً إلى تلك البيانات التي دونها الطاعن والتي لم يكن من شأنها الإيضاح والتبصير بكيان المشروع المقدم عنه الطلب، بإبراز كل ما يتعلق به من ظروف وملابسات أهمها سبق الحصول على تراخيص البناء من مديرية الإسكان والمرافق بمحافظة الإسكندرية، واستيراد مستلزمات البناء بالموافقات السابق صدورها من لجنة التيسيرات الاستيرادية بوزارة التجارة، وتسلم كميات الأسمنت المدعم، والبدء في إقامة المباني، وإبرام عقود الإيجار الخاصة ببعض الشقق. ولذلك فإن قرار الهيئة الصادر في 27/ 3/ 1977 بالموافقة على المشروع يكون قد بني على بيانات ومعلومات غير صحيحة ولا تعبر عن حقيقة الأمر الواقع. هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يقم بتنفيذ الشروط التي تضمنتها موافقة الهيئة، ومنها تقديم الرسومات النهائية للعمارتين للحصول على ترخيص البناء والفواتير المبدئية الخاصة بمستلزمات البناء من الخارج لاعتمادها، وما كان ليتسنى له أن يقوم بذلك لسبق حصوله على تراخيص البناء واستيراد مستلزمات البناء قبل تقدمه بطلب الموافقة على المشروع وصدور قرار الهيئة بالموافقة، ولم تكن الإجراءات التي اتخذها الطاعن في هذا الخصوص تنفيذاً لقرار الموافقة، لأمر الذي كان من شأنه سقوط هذه الموافقة طبقاً لنص المادة (27) من قانون نظام الاستثمار المشار إليه، وبالتالي فإن القرار الصادر في 27/ 4/ 1978 بسحب موافقة الهيئة على المشروع - أو بتقرير سقوط هذه الموافقة - هو قرار سليم يتفق وأحكام القانون، ويكون القرار الصادر في 14/ 11/ 1978 بإلغاء قرار سحب الموافقة - وهو القرار المطعون فيه - قد جاء مخالفاً للقانون، الأمر الذي يرجح معه الحكم بإلغائه عند الفصل في موضوع الدعوى، ومن ثم فإن ركن الجدية قد توافر في طلب وقف تنفيذ هذا القرار.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ركن الاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإن البادي من الأوراق أنه متوافر أيضاً، ذلك أن الاستمرار في تنفيذ القرار المطعون فيه يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى في موضوع الدعوى بإلغاء هذا القرار، إذ أنه طبقاً لنص المادة (19) من قانون نظام استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة المشار إليه، لا تخضع مباني الإسكان فوق المتوسط المنشأة وفقاً لأحكام هذا القانون لنظام تحديد القيمة الإيجارية المنصوص عليها في القوانين الخاصة بإيجارات الأماكن، ومقتضى ذلك أنه يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه إخراج العمارتين المذكورتين - بوصفهما عمارتين استثماريتين - من نطاق قوانين إيجارات الأماكن، وانفراد المالك (الطاعن) بإرادته الحرة الطليقة من كل قيد في تقدير القيمة الإيجارية التي يراها محققة لمصلحته الشخصية، دون نظر إلى وضع وظروف المستأجرين (المطعون ضدهم) الذين تعاقدوا معه على أساس قيمة إيجارية محددة سلفاً وقابلة للتخفيض وفقاً لقرارات لجنة تقدير الإيجار، الأمر الذي قد يحملهم بما ينوء عنه كاهلهم، فضلاً عما قد يطالبهم به الطاعن من مبالغ إضافية زيادة عن القيمة الإيجارية ودون سند من قوانين إيجارات الأماكن، وغير ذلك مما يترتب على الإخلال بجوهر العلاقة الإيجارية التي تربط المؤجر بالمستأجرين.
ومن حيث إنه لذلك يكون قد توافر في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ركنا الجدية والاستعجال، الأمر الذي يتعين معه الحكم بوقف تنفيذ هذا القرار، ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه استناداً إلى الأسباب سالفة الذكر فإنه يكون قد جاء متفقاً مع أحكام القانون.
