مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1985 إلى آخر سبتمبر سنة 1985) - صـ 1328

(195)
جلسة 15 من يونيه سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد هلال قاسم رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم - المستشارين.

الطعن رقم 1293 لسنة 28 القضائية

تراخيص - تراخيص حمل الأسلحة.
القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر معدلاً بالقانون رقم 75 لسنة 1958 - المشرع خول جهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة النطاق في مجال الترخيص في حيازة الأسلحة النارية - يجوز لجهة الإدارة رفض منح الترخيص أو تجديده أو سحبه أو إلغاؤه - أساس ذلك: الملاءمات المتروكة لتقدير جهة الإدارة حسبما تراه كفيلاً بحماية المجتمع واستتباب الأمن العام - لا يفيد جهة الإدارة في إعمال سلطتها التقديرية سوى وجوب تسبيب قراراتها في هذا الشأن ما دامت مطابقة للقانون وخالية من التعسف في استعمال السلطة - الحالات الواردة في المادة 7 من القانون رقم 394 لسنة 1954 قيدت جهة الإدارة وأوجبت عليها رفض الترخيص أو رفض تجديده - إذا قامت بطالب الترخيص أو التجديد إحدى هذه الحالات يتعين رفض طلبه دون أن يكون لجهة الإدارة سلطة تقديرية في هذا الشأن - مثال: أن يكون طالب الترخيص أو التجديد قد حكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 20/ 6/ 1982 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن وزير الداخلية، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1293 لسنة 28 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 20/ 4/ 1982 في الدعوى رقم 1097 لسنة 33 ق المقامة من ماهر إسكندر مليكه ضد وزير الداخلية، والقاضي بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الحكومة المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير طعنه - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 18/ 2/ 1985، وبجلسة 1/ 4/ 1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 18/ 5/ 1985، وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم التالي، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عن النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 25/ 4/ 1979 أقام ماهر إسكندر مليكه الدعوى رقم 1097 لسنة 33 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير الداخلية، وطلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ قرار الرفض السلبي فيما تضمنه من عدم الترخيص له بحمل السلاح الذي أمرت نيابة شرق القاهرة بتسليمه له، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعي - شرحاً لدعواه - أن وزارة الداخلية وافقت على الترخيص له بحمل سلاح منذ سنة 1948، وصدر له الترخيص رقم 50705/ 1948، وظل يحوز السلاح المرخص له بحمله ويقوم بتجديد الترخيص، إلى أن اتهم في القضية رقم 2504/ 72 جنايات الظاهر (231/ 72 شرق القاهرة) وكان قد استعمل سلاحه المرخص في الدفاع عن نفسه واقتضى التحقيق أن تقوم النيابة العامة بتحريز السلاح وترخيصه على ذمة الفصل في القضية وحرص المدعي طوال مدة التحريز على أن يؤدي رسوم تجديد الترخيص في الميعاد القانوني، إلى أن صدر الحكم في القضية المشار إليها من محكمة جنايات القاهرة في 11/ 3/ 1978، فأصدر رئيس نيابة شرق القاهرة - بناء على طلبه - أمراً في 2/ 1/ 1979 بتسليمه السلاح الذي كان مودعاً بقسم شرطة الظاهر، ونظراً لفقد الترخيص فقد تقدم المدعي في 16/ 1/ 1979 بطلب إلى مأمور قسم الظاهر لمنحه ترخيص سلاح بدلاً من الترخيص المفقود وسدد الرسم المطلوب، إلا أن وزارة الداخلية لم تستجب لطلبه، الأمر الذي يعتبره المدعي قراراً سلبياً برفض الطلب، ونعى المدعي على هذا القرار أنه لا يقوم على أساس سليم من الواقع أو القانون، وذلك استناداً إلى أن الوزارة ظلت تتسلم رسوم تجديد الترخيص طوال الفترة التي كان فيها السلاح والترخيص محرزين على ذمة الفصل في القضية المتهم فيها مما يعتبر دليلاً على عدم إلغاء الترخيص، وأنه بعد أن صدر الحكم في القضية المذكورة وثبت أنه كان في حالة دفاع شرعي أمرت نيابة شرق القاهرة بتسليمه السلاح والترخيص وقام قسم شرطة الظاهر بتسليمه السلاح، وأن الظروف التي تستوجب أن يحمل السلاح دفاعاً عن النفس والمال ما زالت قائمة. وانتهى المدعي إلى أنه لما كان القرار المطعون فيه يعرض حياته للأخطار التي يتعذر تداركها، نظراً لحرمانه من سلاح يدافع به عن نفسه وماله، فإنه يطلب وقف تنفيذ هذا القرار إلى حين الفصل في طلب إلغائه.
