مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1289

(189)
جلسة 11 من يونيه سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد محمد عبد المجيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نصحي بولس فارس وعبد الرؤوف محمد محيي الدين وعبد اللطيف أحمد أبو الخير ومحمد محمود البيار - المستشارين.

الطعن رقم 305 لسنة 29 القضائية

تعويض - تجنيد - قرار التجنيد الخاطئ.
التجنيد فرض على كل مصري بما للوطن من حقوق على كل مواطن تقتضي بذل الروح والمال في سبيل وطنه وتقدم ضريبة من وقته وكده تعادل ما يقدمه له الوطن من أمن وخدمات - التجنيد في ذاته لا يفوت على المجند كسباً يبرر طلبه التعويض - يستوي في ذلك أن يكون قد جند لائقاً للخدمة طبيباً أو غير لائق لاتحاد العلة وهى أن كلاً منهما قد شرف بالخدمة العسكرية وأدى بعض حق الوطن عليه - الأثر المترتب على ذلك: انتفاء ركن الضرر في دعوى المسئولية طالما كان طلب التعويض قائماً على مجرد المطالبة بما فات المجند من كسب بسبب تجنيده رغم عدم لياقته طبياً للخدمة شأنه في ذلك شأن من جند وكان لائقاً طبياً - إذا لحق بالمجند ضرر من جراء تجنيده الخاطئ وهو غير لائق طبياً بأن ترتب على هذا التجنيد أن تضاعفت عاهته فإن له المطالبة بالتعويض عن أضرار نتجت عن تدهور حالته الصحية وازديادها سوءاً بسبب تجنيده وهو غير لائق طبياً - توافر أركان المسئولية في الحالة الثانية وهي الخطأ والضرر وقيام علاقة السببية بينهما - تطبيق.[(1)]


