مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 71

(7)
جلسة 25 من أكتوبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وحسن حسنين علي والدكتور محمود صفوت عثمان المستشارين.

الطعن رقم 3417 لسنة 29 القضائية

( أ ) تعبئة عامة - التدابير التي تتخذ في حالة التعبئة العامة - الاستيلاء على عقار لازم للمجهود الحربي.
القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة.
ميز المشرع بين نوعين من التدابير: النوع الأول: تدابير يلزم لاتخاذها إعلان حالة التعبئة العامة مثال ذلك: استدعاء الضباط الاحتياط وإلزام عمال المرافق العامة التي يصدر بتحديدها قرار من مجلس الدفاع الوطني بالاستمرار في أداء أعمالهم تحت إشراف الجهة الإدارية المختصة - النوع الثاني: تدابير لا يلزم لاتخاذها إعلان حالة التعبئة العامة مثال ذلك: الاستيلاء على العقارات اللازمة للمجهود الحربي أو شغلها - نشوب الحرب فعلاً أو قيام خطرها ولئن كان من دواعي إعلان حالة التعبئة العامة إلا أنها ليست مناط اتخاذ التدابير التي تندرج تحت النوع الثاني - تطبيق.
(ب) مجهود حربي - طبيعته - علاقته بحالة الحرب.
إذا قدرت الجهة الإدارية المختصة (وزير الدفاع) استمرار شغل عقار مستولى عليه للمجهود الحربي لتعذر استبداله فلا معقب عليها في هذا الشأن طالما أن المجهود الحربي كان هو الهدف من الاستيلاء على العقار - أساس ذلك: أن المجهود الحربي مطلوب في جميع الظروف سلماً أو حرباً فالقوات المسلحة لا بد أن تكون مستعدة في جميع الأحوال - نتيجة ذلك: أن انتهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل بتوقيع معاهدة السلام وإن اعتبر سبباً لإنهاء حالة التعبئة العامة إلا أنه لا يعني أن المجهود الحربي قد استنفد أغراضه وفقد دواعيه - أساس ذلك: أن المجهود الحربي هو جهد دائم لا يرتبط بقيام حالة الحرب أو بإعلان حالة التعبئة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 24 من أغسطس سنة 1983 أودعت إدارة قضايا الحكومة - نائبة عن الطاعنين - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3417 لسنة 29 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بتاريخ 30/ 6/ 1983 في الدعوى رقم 1412 لسنة 36 ق والقاضي بإلغاء قرار وزير الدفاع رقم 87 لسنة 1982 الصادر في 5/ 6/ 1982 بالاستيلاء على عقارات النزاع وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات، وطلب الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 21/ 4/ 1986، التي نظرته على الوجه المبين بمحاضرها حتى قررت بجلسة 7/ 7/ 1986 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات" لنظره بجلسة 11/ 10/ 1986، وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بالمحضر وحجزته للحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم الآتي وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن المطعون ضده كان قد كان أقام الدعوى رقم 1412 لسنة 36 ق بعريضة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بتاريخ 3/ 8/ 1982 طالباً الحكم بوقف تنفيذ قرار وزير الدفاع والإنتاج الحربي رقم 87 لسنة 1982 الصادر في 5/ 6/ 1982 وما يترتب على ذلك من آثار، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وقال شرحاً لدعواه إنه يمتلك بنفسه وبصفته ولياً طبيعياً على بناته القصر العقارات أرقام 41 شارع الإسماعيلية و29 شارع علي ذو الفقار و14 شارع مونكسريف بمصطفى كامل قسم سيدي جابر بالإسكندرية بمقتضى العقد المسجل رقم 501 لسنة 1978 شهر عقاري الإسكندرية وكان محافظ الإسكندرية بصفته حاكماً عسكرياً قد سبق أن أصدر الأمرين العسكريين رقمي 35 و58 لسنة 1957 - بناء على طلب قائد المنطقة الشمالية العسكرية - بالاستيلاء على العقارات الثلاثة لاستخدامها للشئون العسكرية، وخصصت العقارات لإحدى الإدارات المكتبية للقوات المسلحة. وعقب صدور القرار الجمهوري رقم 207 لسنة 1980 بإنهاء حالة الطوارئ تقدم المدعي إلى المحافظ بطلب تسليمه العقارات لسقوط الأمرين العسكريين المشار إليهما بإنهاء حالة الطوارئ. وعرض الموضوع على إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة التي
