مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1320

(194)
جلسة 15 من يونيه سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 906 لسنة 27 القضائية

تكليف - طبيعته - مدته.
المادتان الأولى والتاسعة من القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة معدلاً بالقانون رقم 137 لسنة 1963 - المادة 9 من القانون رقم 87 لسنة 1960 لم تضع حداً أقصى لمدة التكليف - ليس مقتضى ذلك أن يرتبط المكلف بالعمل الذي كلف للقيام به برباط أبدي لا انفصام له - التكليف يكون بالنسبة إلى من تدعو الضرورة إلى تكليفه للقيام بعمل من الأعمال المتصلة بالمجهود الحربي - يشترط لاستمرار التكليف أن تتوفر حالة الضرورة التي تدعو إليه في ظل إعلان التعبئة العامة - ينتهي التكليف بحكم اللزوم بانتهاء حالة الضرورة التي كانت المسوغ القانوني لبقائه - امتناع جهة الإدارة عن إنهاء التكليف بعد زوال حالة الضرورة يشكل قراراً سلبياً بالامتناع يصلح أن يكون محلاً للطعن بالإلغاء - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 7/ 5/ 1981 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن وزير الدفاع ورئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 906 لسنة 27 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 10/ 3/ 1981 في الدعوى رقم 2003 لسنة 34 ق المقامة من إسماعيل محمد صالح قاطون ضد الطاعنين، والقاضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة، وبإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفض الدعوى في شقها العاجل، مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً، مع إلزام الطاعنين المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 18/ 3/ 1985، وبجلسة 1/ 4/ 1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 18/ 5/ 1985، وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم التالي وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 14/ 7/ 1980 أقام إسماعيل محمد صالح قاطون الدعوى رقم 2003 لسنة 34 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد كل من وزير الدفاع ورئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وطلب في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن إنهاء تكليفه من خدمة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليهما المصروفات شاملة أتعاب المحاماة.
وقال المدعي - شرحاً لدعواه - أنه بتاريخ 15/ 10/ 1965 التحق بخدمة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بناء على إرادته وبامتحان مسابقة، وبتاريخ 22/ 10/ 1972 وبعد أن أمضى في خدمة الجهاز زهاء سبع سنوات - أصدر وزير الحربية قراره رقم 419 لسنة 1972 بتكليفه بالاستمرار في العمل بالجهاز طبقاً لأحكام القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة، فانصاع لهذا القرار الجبري وظل يباشر عمله حتى تقدم باستقالته في 26/ 3/ 1977 ولم تصادف قبولاً لدى المدعى عليه الثاني لا لسبب إلا التعسف في استخدام السلطة، فقد استقالة أخرى في 19/ 3/ 1977 ولم تصادف أيضاً قبولاً، فانقطع عن العمل في 5/ 5/ 1979 والتحق بعمل آخر في بنك مصر، فتعقبه المدعى عليه الثاني وظل يلاحقه حتى تسبب في إنهاء خدمته من البنك، ولم يكتفي بذلك بل لاحقه لإبلاغ النيابة العامة متهماً إياه بارتكاب جريمة مخالفة أحكام القانون رقم 87 لسنة 1960 فتحرر عن ذلك المحضر رقم 2434 لسنة 1979 جنح مصر الجديدة، وقيدت جناية برقم 372 لسنة 1979 كلي شرق القاهرة، إلا أن النيابة العامة أمرت في 4/ 3/ 1980 بإلغاء رقم الجناية وقيدت الأوراق بدفتر الشكاوى الإدارية وحفظ البلاغ إدارياً. وعلى الرغم من أن قرار النيابة العامة بالحفظ هو قرار بألا وجه لإقامة الدعوى العمومية يحوز حجية أمام القضاء الجنائي والتأديبي والمدني وأمام السلطات الإدارية، فإن المدعى عليه الثاني أعاد الكرة في 21/ 4/ 1980 وتقدم ضده ببلاغ جديد إلى مأمور قسم شرطة مصر الجديدة يقول فيه أن قرار النيابة العامة سالف الذكر لا يسقط قرار التكليف لأن مخالفة التكليف من الجرائم المستمرة، وأن التكليف صدر بناء على أحكام المادة (9) من القانون رقم 87 لسنة 1960 ومن ثم فهو غير محدد المدة ولا ينتهي إلا برفعه، وأن حالة التعبئة العامة بالبلاد ما زالت معلنة، وطلب اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد المدعي لتخلفه عن تنفيذ قرار تكليفه.
