مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 218

(32)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي يوسف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد العزيز أحمد سيد أحمد حماده وصلاح الدين أبو المعاطي نصير وعادل لطفي عثمان والسيد محمد السيد الطحان المستشارين.

الطعن رقم 495 لسنة 31 القضائية

( أ ) دعوى - الحكم في الدعوى - حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء.
المادة (52) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة الأحكام الصادرة بالإلغاء تتمتع بحجية مطلقة تسري على الكافة - أساس ذلك: إنها حجية من طبيعة عينية نتيجة لإعدام القرار الإداري - الخصومة الحقيقية في الطعن بالإلغاء تنصب على القرار الإداري ذاته وتستند إلى أوجه حددها المشرع وهي: عدم الاختصاص - وجود عيب في الشكل - مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها - إساءة استعمال السلطة - البطلان الذي يلحق القرار لوجود عيب من هذه العيوب هو بطلان مطلق ينصرف أثره إلى الكافة - مؤدى ذلك: أنه إذا ألغى مجلس الدولة قراراً إدارياً ثم أقام طاعن آخر دعوى أخرى أمام مجلس الدولة بإلغاء ذات القرار كانت الدعوى الثانية غير ذات موضوع باعتبار ذلك إحدى نتائج الحجية المطلقة للشئ المقضى به في حكم الإلغاء - تطبيق.
(ب) دعوى - حكم في الدعوى - حكم الإلغاء - أنواع الإلغاء.
يختلف مدى الإلغاء حسب الأحوال - قد يكون الإلغاء شاملاً وقد يكون جزئياً - الإلغاء الشامل هو الذي يمتد لجميع أجزاء القرار (إلغاء كامل) - أما الإلغاء الجزئي فهو الذي يقتصر على جزء من القرار دون باقيه - مثال:
إلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية - مدى الإلغاء أمر يتحدد بطلبات الخصوم وما انتهت إليه المحكمة - الإلغاء بنوعيه حجة على الكافة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 7 من يناير سنة 1985 أودع الأستاذ غبريال إبراهيم غبريال المحامي وكيلاً عن السيد شحاتة قطب محمد صديق قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 495 لسنة 31 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1984 في الدعوى رقم 1839 لسنة 35 القضائية المرفوعة من شحاتة قطب محمد صديق والقاضي أولاً: بقبول تدخل عبد الرازق بدوي عطا الله خصماً منضماً لجهة الإدارة وثانياً: بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات.
وقد طلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء له بطلباته التي أبداها بمحكمة القضاء الإداري مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 13 من يناير سنة 1986 فقررت بجلسة 24 من مارس سنة 1986 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثانية" حيث نظر بجلسة 11 من مايو سنة 1986 وتداول الطعن بالجلسات وفيها استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على النحو المبين بمحاضرها ثم قررت الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما يتبين من الأوراق أنه بتاريخ 19 من مايو سنة 1981 أقام السيد شحاتة قطب محمد صديق الدعوى رقم 1839 لسنة 35 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع إلغاء القرار رقم 107 لسنة 1981 الصادر من نائب رئيس مجلس الوزراء بترقية المهندس الزراعي بدوي عطا الله لدرجة مدير عام للزراعة بالجيزة فيما تضمن من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال شرحاً لدعواه إنه عين باللجنة العليا للإصلاح الزراعي بتاريخ 12 من يونيه سنة 1956 في وظيفة مهندس زراعي مساعد وتدرج في وظائفها حيث نقل إلى الكادر العالي في 7 من ديسمبر سنة 1963 ونقل إلى وزارة الزراعة في 18 من إبريل سنة 1977 وبتاريخ 31 من ديسمبر سنة 1977 رقي إلى الدرجة الثانية التخصصية من القانون رقم 58 لسنة 1971 كما أن تقارير كتابته بدرجة ممتاز طوال حياته الوظيفية ولم توقع عليه أية جزاءات وأضاف المدعي أنه بتاريخ 17 من يناير سنة 1981 صدر القرار المطعون فيه رقم 107 لسنة 1981 بترقية السيد/ عبد الرازق بدوي عطا الله بدرجة مدير عام الزراعة بالجيزة متخطياً المدعي رغم أنه أقدم منه ويتساوى معه في الكفاية ذلك أن المدعي يشغل الفئة الثانية اعتباراً من 31 ديسمبر سنة 1970 والأول اعتباراً من 31 ديسمبر سنة 1977 بينما المطعون على ترقيته يشغل الفئة الثانية اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1971 والأول اعتباراً من 31 ديسمبر سنة 1977 وبذلك يكون المدعي أحق من المطعون على ترقيته ويكون القرار المطعون فيه قد خالف القاعدة المستقرة وهي عدم جواز تخطي الأقدم إلى الأحدث إذ تساويا في مراتب الكفاية.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعي لم يستوف شروط شغل الوظيفة وأن الترقية للوظيفة وليست للدرجة.
