مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 269

(42)
جلسة 25 من نوفمبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح السيد بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة شفيق محمد سليم مصطفى وفاروق علي عبد القادر وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي وعطية الله رسلان أحمد فرج المستشارين.

الطعن رقم 2439 لسنة 30 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الدعوى التأديبية.
أحكام المحاكم التأديبية بالإدانة لا بد أن تبنى على القطع واليقين وليس على الشك والتخمين - أساس ذلك: - للمحكمة التأديبية عند تحديدها لعناصر الجريمة التأديبية ملزمة بأن تستند في تقديرها وحكمها على وقائع محددة وقاطعة الدلالة ذات طابع إيجابي أو سلبي يكون قد ارتكبها العامل وثبتت قبله وأن هذه الوقائع تكون مخالفة تستوجب المؤاخذة التأديبية - مثال: - القول بأن الطاعن هو صاحب المصلحة في ارتكاب المخالفة هو قول مرسل فإذا لم يقم عليه أي دليل ثابت من الأوراق فلا يصلح في ذاته دليلاً على ارتكاب المخالفة - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ الأربعاء 27/ 6/ 1984 أودع الأستاذ محمد الفولي المحامي تقرير طعن بقلم كتاب المحكمة نيابة عن السيد/..... ضد النيابة الإدارية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 6/ 5/ 1984 في الدعوى التأديبية رقم 229 لسنة 25 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن وآخرين والذي قضى بمجازاة الطاعن بانخفاضه إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض الأجر بما لا يجاوز القدر الذي كان عليه قبل الترقية، وطلب الطاعن في تقرير طعنه الحكم بقبوله شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه وبراءة الطاعن من الاتهام المنسوب إليه.
وأعلن تقرير الطعن للنيابة الإدارية بتاريخ 26/ 7/ 1984 وأحيل إلى هيئة مفوضي الدولة التي قامت بتحضيره وتهيئته للمرافعة وأودعت فيه تقريراً بالرأي القانوني اقترحت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفض طلب التنفيذ وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءة الطاعن مما نسب إليه.
ونظر الطعن أمام الدائرة الثالثة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 7/ 5/ 1986 وبهذه الجلسة قررت الدائرة إحالة الطعن للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة وحددت لنظره جلسة 3/ 6/ 1986 وفي الجلسة التالية سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات وأرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها أودعت مسودة الحكم المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل في أن النيابة الإدارية قد أقامت الدعوى رقم 299 لسنة 25 ق بتقرير اتهام أودع قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية بتاريخ 9/ 8/ 1983 ضد كل من: -
1 -...... مراقب الإدارة السياحية بشركة الإسكندرية للمجمعات الاستهلاكية.
2 -....... "الطاعن" أمين مخزن مجمع الشهداء السياحي ورئيس مخازن الشركة.
3 -...... مدير إدارة السياحة بالشركة.
لأنهم خلال عام 1982 بشركة الإسكندرية للمجمعات الاستهلاكية بالإسكندرية: -
الأول - خرج على مقتضى واجب الأمانة في العمل بأن:
1 - أجرى تعديلاً مغايراً للحقيقة في التقرير النهائي..... "الطاعن" عن الفترة من 1/ 1/ 1981 - 31/ 12/ 1981 بتعديل بيانات الرئيس المباشر ومدير الإدارة وتغيير تقدير الكفاية بدرجة ممتاز بدلاً من كفء بعد اعتماد رئيس قطاع الفروع له وذلك بقصد تحقيق مصلحة للمتهم الثاني.
2 -...... 3 -......
الثاني - الطاعن خرج على مقتضى ما يجب أن يتحلى به العامل من أمانة بأن: اشترك مع الأول بالاتفاق والتحريض في إجراء تعديل بالتقرير النهائي الخاص به في الفترة من 1/ 1/ 1981 - 31/ 12/ 1981 بتغييره من درجة كفء إلى درجة ممتاز وذلك بعد اعتماد رئيس قطاع الفروع له.
الثالث........
وإنهم بذلك يكونوا قد ارتكبوا المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادتين 78/ 1، 80/ 1 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978، وطلبت لذلك محاكمتهم تأديبياً بمواد الاتهام.
ونظرت المحكمة التأديبية الدعوى على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 6/ 5/ 1984 حكمت المحكمة بمجازاة كل من المتهمين الأول والثاني بالخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض الأجر بما لا يجاوز القدر الذي كان عليه قبل الترقية، وأقامت المحكمة قضاءها في إدانة الطاعن على أساس أن المخالفة ثابتة في حقه تبعاً لثبوت ارتكاب المتهم الأول للمخالفات المسندة إليه وباعتبار أن المتهم الثاني - الطاعن - هو صاحب المصلحة الوحيد في تغير بيانات التقرير الموضوعة عنه ليرتفع بها من كفء إلى ممتاز وأن المحكمة لا تعتد بما ذهب إليه الطاعن في معرض دفاعه من إنه لم يشترك في وضع بيانات التقرير لعدم وقوع المستندات في يده، إذ أن ما أسند إليه هو الاتفاق مع المتهم الأول وتحريضه على تغيير بيانات التقرير لكونه صاحب المصلحة الوحيد في ذلك وهذا في حد ذاته كاف لقيام المخالفة المسندة إليه.