وأودع المدعي حافظتي مستندات طويت الأولى على كشف بالخطابات المسجلة بعلم الوصول المرسلة لمأمور قسم شرطة الظاهر مرفقاً بها حوالات بريدية حكومية برسوم تجديد الترخيص طوال الفترة التي ظل فيها السلاح وترخيصه محرزين على ذمة الفصل في القضية التي كان متهماً فيها، والخطاب الصادر من نيابة الظاهر إلى قسم الظاهر في 2/ 1/ 1979 لتنفيذ قرار رئيس نيابة شرق القاهرة المؤرخ في 3/ 12/ 1978 بتسليم المدعي المسدس الذي كان محرزاً على ذمة القضية المذكورة. وطويت الحافظة الثانية على صورة رسمية من التحقيقات التي أجرتها نيابة الظاهر في المحضر رقم 171 لسنة 1980 قسم الظاهر الذي نسبت فيه الشرطة للمدعي حيازة السلاح بدون ترخيص، وشهادة رسمية من نيابة الظاهر تفيد أن المحضر المشار إليه حفظ إدارياً.
وقدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بالرد على الدعوى، دفعت فيها بعدم قبول الدعوى شكلاً تأسيساً على أن الترخيص للمدعي بحمل السلاح انتهى في 31/ 12/ 1972، ولم يصدر قرار من الجهة الإدارية بتجديده رغم قيامه بسداد الرسوم، الأمر الذي يقوم قرينة قانونية قاطعة على علم المدعي بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً اعتباراً من 1/ 1/ 1973، ولم يقم دعواه إلا في 25/ 4/ 1979، ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد، هذا فضلاً عن أن المدعي لم يسلك سبيل الطعن الذي رسمه قرار وزير الداخلية الصادر في 7/ 9/ 1954 تنفيذاً لقانون الأسلحة والذخائر، مما يجعل دعواه غير مقبولة. كما طلبت احتياطياً الحكم برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعي، استناداً إلى أن المستفاد من أحكام المادتين (4) و(7) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر، أن الترخيص في حمل السلاح من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام، ولا معقب عليها ما دامت قراراتها مطابقة للقانون وخالية من إساءة استعمال السلطة، غير أنه إذا قامت بطالب منح الترخيص أو تجديده إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (7) من القانون المشار إليه ومن بينها الحكم عليه بعقوبة جنائية أن بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال، فإنه يتعين رفض الطلب دون أن يكون لجهة الإدارة أية سلطة تقديرية في هذا الشأن، والثابت بأوراق الدعوى أن القرار المطعون فيه صدر من مدير أمن القاهرة بإلغاء الترخيص الصادر للمدعي بحمل السلاح لصالح الأمن العام لاتهامه في جناية اعتداء على النفس، وقد حكمت محكمة جنايات القاهرة على المدعي بحبسه مع الشغل لمدة سنة وإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات لتجاوزه حق الدفاع الشرعي، ولذلك فإن قرار الجهة الإدارية سواء بإلغاء الترخيص الصادر للمدعي بحمل السلاح أو برفض تجديده يكون قائماً على سبب يبرره، بل إن هذا السبب يدخل ضمن الأسباب التي تحتم رفض الترخيص طبقاً للمادة (7) من القانون رقم 394 لسنة 1954 سالفة الذكر، ومن ثم فإن أوجه الطعن التي ساقها المدعي للنيل من القرار المطعون فيه لا يؤازرها واقع ولا قانون، وبالتالي فإن طلب وقف تنفيذ هذا القرار لا يتوافر فيه ركن الجدية، كما لا يتوافر فيه ركن الاستعجال لأنه لن يترتب على تنفيذ هذا القرار نتائج يتعذر تداركها.
