مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 109

(13)
جلسة 25 من أكتوبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر المستشارين.

الطعن رقم 3116 لسنة 30 القضائية

اختصاص - ما يخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - نيابة عامة - سلطتها في مسائل الحيازة - الأمر بالحفظ - تكييفه.
المادة (373) مكرراً من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 29 لسنة 1982 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية - المادة (61) من قانون الإجراءات الجنائية.
أوامر الحفظ التي تصدرها النيابة العامة فيما يتصل بتطبيق القوانين الجنائية على واقعة المنازعة في الحيازة لا تعد إجراءاً تحفظياً بتمكين طرف في مواجهة طرف آخر ولا تعدو أن تكون إجراءاً مما تتخذه النيابة العامة بمقتضى وظيفتها القضائية - أوامر الحفظ مجرد إجراءات قضائية وليست من قبيل القرارات الإدارية - أمر الحفظ لا يترتب على صدوره أي أثر ملزم في منازعة الحيازة ولا فيما تثيره من حماية واضع اليد الظاهر الجدير بالحماية - أثر ذلك: خروج أوامر الحفظ التي تصدرها النيابة العامة في هذا الشأن من نطاق الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة - أساس ذلك: أن رقابة المشروعية التي تمارسها هذه المحاكم لا تمتد إلى الأوامر التي تصدرها النيابة العامة بحكم وظيفتها القضائية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق الأول من سبتمبر سنة 1984 أودعت إدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة بمقتضى القانون رقم 10 لسنة 1986) نيابة عن السيدين/ محافظ القاهرة ووزير العدل بصفتهما قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 3116 لسنة 30 القضائية ضد السيد/ سليمان أحمد سليمان في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 12 من يوليه 1984 في الدعوى رقم 1061 لسنة 38 القضائية المقامة من المطعون ضده ضد رئيس مجلس إدارة شركة الزيوت والصابون ومحافظ القاهرة ووزير العدل والذي قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات وطلب الطاعنان للأسباب المبينة في تقرير الطعن الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وأصلياً الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى برمتها واحتياطياً برفض طلب وقف التنفيذ وإلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وأعلن تقرير الطعن قانوناً وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم أولاً: بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. ثانياً: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه. ثالثاً: إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات. وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 17 من مارس 1986 فقررت بجلسة 7 من يوليه 1986 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 11 من أكتوبر 1986 وفيها نظرته المحكمة على الوجه المبين بمحضر الجلسة وبعد أن سمعت ما رأت لزومه من إيضاحات قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بتاريخ 6/ 12/ 1983 أقام سليمان أحمد سليمان الدعوى رقم 1061 لسنة 38 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) ضد رئيس مجلس إدارة شركة الزيوت والصابون ومحافظ القاهرة بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الأملاك الأميرية التابعة لمحافظة القاهرة - مأمورية الزاوية الحمراء، ثم اختصم - وزير العدل بصفته الرئيس الأعلى للنيابة العامة، طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من نيابة الحدائق في المحضر رقم 6078 لسنة 1983 إداري الحدائق ثم الحكم ببطلان هذا القرار وإلغائه واسترداد لحيازة عين النزاع مع إلزام المدعى عليهم بالمصاريف والأتعاب بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. وقال إنه يستأجر قطعة أرض مساحتها 63 متراً مربعاً من مصلحة الأملاك الأميرية التابعة لمحافظة القاهرة لاستعمالها مخزناً لبضاعته منذ أكثر من 17 عاماً ويقوم بسداد القيمة الايجارية سنوياً بانتظام (إيجار حكر) بموجب إيصالات سداد ثبت قيام العلاقة الإيجارية بينه وبين المحافظة وأن حيازته لهذه المساحة حيازة هادئة وثابتة ومستقرة طوال هذه المدة فلم ينازعه فيها