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 3/ 1/ 1983 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن وزير الدفاع تقرير الطعن الماثل في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في الدعوى رقم 313 لسنة 34 ق الصادر بجلسة 4/ 11/ 1982 والقاضي بإلزام وزير الدفاع بصفته بأن يؤدي للمدعي مبلغ 300 جنيه والمصروفات.
وانتهى تقرير الطعن للأسباب الواردة به إلى طلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. وفي الموضوع بقبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات. وقد أعلن تقرير الطعن للمطعون ضده بتاريخ 31/ 3/ 1983.
وقامت هيئة مفوضي الدولة بتحضير الطعن، وأودعت تقريراً برأيها القانوني انتهت فيه إلى طلب الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، والحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات.
ونظر الطعن بجلسات دائرة فحص الطعون (الدائرة الثالثة) على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 3 من إبريل سنة 1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 30/ 4/ 1985 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن السيد/ محمد نجيب مصطفى كان قد أقام الدعوى رقم 324 لسنة 1979 أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية (عمال كلي) طالباً الحكم بإلزام وزير الدفاع بأن يؤدي له مبلغ 513 جنيهاً قيمة أجره عن مدة تجنيده خطأ في الفترة من 3/ 6/ 1973 حتى 31/ 10/ 1974 مع إلزامه المصروفات. وقال شرحاً لدعواه أنه في 3/ 6/ 1973 قد تم تجنيده خطأ بالقوات البحرية رغم عدم لياقته الطبية وبتاريخ 31/ 7/ 1974 عرض على اللجنة الطبية المختصة التي أصدرت قرارها رقم 109 لسنة 1974 بعدم لياقته الطبية للخدمة العسكرية لإصابته "بثقب جاف مركزي بطبلتي الأذن" وتأسيساً على ذلك فقد انتهت خدمته العسكرية. وقال أنه نظراً لأن هذا يشكل ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية لذلك فإنه يستحق التعويض عنه على أساس أن ذلك ترتب عليه حرمانه من أجره عن فترة تجنيه، وأن أجره كعامل نجارة عن هذه الفترة بلغ 513 جنيهاً وهو ما يستحق كتعويض عن هذا الخطأ.
وردت الجهة الإدارية على الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وبجلسة 27/ 11/ 1979 حكمت محكمة الإسكندرية الابتدائية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية.
وبعد إذ أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية تقدمت إدارة قضايا الحكومة بمذكرة انتهت فيها إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
وبجلسة 4/ 11/ 1982 حكمت المحكمة بإلزام وزير الدفاع بأن يؤدي للمدعي مبلغ 300 جنيه والمصروفات وأقامت قضاءها على أن القرار الصادر بتجنيد المدعي (المطعون ضده) قد جاء خاطئاً لفقدانه شرط اللياقة الطبية، وأن هذا القرار قد ترتب عليه حرمانه من أجره كعامل نجارة وهو أجر لا يتناسب البتة مع ما يحصل عليه من مزايا مادية وعينية كجندي بالقوات المسلحة.
ومن حيث إن طعن وزير الدفاع على هذا الحكم يقوم على أنه قد جاء مخالفاً للقانون، وأن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى على خلاف ذلك، ذلك أنه وفقاً للقانون رقم 505 لسنة 1955 بشأن الخدمة الوطنية والعسكرية فإن التجنيد الخاطئ لا يمكن أن يرتب الحق في التعويض طالما كان التعويض قائماً على مجرد المطالبة بما فات من كسب بسبب التجنيد رغم عدم اللياقة الطبية، وطالما أنه لم يدع أن تجنيده على هذا النحو قد أصابه بعاهة أو زاد من حدة عاهته أو نسبتها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده قد تم تجنيده رغم أنه كان مصاباً بثقب في طبلتي الأذن من قبل، وهذا ما يجعله غير لائق للخدمة العسكرية طبقاً لقرار وزير الحربية رقم 881 لسنة 1960 في شأن مستويات اللياقة الطبية للخدمة العسكرية الصادر تنفيذاً للمادة 7 من القانون رقم 505 لسنة 1955 في شأن الخدمة العسكرية والوطنية.
ومن حيث إن المطعون ضده يطالب بالتعويض عن قرار تجنيده في الفترة من 3/ 6/ 1973 إلى 31/ 10/ 1974، ويستند في ذلك إلى أن هذا القرار قد جاء خاطئاً وأنه قد ترتب عليه حرمانه من أجره طوال فترة تجنيده حيث كان يعمل نجاراً.
ومن حيث إن مثار المنازعة تتحدد في طلب التعويض عن قرار تجنيد المطعون ضده المشوب بعيب مخالفة القانون حيث تم تجنيده رغم عدم توافره على شرط اللياقة الطبية.
ومن حيث إن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات التي تصدرها هو قيام خطأ في جانبها بأن يكون القرار الإداري غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يلحق صاحب الشأن ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر بأن يترتب على القرار غير المشروع.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الخدمة العسكرية والوطنية وفقاً لحكم القانون رقم 505 لسنة 1955 فرض على كل مصري متى بلغ السن المقررة التزاماً بما للوطن من حقوق في عنق كل مواطن تقتضي منه بذل الروح والمال في سبيل وطنه وتقديم ضريبة من وقته وكده تتعادل مع ما يقدمه له الوطن من أمن وخدمات، ولما كانت الخدمة العسكرية والوطنية شرفاً لا يدانيه شرف وضريبة على المجند نحو وطنه وكان القانون يرتب للمجند بالإضافة إلى المزايا العينية التي يتمتع بها خلال مدة خدمته مرتبات وعلاوات وبدلات عسكرية كما يقرر له مكافآت نهاية خدمة فإنه يتأبى مع نصوص القانون وروحه القول بأن التجنيد في ذاته يفوت على المجند كسباً يبرر طلبه التعويض ويستوي في ذلك أن يكون من جند لائقاً للخدمة طبياً أو غير لائق وذلك لاتحاد العلة في الحالتين وهي أن كلاً منهما قد شرف بالخدمة العسكرية والوطنية وأدى بعض حق الوطن عليه ونال ما قرره له القانون من مزايا عينية ونقدية خلال مدة تجنيده وبعد انتهائها وبهذه المثابة ينتفي ركن الضرر في دعوى المسئولية طالما كان طلب التعويض قائماً على مجرد المطالبة بما فات المجند من كسب بسبب تجنيده رغم عدم لياقته طبياً للخدمة شأنه في ذلك شأن من جند وكان لائقاً طبياً، أما إذا لحق المجند ضرر من جراء تجنيده وهو غير لائق للخدمة طبياً بأن ترتب على تجنيده أن اشتدت عليه أو تضاعفت عاهته فإنه يكون على حق في المطالبة بالتعويض عما لحق به من أضرار نتجت عن تدهور حالته الصحية وازديادها سوءاً بسبب تجنيده وهو غير لائق طبياً بالمخالفة للقانون وذلك لتوافر أركان المسئولية وهي الخطأ والضرر وقيام علاقة السببية بينهما.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كما تقدم وكان المطعون ضده قد أسس دعواه على أن تجنيده قد فوت عليه ما كان يكسبه من عمله كنجار ولم يدع أن حالته الصحية التي كانت توجب إعفاءه من الخدمة قد ساءت بسبب تجنيده. ونظراً لأن الثابت كذلك أن سبب عدم لياقته الطبية كان سابقاً على تجنيده ولم يطرأ على حالته أي تدهور بعد ذلك، فمن ثم فإن المطعون ضده لا يستحق الحكم له بالتعويض وذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى على خلاف ذلك فحكم المطعون ضده بتعويض مقداره 305 جنيهات لذلك فإنه يكون قد جاء مخالفاً للقانون ويتعين الحكم بإلغائه. وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده المصروفات.


[(1)] هذا المبدأ تأييداً لما سبق أن انتهى إليه هذه المحكمة في الطعن رقم 105 لسنة 17 القضائية بجلسة 29 من يونيه سنة 1974.