وأودعت إدارة قضايا الحكومة ملف الترخيص الخاص بالمدعي، وتقرير وحدة مباحث قسم شرطة الظاهر بخصوص الاتهام الموجه للمدعي في القضية رقم 2504/ 72 جنايات قسم الظاهر، ومذكرة وحدة الرخص بمديرية أمن القاهرة في شأن الموافقة على إلغاء الترخيص الخاص بالمدعي لإساءته استعمال السلاح واتهامه في قضية جناية قتل.
كما أودعت إدارة قضايا الحكومة حافظتي مستندات، طويت الأولى على صورة معتمدة، من حكم محكمة جنايات القاهرة الصادر في الجناية رقم 2504 لسنة 1972 الظاهر بجلسة 11/ 3/ 1978 الذي قضى بمعاقبة المدعي بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، وطويت الحافظة الثانية على كتاب وزارة الداخلية بالرد على طلب بيان تاريخ إخطار المدعي بإلغاء الترخيص، ومذكرة وزارة الداخلية التي تفيد أن المدعي لم يتظلم من القرار المطعون فيه ولم يتقدم بطلب لإعادة الترخيص حتى رفع الدعوى.
وقدم المدعي مذكرة رد فيها على الدفع المبدى من الحكومة بعدم قبول الدعوى، بأنه ليس في الأوراق ما يفيد علمه يقيناً بالقرار المطعون فيه، وأن قرار إلغاء الترخيص جاء خالياً من الأسباب التي تؤدي إليه وتنتجه.
وبجلسة 23/ 12/ 1980 حكمت المحكمة - في الشق المستعجل من الدعوى - بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الحكومة مصروفات هذا الطلب، وقالت المحكمة بالنسبة إلى الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، أنه وإن كان الثابت من ملف الترخيص أن قرار مدير أمن القاهرة بإلغاء الترخيص لإساءة استعمال المدعي للسلاح واتهامه في جناية قتل قد صدر في 2/ 2/ 1973، إلا أن الأوراق قد خلت من بيان بإخطار المدعي أو بعلمه بهذا القرار وأسبابه، ومن ثم فإن تاريخ علم المدعي اليقيني بالقرار المطعون فيه وأسبابه يكون مفتقداً في الدعوى، ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد أو لعدم تظلم المدعي من القرار المطعون فيه لا أساس له، ويتعين لذلك رفضه.
وبالنسبة إلى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه قالت المحكمة أن الثابت أن الجهة الإدارية قد امتنعت عن تجديد الترخيص للمدعي بحمل السلاح استناداً إلى اتهامه في الجناية رقم 2504 لسنة 1972 قسم الظاهر، وأن الامتناع قام على أساس هذا السبب وحده، وأنه بالرجوع إلى الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة في الجناية المشار إليها يبين أن هذا الحكم قد نفى نسبة أية نية إجرامية للمدعي بما يسقط حجة الإدارة في أن حمل المدعي لسلاح يخل بالأمن العام أو يهدده، كما أن العقوبة التي قضى بها هذا الحكم ليست عقوبة جناية وقد أوقف تنفيذها، مما يسقط شرط تطبيق المادة (7) من القانون رقم 394 لسنة 1954 ويفقد القرار المطعون فيه سند مشروعيته، ومن ثم يتحقق في طلب وقف تنفيذ هذا القرار ركن الجدية، بالإضافة إلى تحقق ركن الاستعجال فيه بحرمان المدعي من حمل سلاح لمواجهة المتطلبات التي دعت إلى الترخيص له به ابتداء.
