مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 115

(14)
جلسة 28 من أكتوبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح السيد بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد اللطيف أحمد أبو الخير وشفيق محمد سليم مصطفى وفاروق علي عبد القادر وعطيه الله رسلان أحمد فرج المستشارين.

الطعن رقم 1399 لسنة 30 القضائية

موظف - تأديب - دعوى تأديبية - مراحل الدعوى - مرحلة التحقيق - ضمانات الدفاع.
مواجهة الموظف بالمخالفة المسندة إليه تعتبر من الضمانات الأساسية التي يجب توافرها في التحقيق - الحكمة من تقرير هذه الضمانة هي إحاطة العامل بما نسب إليه ليدلي بأوجه دفاعه - إذا كان في إمكان المتهم أن يبدي ما يراه من دفاع أمام المحكمة التأديبية فلا يقبل منه بعد ذلك الدفع ببطلان التحقيق استناداً إلى الإخلال بحقه في الدفاع عن نفسه - أساس ذلك: - أن المتهم يستطيع أمام المحكمة التأديبية أن يتدارك ما فاته من وسائل الدفاع - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 31 من مارس سنة 1984 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيدين/ مدير عام النيابة الإدارية بصفته ورئيس مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي بصفته - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 1399 لسنة 30 ق عليا ضد السيد/.... عن الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 31/ 1/ 1984 في الدعوى رقم 263 لسنة 22 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد المطعون ضده وآخرين والقاضي ببراءة المطعون ضده مما نسب إليه وطلب الطاعنان بصفتهما للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة المطعون ضده بالجزاء المناسب.
وبعد تحضير الطعن قدمت هيئة مفوض الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة فقررت بجلسة 7/ 5/ 1986 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا. (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 27/ 5/ 1986 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت النطق بالحكم 24/ 6/ 1986 وفيها أعيد الطعن للمرافعة لجلسة 7/ 10/ 1986 لإعلان المطعون ضده وفيها حضر المطعون ضده وسمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت النطق بالحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما تبين من الأوراق في أن النيابة الإدارية أودعت بتاريخ 2/ 4/ 1980 قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم أوراق قضية النيابة الإدارية رقم 213 لسنة 1979 مرفقاً بها تقرير الاتهام ضد ستة من العاملين ببنك ناصر الاجتماعي قيدت بجدول المحكمة تحت رقم 264 لسنة 22 ق لأنهم أخلو بواجباتهم الوظيفية خلال عام 1976 على التفصيل الوارد بتقرير الاتهام وطلبت النيابة الإدارية محاكمتهم تأديبياً على النحو الوارد بذلك التقرير. وتضمنت مذكرة النيابة الإدارية المرافقة لتقرير الاتهام أن النيابة الإدارية ترجئ البت في تحديد مسئولية المخالف.... لحين صدور حكم جنائي في الواقعة المنسوبة إليه. وقد حدد لنظر الدعوى جلسة 24/ 6/ 1980 وتدوولت بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وفي 16/ 4/ 1983 أودعت النيابة الإدارية تقرير اتهام تكميلي ضد..... العامل بقسم الصرف ببنك ناصر الاجتماعي لأنه في خلال الفترة من 27/ 10/ 1976 حتى 1/ 11/ 1976 بدائرة بنك ناصر الاجتماعي خرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يؤد العمل المنوط به بدقة بأن أهمل في التحقق من شخصية المستفيد عند قيامه بصرف أذون الصرف المحررة بأسماء كل من...... و...... و...... مما أدى إلى تكرار صرف قيمة هذه الأذون دون وجه حق إلى مجهول من الأموال المملوكة للبنك وارتأت النيابة الإدارية أن المذكور ارتكب المخالفة المالية المنصوص عليها بالمواد 44/ 351/ 46 من القانون رقم 61 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام وطلبت محاكمته تأديبياً إعمالاً لمواد الاتهام المشار إليها