مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 47

(4)
دائرة الأحزاب السياسية
جلسة 21 من مارس سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي المليحي ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر المستشارين وحضور السيد الأستاذ برهان حسن سعيد المستشار بمجلس الدولة سابقاً، وحضور السيد الأستاذ محسن وجيه توفيق وكيل أول وزارة النقل، وحضور السيد الأستاذ أحمد أمين فرج أمين عام جامعة القاهرة سابقاً، وحضور السيد الأستاذ المهندس محمد محمد سليم رئيس قطاع غرب القاهرة بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية، وحضور السيد الأستاذ الدكتور بهجت أحمد عبد المجيد مدير عام مستشفى الدمرداش من الشخصيات العامة.

الطعن رقم 2278 لسنة 31 القضائية

( أ ) أحزب سياسية - إجراءات تأسيس الأحزاب - برنامج الحزب - القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية معدلاً بالقانون رقم 36 لسنة 1979والقانون رقم 30 لسنة 1981.
تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن هو الغرض الأساسي المستهدف بنظام الأحزاب السياسية - لا تثريب على قرار الاعتراض على تأسيس حزب لمخالفة برنامجه لأحكام قانون الأحزاب السياسية وقيامه على تصورات وأماني ومقترحات دون بيان وسائل تحقيقها وإغفاله ظروف المجتمع وموارده الاقتصادية ومشكلاته الواقعية وقضاياه القومية وعلاقاته الدولية - تطبيق.
(ب) أحزاب سياسية - لجنة شئون الأحزاب السياسية - ما لا يعيب تشكيلها (إغفال صفة ومناصب أعضائها).
ورود أسماء أعضاء لجنة شئون الأحزاب السياسية دون اقترانها بذكر مناصبهم ليس من شأنه تعيب قرارها طالما أن صفاتهم باللجنة والناشئة عن المناصب التي يشغلونها قائمة وثابتة على الوجه الذي تطلبه القانون وقت إصدار القرار - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 21 من مايو سنة 1982 أودع الأستاذ فوزي محمد حشمت المحامي عن الأستاذ عبد العزيز إبراهيم البرعي المحامي نيابة عن الأستاذ مصطفى حمزة الاسدى الشهير رياض بصفة وكيلاً عن مؤسس حزب الحضارة الجديدة (تحت التأسيس) قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 2278 لسنة 31 القضائية ضد السيد رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية في القرار الصادر من لجنة شئون الأحزاب السياسية بتاريخ 21 من إبريل 1985 بالاعتراض على الطلب المقدم من السيد/ مصطفى حمزة الاسدى الشهير رياض بن مترى بن عبد الملاك بتأسيس حزب باسم حزب الحضارة الجديدة، وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن من المحكمة الإدارية العليا المشكلة طبقاً للمادة 8 من قانون نظام الأحزاب السياسية الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات وأعلن تقرير الطعن قانوناً وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانون مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وبإلزام الطاعن بالمصروفات. وعرض الطعن على المحكمة بهيأتها المشكلة وفقاً للمادة 8 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1981 بجلسة 28 فبراير سنة 1987 فنظرته على الوجه المبين بمحضرها وبعد أن سمعت ما رأت لزومه من إيضاحات قررت في نفس الجلسة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إنه عن شكل الطعن فقد نصت المادة 8 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية المعدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1981 على أنه "ويجوز لطالبي تأسيس الحزب خلال ثلاثين يوماً التالية