وبجلسة 20/ 4/ 1982 حكمت المحكمة - في الشق الموضوعي من الدعوى - بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت الحكومة المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن الثابت من الأوراق أن امتناع وزارة الداخلية عن تجديد ترخيص السلاح للمدعي استند إلى سبب وحيد يتمثل في اتهامه في الجناية رقم 2504 لسنة 1972 قسم الظاهر، ومن ثم يتعين مراقبة مشروعية القرار المطعون فيه في ضوء هذا السبب واستظهار مدى ما تكشف عنه الوقائع الثابتة في حق المدعي في تلك الجناية من إخلال بالأمن العام أو تهديده، وأنه بالاطلاع على مدونات الحكم في الجناية المشار إليها يبين أن المدعي قد تجاوز حق الدفاع الشرعي في استعماله السلاح، ولم يكن يقصد إحداث ضرر أشد مما يستلزم ذلك الدفاع، وكان ذلك بنية سليمة، الأمر الذي دفع المحكمة إلى الاكتفاء بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة مع إيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، وأن هذا الحكم لا يكشف عن أية خطورة على الأمن العام أو ينسب إلى المدعي أية نية إجرامية تبرر إصدار القرار المطعون فيه، فضلاً عن أن العقوبة التي صدر بها الحكم ليست عقوبة جنائية وقد أوقف تنفيذها، الأمر الذي لا تتوافر معه شروط تطبيق المادة (7) من قانون الأسلحة والذخائر ولذلك فإن القرار المطعون فيه بالامتناع عن منح المدعي ترخيصاً بحمل السلاح لا يستند إلى سبب سليم واقعا أو قانوناً ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن الطعن في الحكم المشار إليه يقوم على أساس أن هذا الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك أن المستفاد من أحكام المادتين (4)، (7) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر أن الترخيص أو عدم الترخيص بحمل الأسلحة من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة تترخص فيها حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام بناء على ما تطمئن إليه من اعتبارات وظروف الأحوال، على أنه يتحتم على الإدارة رفض الترخيص وفقاً للمادة (7) من القانون المشار إليه إذا حكم على طالب الترخيص بعقوبة جناية أو بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال، والثابت بالأوراق أن القرار الصادر بإلغاء الترخيص الممنوح للمطعون ضده بحمل سلاح قام على أساس اتهامه في جناية اعتداء على النفس بقتل مواطن، حيث اعترف بجريمته وباستخدامه السلاح المرخص له به في تنفيذها، وتم ضبط السلاح على ذمة القضية، ومن ثم فإن قرار مدير أمن القاهرة بإلغاء الترخيص لهذا السبب وما يعكسه من خطورة على الأمن العام - وفقاً للملاءمات المتروكة لتقديره - يكون مستنداً إلى سبب صحيح ومطابقاً لأحكام القانون، وقد تأكدت مشروعية هذا القرار بالحكم على المطعون ضده في الجناية المشار إليها بالحبس لمدة سنة، مما يقطع بصحة الاتهام المسند إليه، ويدخله في إحدى حالات عدم جواز منح الترخيص المنصوص عليها في المادة (7) من القانون رقم 394 لسنة 1954، وقد أخطأ الحكم المطعون فيه إذ تطلب لإعمال حكم هذه المادة ضرورة وجود نية إجرامية لدى المطعون ضده، كما أن وقف تنفيذ العقوبة لا يمنع من تطبيق المادة المذكورة طالما صدر الحكم في جريمة اعتداء على النفس وبعقوبة لا تقل عن سنة، ومتى كان ذلك فإن القرار المطعون فيه يكون قد صادف أحكام القانون، ويكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بإلغائه - قد جانب الصواب ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن المادة (1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر - المعدل بالقانون رقم 75 لسنة 1958 - تنص على أن "يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه حيازة أو إحراز أو حمل الأسلحة النارية..." وتنص المادة (4) من هذا القانون على أن "لوزير الداخلية أو من ينيبه عنه رفض الترخيص أو تقصير مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة أو تقييده بأي شرط يراه، أو سحب الترخيص مؤقتاً أو إلغاؤه، ويكون قرار الوزير برفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه مسبباً"، وتنص المادة (7) من القانون المذكور على أنه "لا يجوز منح الترخيص المنصوص عليه في المادة الأولى إلى:
( أ ).................
(ب) من حكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال...".