وتطبيقاً للمواد 1/ 3 و3 من القانون رقم 19 لسنة 1959 المعدل بالقانون رقم 172 لسنة 1981 والمادتان 82 و84 من قانون العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978 والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 معدلة بالقانون رقم 171 لسنة 1981 والمادتين 15 و19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة. وأرفقت النيابة الإدارية بتقرير الاتهام التكميلي مذكرة تضمنت أن النزاع يخلص في أنه نسب إلى....... خلال عمله بقسم الصرف سنة 1976 والاستيلاء على قيمة أربعة قروض بمبلغ 633 جنيه تكرر صرفها باسم...... و....... و...... و...... وأحيل المذكور إلى النيابة العامة وقدم للمحاكمة الجنائية في القضية رقم 4536 لسنة 1979 جنايات عابدين بتهمة الاستيلاء بغير حق على أموال مملوكة لبنك ناصر الاجتماعي مع اقتران ذلك بجناية استعمال محررات مزورة وأن المحكمة المختصة قضت ببراءته مما أسند إليه استناداً إلى عدم ارتكاب المتهم للوقائع المنسوبة إليه لأنه كان في إجازة في تاريخ تحرير بعض المستندات وإزاء ما ثبت أن المذكور كان في إجازة في الفترة من 16/ 11/ 1976 حتى 20/ 12/ 1976 فإنه لا يعد مسئولاً عن أذون الصرف المحررة خلال تلك الفترة وأنه لما كانت هناك ثلاثة أذون أخرى باسم السيد/..... والذي صرف صرفاً صحيحاً في 3/ 9/ 1976 وأعيد صرفه دون وجه حق في 27/ 10/ 1976 وآخر باسم السيدة/...... والذي صرف في 20/ 9/ 1976 وأعيد صرفه في 1/ 11/ 1976 وثالث باسم...... صرف في 20/ 10/ 1976 وأعيد صرفه في 31/ 10/ 1976 فإن المخالف يكون مسئولاً عنهم حيث كان يباشر عمله في ذلك ولم يكلف غيره بعمله وأنه سبق أن أقر بصرف الإذن الخاص بكل من..... و..... وأن القدر المتبقي في حقه هو إهماله في أداء واجبه بأن حرر إذن صرف لغير أصحاب الحق فيها ودون التحري عن شخصياتهم والتأكد منها رغم وجوب ذلك عليه مما مكن مجهولاً ببنك ناصر الاجتماعي من الاستيلاء على قيده هذه القروض وطلبت لذلك النيابة الإدارية محاكمته تأديبياً وفقاً لتقرير الاتهام التكميلي وطبقاً للمواد الواردة به. وأرفقت النيابة الإدارية صورة رسمية من الحكم الجنائي المشار إليه.
وقدم المخالف مذكرة بدفاعه بجلسة 19/ 12/ 1983 التمس فيها الحكم ببراءته مما نسب إليه. وبجلسة 31/ 1/ 1984 قضت المحكمة ببراءته مما نسب إليه استناداً إلى أن النيابة الإدارية لم تواجه المخالف المذكور بالتهمة المسندة إليه في التحقيق ومن ثم تكون قد أغفلت ضمانة أساسية من ضمانات التأديب وهى مواجهة المتهم بما نسب إليه من مخالفة.
ومن حيث إن تقرير الطعن يستند إلى أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ذلك لأن المتهم قد تم تقديمه إلى المحاكمة الجنائية بتهمتي الاستيلاء والتزوير بعد مواجهته بذلك في التحقيقات أي أنه قدم للمحاكمة بالوصف الأشد الذي يستطرق في ثناياه وصف الإهمال باعتباره الوصف الأخفى. وأن المهتم كان يعمل بشباك الصرف خلال الفترة من 27/ 10 إلى 1/ 11/ 1976 وقد أقر صراحة في التحقيقات بقيامه بصرف اثنين من الأذون موضوع التحقيق وهي الخاصة بكل من..... و..... وبذا يكون قد اعترف بالاتهام الجديد المنسوب إليه وأنه بافتراض عدم مواجهة المتهم بالتهمة الجديدة المنسوبة إليه في تحقيقات النيابة الإدارية فإن هذا لا يؤدي بذاته إلى الحكم بالبراءة إذ يتم إعلان المتهم بتقرير الإحالة الذي يحوي عناصر الاتهام المنسوب إليه كما أنه يظل في الوسع في مواجهته في مرحلة المحاكمة بالتهمة المنسوبة إليه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه وبالأقل كان من الممكن أن تطلب المحكمة من النيابة الإدارية إجراء ما قد تراه ضرورياً من استيفاء في هذا الخصوص. كما أن الثابت أن المتهم قد مثل أمام المحكمة وقدم مذكرة بدفاعه ملتمساً براءته الأمر الذي يفيد أنه قد أحيط علماً بعناصر التهمة المنسوبة إليه مما لا يسوغ معه القول بوجود إخلال بضمانات التأديب وكان حرياً بالمحكمة التصدي لدفاع المتهم وتمحيصه للأخذ به أو طرحه حسبما ترى وهو ما لم تفعله.