لنشر قرار الاعتراض في الجريدة الرسمية أن يطعنوا بالإلغاء في هذا القرار أمام الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا التي يرأسها رئيس مجلس الدولة على أن ينضم لتشكيلها عدد مماثل من الشخصيات العامة يصدر باختيارهم قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية..." ولما كان الثابت من الأوراق أن قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية بالاعتراض على تأسيس حزب الحضارة الجديدة - المطعون فيه وقد صدر بتاريخ 21/ 4/ 1985 وأودع الطعن الماثل قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 21/ 5/ 1985 فيكون مقدماً في الميعاد القانوني واستوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 9/ 12/ 1984 قدم السيد مصطفى حمزة الاسدى الشهير برياض بن مترى بن عبد الملاك بصفته وكيلاً عن مؤسسي حزب الحضارة الجديدة إخطاراً كتابياً إلى السيد/ رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية عن تأسيس حزب باسم حزب الحضارة الجديدة، الشعار المقتضب اختصاراً للتسمية المطولة "حزب الحضارة العقلية العلمية القصوى الجديدة - الحق والتقدم والتزكي والسيف أو المدنية العالمية الثالثة لتحديث الأمة المصرية العريقة وتحويلها إلى دولة عصرية حقوقية فردوسية مستفحلة وضارية" وتضمن الإخطار أن حزب الحضارة الجديدة ليس حزباً جديداً بل أمة جديدة وأن برنامجه يحتوي المضامين الرئيسية للحضارة العقلية العلمية القصوى الجديدة المشيدة بأسرها على جبروت العقل والعلم... وعلى النهضات التطبيقية العظمى لتلك الحضارة وهى: النهضة العسكرية والنهضة الاقتصادية والنهضة العلمية والإصلاحات الدستورية في القانون والقضاء والنهضة الاجتماعية وأخيراً النهضة في العلاقات الدولية وحسم كارثة فلسطين وقد اقتصر في الوقت الحاضر على النهضتين التطبيقيتين الأوليين العسكرية والاقتصادية لما تحظيان به من الخطورة ولأنهما في الوقت الحالي كافيتان تماماً حسب التشريع القائم في تمييز الحزب ولتسويغ إجازته. وأشار الإخطار إلى برنامج الحزب في شقه الأول "النهضة العسكرية العظمى" والملحق المذيل به تحت عنوان الأمجاد التاريخية الشماء لجيوش مصر في العهدين الفرعوني والعربي "وفيه جرى الحديث" بقصارى الدقة الأكاديمية عن جيوش ملوك الحرب الفراعنة وبعد ذلك عن جحافل الصوارم الإسلاميين المصرية، وأرجئ الكلام عن محمد علي باشا الكبير وحرب رمضان 1973 القعساء إلى بلاغات لاحقة "ثم الشق الثاني" النهضة الاقتصادية العظمى تليها الفلسفة الاقتصادية في الحضارة العقلية مع ملحق لهذه الحضارة وأرفق بالإخطار وثائق الحزب متضمنة برنامجه ونظامه الداخلي وقائمة بأسماء الأعضاء المؤسسين وعددهم أربعة وخمسون عضواً، منتهياً إلى طلب الموافقة على تأسيس الحزب وقد عرض الطلب على لجنة شئون الأحزاب السياسية فأصدرت بتاريخ 21 من إبريل سنة 1985 قرارها موضوع الطعن الماثل وأقامته على سببين:
الأول: يتعلق بتشكيل الهيئة التأسيسية للحزب ومخالفته لنص الفقرة (ثالثاً) من المادة الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية لاشتراطها لتأسيس أي حزب سياسي ألا يقوم على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي بينما الثابت من الأوراق أن طلاب تأسيس حزب الحضارة الجديدة يقيمون جميعاً بالإسكندرية وأن وكيلهم يتخذها بدوره مواطناً له ومن سكنه فيها مركزاً رئيسياً لحزبه فيكون بهذه المثابة مجرد تجميع لمواطنين تركزوا في مدينة الإسكندرية ونادوا بقيام حزب سياسي على أساس محلي ليس له انتشار جغرافي.