ومن حيث إن المستفاد من إطلاق عبارة المادة (4) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه وشمولها، أن المشرع خول جهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة النطاق في مجال الترخيص في حيازة أو إحراز أو حمل الأسلحة النارية، فأجاز لها رفض منح الترخيص أو تجديده أو سحبه مؤقتاً أو إلغاءه، بحيث يعتبر ذلك من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة تترخص فيها حسبما تراه كفيلاً بحماية المجتمع واستتباب الأمن العام، بناء على ما تطمئن إليه من الظروف والاعتبارات التي تزنها ومن البيانات والمعلومات التي تتجمع لديها من المصادر المختلفة، ولا يقيدها في إعمال سلطتها التقديرية في هذا الخصوص سوى وجوب تسبيب القرارات التي تصدرها برفض منح الترخيص أو بسحبه أو بإلغائه، ولا معقب على قراراتها في هذا الشأن ما دامت مطابقة للقانون وخالية من التعسف وإساءة استعمال السلطة. على أنه ولئن كان ذلك هو الأصل في منح الترخيص أو رفضه أو سحبه أو إلغائه، إلا أن هناك حالات قيد فيها القانون سلطة الإدارة وأوجب عليها رفض منح الترخيص أو رفض تجديده، وهي الحالات المنصوص عليها في المادة (7) من القانون رقم 394 لسنة 1954، فإذا ما قامت بطالب الترخيص أو التجديد إحدى هذه الحالات تعين رفض طلبه، دون أن يكون لجهة الإدارة أية سلطة تقديرية في هذا الشأن، من بين هذه الحالات أن يكون طالب الترخيص أو التجديد قد حكم عليه بعقوبة جنائية أو بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان مرخصاً له في إحراز وحمل مسدس بموجب الترخيص رقم 50705/ 28 الصادر في 24/ 12/ 1948، واستمر في تجديد هذا الترخيص حتى 31/ 12/ 1972، وعلى أثر اتهام المطعون ضده - في 2/ 8/ 1972 - في قضية ارتكاب جناية القتل رقم 2504 لسنة 1972 جنايات الظاهر، لقيامه بإطلاق عيارين ناريين من مسدسه المرخص له به على المجني عليه أثر مشادة كلامية بينهما، واعترافه بارتكاب الحادث وضبط المسدس المستعمل في هذا الحادث على ذمة القضية، وإحالة المطعون ضده إلى محكمة الجنايات وبناء على تقرير وحدة المباحث بقسم شرطة الظاهر، ومذكرة وحدة الرخص بمديرية أمن القاهرة في شأن هذا الموضوع، فقد أصدر مدير أمن القاهرة في 2/ 2/ 1973 قراراً بإلغاء الترخيص المشار إليه، لإساءة استعمال السلاح واتهام المرخص له (المطعون ضده) في قضية جناية قتل، ويتضح من ذلك أن هذا القرار صدر قائماً على سببه المستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تنتجه، وفي نطاق السلطة التقديرية المقررة لجهة الإدارة المختصة بمقتضى نص المادة (4) من القانون رقم 394 لسنة 1954، ومن ثم فإن هذا القرار يكون سليماً ومطابقاً لأحكام القانون.
ومن حيث إنه لا وجه للقول بأن المطعون ضده استمر في أداء رسوم تجديد الترخيص في مواعيدها عن طريق الحوالات البريدية الحكومية التي كان يرسلها إلى جهة الإدارة عاماً بعد عام، ذلك أن الثابت من الاطلاع على ملف الترخيص الخاص بالمطعون ضده أن جهة الإدارة لم تقبل الحوالات المشار إليها، وإنما تعذر عليها إعادة تسليمها إلى المطعون ضده في حينه، نظراً إلى أن سكنه كان مغلقاً نتيجة تغيبه عنه، ومن ثم فإن جهة الإدارة لم تستجب لطلب المطعون ضده تجديد الترخيص بعد أن كانت قد ألغته بقرارها المشار إليه.
