مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 96

(11)
جلسة 25 من أكتوبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي وحسن حسنين علي والسيد السيد عمر والدكتور محمود صفوت عثمان المستشارين.

الطعن رقم 2617 لسنة 30 القضائية

استيلاء - سلطة وزير التموين في الاستيلاء على العقارات والمنقولات لضمان تموين البلاد - تموين.
المادة (107) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 - المادة (1) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين.
لا يجوز لأصحاب الأعمال العمل كلياً أو جزئياً أو تغيير حجم المنشأة أو نشاطها إلا بعد الحصول على موافقة لجنة يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء - مناط وقف المنشأة عن العمل يتعلق بالعمالة - الاعتبارات الأخرى المتعلقة بالقوانين والقرارات التي تنظم نوع نشاط المنشأة لا تدخل في اختصاصات اللجنة المذكورة وإنما ينعقد الاختصاص بها طبقاً للقوانين المنظمة لها مثال ذلك: - اختصاص وزير التموين بالاستيلاء على أي معمل أو مصنع أو محل صناعي لضمان تموين البلاد بالمواد الغذائية - مؤدى ذلك: استقلال كل من الاستيلاء على المنشأة وتوقف العمل بها - لا وجه للقول بعدم إعمال الاختصاص المخول لوزير التموين بالاستيلاء على مطحن غلال استناداً إلى أن مندوب التموين كان حاضراً أعمال اللجنة المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء للنظر في طلب وقف المطحن عن العمل لعدم حاجة البلدة إليه والتي قررت وقف المطحن قبل صدور قرار وزير التموين بالاستيلاء عليه - أساس ذلك: - أن اختصاص اللجنة المشكلة لنظر طلب وقف المطحن لا يحجب اختصاص وزير التموين بالاستيلاء عليه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 15 من يوليه سنة 1984 أودع الأستاذ أحمد علي عامر المستشار بإدارة قضايا الحكومة بصفته نائباً عن الطاعنين، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدوله برقم 2617 لسنة 30 قضائية عليا، وذلك في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 2 من يونيه سنة 1984 في القضية رقم 1829 لسنة 38 ق المقامة من المطعون ضدهم ضد الطاعنين، والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت جهة الإدارة المصروفات. وطلب الطاعنان - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب وقف التنفيذ وإلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلنت صحيفة الطعن قانوناً إلى المطعون ضدهم وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.
وحدد لنظر الطعن جلسة 7 من إبريل سنة 1986 أمام دائرة فحص الطعون، حيث حضر محامي المطعون ضدهم، وتدوول نظر الطعن أمامها على الوجه المبين بالمحاضر، حتى قررت بجلسة 7 من يوليه سنة 1986 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره أمامها جلسة 11 من أكتوبر سنة 1986، حيث قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق النزاع في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 1829 لسنة 38 ضد الطاعنين أمام محكمة القضاء الإداري طالبين الحكم بوقف تنفيذ ثم بإلغاء قرار وزير التموين رقم 599 لسنة 1983 الصادر بتاريخ 15 من نوفمبر سنة 1983 بالاستيلاء على مطحن غلال السادة سوريال المصري وفخري المصري وماهر سمعان الكائن بناحية درنكه مركز أسيوط، وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات، وبجلسة 7 من يونيه سنة 1984 حكمت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت جهة الإدارة المصروفات - وأقامت المحكمة قضاءها على أن ركن الجدية اللازم لطلب وقف التنفيذ متوافر في واقعة الحال، إذ أن اختصاص وزير التموين بموجب نص المادة الأولى من القانون رقم 95 لسنة 1945 بالاستيلاء على وسائط النقل والمعامل والمصانع والمحال، بحد حده الطبيعي في استهداف الأغراض التي شرع من أجلها هذا التدبير، أي لضمان تموين البلاد بالمواد الغذائية وغيرها ولتحقيق العدالة في توزيعها، وأن المبين من الأوراق، أن ثمة لجنة مشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 301 لسنة 1982 انتهت إلى الموافقة على توقف المطحن محل النزاع، وأن مندوب التموين بتلك اللجنة قرر أنه سبق عرض أمر توقف هذا المطحن على رئيس لجنة