مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1308

(192)
جلسة 15 من يونيه سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمود عبد العزيز الشربيني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد العزيز أحمد سيد حمادة وثروت عبد الله أحمد عبد الله وجمال السيد دحروج وعادل محمود فرغلي - المستشارين.

الطعن رقم 1023 لسنة 26 القضائية

اختصاص - قواعد توزيع الاختصاص - توزيع الاختصاص بين المحاكم الإدارية تعيين عدد المحاكم الإدارية وتحديد دوائر اختصاص كل منها يقوم على اختصاص الجهة الإدارية بالمنازعة أي اتصالها بالدعوى موضوعاً لا بمجرد تبعية العامل لها عند إقامة الدعوى - لا عبرة بتواجد العامل في النطاق الإقليمي للمحكمة - العبرة بمكان الجهة الإدارية المتصلة بالنزاع موضوعاً بحسبانها الجهة التي تيسر للقضاء بلوغ الحقيقة في الدعوى بأسرع الوسائل وذلك بتقديم المستندات والبيانات التي تساعد على بيان وجه الحق في الدعوى وتيسير تنفيذ الأحكام الصادرة بشأنها - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 18/ 5/ 1980 أودع السيد المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1023 لسنة 26 ق في الحكم الصادر بجلسة 19/ 3/ 1980 من محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) في الطعن رقم 55 لسنة 10 ق المقام من الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن والقاضي بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام الإدارة المصروفات، وطلب السيد الطاعن في ختام طعنه وللأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الطعن رقم 55 لسنة 10 ق وبإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في الدعوى رقم 479 لسنة 21 ق بجلسة 7/ 2/ 1978 وإعادة الدعوى إليها للفصل فيها موضوعياً وإبقاء الفصل في المصروفات.
وبعد أن تم إعلان الطعن إلى ذوي الشأن على الوجه المبين بالأوراق، أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض الطعن رقم 55 لسنة 10 ق، والحكم بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في الدعوى رقم 479 لسنة 21 ق وإعادة الدعوى إليها للفصل في موضوعها وإبقاء الفصل في المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 15/ 2/ 1984 وبجلسة 2/ 2/ 1985 قررت الدائرة إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) لتنظره بجلسة 9/ 3/ 1985 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات، قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه قبل النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يتضح من الأوراق - في أنه بتاريخ 7/ 7/ 1984 أقام السيد/............. الدعوى رقم 479 لسنة 21 ق أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية طالباً الحكم بإلزام الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن بأن تؤدي له مبلغ ثمانمائة جنيه تعويضاً له عما أصابه من أضرار نتيجة فصله من العمل - بغير الطريق التأديبي - تنفيذاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 571 لسنة 1959 بعد القبض عليه لأسباب سياسية في 1/ 1/ 1959، وأفرج عنه عام 1964 وأعيد إلى عمله في 8/ 9/ 1964 بالقرار رقم 18 لسنة 1964 الذي اعتبر مدة خدمته متصلة مما يؤكد أن قرار الفصل قد صدر خاطئاً بغير مسوغ قانوني مما يترتب عليه حرمانه من مرتبه خلال فترة إبعاده عن العمل، فيحق له المطالبة بالتعويض عنه، وبجلسة 7/ 2/ 1978 قضت المحكمة الإدارية بالإسكندرية بعدم اختصاصها محلياً بنظر الدعوى وأقامت قضاءها على أن المدعي يعمل بمحلج القناطر الخيرية بالقليوبية التابع للهيئة المدعى عليها، ومن ثم تخرج الدعوى من اختصاصها المحلي المحدد بقرار رئيس مجلس الدولة رقم 316 لسنة 1972 ليدخل في الاختصاص المحلي للمحكمة الإدارية بمدينة طنطا المنشأة بمقتضى قرار رئيس مجلس الدولة رقم 126 لسنة 1973، وبتاريخ 29/ 3/ 1978 أقامت الهيئة المدعى عليها طعنها رقم 55 لسنة 10 ق في الحكم المذكور لدى محكمة القضاء الإداري (الدائرة الاستئنافية) بالإسكندرية طالبة إلغاء الحكم المطعون فيه، وبجلسة 19/ 3/ 1980 أصدرت المحكمة المذكورة حكمها المطعون فيه القاضي بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وأقامت