مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 177

(25)
جلسة 2 من نوفمبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي يوسف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة نبيل أحمد سعيد علي ومحمد يسري زين العابدين وصلاح الدين أبو المعاطي نصير وعادل لطفي عثمان المستشارين.

الطعن رقم 3272 لسنة 29 القضائية

قضاء إداري - اختصاص - ما يخرج عن اختصاص المحاكم التأديبية - قرارات النقل والندب.
مر قضاء مجلس الدولة بعدة مراحل في شأن الاختصاص بقرارات النقل والندب - في بادئ الأمر جرت محكمة القضاء الإداري على عدم اختصاصها بنظر تلك القرارات وقت أن كان اختصاصها محدداً على سبيل الحصر - توسع القضاء الإداري بعد ذلك فذهب إلى أن الذي يخرج من اختصاصه هو القرارات التي اتجهت بها الإدارة إلى إحداث الأثر القانوني المقصود بالنقل أو الندب وهو إعادة توزيع العاملين بما يكفل حسن سير المرفق - أما إذا صدر القرار غير مستوف للشكل أو الإجراءات المقررة قانوناً أو صدر مخالفاً لقاعدة التزمت بها الإدارة في إجرائه أو انحرفت بالنقل أو الندب متخذة منه ستاراً يخفي قراراً مما يختص به مجلس الدولة فإن هذا القرار يخضع لرقابة القضاء الإداري - ذهبت هذه الأحكام إلى أن العبرة في تكييف القرار على هذا النحو تكون بالإرادة الحقيقية دون المظهر الخارجي فقد يستهدف القرار تعيياً أو ترقية أو تأديباً كأن يكون القرار نقلاً إلى وظيفة تختلف عن الوظيفة الأولى في طبيعتها أو شروطها - قد يتم النقل إلى وظيفة أدنى في السلم الإداري من حيث سعة الاختصاصات والمزايا أو قد يستهدف القرار إلى إبعاد أصحاب الدور في الترقية أو ينطوي القرار على ترقية - في مثل هذه الحالات تخضع تصرفات الإدارة لرقابة القضاء الإداري - أساس ذلك: أن الطعن في قرار النقل أو الندب هو منازعة إدارية - صدور قراراً ساتراً لعقوبة مقنعة قصد توقيعها على العامل يعيب القرار بعيب الانحراف بالسلطة لاستهدافه هدفاً غير مصلحة العمل - في مرحلة أخرى كانت المحاكم التأديبية تختص بالجزاء المقنع - في هذه المرحلة كانت المحكمة تبدأ بالفصل في الموضوع فإذا تبين لها أن القرار انطوى على جزاء مقنع اختصت به - إذا انتهت المحكمة لعدم وجود جزاء مقنع لم تكن مختصة به - هذا الاتجاه يخالف أحكام القانون في شأن تحديد الاختصاص فقد كانت العبرة بما يحدده الطاعن من أوصاف لطعنه فإن وصف القرار بأنه ينطوي على جزاء تأديبي مقنع كانت المحكمة تختص به وإن لم يصف القرار بذلك كانت المحاكم التأديبية تقضي بعدم الاختصاص - في مرحلة أخيرة استقر قضاء مجلس الدولة على تحديد اختصاص المحاكم التأديبية بالجزاءات الصريحة المقررة بالقانون مؤدى ذلك: عدم اختصاص المحاكم التأديبية بقرارات النقل أو الندب إذا انطوت على جزاء مقنع - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

بتاريخ 15 من أغسطس سنة 1983 أودع الأستاذ صادق حنفي المحامي بالنيابة عن الأستاذ جلال رجب المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ عاطف محمد دوير قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3272 لسنة 29 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا في الدعوى رقم 73 لسنة 11 القضائية المقامة من الطاعن ضد محافظ كفر الشيخ والذي قضى بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وطلب الطاعن الحكم بإلغاء حكم المحكمة التأديبية وبإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص المحكمة التأديبية بطنطا بنظر الدعوى وإحالة الأوراق إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في النزاع.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة فقررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثانية" فتحدد لنظره أمامها جلسة 12/ 10/ 1986 وفيها استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات على النحو المبين بمحضرها وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص في أن السيد/ عاطف محمد دوير أقام الدعوى رقم 73 لسنة 11 القضائية بإيداع صحيفتها بتاريخ 21/ 3/ 83 قلم كتاب المحكمة التأديبية بطنطا ضد محافظ كفر الشيخ طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً والحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر من محافظ كفر الشيخ بتاريخ 16/ 3/ 1983 فيما تضمنه من ندبه من وظيفة سكرتير الوحدة المحلية لمركز ومدينة دسوق بدرجته المالية بالفئة الأولى إلى ديوان عام محافظة كفر الشيخ لوظيفة مدير الوثائق والمعلومات بالمجموعة النوعية لوظائف الإدارة العليا وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 20/ 12/ 1982 صدر القرار رقم 833 لسنة 1982 بنقله من وظيفة سكرتير الوحدة المحلية لمركز ومدينة دسوق من الفئة الأولى بدرجته المالية إلى مديرية التربية والتعليم بإدارة دسوق التعليمية بوظيفة باحث أول وتظلم من هذا القرار بتاريخ 1/ 1/ 1983 إلا أنه بتاريخ 16/ 1/ 1983 كان قد صدر القرار رقم 49 لسنة 1983 المطعون فيه باعتباره يمثل جزاء مقنعاً ويستشهد على ذلك بأنه صدر بعد ثلاثين يوماً فقط من قرار نقله رقم 833 لسنة 1982 المشار إليه وأنه تظلم من هذا القرار بتاريخ 6/ 3/ 1983 ويضيف أن القرار المطعون فيه صدر لتعذر تنفيذ قرار النقل لعدم وجود وظيفة باحث أول تنمية إدارية بمديرية التربية والتعليم بإدارة دسوق التعليمية وأن ندبه لوظيفة أعلى لا يعني عدم تقديره إذ أنه لم ينقل إليها ولا يمكن ترقيته إليها إلا بعد سنتين على الأقل.