وأضاف المدعي - بعد أن استعرض بعض نصوص القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة - أن المشرع ارتأى إنهاء حالة الطوارئ اعتباراً من 15/ 5/ 1980، ومن الطبيعي أن يضع ذلك حداً للعمل بالتشريعات الاستثنائية، ينهي كافة التدابير التي وضعتها أو أصدرتها سلطة الطوارئ بما لها من اختصاصات استثنائية في حالة الطوارئ، ومن ثم فإن مجرد انتهاء حالة الطوارئ يبطل العمل بهذه التدابير ويلغي كل استناد لها أو التمسك بأية قيمة قانونية لها.
وانتهى المدعي إلى أنه لما كانت القواعد العامة تجعل التكليف - كأداة استثنائية - أمراً موقوتاً، وكان البادي من الأوراق أن المدعى عليه الثاني دأب على الإساءة إليه دون مبرر قانوني وما زال يتعقبه، لذلك فقد أقام دعواه للحكم له بطلباته سالفة الذكر.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاع المدعى عليهما، جاء فيها أن المادة (9) من القانون رقم 87 لسنة 1960 لم تقرر حداً أقصى لمدة التكليف ومن ثم يحق للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التمسك بقرار التكليف دون إلزام عليه بإنهائه، فلا وجود للقرار السلبي بالامتناع عن إنهاء تكليف المدعي مما يقبل الطعن عليه بالإلغاء، وبالتالي يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى، وبالنسبة إلى الموضوع فإن عمل الجهاز متصل بالمجهود الحربي، ولذلك يجوز التكليف للعمل بالجهاز استناداً إلى المادة (9) من القانون رقم 87 لسنة 1960، ونظراً إلى أنه لم يصدر قرار من رئيس الجمهورية بإنهاء حالة التعبئة العامة فإن التكليف يظل قائماً، وأنه لا ارتباط بين إنهاء حالة الطوارئ وبين التعبئة العامة وتكليف المدعي. وانتهت إدارة قضايا الحكومة في مذكرتها إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعي، وإلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
كما قدمت إدارة قضايا الحكومة حافظة مستندات طويت على صورة من قرار وزير الحربية رقم 419 لسنة 1972 بتكليف المدعي وآخرين بالاستمرار في العمل بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالصفة المدنية، وحافظة أخرى طويت على كشف بأسماء شاغلي وظيفة مخطط برامج الكترونية ثان بالجهاز، ووصف واختصاصات هذه الوظيفة، وصورة من قرار رئيس الجهاز رقم 265 لسنة 1980 بقبول استقالة زميل المدعي.
وبجلسة 10/ 3/ 1980 حكمت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أنه ولئن كان البادي من نصوص القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة أن المشرع لم يضع حداً أقصى لمدة التكليف - بخلاف الاستدعاء والندب - إلا أن الواضح من نص المادة التاسعة من هذا القانون أن التكليف منوط بتوافر حالة الضرورة التي يدعو إليها القيام بعمل من الأعمال المتعلقة بالمجهود الحربي، وأن نظام التكليف بحسب طبيعته نظام استثنائي يضع قيداً على حرية الأفراد في العمل، ومن ثم يتعين عدم الالتجاء إليه إذا دعت إليه حاجة ملحة، وذلك بأن يتعذر على جهة الإدارة الحصول على خدمات شخص ما عن طريق التعيين الاختياري، وأن الجهاز المدعى عليه لم يبين صلة عمل المدعي - كمخطط برامج الكترونية - بالتعبئة وأعمال المجهود الحربي، كما أن الجهاز أصدر قراراً بقبول استقالة زميل المدعي في العمل، بالإضافة إلى أن تكليف المدعي قد استطال لأكثر من ثماني سنوات وهي مدة كانت تكفي ليتدبر الجهاز أموره بتعيين العناصر اللازمة للقيام بالعمل الذي كلف به المدعي، حتى لا يتحول التكليف - وهو نظام استثنائي مؤقت بطبيعته - إلى نظام دائم لا سبيل إلى الفكاك منه. ومتى كان الأمر على هذا النحو فإن الامتناع عن إنهاء تكليف المدعي يكون غير قائم بحسب الظاهر على سبب يبرره أو أساس سليم من القانون، ومن ثم فإن هذا الامتناع يشكل قراراً سلبياً مما يقبل الطعن عليه بالإلغاء، وبالتالي فلا وجه للقول بعدم قبول الدعوى، وخلصت المحكمة مما سبق إلى توافر ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ قرار الامتناع عن إنهاء تكليف المدعي - وهو القرار المطعون فيه - وأن ركن الاستعجال متوافر بدوره لما ينطوي عليه هذا القرار من مساس بحرية المدعي في العمل، مما يتعين معه الحكم بوقف تنفيذ هذا القرار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على أساس أن هذا الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك استناداً إلى ما يلي:
1 - إن امتناع الجهة الإدارية أو رفضها لا يترتب عليه قيام القرار الإداري إلا إذا كان إصدار هذا القرار إيجاباً أو سلباً - واجباً على الجهة الإدارية بحكم القانون، ولما كانت المادة (9) من القانون رقم 87 لسنة 1960 لم تقرر حداً أقصى لمدة التكليف - بخلاف الحال بالنسبة إلى الاستدعاء والندب - ومن ثم يحق للجهاز أن يتمسك بقرار تكليف المطعون ضده بالعمل فيه دون إلزام عليه بإنهاء هذا التكليف، وبالتالي فلا وجود لقرار سلبي من جانب الجهاز بالامتناع عن إنهاء تكليف المطعون ضده، مما كان يتعين معه الحكم بقبول الدعوى.