والثاني: يخص المبادئ والأسس العامة لبرنامج حزب الحضارة الجديدة فاطلعت عليها اللجنة وتبين لها منها أنها تقوم على ركيزتين أساسيتين: النهضة العسكرية والنهضة الاقتصادية، وبرنامج الحزب للنهضة العسكرية "يبشر بامتلاك مصر والأمة العربية للقنابل الذرية والنووية والصواريخ الموجهة وبمقادير عارمة وبتشييد قوة صناعية وعسكرية ونووية وصاروخية قادرة على إحباط أي اعتداء على الأمة المصرية العريقة وتنتقل إلى أي بقعة في الأرض لتدمير البغاة أينما يكونون وبتشكيل جيش مصري تشكيلاً فولاذياً جديداً مختلفاً كلياً عن الأوضاع الراهنة المتضعضعة والمحتوية على خرق صارخ للدستور وبإغداق رواتب هزيلة للجيش تعادل أربعة أمثال ما يتقاضاه الضباط والقادة في الوقت الحاضر "وأن الحزب وإذ يتناول النهضة الاقتصادية ينادي في مضمار الزراعة" - بشق نيل جديد في قلب الصحراء الغربية يطلق عليه "النيل الثاني المبارك" ويمتد من الطرف الجنوبي لبحيرة ناصر ويمضي قدماً إلى البحر المتوسط بطول 1350 كيلو متراً ويبلغ إجمالي حجمه 486 مليون متر مكعب من المياه وباستزراع أربعة ملايين من التربة الصالحة للزراعة وبحفر قناة على الطرف الجنوبي لبحيرة ناصر تتلقف الطمي وتصبه في مجرى النيل أمام أسوان، كما يعد بإنتاج ثمانين مليون أردب من القمح والأرز والذرة والشعير والفول سنوياً وبتوفير اثنى عشرة مليون رأس من الأبقار وستة ملايين رأس من الضأن والماعز، وفي مجال الصناعة يقدم الحزب الارتفاع بإنتاج الصلب الغشيم إلى عشرة ملايين طن والحديد الزهر إلى ستة ملايين طن والأسمنت إلى ثلاثين مليون طن في السنة وإنتاج عشرة آلاف جرار زراعي وبلدوزر سنوياً وإنتاج خمسة مليارات طوبة من الجير الرملي وتصنيع جميع احتياجات مصر من عربات السكك الحديدية والشاحنات والناقلات وسيارات الركوب" وفي مجال التجارة الخارجية والداخلية يتمسك الحزب بتأميم التجارة الخارجية تمام ويوصي بتأميم تجارة اللحوم وتجارة الفاكهة وتجارة الذهب والمصنوعات الذهبية ويحظر إلى الأبد ممارسة التجارة من أي نوع على أرصفة الشوارع في المدن والقرى وتخلى هذه الأرصفة تماماً من فئات الباعة الذين يمارسون البيع وترفع البضائع المفروشة في الميادين والطرقات وفوق الأرصفة وينفذ هذا الإصلاح بصرامة باطشة ولو بإطلاق الرصاص عند اللزوم على المقاومين" - وفى مجال العمل والعمال يعتزم الحزب توفير مليوني شخص من الرجال والنساء للعمل في المشاريع الإنتاجية العارمة التي سوف ينهض بها على أن يستمد هذا العدد الجسيم من مصدرين أولهما: الجموع الغفيرة التي تشتغل حالياً بالمتاجرة فوق الأرصفة في الميادين والشوارع والثاني: مئات الألوف من المستخدمين ممن تكتظ بهم دواوين الحكومة كما ينادى بإلغاء قانون العمل الرقيم 137 لسنة 1981 لكونه - متابعة لقانون العمل الموحد - يخص العمال بإيثار غير منطقي ومؤذ بشدة لاقتصاديات الوطن وفى مجال الزيادة السكانية "بتجميد عدد السكان في نطاق 50 مليون لمدة 40 سنة إلى أن يتأتى زيادة في الدخل القومي إلى خمسة أو ستة أمثال حجمه الحاضر وفى مجال الإسكان وحل أزمته يتقدم الحزب بحلول جذرية عاجلة وآجلة يرى فيها إنهاء تلك الأزمة المدلهمة إلى الأبد - الحل الأول العاجل تجسد بتمليك المساكن فورياً بطول الجمهورية وعرضها للمستأجرين نظير تعويض عادل على أن يكون انتقال الملكية إلى المستأجرين من جانب الدولة التي تأخذ العملية برمتها على عاتقها والحل العاجل الثاني يتلخص في إصدار تشريعي فوري يحظر بموجبه بناء أية منشآت جديدة في المدن