وبجلسة 20/ 6/ 1983 حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وأسست حكمها على أن القرار المطعون عليه صدر في نطاق السلطة المخولة لمحافظ كفر الشيخ ولم يتم إلى وظيفة أقل من درجتها المالية بل إلى وظيفة تنتمي إلى وظائف الإدارة العليا وأنه لا يوجد في الأوراق أو فيما ساقه الطاعن ما يستشف منه أن الإدارة استهدفت عقاب الطاعن بالقرار المطعون عليه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم خالف الواقع والقانون، إذ أن تقارير كفايته بمرتبة ممتاز وأنه استهدف بالقرار المطعون فيه نقله لأسباب وهمية لعدم انقياده إلى رئيس مجلس مدينة دسوق ولا يوجد في قرار الندب ما ينبئ عن أنه صدر ابتغاء الصالح العام إذ سبقه النقل إلى وظيفة غير موجودة كما وأنه لا يمثل عبئاً زائداً وترتب على ندبه فقد عنصر الاستقرار لحياته الوظيفية وأن المزايا التي فقدها كثيرة وليست العبرة بالمزايا النقدية وأنه وإن كانت الوظيفة تكليفاً قصد به المصلحة العامة إلا أنه يشترط ألا يتخذ كسلاح للتأديب والتنكيل.
ومن حيث إنه بتتبع قضاء مجلس الدولة إبان الفترة التي كان اختصاصه محدداً فيها على سبيل الحصر يبين أنه في مرحلة أولى جرت محكمة القضاء الإداري في بادئ الأمر على عدم اختصاصها بنظر القرارات الصادرة بالنقل والندب.
ثم ما لبث أن تطور هذا القضاء فاجتهد ليوسع اختصاصه فذهب إلى أن الذي يخرج من اختصاص المجلس هو تلك القرارات التي اتجهت بها إرادة الإدارة إلى إحداث الأثر القانوني المقصود بالنقل أو الندب فقط وهو إعادة توزيع العاملين بما يكفل حسن سير المرفق فإذا صدر القرار غير مستوف للشكل أو للإجراءات التي قد يكون القانون قد استوجبها أو صدر مخالفاً لقاعدة التزمت بها الإدارة في إجراءه أو انحرفت بالنقل أو الندب كنظام قانوني واتخذت منه ستاراً يخفي قراراً مما يختص بطلب إلغائه فإنه يخضع لرقابة القضاء وذهبت هذه الأحكام إلى أن العبرة في ذلك بالإرادة الحقيقية دون المظهر الخارجي فقد يستهدف القرار تعييناً أو تأديبياً كأن يكون النقل إلى وظيفة تختلف عن الوظيفة الأولى في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها فيخفي ترقية أو تعييناً أو جزاء تأديبياً كما وأنه قد يتم النقل إلى وظيفة أدنى في السلم الإداري من حيث سعة اختصاصها أو مزاياها كما وأنه قد يستهدف به إبعاد أصحاب الدور في الترقية بإلحاقهم بإدارات أو وزارات أخرى بعيداً عن دائرة المتطلعين للترقية على أساس الأقدمية فيكون سبيلاً للتخطي باتخاذ وسيلة مستترة للحيلولة دون صاحب الدور والحصول على حقه في الترقية بالأقدمية وأخيراً فقد ينطوي قرار الندب على ترقية وظيفية ففي مثل هذه الحالات التي يتخذ فيها من النقل أو الندب وسيلة مستترة للترقية أو للحرمان منها فإن تصرف الإدارة يخضع لرقابة القضاء الإداري باعتباره قرار ترقية أو حرماناً منها.