توزيع السلع بالمركز وكذلك رئيس المجلس الشعبي المحلي وتمت موافقتهما من حيث المبدأ نظراً لعدم حاجة البلدة إلى هذا المطحن لوجود مطحنين آخرين بها يكفيان لسد احتياجات البلدة - وقد شكلت جهة الإداري لجنة أخرى لبحث موضوع توقف هذا المطحن انتهت إلى ضرورة وجوده لشدة حاجة المواطنين القاطنين في الناحية البحرية من القرية إليه، وأن دواعي الأمن تتطلب استمرار عمل المطحن نظراً لوجود خصومات بين المواطنين والعائلات يخشى معها الاحتكام بين المواطنين، كما أنه سبق صدور قرارات بإغلاق جمع مستودعات الدقيق بناحية درنكه لمخالفتها لما تتطلبه القوانين واللوائح الأمر الذي ترتب عليه عدم توافر الدقيق. وذهبت المحكمة إلى أن جهة الإدارة لم تقدم تفسيراً لسندها في تشكيل لجنة أخرى لبحث الموضوع، وقد أشارت اللجنة الثانية إلى شدة الحاجة إلى المطحن وعدم وجود مطحن بديل في حين أغفلت التعرض لما قررته اللجنة الأولى من أنه يوجد مطحنين آخرين يكفيان حاجة المواطنين، وفي هذا ما يزعزع الاطمئنان في صحة ما انتهت إليه اللجنة الثانية من حاجة المنطقة الشديدة لهذا المطحن - واستظهرت المحكمة أن السبب الذي استند إليه قرار الاستيلاء هو الخشية من الاحتكاك بين المواطنين بسبب الخلافات القائمة بين عائلات توجد في الناحية البحرية وأخرى بالناحية القبلية، وهذا السبب بافتراض صحته واتفاقه مع الصالح العام إلا أنه لا يصلح سنداً لقرار الاستيلاء الذي حدد القانون الغاية منه بأنها لضمان تموين البلاد بالمواد الضرورية ولعدالة توزيعها، ومن ثم لا يجوز لجهة الإدارة أن تبتغي بقرارها هدفاً آخر، وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن ركن الجدية يتوافر في طلب وقف التنفيذ، كما أن ركن الاستعجال قائم بالنظر إلى حرمان الملاك من ممارسة حقوقهم على مال مملوك لهم.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن جهة الإدارة تترخص في تقدير مدى الحاجة إلى وجود المطحن محل النزاع ولا معقب عليها في ذلك طالما خلا تقديره من إساءة استعمال السلطة، ولها بالتالي أن تأخذ بما انتهت إليه إحدى اللجان وتهدر ما انتهت إليه لجنة أخرى. والثابت من الأوراق أن اللجنة العليا للتموين قد وافقت على طلب المحافظ ضرورة الاستيلاء على المطحن بعد التأكد من حاجة الجهة البحرية من البلدة إليه لتوفير الدقيق، ولم يثبت المطعون ضدهم أن وزارة التموين قد أصدرت القرار المطعون فيه لغرض يبعد عن الصالح العام كل ذلك ما يفيد عدم توافر ركن الجدية. ويضاف إلى ذلك انتفاء وجود نتائج يتعذر تداركها من تنفيذ القرار، الذي لا يمس ملكية المطحن والاستيلاء يتعلق بإدارة المطحن نظير تعويض عادل، وهذا يفيد عدم توافر ركن الاستعجال كذلك. وانتهت جهة الإدارة الطاعنة إلى طلب الحكم بطلباتها السابقة الإشارة إليها.
ومن حيث إن المطعون ضدهم أشاروا في ردهم على الطعن إلى قرار اللجنة المشكلة بقرار رئيس الوزراء رقم 301 لسنة 1982 بالموافقة على توقف المطحن، وقدموا إقراراً من مالك أحد المطاحن بالبلدة يفيد أن مطحنه المكون من أربعة حجارة يعمل بطاقة حجر واحد لمدة تتراوح بين ساعة وساعة ونصف بسبب قلة الغلال. كما أوردوا أن ماكينات المطحن محل النزاع مفككة ولا تعمل، وقد أخفت المحافظة هذه الحقيقة عن وزارة التموين لدى طلبها استصدار القرار المطعون فيه، وأن الوحدة المحلية لم تقم بأي عمل لإدارة المطحن رغم مضي ثلاث سنوات على صدور قرار الاستيلاء. بدليل أنها طلبت من المطعون ضدهم إجراء الإصلاحات اللازمة لمباني المطحن. وقد أقامت الجهة الإدارية إشكالاً في تنفيذ الحكم المطعون فيه أمام المحكمة المدنية بأسيوط، التي قضت بعدم الاختصاص والإحالة إلى محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين: الأول تتوافر ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغائه، والثاني: أن يقوم الطلب بحسب الظاهر على أسباب جدية.
ومن حيث إنه بالنسبة لركن الجدية، فإن المادة (1) من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين تنص على أن "يجوز لوزير التموين لضمان تموين البلاد بالمواد الغذائية..... ولتحقيق العدالة في توزيعها أن يتخذ بقرارات يصدرها بموافقة لجنة التموين العليا كل أو بعض التدابير الآتية:.... (5) الاستيلاء على.... أي معمل أو مصنع أو محل صناعي....".