القائمة... على أن تتولى الدولة الاستيلاء في الحال على الأراضي الفضاء التي لا تزال باقية في المدن وكذلك على المباني المعمرة التي أوشكت على التصدع فتهدمها وتحولها إلى غابات ومروج تضحى متنفساً للمدن الحالية... أما الحل الثالث بعيد المدى فيتأتى في نهوض الدولة بتشييد قرى ومدن في مواطن الإنتاج من الصحراء على أن ينقل إليها خمسة عشر مليوناً من قاطني الوادي القديم" ويؤكد برنامج الحزب تصميمه على الامتناع كلية عن الارتباط بأية قروض أجنبية في المستقبل والتزامه في الأصل بتسديد الديون الأجنبية مع تجميدها مؤقتاً لمدة خمس سنوات على أن ترصد في الميزانية نصف إيرادات قناة السويس لاستهلاك الديون سنوياً بعد انقضاء فترة التجميد، كما يؤكد عزمه على إلغاء الضرائب العامة على الإيراد المقررة بالقانون رقم 157 لسنة 1981 الصادر بضرائب الدخل وتعديل أسعار الضرائب النوعية الأربع بجعلها في نطاق عشرة في المائة من الدخل الصافي واستبعاد الأسعار الحالية التي لا توافق المجتمع الإنتاجي النظيف والتقدمي الذي يرسيه الحزب كذلك رسم الأيلولة والضريبة على التركات المفروضتين بالقانون رقم 142 لسنة 1944 والمرسوم بقانون 159 لسنة 1952 لايذائهما للضمير الإنساني وإلغاء قانوني استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة الصادرين بالقانونين رقمي 43 لسنة 1974 و31 لسنة 1977 لاستنزافهما مصادر الثروة القومية وإضرارهما بالمصالح العليا للبلاد.. فمن هذا البرنامج استخلصت لجنة شئون الأحزاب السياسية أن حزب الحضارة الجديدة (تحت التأسيس) إذ ينادي بهذه الشعارات البراقة ويبشر بتلك الأماني العريضة التي تثير عواطف الجماهير وتلعب بمشاعرهم لا يرسم من أين وكيف السبيل الصحيح إلى توفير الإمكانات والقدرات والموارد التي تكفل تحقيق أهدافه المنشودة، وأنه لا يعرض الحلول الجادة المتاحة التي تضعه على الطريق السوي لتحقيق تلك الأهداف عبر نظرات سياسية واجتماعية واقتصادية واعية لأبعاد المشكلات والقضايا الرئيسية التي يواجهها المجتمع، وأن برنامج الحزب إنما يطرح تارة شعارات خيالية وحلولاً غير واقعية ويتقدم تارة أخرى بتوصيات غريبة أو بمقترحات غير سائغة أو غير مؤدية أو يتبنى سياسات مجملة غير محددة يناقض بعضها بعضاً وتتخللها الثغرات التي يتطرق منها التخاذل إلى مقوماته. هذا إلى أن البرنامج قد استطرد هو وملحقاته إلى أبحاث أكاديمية وتطرق إلى دراسات تاريخية ونظريات عسكرية فاستغرقته وجرته إلى تفاصيل فرعية وموضوعات جانبية لا يقتضيها المقام وأبعدته بالتالي عن جوهر أهدافه الأصلية. كذلك فإن الثابت أيضاً من الاطلاع على برنامج الحزب ومبادئه التي يتبناها ويسعى إلى تحقيقها أنها تنحصر في مجالين دون سواهما من مجالات العمل الوطني هما المجال العسكري والمجال الاقتصادي أما ما عداهما من ميدان العمل الوطني في الداخل والخارج وأساليب الحزب ورؤيته تجاه العديد من القضايا القومية الهامة، وموقفه من الكثير من المشاكل الرئيسية التي يعانيها المجتمع فلم يطرحها برنامج الحزب أو يوليها اهتمامه أو يقدم في شأنها الحلول المناسبة وإذ كان برنامج الحزب مبشراً فلم يتناول وجهة نظره في شأن السياسة الخارجية والسياسات التعليمية والصحفية والسياحية والكهرباء والطاقة والبترول والشئون الاجتماعية والثقافة والإعلام والتعاون والشباب والمرأة والريف المصري كما لم يرسم البرنامج المنهج السليم الذي يؤمن به لحل مشكلات القطاع العام والمرافق العامة والخدمات ومحو الأمية - وجميعها موضوعات طرقتها