وبجلسة 27 من أكتوبر سنة 1983 طلب المطعون على ترقيته السيد عبد الرازق بدوي التدخل في الدعوى منضماً إلى وزير الزراعة.
وبجلسة 22 من نوفمبر سنة 1984 حكمت محكمة القضاء الإداري أولاً: بقبول تدخل عبد الرزاق بدوي عطا الله خصماً منضماً لجهة الإدارة. وثانياً: بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات.
وقد أسست المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أنه من بين شروط شغل وظيفة مدير عام الحصول على مؤهل عال مناسب ولما كان المدعي حاصل على دبلوم الدراسات الزراعية التكميلية العالية عام 1956 وذلك بعد حصوله على دبلوم المدارس الزراعية عام 1954 وقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن المؤهل المشار إليه لا يعد من المؤهلات العالية ومن ثم يكون قد تخلف في المدعي شرط من شروط الوظيفة المرقى إليها وعلى ذلك يكون القرار المطعون فيه إذ تخطاه في الترقية إلى درجة مدير عام قد أصاب الحق وصدر متفقاً وصحيح حكم القانون في هذا الشأن.
وأضافت المحكمة أنه لا حجة فيما يذهب إليه المدعي أنه صدر لصالحه حكم نهائي له حجية من محكمة القضاء الإداري باعتبار مؤهله عالياً وذلك في الدعوى رقم 216 لسنة 33 القضائية بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1980 ذلك أنه بالرجوع إلى هذا الحكم يبين منه أنه لم يقض باعتبار مؤهل المدعي مؤهلاً عالياً كما أنه لم يقم قضاءه على هذا الأساس بل إنه استند إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 2022 لسنة 1964 الذي يقضي بنقل الدرجات السادسة بالكادر المتوسط إلى الكادر العالي أي أن المدعي كان بالكادر المتوسط وما نقل الدرجة إلى الكادر العالي إلا إعمالاً لحكم تشريع خاص وليس من شأنه المساس بتقييم المؤهل ذاته واعتباره مؤهلاً عالياً.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تفسيره للأسباب الآتية:
أولاً: إن ذات القرار المطعون فيه قد سبق إلغاءه مجرداً في الحكم الصادر من ذات المحكمة بجلسة 5 من يناير سنة 1984 في الدعوى رقم 2194 لسنة 35 القضائية فإنه ما كان يجوز رفض دعوى المدعي وإنما كان يتعين على المحكمة أن تقضي بتأكيد إلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجرداً.
ثانياً: خالف الحكم المطعون فيه حجية الحكم البات الصادر في الدعوى رقم 216 لسنة 33 القضائية بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1980 والذي أشار إلى أن المدعي بالكادر العالي طبقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 2022 لسنة 1966 وهذا القرار هو أحد الأسانيد التي استندت إليها المحكمة الدستورية العليا في قرارها التفسيري رقم 5 لسنة 2 القضائية الصادر بجلسة 4 من إبريل سنة 1981 وعلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه أخطأ حينما قصر مدلول هذا القرار على النقل من كادر إلى آخر وغفل عن الأساس الذي استند إليه هذا القرار.
ثالثاً: خالف الحكم المطعون فيه القانون بشأن تقييم مؤهل المدعي فلقد أغفل القانون رقم 31 لسنة 1966 بإنشاء نقابة المهن الزراعية كما أغفل القياس السليم على التفسير التشريعي رقم 5 لسنة 2 القضائية الصادر من المحكمة الدستورية العليا كما أنه لا أثر للترقية الافتراضية عند الترقية إلى الدرجات الأعلى.
رابعاً: غفل الحكم المطعون فيه على أن المطعون على ترقيته لا يتوافر فيه شرط الخبرة لمدة 15 سنة في مجال العمل بالشئون الزراعية بالأقاليم بما كان يقتضي الحكم بإلغاء قرار ترقيته.