انتهت إلى أحقية المدعي في تسليم هذه العقارات. وأرسل المحافظ كتابه المؤرخ 25/ 2/ 1982 إلى وزير الدفاع لتنفيذ الفتوى وتسليم العقارات إلى المدعي، إلا أنه فوجئ بصدور قرار وزير الدفاع رقم 87 لسنة 1982 متضمناً الاستيلاء على تلك العقارات استناداً إلى السلطات المخولة للوزير بمقتضى القرار الجمهوري رقم 641 لسنة 1981 بتفويض وزير الدفاع والإنتاج الحربي في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون رقم 131 لسنة 1962. ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون لأن السبب في إصداره ليس خدمة المجهود الحربي وإنما الحيلولة بين المدعي والانتفاع بملكه، لأن وزارة الدفاع اتجهت حالياً إلى إخلاء الأماكن التي تشغلها داخل المدن ووسط التجمعات السكانية، وقامت بالإعلان عن بيع الأراضي التي تملكها داخل مدينة الإسكندرية بالمزاد العلني. كما وأن المجهود الحربي يستلزم وجود حالة حرب أو تهديد بحرب أو إعلان التعبئة العامة وهو أمر غير قائم لانتهاء حالة الحرب مع إسرائيل وتوقيع معاهدة السلام. وبجلسة 30/ 6/ 1983 حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه وأقامت قضاءها على أن القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة - الذي استند إليه القرار المطعون عليه - لم يضع أي قيد على سلطة الإدارة في اتخاذ التدابير المنصوص عليها في المادة 24 منه إلا أن يكون ذلك لازماً للمجهود الحربي ومن ثم تعين على جهة الإدارة أن تلتزم حدود هذه الغاية التي استلزمها القانون عند ممارستها سلطاتها المنصوص عليها في هذا القانون. ولما كان القرار المطعون عليه لم يصدر في حالة حرب أو التهديد بها بعد إبرام معاهدة السلام مع إسرائيل وعدم وجود عمليات حربية أوشبه حربيه تقتضي الاستيلاء على عقارات المواطنين. فضلاً عما يبين من عدم جدية الهدف من الاستيلاء لإعلان الوزارة عن بيع عقارات مملوكه لها بالمزاد العلني تقع في قلب مدينة الإسكندرية، لذلك فإن القرار المطعون عليه يغدو غير محمول على سببه، متعين الإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن في الحكم أن القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة إذ خول في المادة 24 منه الجهة الإدارية المختصة أن تصدر قراراً بالاستيلاء على العقارات أو شغلها، لم يضع أي قيد على سلطة الإدارة في هذا الشأن إلا أن يكون الاستيلاء لازماً للمجهود الحربي. ومن ثم يتعين أن يكون النظر في مشروعية القرار الصادر في هذا الشأن على أساس أن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تقدير لزوم الاستيلاء للمجهود الحربي، علماً بأن قانون التعبئة العامة هو قانون دائم، والمجهود الحربي والأمن القومي للبلاد بمعناه الشامل ينطوي على تأمين حدود البلاد وضمان سلامة الجهة الداخلية في السلم والحرب سواء بسواء، وليس بسائغ القول بإنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل، فلا زال التجنيد الإجباري فريضة على كل مواطن، ولا زالت المعاهد العسكرية تقبل عشرات الألوف كل عام، وما طفقت القوات المسلحة تنوع مصادر أسلحتها وتضم إلى ترسانات السلاح أحدث ما وصل إليه العالم من تسليح حفاظاً على سلامة الوطن من الداخل والخارج.
ومن حيث إن المادة (1) من القانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة تنص على أن "تعلن التعبئة العامة بقرار من رئيس الجمهورية في حالة توتر العلاقات الدولية أو قيام خطر الحرب أو نشوب حرب. ويعلن رئيس الجمهورية انتهاء التعبئة بقرار منه عند زوال الحالة التي أوجبت إعلانها. ويجوز في غير هذه الأحوال اتخاذ بعض التدابير اللازمة للمجهود الحربي المبينة في هذا القانون. "وتنص المادة (2) من هذا القانون على أنه "يترتب على إعلان التعبئة العامة: أولاً: الانتقال بالقوات المسلحة من حالة السلم إلى حالة الحرب ويشمل ذلك استدعاء الضباط الاحتياطيين 2 -...... 3 -...... ثانياً: إلزام عمال المرافق العامة التي يصدر بتعيينها قرار من مجلس الدفاع الوطني بالاستمرار في أداء أعمالهم تحت إشراف الجهة الإدارية المختصة.