الأحزاب الأخرى في برامجها وأبدت رؤيتها فيها وإذ كان المؤسسون لحزب الحضارة الجديدة قد استشعروا هذا النقص والقصور في برنامج حزبهم فأقروا في ختامه على ما سلف بيانه - بأنهم قصروا حديثهم في الوقت الحاضر على النهضتين العسكرية والاقتصادية وأن ما عداهما من نهضات سيستكمل في ملاءمات قادمة الأمر الذي يقطع بأن الحزب لم يستكمل سياساته ولم يستتم برنامجه، ثم خلصت اللجنة من ذلك إلى أن برنامج الحزب - على النحو السابق بيانه - يكون قد اعتوره النقص والقصور من جانب، وشابه التناقض والتهاتر من جانب آخر بحيث غدا متهادماً متساقطاً لا شيء فيه يمكن أن يعتبر قواماً متكاملاً لبرنامج حزب سياسي يتجمع الجماهير حوله وتتعاهد على تنفيذه سعياً للخير العام، ومن ثم لا يسوغ القول بأن حزب الحضارة قدم برنامجاً محدداً يتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة يسعى عن طريقه للمشاركة في مسئوليات الحكم وتحقيق التقدم للوطن، أو أن هذا البرنامج الذي قدمه يتميز تميزاً ظاهراً عن برنامج الأحزاب الأخرى بالمعنى الذي عنته المواد الثانية والثالثة والفقرة ثانياً من المادة الرابعة وثالثاً من المادة الخامسة من قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 والتي عرفت بالأحزاب السياسية وبرامجها وبينت رسالتها وأوضحت شروط تأسيسها، الأمر الذي يتعين معه - بكل ما تقدم - عدم إجازة عمله في الساحة السياسية وبالتالي الاعتراض على تأسيسه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: بطلان قرار لجنة شئون الأحزاب السياسية الصادر بتاريخ الأحد 21 إبريل 1985 بطلاناً ضرورياً وشمولياً فالمؤدى الجازم لنص المادة 8 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام السياسة المعدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1981 وهي التي نصت على تشكيل لجنة شئون الأحزاب السياسية - أن القطاع الحكومي من لجنة الأحزاب السياسية الذي ينفرد باتخاذ القرارات الباتة في مصائر الأحزاب لحيازته على أغلبية الأعضاء ورجحان الجانب الذي منه الرئيس عند تساوي الأصوات - هذا القطاع يتجسد في منصب سياسي رفيع هو رئيس مجلس الشورى الذي يتقلد رياسة اللجنة وفي ثلاثة مناصب وزارية عليا هي وزير العدل ثم وزير الداخلية ثم وزير الدولة لشئون مجلس الشعب والمهم أن كل قرار تتخذه لجنة شئون الأحزاب السياسية يستوجب أن يدون ويصرح فيه بالمنصب السياسي الرفيع والمناصب الوزارية العالية لممثلي الدولة الذين اشتركوا في إصداره، فإذا لم يتم ذلك وقع القرار باطلاً بطلاناً جذرياً وشمولياً. وهذا هو ما حدث في القرار بالاعتراض على تأسيس حزب الحضارة الجديدة المبلغة صورته رسمياً إلى الطاعن. فلم يصرح فيه البتة بأنه صدر عن مناصب الدولة العالية وهي رئيس مجلس الشورى ووزراء العدل والداخلية والدولة لشئون مجلس الشعب وإنما اقتصر فيه على تدوين الأسماء الأربعة لأولى الأستاذ الدكتور محمد صبحي عبد الحكيم رئيس الجنة والسيد المستشار أحمد ممدوح عطية والسيد توفيق عبده إسماعيل والسيد اللواء أحمد رشدي دون إثبات مناصب الدولة العليا التي يشغلونها واشتركوا في اللجنة واتخاذ القرار بموجبها، وهذا الفساد في بنيان القرار يبطله جذرياً وشمولياً لأن حزب الحضارة الجديدة تحت التأسيس لا يتعامل مع السادة أصحاب الأسماء الشرفية السابقة بذواتهم أي كمجرد أشخاص من جماهير الشعب ولكن بحسبانهم متقلدين للمناصب الوزارية المحددة في قانون الأحزاب يتصرفون بقوة الصلاحيات المخولة لهم بموجبها ويمثلونها.