وانتهى الطاعن في تقرير طعنه إلى طلب الحكم بقبول طعنه شكلاً وفي موضوعه الحكم له بطلباته الواردة بدعواه أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن المادة 52 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنص على أنه "تسري في شأن جميع الأحكام القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة" ومقتضى هذا النص أن حجية الأحكام الصادرة بالإلغاء حجية عينية كنتيجة طبيعية لانعدام القرار الإداري في دعوى هي في حقيقتها اختصام له في ذاته إلا أن مدى الإلغاء يختلف بحسب الأحوال فقد يكون شاملاً لجميع أجزاء القرار وهذا هو الإلغاء الكامل وقد يقتصر الإلغاء على جزء منه دون باقية وهذا الإلغاء الجزئي كأن يجرى الحكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية وغني عن البيان أن مدى الإلغاء أمر يحدد بطلبات الخصوم وما انتهت إليه المحكمة في قضاءها فإذا صدر الحكم بالإلغاء كلياً كان أو جزئياً فإنه يكون حجة على الكافة وعلة ذلك أن الخصومة الحقيقية في الطعن بالإلغاء تنصب على القرار الإداري ذاته وتستند إلى أوجه عامة حددها القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة في المادة العاشرة منه عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو الخطأ في تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة" وكل وجه له من العموم في حالة قبول الطعن مما يجعل القرار المطعون فيه باطلاً لا بالنسبة للطاعن وحده بل بالنسبة لكافة فهو باطلاً مطلق.
وينبني على ما تقدم أنه إذا ما ألغى مجلس الدولة قرار إدارياً ثم أقام طاعن آخر دعوى أخرى أمام مجلس الدولة بإلغاء ذات القرار كانت الدعوى الثانية غير ذات موضوع باعتبار ذلك إحدى نتائج الحجية المطلقة للشيء المقضى به في حكم الإلغاء وكذلك من لم يختصم في الدعوى تصيبه آثار الحكم بالإلغاء بوصف أنه مد إلغائه وتكون الإدارة على صواب في تطبيقه في شأنه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه بتاريخ 29 من يونيه سنة 1981 أقام السيد/ أحمد إبراهيم عبد الحميد الدعوى رقم 2194 لسنة 35 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة للزراعة والأمن الغذائي طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 107 لسنة 1981 الصادر في 7 من يناير سنة 1981 من نائب رئيس مجلس الوزراء فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى درجة مدير عام مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة 5 من يناير سنة 1984 حكمت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجرداً وإلزام الإدارة المصروفات. وقد طعنت الجهة الإدارية في الحكم المشار إليه أمام المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثانية" بموجب الطعن رقم 1135 لسنة 30 القضائية كما طعن في ذات الحكم السيد/ عبد الرازق بدوي عطا الله بموجب الطعن رقم 1129 لسنة 35 القضائية وبجلسة 15 من ديسمبر سنة 1985 قضت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وألزمت الطاعنين المصروفات.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن القرار رقم 107 لسنة 1981 الصادر في 7 من يناير سنة 1981 من رئيس مجلس الوزراء قد قضت فيه محكمة القضاء الإداري بإلغائه إلغاء مجرداً بجلستها المنعقدة في 29 من يونيه سنة 1981 وقد تأيد هذا الحكم من المحكمة الإدارية العليا وإذ كان من المسلمات أن دعوى الإلغاء لا تخرج عن كونها خصومة قضائية مناطها قيام النزاع الذي هو جوهرها واستمراره بين طرفيها فإن كان النزاع أصبح غير ذي موضوع بصدور الحكم المشار إليه ومن ثم فقدت الدعوى التي أقامها المطعون ضده رقم 1839 لسنة 35 القضائية سببها ومن ثم كان يتعين رفضها للأسباب التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه باعتبار أن القرار المطعون فيه رقم 107 لسنة 1981 صدر سليماً فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية لعدم استيفائه شروط شغل الوظيفة ذلك أن هذا القرار الذي ذهب الحكم المطعون فيه إلى أنه صدر سليماً قد بات عدماً لا وجود له بإلغائه إلغاء مجرداً قبل أن يصدر الحكم المطعون.
ومن حيث إنه لا مقنع فيما ذهب إليه الطاعن في المذكرة التي قدمها إلى هذه المحكمة بجلسة 22/ 6/ 1986 من أنه كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يقضي باعتبار الخصومة منتهية لسابقة إلغاء القرار المطعون فيه لا مقنع في ذلك - ذلك أن هذا الحكم المطعون فيه قد صدر بعد أن قضى بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجرداً وأصبح هذا القرار عدماً لا وجود له ولم يكن ذلك استجابة لطلبات المدعي وإنما كان قضاء سابقاً في دعوى سابقة ومن ثم فإن المدعي كان يطلب إلغاء قرار لا وجود له ومن ثم كان طلبه غير قائم على أساس من القانون أو الواقع ومن ثم تكون دعواه خليقة بالرفض.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض الدعوى لغير الأسباب المشار إليها فإنه يتعين قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً للأسباب التي انتهت إليها هذه المحكمة مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت المدعي المصروفات.