ومن حيث إنه لا محل للاستناد إلى ما ورد في أسباب حكم محكمة جنايات القاهرة الصادر في الجناية المشار إليه، من أن المطعون ضده تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي دون أن يكون قاصداً إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع، وذلك للقول بأن هذا الحكم قد نفى نسبة أية نية إجرامية للمطعون ضده ولا يكشف عن أية خطورة على الأمن العام، لا محل لذلك، إذ أنه فضلاً عن أن هذا الحكم صدر في تاريخ لاحق لتاريخ صدور قرار إلغاء الترخيص ولم يصدر هذا القرار تنفيذاً له، فإن الأمر في مجال الترخيص لا يتوقف عند نية المطعون ضده وما إذا كانت إجرامية أو غير إجرامية، وإنما تكمن خطورة الموقف وأثر ذلك على الأمن العام في تجاوز المطعون ضده حدود حق الدفاع الشرعي، حيث إساءة استعمال هذا الحق ولم يحسن استخدام السلاح المرخص له به في حدود القدر اللازم للدفاع به عن نفسه، مما ترتب عليه إزهاق روح المجني عليه، وهو ما يؤدي بذاته إلى الإخلال بالأمن العام، فإذا ما تدخلت جهة الإدارة المختصة - باعتبارها القوامة على حماية المجتمع وصيانة الأمن العام - فألغت ترخيص السلاح الذي كان الأداة الفعالة في ارتكاب جناية القتل سالفة الذكر والتي اعترف المطعون ضده بارتكابها وتم ضبط السلاح المستخدم فيها، فإنها تكون قد أعملت سلطتها التقديرية المخولة لها طبقاً لأحكام القانون، دون تجاوز أو تعسف في استعمال هذه السلطة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما يطلبه المطعون ضده من إلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بعدم الترخيص له في حمل السلاح الذي أمرت نيابة شرق القاهرة بتسليمه إليه لمخالفة هذا القرار للقانون، فإنه لما كانت المادة (7) من القانون رقم 394 لسنة 1954 تقضي بعدم جواز منح الترخيص إلى من حكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال، وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت بجلسة 11/ 3/ 1978 في الجناية رقم 2504 لسنة 1972 قسم الظاهر سالفة الذكر - وهي من جرائم الاعتداء على النفس - بمعاقبة المطعون ضده بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، فإنه - طبقاً لنص المادة (7) المذكورة - لا يجوز منح ترخيص للمطعون ضده بحمل السلاح المنوه عنه - وسلطة جهة الإدارة في هذه الحالة سلطة مقيدة، إذ يتحتم عليها رفض منح الترخيص، وذلك بغض النظر عن مدى ما يكشف عنه هذا الحكم من وجود نية إجرامية لدى المطعون ضده أو خطورة على الأمن العام، ولا يغير من ذلك كون المحكمة أمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، إذ أن الآثار المترتبة على الحكم - فيما عدا تنفيذ العقوبة - تبقى قائمة طيلة مدة إيقاف التنفيذ - ومن هذه الآثار ما يتعلق بعدم جواز منح الترخيص وفقاً للمادة (7) المشار إليها التي جاء نصها مطلقاً دون أن يرد عليه استثناء خاص بحالة إيقاف تنفيذ العقوبة، على نحو ما ورد في بعض القوانين الأخرى، والقاعدة أن المطلق يؤخذ على إطلاقه ما لم يرد عليه استثناء أو قيد يقيده، وإذا كان يترتب على انقضاء مدة إيقاف التنفيذ دون أن يصدر خلالها حكم يلغي الإيقاف - اعتبار الحكم الصادر بالعقوبة كأن لم يكن، إلا أن العبرة في تقدير مدى مشروعية القرار الإداري هي بوقت صدوره أو بالوقت الذي كان يجب أن يصدر فيه بالنسبة إلى القرار السلبي، والثابت أن المطعون ضده أقام دعواه بطلب إلغاء القرار السلبي بعدم الترخيص له في حمل السلاح قبل انقضاء مدة إيقاف تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه، أي في وقت كان يمتنع فيه على جهة الإدارة منحه الترخيص طبقاً للمادة (7) من القانون رقم 394 لسنة 1954. وعلى ذلك فإن امتناع جهة الإدارة عن الترخيص للمطعون ضده في حمل السلاح، بسبب الحكم عليه بعقوبة الحبس لمدة سنة في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس، يكون قائماً على سبب صحيح وتطبيقاً سليماً لأحكام القانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ذهب غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف حكم القانون ويتعين لذلك الحكم بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده المصروفات.