ثانياً: فساد السبب الأول من علتي الاعتراض الزاعم بأن مؤسسي حزب الحضارة الجديدة لا يعدون أن يكونوا مجرد تجميع لمواطنين تركزوا في مدنية الإسكندرية ونادوا بقيام حزب سياسي على أساس محلي ليس له انتشار جغرافي، فالمادة الرابعة من قانون الأحزاب السياسية نصت على أن يشترط لتأسيس واستمرار أي حزب سياسي ما يلي...
ثالثاً: عدم قيام الحزب في مبادئه أو في برامجه أو في مباشرة نشاطه أو اختيار قياداته أو أعضائه على... أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي، والحزب الجغرافي هذا الذي تقتصر مبادئه وبرامجه أو نشاطه أو اختيار قياداته أو أعضائه على رقعة جغرافية دون سواها. فمثل هذا النوع من الأحزاب المتصورة يخفي مؤكداً نزعة انشقاقية عن الوطن الأكبر وعلى الأقل ميلاً إلى الحكم الذاتي بدرجة أو أخرى ويكون مرجع النزوع إلى الانفصال هو الاختلاف في العرق أو اللغة أو الدين أو بعض هذه الفوارق أو كلها، وهذا النوع من الأحزاب القائم على أساس جغرافي يستحيل انبثاقه في مصر لكونها منذ إدماج مملكتي النيل العليا والسفلى في مستهل عهد الفراعنة منذ خمسة آلاف سنة وحدة ديمغرافية (أي سكانية - حضراوية) متجانسة وشديدة التماسك ويستبين من ذلك أن الحزب القائم على أساس جغرافي مما تعنيه المادة الرابعة من قانون الأحزاب هو الذي يقتصر على رقعة جغرافية تفترق عن بقية أرجاء الوطن بعرق أو لغة أو دين متميز ويقفل أبوابه في غير وجه المنتمين إلى تلك الرقعة ويخفي في طياته نزعة انشقاقية. وظاهر بغير أدنى جدال أن هذه الخصائص لا وشيجة لها مهما كانت ضعيفة بأن يتخذ مصطفى حمزة مشيد حزب الحضارة الجديدة من مدينة الإسكندرية محلاً للإقامة ويكون غالبية الإخوة مؤسسي الحزب أو جميعهم من قطان هذه المدينة الذين يرتد اشتراكهم قبل سواهم في هيئة مؤسسي الحزب إلى أنهم أقرب من غيرهم في التعرف بثقة على مشيد الحزب وعلمه وأخلاقه، وبالإضافة إلى هذا فلا يوجد قط في تشريع الأحزاب السياسية أية نصوص تتطلب أن يتوزع مؤسسو الأحزاب على محافظات الجمهورية بنسبة عدد السكان وبهذا يضحى هذا السبب من علتي الاعتراض متلاشياً - ويغدو الاعتراض على تأسيس حزب الحضارة الجديدة لعلة معدومة مخالفاً للقانون.
رابعاً: الرد على السبب الثاني من علتي الاعتراض على تأسيس الحزب وورد في معرض ذلك الإشارة إلى خلاصة مركزة بالأفكار والتعاليم التي يشملها برنامج حزب الحضارة الجديدة... وقد أودع البرنامج وملحقاته ملف الطعن.