ومن حيث إنه لا وجه لما ورد بتقرير الطعن من أن الحكم المطعون فيه أهدر حجية أحكام قضائية سابقة صدرت لصالح الطاعن وحظيت بقوة الأمر المقضي، ذلك أن الأحكام التي أشار إليها الطاعن - وهي إما جنائية أو مدنية - استندت في أسبابها إلى وجود قرار صادر من هيئة الاستثمار بالموافقة على مشروع إنشاء العمارتين المذكورتين باعتباره مشروعاً استثماريا يخضع لقانون نظام استثمار المال العربي والأجنبي، دون أن تتعرض تلك الأحكام لمدى مشروعية هذا القرار، وما كان ينبغي لها أن تتعرض لذلك، لخروجه عن نطاق الاختصاص الولائي للمحاكم الجنائية والمدنية، ومن ثم فإن حجية تلك الأحكام فيما فصلت فيه من مسائل تدخل في نطاق الاختصاص الولائي للمحاكم العادية، ولا تحوز قوة الأمر المقضي فيما يتعلق بمشروعية قرار الهيئة المشار إليه، والتي يختص القضاء الإداري وحده بالفصل فيها، وعلى ذلك فإنه لم يك من المتعين على الحكم المطعون فيه أن يتقيد بما فصلت فيه الأحكام المذكورة على نحو ما ورد بتقرير الطعن.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما جاء بتقرير الطعن من أن الحكم المطعون فيه استند إلى وقائع غير صحيحة على خلاف الحقيقة الثابتة في الأوراق، فإن حقيقة الأمر أن الحكم المطعون فيه استخلص وقائع المنازعة من واقع الأوراق التي تتضمنها حوافظ المستندات المودعة ملف الدعوى والمقدمة من الطاعن والمطعون ضدهم وهيئة الاستثمار، وليس في هذه الأوراق ما يثبت إدعاء الطاعن بأنه قدم طلب الترخيص بإقامة مباني المشروع إلى وكيل وزارة الإسكان بالإسكندرية على أساس أنه مشروع استثماري ودون المطالبة بمواد تموينية مدعومة، بل أن الثابت من صورة الشهادة الصادرة من رئيس اللجنة الدائمة للإشراف على لجان تحديد القيمة الإيجارية في 21/ 4/ 1979، أن المالك لم يذكر في طلب الحصول على تراخيص المباني أرقام 601، 602 سنة 1975، 81، 82 سنة 1976 الخاصة بالعمارتين أنهما تخضعان للقانون رقم 43 لسنة 1974، وأنه بفحص الرخص الصادرة للمالك ومراجعة مكتب بيع الأسمنت تبين أنه تسلم 360 طناً من الأسمنت المدعم على التراخيص الأربعة، وأنه لذلك فإن اللجنة الدائمة المذكورة قررت بجلسة 31/ 1/ 1979 قيام لجنة تحديد القيمة الإيجارية المختصة لتحديد أجرة هاتين العمارتين وعدم خضوعهما للقانون رقم 43 لسنة 1974م.