قضاءها على أن المناط في تحديد دائرة اختصاص كل محكمة من المحاكم الإدارية هو اختصاص الجهة الإدارية التابعة للمحكمة بالمنازعة، أي اتصالها موضوعاً بها لا تبعية مقر تلك الجهة للمحكمة سواء كانت تلك الجهة شخصية معنوية مستقلة أو ليس لها هذه الشخصية مستهدفاً بذلك تيسير نظر المنازعة بحكم قربها للجهة الإدارية المتصلة بالنزاع موضوعاً، وأنه لما كان المدعي يعمل بفرع الهيئة الطاعنة بمحافظة القليوبية فإن المنازعة لا تكون مرتبطة بأي من الجهات التي يشملها اختصاص المحكمة الإدارية بالإسكندرية، ومن ثم تدخل في الاختصاص المحلي للمحكمة الإدارية بمدينة طنطا، وأضافت أنه لا محل للنعي على قضاء المحكمة الإدارية بالإسكندرية من التزامها بالفصل في الدعوى إعمالاً لحكم المادة 110 من قانون المرافعات، ذلك أن المحكمة رغم ورود الدعوى محالة إليها من المحكمة الإدارية لوزارة الاقتصاد فإنها لا تلتزم بالفصل في موضوع الدعوى إذا كان لا يدخل في اختصاصها طبقاً لصحيح حكم القانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد صدر مخالفاً لما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا في تحديد المفهوم الصحيح لتوزيع الاختصاص بين المحاكم الإدارية على أساس اتصال الجهة الإدارية ذات الشأن بالمنازعة موضوعاً بوصفها الجهة التي تستطيع الرد على الدعوى وتنفيذ الحكم الصادر فيها عند الاقتضاء الأمر الذي لا يتحقق في فرع الهيئة المدعى عليها والذي يعمل به المدعي ذلك أن المقر الرئيسي للهيئة بالإسكندرية هو المقر الذي يوجد به سجلات العاملين وكافة الأوراق المتعلقة بشئونهم الوظيفية ومن ثم فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الإدارية بمدينة الإسكندرية، كما أنه لا وجه لما ذهبت إليه المحكمة في حكمها الطعين من أن المحكمة المحال إليها الدعوى إعمالاً لحكم المادة 110 مرافعات لا تلتزم بالفصل في موضوعها، بل لها أن تعاود البحث في الاختصاص لا وجه لذلك لمخالفته لما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من التزام المحكمة المحال عليها الدعوى بالفصل فيها دون أن يكون لها معاودة البحث في مسألة الاختصاص ولو كان الاختصاص متعلقاً بالولاية.
ومن حيث إن تعيين عدد المحاكم الإدارية وتحديد دوائر اختصاص كل منها على مقتضى القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة والقرارات المنفذة له يقوم على اختصاص الجهة الإدارية بالمنازعة أي اتصالها بالدعوى موضوعاً، لا بمجرد تبعية العامل لها عند إقامة الدعوى الذي يتنقل بين فروعها طبقاً لظروف العمل الذي يقتضيه التنظيم الداخلي لها، وهذا الضابط الذي توخاه الشارع، هو الذي يتفق مع طبائع الأشياء وحسن سير المصلحة العامة والحكمة التي استهدفها من تقريب جهات التقاضي إلى المتقاضين، والتي لا تتحقق بمجرد تواجد العامل في النطاق الإقليمي للمحكمة المختصة، وإنما بقيام الجهة الإدارية المتصلة بالنزاع موضوعاً فيه، بحسبانها الجهة التي تيسر للقضاء بلوغ الحقيقة في الدعوى، وتوفر الوقت والجهد لإعادة الحقوق لأصحابها وإعادة التوازن إلى المراكز القانونية للعاملين بها، فهي بطبيعة الحال الجهة التي تستطيع الرد على الدعوى، بإعداد البيانات وتقديم المستندات الخاصة بها وكذلك بتسوية المنازعة صلحاً أو بتنفيذ الحكم في ميزانيتها عند الاقتضاء وهي التي تملك وحدها البت في التظلمات الإدارية الوجوبية والاختيارية على النحو الذي يحفف العبء على القضاء في استقرار المراكز القانونية والتقليل من عدد المنازعات الإدارية التي تطرح عليه.
وترتيباً على ذلك فإنه ينبغي لكي ينعقد الاختصاص لإحدى المحاكم الإدارية - محلياً - أن تتوافر في الجهة الإدارية - التي تدخل في النطاق الإقليمي لها - الإمكانيات التي تتحقق الغاية التي استهدفها الشارع من نشر المحاكم الإدارية في الأقاليم، وإن لم تتوافر في هذه الجهة الشخصية المعنوية بالمفهوم القانوني الدقيق بأن يتوافر لهذه الجهة قدر من الاستقلال الإداري الذي يمكنها من إعانة القضاء الإداري على سرعة البت في المنازعات وإعادة الحقوق إلى أصحابها على الوجه الذي يحقق الاستقرار الدائم في المراكز القانونية بأسرع الوسائل الممكنة وذلك بتقديم المستندات والبيانات التي تساعد على استجلاء وجه الحق في الدعوى وتيسير تنفيذ الأحكام الصادرة بشأنها.