ومن حيث إن القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية نص في المادة (2) على أن "يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة في مسئوليات الحكم". ونص في المادة (3) على أن "تسهم الأحزاب السياسية التي تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن..." ونص في المادة (4) ثانياً وثالثاً المعدلة بالقانون رقم 36 لسنة 1979 على أنه "يشترط لتأسيس أو استمرار أي حزب سياسي ما يلي: ( ثانياً) تميز برنامج الحزب وسياساته (أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى (ثالثاً) عدم قيام الحزب في مبادئه أو برامجه أو في مباشرة نشاطه أو اختيار قياداته أو أعضائه... على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة... ونص في المادة (5) على أنه يجب أن يشمل النظام الداخلي للحزب القواعد التي تنظم كل شئونه السياسية والتنظيمية والمالية والإدارية بما يتفق وأحكام هذا القانون، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج بصفة خاصة ما يأتي:... ثانياً: بيان المقر الرئيسي للحزب ومقاره الفرعية إن وجدت.... ثالثاً: المبادئ والأهداف التي يقوم عليها الحزب والبرامج أو الوسائل التي يدعوا إليها التحقيق هذه الأهداف... سادساً: النظام المالي للحزب شاملاً تحديد مختلف موارده والمصرف الذي تودع فيه أمواله...." ونص في المادة 7 على أنه "يجب تقديم إخطار كتابي إلى أمين اللجنة المركزية المنصوص عليها في المادة 20 عن تأسيس الحزب موقعاً عليه من خمسين عضواً من أعضائه المؤسسين ومصدقاً رسمياً على توقيعاتهم على أن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين وترفق بهذا الإخطار جميع المستندات المتعلقة به وبصفة خاصة النظام الداخلي للحزب وأسماء أعضائه المؤسسين، وبيان أموال الحزب ومصادرها والمصرف المودعة فيه واسم من ينوب عن الحزب في إجراءات تأسيسه، ويعرض الإخطار عند تأسيس الحزب على اللجنة المنصوص عليها في المادة الثالثة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم هذا الإخطار"، ونص في المادة 8 المعدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1981 على أن "تشكل لجنة شئون الأحزاب السياسة على النحو التالي: 1 - رئيس مجلس الشورى - رئيس
2 - وزير العدل 3 - وزير الداخلية 4 - وزير الدولة لشئون مجلس الشعب. 5 - ثلاثة من غير المنتمين إلى أي حزب سياسي من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم يصدر باختيارهم قرار من رئيس الجمهورية... ويجب أن يصدر قرار اللجنة بالاعتراض على تأسيس الحزب مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن..." والثابت من الأوراق أن برنامج حزب الحضارة الجديدة (تحت التأسيس) بإقرار الطاعن في إخطاره المقدم إلى لجنة شئون الأحزاب السياسية قد شيد على النهضات التطبيقية العظمى العسكرية والاقتصادية والعلمية والإصلاحات الدستورية في القانون والقضاء والنهضة الاجتماعية وأخيراً النهضة في العلاقات الدولية وحسم كارثة فلسطين، وأنه اقتصر في الوقت الحاضر على النهضتين التطبيقيتين الأوليين العسكرية والاقتصادية لما تحظيان به من الخطورة ولأنها كافيتان تماماً حسب التشريع القائم في تمييز الحزب ولتسويغ إجازته، وبهذا يكون البرنامج المقدم إلى لجنة شئون الأحزاب السياسية على هذا النحو قد سجل تصوره في معظم النواحي التي اعتبرها من ركائزه وبنيانه، أما ما قدمه منها متعلقاً بالمجالين العسكري