أحد، وفي 29/ 9/ 1983 كانت الشركة المدعى عليها يساندها قوة من شرطة المرافق بالاعتداء على جزء من حيازته مساحته 40/ 2 م2 بزعم أنها إشغالات وتمادت فاغتصبت باقي المساحة دون سند من الواقع أو القانون فتقدم بشكوى في 1/ 10/ 1983 متضرراً من واقعة الاغتصاب وقيدت برقم 6078/ 1983 إداري الحدائق. إلا أن النيابة العامة قررت حفظ الشكوى إدارياً فانطوى قرارها هذا على تمكين مغتصب طارئ من الأرض وإلغاء مركز قانوني مستقر، كما تناقض مع أقوال جيران الموقع والثابت بالمستندات وكذلك مع قرارها السابق في المحضر رقم 305/ 1982 إداري الحدائق الذي سبق أن مكنت به المدعي من تلك الأرض إثر محاولة الشركة اغتصابها في العام الماضي وبذلك يكون قرار النيابة العامة بحفظ الشكوى المطعون فيه قد خالف القانون وما نصت عليه المادتين 959 و960 من القانون المدني. وبجلسة 12 من يوليه 1984 أصدرت المحكمة حكمها موضوع الطعن الماثل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وأقامت قضاءها على أن الماثل في التحقيقات أن الأرض كانت في حيازة المدعي مدة طويلة وأنه يستأجرها من مصلحة الأملاك ويقوم بسداد أجرتها وأن الشركة المدعى عليها لم تضع يدها على الأرض ولم تحزها إلا من تاريخ تسليمها في 29/ 9/ 1983، ومن ثم تكون الحيازة الجديرة بالحماية القانونية هي حيازة المدعي فقد ثبت بشهادة الشهود وباعتراف ممثل الشركة المدعى عليها بأن الأرض لم تكن في حيازتها قبل 29/ 9/ 1983، وبذلك كان يتعين على النيابة العامة أن تصدر قرارها بتمكين المدعي إلى أن تفصل جهة القضاء المختصة في موضوع النزاع وإذ قررت حفظ الشكوى بما يعني رفضها فإن قرارها المذكور يكون غير مستند بحسب الظاهر إلى أساس سليم من الواقع أو القانون فيتوافر شرط الجدية في طلب وقف تنفيذه وأيضاً شرط الاستعمال تداركاً لما يترتب على التنفيذ عن حرمان المدعي من حيازة الأرض وعدم الانتفاع بها.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله إذ قضى ضمناً باختصاص المحكمة بنظر الدعوى في حين أنها غير مختصة. ذلك أن قرار الحفظ لم يتصد لحيازة المطعون ضده أو من ينازعه فيها مما كان يدخل الفصل في المنازعة فيه في اختصاص القضاء الإداري ويعرض حالياً على قاضي الحيازة المختص. وإنما أصدرت النيابة العامة هذا القرار بموجب اختصاصها القضائي بالتصرف في الشكوى الإداري بحفظها وهو عمل قضائي رسم قانون الإجراءات الجنائية طريق الطعن فيه والتظلم منه وبذلك يخرج عن اختصاص القضاء الإداري، وكان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يقضي بذلك وإلا خالف القانون، يضاف إلى ذلك أن هذا الحكم جانب الصواب فيما قضى به في موضوع طلب وقف التنفيذ، فالثابت من تحقيقات المحضر رقم 6078/ 1983 إداري الحدائق أن الأرض من أملاك محافظة القاهرة وخصصتها للشركة المدعى عليها فتسلمتها واستخدمتها في الغرض الذي خصصت من أجله وبذلك كانت في حيازة الشركة عند تقديم الشكوى ولا وجه لادعاء المدعي بأنه يستأجرها وكان وضع يده عليها فالإيجار لا دليل عليه ووضع يده على أملاك الدولة لا يكسبه حقاً ويعتبر تعدياً يستوجب الإزالة ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً ومطابقاً للقانون بما ينفي ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه فيتعين رفضه...
ومن حيث إن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى هو من الدفوع المتعلقة بالنظام العام فيجوز للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها كما يمكن إثارته لأول مرة أمام المحكمة الإدارية العليا. والثابت من صحيفة الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه أنها انصبت على أمر الحفظ الذي أصدرته النيابة العامة في المحضر رقم 6078/ 1983 إداري الحدائق بشأن الشكوى التي قدمها المدعي متضرراً من تعدي إدارة مصنع العلف التابع لشركة القاهرة للزيوت والصابون وبمعاونة قوة من شرطة المرافق يوم 29/ 9/ 1983 على حيازته لقطعة أرض من أملاك محافظة القاهرة بشارع بورسعيد، بمقولة إنه كان يستأجرها من المحافظة ويسدد إيجارها بانتظام ويضع يده عليها ويستخدمها مخزناً منذ مدة طويلة، ومن ثم كان التكييف القانوني لأمر الحفظ الصادر من النيابة العامة في هذا المحضر هو مناط الفصل في الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الطعن عليه بالإلغاء.