ثالثاً: إخضاع المصانع والورش والمعامل التي تعين بقرار من الجهة الإدارية المختصة للسلطة التي تحددها وذلك في تشغيلها وإدارتها وإنتاجها.
رابعاً:..........
وتنص المادة 24 فقرة رابعاً من القانون على أن "للجهة المختصة أن تصدر قراراً بكل أو بعض التدابير الآتية اللازمة للمجهود الحربي: رابعاً - الاستيلاء على العقارات أو شغلها". ومفاد ما تقدم أن التدابير المنصوص عليها في المادة 24 من القانون المذكور ومن بينها الاستيلاء على العقارات اللازمة للمجهود الحربي أو شغلها لا يلزم لاتخاذها إعلان حالة التعبئة العامة خلافاً للإجراءات والتدابير المنصوص عليها في المواد 2 و4 و5 و6 و7 من القانون. ومن ثم فللجهة الإدارية المختصة - وزير الدفاع - أن يصدر قراراً بكل أو بعض هذه التدابير إذا استلزمها المجهود الحربي سواءً كانت حالة التعبئة معلنة أو غير معلنة. وإذ كانت حالة التعبئة حسبما يبين من صريح نص المادة (1) من القانون.... تعلن في حالة توتر العلاقات الدولية أو قيام ونشوب حرب، فمن ثم يبين أن نشوب الحرب فعلاً أو قيام خطرها ولئن كانت من دواعي إعلان حالة التعبئة وما يترتب عليها من آثار وإجراءات بينها القانون - إلا أنها ليست مناط اتخاذ التدابير الأخرى المنصوص عليها في القانون والتي أجاز المشرع اتخاذها كلها أو بعضها لدواعي المجهود الحربي مثل التدابير المنصوص عليها في المادة 24 سالفة الذكر ومن بينها الاستيلاء على العقارات اللازمة للمجهود الحربي أو شغلها. ومتى استبان ذلك فلا وجه لما ذهب إليه المطعون ضده في دعواه - وسايره في ذلك الحكم المطعون فيه - من أن انتهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل بتوقيع معاهدة السلام، لا تجعل ثمة مبرراً للتذرع بالمجهود الحربي للاستيلاء على العقارات المملوكة له أو شغلها. ذلك أن انتهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل وإن جاز أن يكون سبباً لإنهاء إعلان التعبئة العامة وفقاً لتقدير الجهة المختصة - إلا أنها لا تعني أن المجهود الحربي قد استنفد أغراضه وفقد دواعيه، فالمجهود الحربي مطلوب في جميع الظروف سلماً أو حرباً والدولة وقواتها المسلحة لا بد أن تكون على أهبة الاستعداد في جميع الأحوال تدريباً وتسليحاً وسهراً على حماية حدود البلاد براً وجواً وبحراً، وكل ذلك يفترض أن المجهود الحربي هو جهد دائم لا يرتبط فقط بقيام حالة الحرب أو بإعلان حالة التعبئة.
ومن حيث إن البادي من وقائع الدعوى أن القوات المسلحة كانت تشغل العقارات الثلاثة محل الدعوى منذ تاريخ صدور الأمرين العسكريين رقمي 35 و85 لسنة 1957 وظلت تشغلها طيلة خمسة وعشرين عاماً حتى انتهت حالة الطوارئ، ومن ثم فإنه إذا ما قدرت الجهة الإدارية المختصة - وزير الدفاع - أن استمرار شغل هذه العقارات لازم للمجهود الحربي وأن إخلاءها لزوال مفعول الأمرين العسكريين المشار إليهما من شأنه تعويق الأعمال العسكرية سيما وأن استبدال عقارات غير هذه العقارات المبينة بها في تلك المنطقة أمر متعذر فلا معقب على تقدير الجهة المذكورة في هذا الشأن طالما أن المجهود الحربي الذي جعله المشرع مناطاً للاستيلاء على العقارات اللازمة له كان هو الهدف من الاستيلاء على العقارات محل المنازعة. ولا مفيد في هذا الخصوص بما قدمه المطعون ضده من بعض الإعلانات الصادرة من القوات المسلحة ببيع بعض الأراضي الفضاء بالإسكندرية بالمزاد العلني للاستغناء عنها، ذلك أن الاستغناء عن أرض فضاء لا يعني بحكم اللزوم عدم وجود حاجة لشغل عقارات مبنية لازمة للمجهود الحربي.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب وأخطأ في تطبيق أحكام القانون، فيتعين القضاء بإلغائه وبرفض دعوى المطعون ضده وإلزامه بالمصروفات عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.