ومن هذا يبين أن القضاء الإداري ومحاولته توسيع اختصاصه ليشمل النقل أو الندب ذهب تارة إلى أن الذي يخرج من اختصاصه هو تلك القرارات التي اتجهت فيها إرادة الإدارة إلى إحداث الأثر القانوني بالنقل أو الندب فقط أما إذا صدر القرار دون استيفاء للشكل أو للإجراءات التي استوجبها القانون أو صدر بالمخالفة لقاعدة التزمت بها الإدارة في النقل أو الندب خضع لرقابة القضاء وهذا يعني أن هذا الاتجاه إنما استهدف فقط إخراج قرارات النقل أو الندب السليمة من اختصاص القضاء الإداري بما يفيد بسط رقابته على كل قرار منها صدر معيباً بما قد ينتهي إلى إلغائه.
ومن حيث إنه وقد صدر القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وأصبح القضاء الإداري هو صاحب الاختصاص الأصل بالمنازعة الإدارية عدا ما أخرجه المشرع من ولايته فإن قرارات النقل أو الندب تدخل في اختصاص القضاء الإداري بوصفها من المنازعات الإدارية.
فإن شابها انحراف بأن ثبت أن القرار لم يستهدف منه الغاية التي شرع من أجلها وهي بصفة أساسية إعادة توزيع العاملين بما يحقق سير العمل بالمرفق بل تغيا أمراً آخر كالتعيين أو التأديب أو إفادة عامل على حساب حق مشروع لآخر كان ذلك جميعه داخلاً في الاختصاص الأصيل للقضاء الإداري شأن قرارات النقل أو الندب في ذلك شأن أي قرار إداري آخر مما يخضع لرقابة القضاء من حيث الاختصاص والشكل والسبب والغاية وغير ذلك من أوجه الرقابة على القرارات الإدارية وعلى هذا الوجه وإذا كان قضاء مجلس الدولة الأول إبان كان اختصاصه محدداً على سبيل الحصر قد اجتهد فتوسع في تفسير النصوص المحددة لاختصاصه فابتدع فكرة الجزاء المقنع ليمد اختصاصه ليشمل قرارات النقل أو الندب حتى لا تصبح هذه القرارات بمنأى عن رقابة القضاء فإنه وقد تعدل الوضع بصدور القانون رقم 47 لسنة 1972 المشار إليه وجعل من مجلس الدولة صاحب ولاية عامة في المنازعات الإدارية فقد أضحى ولا محل لمثل هذا التأثير ذلك أن الطعن في قرار النقل أو الندب هو منازعة إدارية توفر للعامل كل الضمانات إذ لو صدر قرار منها وكان ساتراً لعقوبة مقنعة قصد توقيعيها على العامل فإن القرار في هذه الحالة يكون قد استهدف غير مصلحة العمل وغير الغاية التي شرع لها فيكون معيباً الانحراف.
ومن حيث إن القانون رقم 47 لسنة 1972 قد نص في الفقرة الأخيرة من المادة 15 على اختصاص المحاكم التأديبية بما ورد في البندين تاسعاً وثالث عشر من المادة (10) وأولهما الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية وثانيهما الطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانوناً ونص في المادة 19 على أن توقع المحاكم التأديبية الجزاءات التي يجوز توقيعها على العاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة وحدد في المادة 21 الجزاءات التأديبية التي توقع على من ترك الخدمة فإن ما يستفاد من ذلك أن المشرع قد أراد بالقرارات النهائية للسلطات التأديبية تلك القرارات الصادرة بالجزاءات مما يجوز لتلك السلطات توقيعها طبقاً لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وهو الذي حدد هذه السلطات وما تملك كل سلطة منها توقيعه من جزاءات وذات المعنى هو المقصود بالجزاءات التي توقع على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانوناً وهو قانون نظام العاملين بالقطاع العام والذي حدد هو الآخر السلطات التأديبية وما يجوز لكل سلطة توقيعه من جزاءات وهو ذات المقصود من المادتين 19، 21 من القانون ومن ثم فإن تعبير الجزاء التأديبي لا يمكن أن يقصد به غير هذا المعنى المحدد وقد حدد كل من قانوني العاملين بالحكومة والقطاع العام هذه الجزاءات على سبيل الحصر.