ومن حيث إنه ولئن كان من المقرر أن مواجهة الموظف بالمخالفة المسندة إليه تعتبر من الضمانات الأساسية التي يجب توافرها في التحقيق وذلك وفقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - لأنه يتعين مواجهة العامل على حقيقة التهمة المسندة إليه وأحاطته علماً بمختلف الأدلة التي تشير إلى ارتكاب المخالفة حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه ومن ثم فإن مخالفة هذا الإجراء يؤدي إلى بطلان التحقيق، إذ الحكمة من تقرير تلك الضمانة هي إحاطة العامل بما نسب إليه ليدلي بأوجه دفاعه - ومتى كان في إمكان المتهم أن يبدي ما يراه من دفاع أمام المحكمة التأديبية فإنه لا يستقيم بعد ذلك الدفع ببطلان التحقيق استناداً إلى الإخلال بحقه في الدفاع عن نفسه، ذلك أنه كان في مكنته أن يبدي ما يراه من دفاع أمام المحكمة التأديبية إذ هي مرحلة تستكمل فيها مراحل التحقيق السابقة إذ يواجه فيه المتهم بما نسب إليه ويستطيع أن يتدارك أمامها ما فاته من وسائل الدفاع.
ومن حيث إن الثابت أن الطاعن أعلن بتقرير الاتهام فمن ثم فقد أحيط بالاتهام المسند إليه ومثل أمام المحكمة التأديبية وقدم مذكرة بدفاعه أمامها التمس فيها الحكم ببراءته مما نسب إليه من إهمال وكان تقرير الاتهام وإعلانه به قد سبقه عديد من التحقيقات الإدارية التي أجراها البنك معه ثم تحقيقات النيابة العامة التي أحيل بمقتضاها إلى المحاكم الجنائية ثم تحقيقات النيابة الإدارية التي تعاصرت مع تحقيقات النيابة العامة واستمرت بعدها، والمستخلص من جماع هذه التحقيقات أن الطاعن وقد برء جنائياً من جريمتي الاستيلاء والتزوير إلا أنه ثابت في حقه ومن واقع أقواله أنه أهمل في التحقق من شخصية المستفيد عند قيامه بصرف أذون الصرف التي قرر البنك إقراضها لأصحاب المعاشات والمحررة بأسماء كل من.... و..... و.... مما أدى إلى تكرار صرفها دون وجه حق إلى مجهول أثناء عمله ببنك ناصر بقسم الصرف، وهو وقد أحيل بهذه المخالفة إلى المحكمة التأديبية وأقر في التحقيقات أنه قام بصرف أذنين منها وكان مكلفاً بالصرف في ذلك القسم دون غيره وقت صرف تلك الأذون على ما هو ثابت بالأوراق فإن المخالفة المنسوبة إليه بتقرير الاتهام تضحى ثابتة في حقه ثبوتاً كافياً مما كان يقتضي من المحكمة التأديبية مجازاته عنها وهي إذ لم تنهج هذا النهج يكون حكمها قد خالف القانون جديراً لذلك بالإلغاء.
ومن حيث إن المخالفة المسندة إلى المطعون ضده ثابتة في حقه فمن ثم يتعين مجازاته عنها ذوي المحكمة مجازاته بخصم عشرة أيام من أجره.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة.... بخصم عشرة أيام من أجره.