وعلى هذه الأحوال المتقدمة فإنه ولئن كان الثابت من الأوراق أن المدعي يعمل بفرع الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن بالقناطر الخيرية بالقليوبية، إلا أن الثابت من حافظة المستندات المقدمة من الهيئة المذكورة والمتضمنة هيكلها التنظيمي أن الفرع المذكور لا يعدو أن يكون محلجاً لحلج القطن لا وجود له بالهيكل التنظيمي المشار إليه، ولا يملك قدراً من الاستقلال الإداري الذي يمكنه من إعانة القضاء على النظر في الدعوى حيث لا توجد به أية سجلات أو بيانات أو ملفات خاصة بالعاملين في المحلج، وما دام الثابت من الأوراق أن هذه البيانات والسجلات موجودة بالإدارات المختصة بمقر الشركة الكائن بطريق الحرية بالإسكندرية، وهي الإدارات التي تملك إجابته إلى تظلمه قبل رفع دعواه وتنفيذ الحكم الصادر فيها عند الاقتضاء ومن ثم فإن الاختصاص بنظر هذه المنازعة ينعقد للمحكمة الإدارية بمدينة الإسكندرية التي تختص طبقاً لقرار إنشائها بنظر المنازعات الخاصة بمصالح الحكومة والهيئات العامة، والمؤسسات العامة بمحافظة الإسكندرية والبحيرة ومطروح، ولا يكفي المحكمة المذكورة للتنصل من اختصاصها بنظر الدعوى الاستناد إلى أن المدعي يعمل بفرع الهيئة بمحافظة القليوبية، إذ يتعين عليها أن تتطرق إلى بحث طبيعة هذا الفرع ومدى ما يتمتع به من إمكانيات إدارية تعين على تحقيق الأهداف المنشودة من تقريب جهات التقاضي وتيسير نظر المنازعات الإدارية، إذ لا يتصور منطقاً أن تختص محكمة طنطا بنظر هذه المنازعة لمجرد أن المدعي يعمل في محلج بالقناطر الخيرية فتضطر المحكمة المذكورة إلى إعلان الهيئة بالإسكندرية بحسبانها الجهة التي تملك تقديم المستندات والبيانات وكافة الأوراق اللازمة للفصل في الدعوى كما تضطر هذه الجهة إلى إيفاد المختصين إلى هذه المحكمة لتقديم دفاعها في الدعوى وما عساه يكون قد صدر من قرارات في شأن المدعي على الوجه الذي يكشف وجه الحق فيها وما يقتضيه ذلك من انتقالهم من الإسكندرية إلى مدينة طنطا في الوقت الذي تمتنع فيه محكمة الإسكندرية عن نظر الدعوى على الوجه الذي يتنافى مع الحكمة من توزيع المحاكم بالأقاليم وتحديد اختصاصاتها على أساس يسمح بتيسير إجراءات التقاضي الأمر الذي يجعل من الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بمدينة الإسكندرية والحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري تأييداً له قد صدر مخالفاً للفهم الصحيح في القانون لتعيين عدد المحاكم وتحديد اختصاصاتها، متجافياً مع الحكمة من إصداره وما يستهدفه من تقريب جهات التقاضي لسرعة الفصل في المنازعات مما يتعين معه إلغاءها وإعادة الدعوى إلى المحكمة الإدارية بالإسكندرية للفصل فيها.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية لم تكن في حاجة إلى الخوض في مدى التزام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بنظر المنازعة المحالة إليها عملاً بحكم المادة 11 مرافعات، والوقوع في مخالفة قانونية جديدة قوامها أن المحكمة غير ملزمة بنظر الدعوى المحالة إليها من محكمة أخرى بل لها أن تعاود البحث في مسألة الاختصاص من جديد مما يتيح لها الحكم بعدم اختصاصها وإحالتها مرة أخرى إلى المحكمة التي تراها مختصة، وذلك على خلاف ما استقر عليه القضاء من عدم جواز استئناف النظر من جديد في بحث مسألة الاختصاص والتزام المحكمة المحال إليها الدعوى عملاً بحكم المادة 110 سالفة الذكر - بالفصل في الدعوى المحالة إليها، وقد كان يكفيها لتوقي السقوط في هذه المخالفة التحقق من صحة ما دفعت به الهيئة الطاعنة من أن الدعوى قد أحيلت إلى محكمة الإسكندرية من المحكمة الإدارية للاقتصاد، ولو فعلت لتأكد لها أن الدعوى قد أقيمت ابتداء بإيداع عريضتها بمعرفة المدعي قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية، وإن اللبس الذي وقعت فيه الهيئة الطاعنة وسايرتها فيه محكمة القضاء الإداري يرجع إلى أن المدعي قد استبق دعواه بطلب إعفاء قدمه إلى لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة الإدارية للاقتصاد التي أحالته إلى هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة الإدارية بالإسكندرية لنظره، دون أن يعني ذلك إحالة الدعوى إلى المحكمة المذكورة، على الوجه الذي يثيره كيفية إعمال المادة 110 سالفة الذكر، الأمر الذي يتظاهر على أن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية قد أخطأت في تأويل القانون وتطبيقه فيما قضت به من تأييد حكم المحكمة الإدارية بمدينة الإسكندرية القاضي بعدم اختصاصه بنظر الدعوى رقم 479 لسنة 21 ق وإحالتها إلى محكمة طنطا التأديبية، كما أخطأ في فهم الوقائع وسلامة تكييفها القانوني وصدر مستخلصاً استخلاصاً غير سائغ من الأوراق، مما يتعين معه إلغاؤه وإلغاء الحكم الذي كان محلاً لقضائه لقيامها على غير أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة الإدارية بالإسكندرية بنظر الدعوى وبإحالتها إليها للفصل فيها مع إبقاء الفصل في المصروفات.