وعلى هذا الوجه وإذ كان اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الطعون في الجزاءات على نحو ما سلف إيضاحه بالمراحل التشريعية المحددة لذلك قد انتقل إلى هذه المحاكم استثناء من الولاية العامة للقضاء العادي (المحاكم العمالية) كما جاء كذلك استثناء من الولاية العامة للقضاء الإداري بالنسبة للموظفين العموميين لذلك وإذ كانت القاعدة المسلمة أن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تفسيره خاصة بعد زوال موجبه فما كان يجوز سلوك هذا الاجتهاد مع صراحة النصوص المحددة للجزاءات التأديبية على سبيل الحصر طبقاً لما سلف البيان والقول بغير ذلك يؤدي إلى خلق جزاء جديد (هو الندب أو النقل) وإضافته إلى قائمة الجزاءات التي حددها القانون صراحة وعلى سبيل الحصر وهو ما لا يتفق مع أحكام القانون.
وفي ظل النظر باختصاص المحاكم التأديبية بالجزاء المقنع بالنقل أو الندب بعد العمل بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ولوضع معيار في تحديد الاختصاص بين هذه المحاكم وبين القضاء الإداري والعمالي بالنقل أو الندب فإن القول بوجود الجزاء المقنع كان يفرض البدء بالتعرض لموضوع الطعن والفضل فيه للتوصل إلى التحقق من وجود جزاء مقنع أو عدم وجوده فكان على المحكمة التأديبية لتحديد اختصاصها أن تبدأ بالفصل في الموضوع فإذا تيقنت وجود جزاء مقنع كانت مختصة وإذا انتهت إلى عدم وجود الجزاء المقنع لم تكن مختصة وهو مسلك يخالف أحكام القانون في عدم توقف تحديد الاختصاص على الفصل في الموضوع وخروجاً من هذا المأزق القانوني قبل بأن العبرة في تحديد الاختصاص هو بما يحدده الطاعن في طلباته فإن وصف طعنه بأن محله جزاء مقنع اختصت المحكمة التأديبية وإذا لم يقم طعنه على فكرة الجزاء المقنع لم تكن تلك المحكمة مختصة هذا بينما الذي يتولى تحديد ما يعتبر جزاء تأديبياً صريحاً هو القانون وحده وأما ما يضفيه المدعي على طلباته من أوصاف قانونية العبرة فيها بما يقرره القانون وتقضي به المحكمة صاحبة القول الفصل في إنزال التكييف السليم دون التزام بما يسنده صاحب الشأن من أوصاف قانونية فالقانون هو الذي حدد صراحة ما يعتبر جزاء تأديبياً أو قراراً نهائياً صادر من سلطة تأديبية لذلك فإنه لا يمكن التسليم للمتقاضي بأن ينفرد وحده بتحديد اختصاص المحكمة واختيار قاضيه حسبما يضفى على طلبه من وصف إن شاء لجأ إلى المحكمة التأديبية فيصف النقل بأنه تضمن جزاء وإن شاء لجأ إلى المحكمة صاحبة الولاية العامة بقضاياه هدفاً ينفي وجود هذا الوصف يستند إلى الادعاء بوجود أي عيب آخر غير هذا السبب القصدي وبذلك يصبح تحديد الاختصاص القضائي رهين إرادة منفردة يفرضها المتقاضي على القانون ويفيد بها القاضي فلا يملك تصحيح التكييف المعيب الذي أضفاه صاحب الشأن وهذا يخالف ما هو مسلم من أن تحديد الاختصاص أمر يختص به القانون وحده وأن إضفاء التكييف القانوني السليم على طلبات المتقاضين أمر تملكه المحكمة وحدها. وليس من شك في أن تدارك الأوضاع الشاذة بفرض الأخذ بما ذهب إليه الاتجاه الآخر من الالتزام في تحديد اختصاص المحاكم التأديبية بالجزاءات الصريحة التي حددها القانون إذ لم يعد لفكرة الجزاء المقنع موجب أو من حيث الاختصاص فضلاً عن أنه يترتب على الأخذ بهذا المعيار توحيد الاختصاص بنظر الطعون الموجهة إلى النقل أو الندب في جهة واحدة بالإضافة إلى وضع حدود فاصلة وواضحة بين جهات القضاء وأنواع الخصومات.
ومن حيث إن المدعي عن السيد/ عاطف محمد دوير يطلب إلغاء قرار الندب رقم 49 لسنة 1983 الصادر بتاريخ 16/ 1/ 1983 باعتباره يحمل في مضمونه عقوبة تأديبية مقنعة مما تختص به محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد أخذ يغير هذا النظر يكون قد صدر من محكمة غير مختصة الأمر الذي يتعين معه إلغاء هذا الحكم والقضاء بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها وإبقاء الفصل في المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها وأبقت الفصل في المصروفات.


[(1)] يراجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بالدائرة المنصوص عليها في المادة (54 مكرراً) من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 بجلسة 15/ 12/ 1985 الطعن رقم 1201 لسنة 28 ق.