والاقتصادي فيدور حول دراسات نظرية وتاريخية انتهى منها إلى مجرد تصورات وأماني ومقترحات دون أن يبين سبيله إلى كيفية تحقيقها ووسائله في ذلك ومن ثم فقد ضرب صفحاً بظروف المجتمع المتعلقة بموارده الاقتصادية وبمشكلاته الواقعية وبقضاياه القومية وبعلاقاته الدولية فبات عاجزاً كلية عن تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن وهو الغرض الأساسي المستهدف بنظام الأحزاب السياسية ومتى كان ذلك هو الشأن في برنامج حزب الحضارة الجديدة (تحت التأسيس). فلا تثريب على القرار المطعون فيه بالاعتراض على تأسيسه - لمخالفة برنامجه لأحكام قانون الأحزاب السياسية ويكون القرار المشار إليه على هذا النحو قد قام على سبب صحيح وصدر مطابقاً لحكم القانون دون أن ينال منه القول ببطلانه بطلاناً جذرياً وشمولياً على سند من أن لم يصرح فيه البتة بأنه صدر عن أصحاب مناصب الدولة العالية، رئيس مجلس الشورى ووزراء العدل والداخلية والدولة لشئون مجلس الشعب وأنه اقتصر على تدوين الأسماء دون إثبات المناصب التي يشغلونها واشتركوا في اللجنة واتخاذ القرار بموجبها. فالثابت أن هؤلاء ولئن وردت أسماؤهم في القرار المطعون فيه دون أن تقترن بذكر مناصبهم فليس من شأن ذلك تعييب القرار طالما أن صفات أعضاء اللجنة المذكورين الناشئة عن المناصب التي يشغلونها قائمة ثابتة على الوجه الذي تطلبته المادة 8 من قانون نظام الأحزاب السياسية وقت وإصدار القرار المطعون فيه إذ العبرة بأن يكون عضو اللجنة هو ذاته شاغل المنصب الذي خوله هذه العضوية ولا حاجة لأن يقترن توقيعه بذكر اسمه أو المنصب الذي يشغله ما دام توقيعه هو التوقيع المعروف لصاحبه الشاغل للمنصب الذي يخوله عضوية اللجنة وبذلك يكون تشكيل اللجنة يتم على وجه مطابق للقانون برئاسة رئيس مجلس الشورى وباشتراك وزراء العدل والداخلية والدولة لشئون مجلس الشعب كما نص القانون وأنه كان هذا السبب كافياً لتبرير اعتراض اللجنة على وجه مطابق للقانون فلا جدوى بعد ذلك من مناقشة وجه الطعن القائم على أساس خطأ لجنة شئون الأحزاب السياسية في تطبيق شرط عدم قيام الحزب على أساس جغرافي وفقاً للبند ثالثاً من المادة 4 من قانون نظام الأحزاب السياسية، فمهما يكن صحيح الرأي في تطبيق هذا الشرط فقرار اللجنة سليم متى كان السبب الآخر الذي قام عليه صحيحاً يجعله مشروعاً فالقصور الذي اعتور برنامج الحزب على الوجه الذي أفصحت عنه أسباب القرار المطعون فيه هو عماده وأساس إصداره ولم يكن وجه الرأي في برنامج الحزب ليتغير لو أن اللجنة قد أخذت بوجهة نظر الطاعن في تطبيق الشرط المتعلق بعدم قيام الحزب على أساس جغرافي المنصوص عليه في البند ثالثاً من المادة 4 المشار إليها.
وبناء على ذلك يكون القرار المطعون فيه قد أصاب في الاعتراض على تأسيس حزب الحضارة الجديدة لمخالفة برنامجه لأحكام القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية والقوانين المعدلة له فيكون الطعن المقام بشأنه في غير محله فيتعين القضاء برفضه وإلزام الطاعن بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.


[(1)] راجع الطعن رقم 1313 لسنة 31 ق بذات الجلسة والذي قضي فيه بصحة تشكيل اللجنة لأنه ولئن كان وزير الدولة لشئون مجلسي الشعب والشورى الذي أوجب القانون حضوره لم يحضر وإنما حضر بدلاً منه وزير الحكم المحلي الذي تولى اختصاصات الوزير الأول أثناء وجوده بالخارج والتشكيل صحيح لأن العبرة بتوافر الصفة وقت صدور القرار.