2 - أن عمل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء متصل بالمجهود الحربي، ومن ثم يجوز التكليف للعمل بهذا الجهاز استناداً إلى المادة (9) من القانون رقم 87 لسنة 1960 - معدلة بالقانون رقم 137 لسنة 1963 - الذي تنص على أن لرئيس الجمهورية أن يصدر أمراً بتكليف من تدعو الضرورة إلى تكليفه.. للقيام بعمل من الأعمال المتعلقة بالمجهود الحربي، وقد فوض رئيس الجمهورية وزير الحربية في مباشرة هذا الاختصاص بالقرار رقم 56 لسنة 1972.
3 - طبقاً لنص المادة (1) من القانون رقم 87 لسنة 1960 تعلن التعبئة العامة بقرار من رئيس الجمهورية ويعلن انتهاء التعبئة بقرار منه عند زوال الحالة التي أوجبت إعلانها، ولم يصدر حتى الآن قرار بإنهاء حالة التعبئة العامة، ومن ثم يظل التكليف قائماً باستمرار قيام حالة التعبئة العامة. وهناك فرق بين التعبئة العامة وحالة الطوارئ، وقد أعلنت التعبئة العامة بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 1338 لسنة 1967 اعتباراً من 5/ 7/ 1967 ولا زالت قائمة، أما حالة الطوارئ - التي ينظمها القانون رقم 162 لسنة 1958 - فقد أعلنت في سنة 1967 وانتهت بقرار رئيس الجمهورية رقم 207 لسنة 1980، ولكل من هاتين الحالتين مجالها، ومن ثم فلا ارتباط بين إنهاء حالة الطوارئ وتكليف المطعون ضده.
4 - أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يقرر أنه في حاجة لعمل المطعون ضده لديه، باعتباره من الخبرات التي يحتاجها الجهاز بالنظر إلى نوع العمل المنوط به وتخصصه، والجهاز في ذلك لا يسئ استعمال سلطته، ومن ثم يكون طلب المطعون ضده اعتبار تكليفه منتهياً أو طلب وقف القرار السلبي بالامتناع عن إنهاء تكليفه غير قائم على سند من القانون متعيناً رفضه، وبالتالي فإن ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه يغدو متخلفاً، ويتعين لذلك الحكم برفض طلب وقف تنفيذ هذا القرار، دون حاجة إلى استظهار مدى توافر ركن الاستعجال.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أصدر القرار رقم 169 لسنة 1981 في 6/ 4/ 1981 بإنهاء خدمة المطعون ضده من العمل بالجهاز اعتباراً من 5/ 5/ 1979 تاريخ انقطاعه عن العمل، إلا أن الثابت من كتاب مدير الإدارة العامة للشئون القانونية بالجهاز المؤرخ في 13/ 10/ 1982، ومما ورد في ديباجة القرار المشار إليه، أن هذا القرار صدر تنفيذاً للحكم المطعون فيه، ولم يصدر استجابة من الجهاز لطلبات المطعون ضده، ومن ثم فإنه لا يعتبر منهياً للخصومة في هذا الطعن.
ومن حيث إن المادة (1) من القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة تنص على أن "تعلن التعبئة العامة بقرار من رئيس الجمهورية في حالة توتر العلاقات الدولية أو قيام خطر الحرب أو نشوب حرب. ويعلن رئيس الجمهورية انتهاء التعبئة بقرار منه عند زوال الحالة التي أوجبت إعلانها...". وتنص المادة (9) من هذا القانون - معدلة بالقانون رقم 137 لسنة 1963 - على أن "لرئيس الجمهورية أن يصدر أمراً بتكليف من تدعو الضرورة إلى تكليفه من غير الطوائف التي يعينها مجلس الدفاع الوطني.. وذلك للقيام بعمل من الأعمال المتعلقة بالمجهود الحربي". وبموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 56 لسنة 1972 فوض وزير الحربية في مباشرة الاختصاص المنصوص عليه في المادة (9) من القانون المشار إليه، واستناداً إلى هذا القرار أصدر وزير الحربية القرار رقم 419 لسنة 1972 في 22/ 10/ 1972 بتكليف المطعون ضده مع آخرين بالاستمرار في العمل بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالصفة المدنية.