ومن حيث إنه بالبادي من ظاهر الأوراق أن قرار وزير التموين والتجارة الخارجية رقم 449 لسنة 1983 بالاستيلاء على مطحن الغلال المملوك للسادة سوريال وفخري المصري وماهر سمعان، قد صدر في حدود الاختصاص المخول للوزير بموجب القانون رقم 95 لسنة 1945 المشار إليه وبعد موافقة لجنة التموين العليا، مستهدفاً ضمان تموين بلدة درنكه بما يلزم من خدمات الطحن، ولا ينال من سلامة هذا القرار - على ما يبدو من ظاهر الأوراق - سبق صدور قرار من اللجنة المشكلة بناء على قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 301 لسنة 1982 بالموافقة على الطلب المقدم من صاحب الشأن بتوقف المطحن، ذلك أن هذه اللجنة شكلت في إطار ما تنص عليه المادة 107 من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 من أن "يصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة للبت في طلبات المنشآت لوقف العمل كلياً أو جزئياً أو تغيير حجم المنشأة أو نشاطها بما قد يمس حجم العمالة..... ولا يجوز لأصحاب الأعمال وقف العمل كلياً أو جزئياً أو تغيير حجم المنشأة أو نشاطها إلا بعد الحصول على موافقة هذه الجنة...". فالبادي من هذا النص أن الاعتبار الذي تأخذه اللجنة لدى إصدار قرارها هو ما يتعلق بالعمالة، أما غير ذلك من الاعتبارات المتعلقة بالقوانين والقرارات التي تنظم نوع نشاط المنشأة فإن اللجنة المذكورة لا تصادر الاختصاصات التي ناطها القانون بالجهات القائمة على أمر مراقبة هذا النشاط، وأنه وإن كان مندوب التموين حاضراً أعمال اللجنة التي انتهت بالتوصية التي قدمها وأبدى أقوالاً شفوية مفادها سبق مرافقة رئيس لجنة توزيع السلع بالمركز ورئيس المجلس الشعبي للمركز على توقف المطحن "من حيث المبدأ" لعدم حاجة البلدة لهذا المطحن على ما أفاد بمحضر جلسة اللجنة، إلا أن هذا القول يعني أن الأمر لا زال موضع بحث في جهات التموين المختصة إذ أن الموافقة من حيث المبدأ ليست الموافقة النهائية، وإذ شكلت جهة الإدارة بعد ذلك لجنة لبحث موضوع توقف المطحن من الناحية التموينية وانتهت إلى أن البلدة لا زالت في حاجة إلى خدماته. فلا تثريب على جهة الإدارة إذا ما ركنت إلى تقرير اللجنة الأخيرة واستصدرت قرار الاستيلاء على المطحن - بعد أن اتضحت حاجة الجهة البحرية للبلدة لهذا المطحن وكذلك القرى القريبة من تلك الجهة، والقول بأن هناك منازعات بين أهالي الجهة البحرية وغيرها من الجهات بتلك البلدة لا يعني أن القرار الصادر بالاستيلاء قد تغيا غرض إقرار الأمن حال كونه يجب أن يكون خالصاً لغرض التموين، ذلك أن حالة الأمن المشار إليها سوف تمنع أهالي الجهة البحرية من التوجه إلى المطاحن الأخرى للحصول على خدمات الطحن، وبالتالي فسوف تكون هناك حاجة حقيقية إلى الخدمات المطحن المستولى عليه في الجهة البحرية من البلدة - وكل هذه الاعتبارات تختص بتقديرها وزير التموين واللجنة العليا للتموين. ولا يعول في هذا الشأن على ما يقدمه صاحب الشأن من أوراق عرفية منسوبة إلى صاحب مطحن آخر بأن مطحنه لا يعمل بكامل طاقته، أو أن هناك مطحنين يعملان بالبلدة، فلك ذلك مما يدخل في تقدير جهات التموين طالما لم يشب تقريرها شائبة إساءة استعمال السلطة، وهو الأمر الذي لا يبدو من ظاهر الأوراق - وخاصة في الظروف التموينية التي وردت في محضر أعمال اللجنة التي أوصت بالاستيلاء على المطحن، وما يتعلق منها بإغلاق مستودعات الدقيق بالبلدة واحتياج المواطنين إلى طحن غلالهم أما يذهب إليه المطعون ضدهم من كون ماكينات المطحن مفككة، فإنه يبدو أن ذلك قد تم بعد قرار اللجنة الأولى الصادر بتاريخ 5/ 9/ 1983 وقبل صدور قرار الاستيلاء في 15/ 11/ 1983، حيث ما كان يمكن التوقف قبل صدور قرار اللجنة بذلك، وهذه واقعة لا تنال من سلامة قرار الاستيلاء.
ومن حيث إن البادي من الأوراق - بناء على ما تقدم - عدم توافر ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ ويكون متعين الرفض، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون متعين الإلغاء لمخالفته للقانون.
ومن حيث إن من يخسر دعواه يلزم بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهم بالمصروفات.