ومن حيث إنه لا وجه للقول بأن حصول الطاعن على تراخيص بناء العمارتين واستيراد مستلزمات البناء بموجب موافقات لجنة التيسيرات الاستيرادية بوزارة التجارة كان من قبيل الإجراءات التخطيطية السابقة على المشروع، وأن هذه الإجراءات تمت على أساس أنه مشروع استثماري، ذلك أن ظاهر الأوراق لا يفصح عن اتجاه نية الطاعن - في بادئ الأمر - إلى التخطيط لمشروع استثماري، بل إن اتخاذ إجراءات الحصول على تراخيص البناء واستيراد مستلزمات البناء وما عاصر ذلك واتبعه من صرف كميات الأسمنت المدعم والبدء في إقامة مباني العمارتين وتأجير بعض وحداتهما، وذلك قبل أن يتقدم الطاعن إلى الهيئة بطلب الموافقة على مشروع هاتين العمارتين - بصفته مشروعاً استثمارياً - وصدور الموافقة، كل ذلك ينبئ عن أنه لم يكن ثمة تخطيط لمشروع استثماري، وإنما نشأت فكرة هذا المشروع في وقت متأخر بعد أن سار الطاعن شوطاً بعيداً في الإجراءات التنفيذية العادية لإقامة مباني العمارتين، مما يخرج بهذا الأمر من مجرد الإجراءات التخطيطية إلى حيز التنفيذ الفعلي، ولو كان الأمر غير ذلك لأوضح الطاعن في طلب الموافقة على المشروع وفي البيانات الخاصة به - والمدونة بمعرفته - سبق تخطيطه لهذا المشروع بحصوله على تراخيص المباني واستيراد مستلزمات البناء من الخارج وغير ذلك من الإجراءات التي كان قد اتخذها قبل أن يتقدم بطلبه، حتى تكون الهيئة على بينة من الأمر قبل أن تصدر موافقتها، وإنما حرص الطاعن على إخفاء تلك الحقائق حتى لا تكون مثاراً للبحث في الهيئة مما قد يؤدي إلى رفض طلبه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالنتائج التي خلص إليها كل من مذكرتي إدارة الشئون القانونية بالهيئة والمستشار القانوني لها وتقرير اللجنة المشكلة بالقرار رقم 9 لسنة 1980، والتي استند إليها الحكم المطعون فيه، فإنها مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في الأوراق ولا مطعن عليها وقد استند إليها الحكم المطعون فيه بالقدر اللازم للفصل في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وهو في ذلك قد أصاب وجه الحق.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما أشار إليه الطعن - للتدليل على أن مباني العمارتين لم تكن قد أقيمت قبل تقديم طلب الموافقة على المشروع - من أن عقد شراء الأرض التي أقيمت عليها المباني تم تسجيله في مارس سنة 1976 وتضمن أن هذه الأرض فضاء لم تقم عليها أية مبان، فإنه مع التسليم بصحة البيانات التي تضمنها العقد المسجل في هذا الخصوص، فإن تسجيله تم في مارس سنة 1976 وقدم طلب الموافقة على المشروع في 23/ 1/ 1977 وصدرت الموافقة في 27/ 3/ 1977، وهو فاصل زمني كاف بذاته للبدء في إقامة المباني وإنجاز جزء منها ليس بالقليل.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما يدعيه الطاعن من أن كمية الأسمنت المدعم التي صرفت له - وقدرها 360 طناً - استهلكت في إصلاح عيوب التربة قبل البدء في المشروع، فإنه بفرض التسليم جدلاً بذلك، فإن تلك الكمية تكون قد أدخلت بالفعل في متطلبات تنفيذ المشروع، باعتبار أن الأرض عنصر أساسي من العناصر الداخلة في تقدير رأس المال المشروع.