ومن حيث إنه ولئن كانت المادة (9) من القانون رقم 87 لسنة 1960 - التي تم تكليف المطعون ضده استناداً إليها - لم تضع حداً أقصى لمدة التكليف، إلا أنه ليس مقتضى ذلك أن يرتبط المكلف بالعمل الذي كلف للقيام به برباط أبدى لا انفصام له، إذ أنه طبقاً لنص المادة (9) المذكورة فإن التكليف يكون بالنسبة إلى من تدعو الضرورة إلى تكليفه للقيام بعمل من الأعمال المتعلقة بالمجهود الحربي، ومن ثم فإنه يشترط لإجراء التكليف أن تتوافر حالة الضرورة التي تدعو إليه، وذلك في ظل إعلان التعبئة العامة نتيجة لتوتر العلاقات الدولية أو قيام خطر الحرب أو نشوب حرب، وفقاً لنص المادة (1) من القانون المشار إليه. ولما كانت الضرورة تقدر بقدرها، وكان نظام التكليف - بحسب طبيعته والظروف التي تقتضيه وما يفرضه من قيود على الحرية الشخصية للأفراد في اختيار مناسبات العمل - هو نظام استثنائي ومؤقت فإن استمرار التكليف يرتبط ببقاء حالة الضرورة وهو يدور معها وجوداً وعدماً، بحيث ينتهي التكليف - بطريق اللزوم - إذا انتهت حالة الضرورة التي دعت إليه، وإلا أصبح التكليف نظاماً دائماً على خلاف طبيعته ومتقصياته.
ومن حيث إنه بفرض التسليم بأن عمل المطعون ضده بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء - كمخطط برامج الكترونية كان يتصل بالمجهود الحربي، فإن الظروف التي اقتضت إصدار قرار وزير الحربية رقم 419 لسنة 1972 بتكليف المطعون ضده مع آخرين بالاستمرار في العمل بالجهاز بالصفة المدنية - حيث كانت مصر تمارس حرب الاستنزاف توطئة لخوض معركة العبور الحاسمة - هذه الظروف تغيرت بعد ذلك حين بدأت مصر مسيرة السلام في عام 1978، وانتهت بذلك - من الناحية الواقعية - حالة الضرورة التي كانت المسوغ القانوني لتكليف المطعون ضده بالتطبيق لأحكام القانون رقم 87 لسنة 1960 المشار إليه، وأصبح استمرار تكليفه - على الرغم من تغير الظروف التي اقتضته وانتهاء حالة الضرورة التي دعت إليه - لا يقوم على سبب واضح يبرره، ولا يكفي لاستمرار تكليف المطعون ضده أن يكون الجهاز في حاجة إلى عمله، طالما أن حالة الضرورة التي دعت إلى تكليفه لم تعد - بحسب الظاهر قائمة.
وعلى ذلك فإن امتناع الجهاز عن إنهاء تكليفه المطعون ضده لا يستند - بحسب الظاهر - إلى أساس سليم من القانون، ولما كان الامتناع يشكل قراراً سلبياً من جانب الجهاز يصلح أن يكون محلاً للطعن بالإلغاء، فإن الدعوى المقامة من المطعون ضده بطلب الحكم بوقف تنفيذ هذا القرار ثم بإلغائه تكون مقبولة، ويكون الدفع بعدم قبولها لهذا السبب حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن القرار المطعون فيه - بحسب الظاهر - قرار غير سليم - الأمر الذي يرجح معه الحكم بإلغائه عند الفصل في موضوع الدعوى، فإنه يكون قد توافر في طلب وقف تنفيذ هذا القرار ركن الجدية، فضلاً عن توافر ركن الاستعجال في الطلب نظراً لما يترتب على هذا القرار من نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه، تتمثل في تفويت فرص العمل الحر على المطعون ضده، مما يتعين معه الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب - فقضى بوقف تنفيذ هذا القرار - فإنه يكون قد جاء صحيحاً ومتفقاً مع أحكام هذا القانون، ويكون الطعن عليه غير سليم قانوناً، ويتعين لذلك الحكم برفض هذا الطعن وإلزام الإدارة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت جهة الإدارة المصروفات.