ومن حيث إن قانون العقوبات نص في الباب الرابع عشر من الكتاب الثالث منه على الجرائم التي تشكل انتهاكاً لحرمة ملك الغير (المواد من 369 إلى 373) وبمقتضى القانون رقم 29 لسنة 1982 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية أضيفت مدة جديدة برقم 373 مكرراً إلى قانون العقوبات نصها الآتي: يجوز للنيابة العامة متى قامت دلائل كافية على جدية الاتهام في الجرائم المنصوص عليها في المواد السابقة من هذا الباب أن تأمر باتخاذ إجراء تحفظي لحماية الحيازة على أن يعرض هذا الأمر خلال ثلاثة أيام على القاضي الجزئي المختص لإصدار قرار مسبب خلال ثلاثة أيام على الأكثر بتأييده أو بتعديله أو بإلغائه. ويجب رفع الدعوى الجنائية خلال ستين يوماً من تاريخ صدور هذا القرار، وعلى المحكمة عند نظر الدعوى الجنائية - أن تفصل في النزاع بناء على طلب النيابة العامة أو المدعي بالحقوق المدنية أو المتهم بحسب الأحوال ومن سماع أقوال ذوي الشأن بتأييد القرار أو بإلغائه، وذلك كله دون مساس بأصل الحق ويعتبر الأمر أو القرار الصادر كأن لم يكن عند مخالفة المواعيد المشار إليهما، وكذلك إذا صدر أمر بالحفظ أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى. ونص قانون الإجراءات الجنائية في المادة 61 على أنه "إذا رأت النيابة العامة أن لا محل للسير في الدعوى تأمر بحفظ الأوراق". ويبين من هذه النصوص أن أوامر الحفظ التي تصدرها النيابة العامة فيما يتصل بتطبيق القوانين الجنائية على واقعة المنازعة في الحيازة لا تعد إجراءاً تحفظياً بتمكين طرف في مواجهة طرف آخر ولا تعدو في هذا النطاق أن تكون إجراءاً مما تتخذه النيابة العامة بمقتضى وظيفتها القضائية (وبوصفها سلطة تحقيق بصدد التصرف في الاتهام الذي تجري تحقيق حين ترى عدم السير في الدعوى الجنائية). وبهذه المثابة تغدو أوامر الحفظ محض إجراءات قضائية وليست من قبل القرارات الإدارية. كما لا يترتب على صدورها، أي أثر ملزم في منازعة الحيازة المدنية ولا فيما تثيره هذه المنازعة عن حماية صاحب وضع اليد الظاهر الجدير بحماية القانون. ولذا فإن تلك الأوامر تكون بمنأى عن الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة، فرقابة المشروعية التي تمارسها على القرارات الإدارية لا تمتد إلى الأوامر التي تصدرها النيابة العامة بحكم وظيفتها القضائية. وإذ صدر أمر الحفظ المطعون فيه من النيابة العامة في ظل القانون رقم 29/ 1982 المشار إليه والذي استحدث المادة 373 مكرراًَ في قانون العقوبات التي تناولت فيما تناولت دور النيابة العامة في منازعات الحيازة وسلطاتها بشأنها سواء باتخاذ إجراء تحفظي لحماية الحيازة عندما يتوافر لديها دلائل كافية على جدية الاتهام بارتكاب إحدى جرائم الحيازة أو بإصدار أمر بحفظ الأوراق أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، فمن ثم تكون الدعوى مثار الطعن وموضوعها أمر الحفظ الصادر من النيابة العامة في المحضر رقم 6078/ 1983 إداري الحدائق قد استهدفت إجراء قضائياً مما يخرج الطعن عليه بالإلغاء عن الاختصاص الولائي للقضاء الإداري وتقضي المحكمة بعدم اختصاصها ولو لم يدفع أمامها بذلك. ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد أخذ بنظر مغاير لما تقدم فتصدى لنظر الدعوى وقضى بوقف تنفيذ أمر الحفظ المطعون فيه، فإنه يكون قد خالف القانون في صحيح تأويله وتطبيقه فيتعين الحكم بإلغائه والقضاء بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى بشقيها وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.