ومن حيث إنه فيما يختص بالاعتراض على ما جاء في تقرير اللجنة المشكلة بالقرار رقم 9 لسنة 1980 من عدم التزام الطاعن بتنفيذ شروط موافقة الهيئة ونصوص قانون الاستثمار، بمقولة أن اللجنة لم تبين الالتزامات التي لم يتم تنفيذها أو النصوص التي خالفها الطاعن، فقد سبق إيضاح أن الطاعن لم يقدم إلى الهيئة أياً من المستندات المنصوص عليها في شروط الموافقة، وأهمها الرسومات النهائية للعمارتين والفواتير المبدئية الخاصة بمستلزمات البناء، وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ الموافقة على المشروع، وأنه لذلك يعتبر أنه لم يقم باتخاذ خطوات جدية تنفيذاً لهذه الموافقة خلال تلك المدة، الأمر الذي ترتب عليه سقوط الموافقة طبقاً لنص المادة (27) من قانون نظام استثمار المال العربي والأجنبي.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما يقوله الطاعن من أن الأموال النقدية المحولة من الخارج أنفقت لحساب المشروع، وأنه ليس في الأوراق ما يفيد أن للطاعن مشروعاً آخر صرف عليه تلك الأموال، فالواقع أن الطاعن لم يثبت أن الأموال النقدية المحولة عن طريق البنوك قد أنفقت بالفعل لحساب مشروع العمارتين، وليس في تقرير مراقب الحسابات عن مراجعة هذا المشروع - والمرفق بمستندات الدعوى - ما يفيد ذلك، ولم يتضح من هذا التقرير كيفية استخدام الأموال المذكورة، فضلاً عن أن الثابت بهذا التقرير أن هناك مبالغ تم تحويلها خلال أعوام 1974، 1975، 1976، أي في تواريخ سابقة بكثير على تاريخ الموافقة على المشروع.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما ورد في الطعن من موافقة هيئة الاستثمار على المشروعات التي تكون قد اتخذت خطوات تنفيذية جدية قبل صدور القرار بالموافقة عليها، فقد أوضح تقرير اللجنة المشكلة بالقرار رقم 9 لسنة 1980 سالف الذكر أن هناك حالات وافقت الهيئة عليها وكان قد سبق لها اتخاذ إجراءات تنفيذية، غير أن تلك الحالات تختلف اختلافاً جوهرياً إذا قورنت بالحالة الماثلة، فهي عبارة عن مشروعات لها طبيعة خاصة بالنسبة إلى الاقتصاد القومي أو ضخامة تمويلها أو حاجتها إلى خبرة أجنبية وتتصل بمجالات استصلاح الأراضي أو السياحة أو الأمن الغذائي وليست من بينها مشروعات إسكان، وأن الحالة الوحيدة المشابهة للحالة الماثلة كانت عبارة عن مشروع إسكان إداري وافقت الهيئة عليه ثم تبين لها أنه حصل على تراخيص بناء من وزارة الإسكان قبل الموافقة، فأصدر مجلس إدارة الهيئة قراراً بسحب الموافقة السابقة. ووفقاً لما أوضحه تقرير اللجنة المذكورة - وهو ما تعتد به هذه المحكمة - فإنه لا توجد حالات سابقة مماثلة وافقت عليها هيئة الاستثمار بعد أن كانت قد اتخذت خطوات تنفيذية جدية، على نحو ما تم في خصوص هذه الحالة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما يدعيه الطاعن من أن ركن الاستعجال في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه غير متوافر، تأسيساً على أن المطعون ضدهم من الشخصيات القادرة وأنه لا محل لتهديدهم بالمطالبة بقيمة إيجارية حرة ينفرد بها الطاعن وأنهم يقومون حالياً بسداد القيمة الإيجارية التي حددتها لجان تقدير الإيجار، فإنه فضلاً عما سبق ذكره في خصوص توافر ركن الاستعجال، فإنه يبين من الأوراق أن ثمة دعاوى معروضة أمام القضاء المدني فيما يختص بقرارات لجان تقدير الإيجار الصادرة بشأن العمارتين محل النزاع، ويترتب على الحكم في هذه الدعاوى لصالح الطاعن استناداً إلى وجود القرار المطعون فيه خروج العمارتين من نطاق قوانين إيجارات الأماكن وانفراد الطاعن - تبعاً لذلك - بتحديد القيمة الإيجارية وفقاً لما يراه محققاً لمصلحته، مع ما قد يترتب على ذلك من أضرار غير محدودة المدى تصيب المطعون ضدهم، وهو أمر محقق حدوثه في أي وقت طالما بقى القرار المطعون فيه قائماً وقابلاً للتنفيذ.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعاً فإن الحكم المطعون فيه - إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لتوافر ركني الجدية والاستعجال في طلب وقف التنفيذ - يكون قد أصاب صحيح حكم القانون ومن ثم يكون الطعن عليه للأسباب المشار إليها غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك رفض هذا الطعن وإلزام الطاعن المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.