ومن حيث إن الطعن في هذا الحكم يقوم على مخالفة للقانون وكونه مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد وفي الاستدلال وذلك للأسباب الآتية:
الأول: أن الطاعن غير مسئول عن وضع التقرير وعمن وصفه ولم يشترك معه في وصفه ولم يحرضه ولم يقم ضده أي دليل مادي أو قولي ولا يمكن التسليم بأن ثبوت التهمة ضد منهم هو بذاته دليل على ثبوتها ضد متهم آخر، فالقول بثبوت المخالفة ضد المتهم الأول لا يصح قانوناً أن يتخذ دليلاً على ثبوتها قبل الطاعن بدعوى أنه صاحب المصلحة في تغيير بيانات التقرير برفعها من كفء إلى ممتاز دون أن يساند ذلك دليل مادي ملموس وقاطع الدلالة على ارتكاب الفعل المؤثم.
الثاني: انتفاء ركن علم الطاعن بالمراحل التي مر بها تقرير تقدير درجة كفايته وإنه بالتالي لم يشترك بأي دور سلبي أو ايجابي في إعداده وإجراء تعديلات عليه.
الثالث: إن الطاعن قد أخطر بتقدير درجة كفايته عن عام 1981 بمرتبة ضعيف وفي ذات الوقت تتهمه النيابة الإدارية بأنه اشترك في تزوير هذا التقرير برفعه من كفء إلى ممتاز.
الرابع: أن التعديلات التي تمت على تقرير درجة كفايته قد أجريت بمعرفة..... وهو يملك ذلك قانوناً وكانت قبل المعترض على رئيس القطاع ولجنة شئون العاملين.
الخامس: عدم تناسب الجزاء الواقع على الطاعن مع المخالفة المنسوبة إليه.
ومن حيث إنه يبين من أوراق التحقيق وقرار الاتهام أن النيابة الإدارية قد أسندت إلى الطاعن...... أنه اشترك مع المتهم الأول...... بالاتفاق والتحريض على إجراء تعديل في التقرير النهائي لتقدير درجة كفاية الطاعن من الفترة من أول يناير حتى آخر ديسمبر سنة 1981 وذلك برفعه من مرتبة كفء إلى مرتبة ممتاز، وكان سند المحكمة الوحيد في إدانة الطاعن هو كونه صاحب المصلحة الوحيد من إصدار هذا التعديل.
ومن حيث إن التعديل الذي أجراه مدير الإدارة،.... في التقرير النهائي لدرجة كفاية الطاعن قد اقتصر - كما يبين مطالعته - على تعديل البند الإ يسر الخامس باحترام مواعيد العمل ورفعه من ثماني درجات إلى عشرة وبذلك ارتفع المجموع الكلي من 89 إلى 91 درجة بمرتبة ممتاز. ومقتضى ذلك أنه يتعين لثبوت المخالفة قبل الطاعن أن يثبت بالدليل القاطع أنه علم بتقرير درجة كفايته بعد أن قدره مدير الإدارة ابتداء، وأنه بعد معرفته بذلك - توصل بوسيلة من الوسائل إلى الاتفاق مع مدير الإدارة وتحريضه على تعديله يتبين بمقدار درجتين على النحو الذي جرى به هذا التعديل وهو أمر لم يقم عليه دليل من الأوراق. كما أنه بمطالعة أوراق التحقيق أنه لم ينظر به اتهام الطاعن في أي جزء من أجزاء التحقيق فلم يرد أي سؤال أو جواب للمتهم الأول..... أو أي شاهد من الشهود الذين سمعت أقوالهم أو إشارة منهم إلى موضوع الاتهام المنسوب للمتهم، كما أن التحقيق مع المتهم بمعرفة النيابة الإدارية في هذا الاتهام قد اقتصر على سؤالين فقط للطاعن هما: قوله فيما هو منسوب إليه من الاشتراك في تزوير تقرير درجة الكفاية.......
وعلاقته بـ..... وقد رد على السؤال الأول بنفي التهمة على أساس أنه لا يعرف التقرير كما أنه لم يعرض عليه ولم يكن يتسنى له أن يشترك في تزويره. وأما علاقته بمدير الإدارة فإنها علاقة زمالة في الشركة. ولم يرد في أوراق التحقيق مصدر الاتهام الموجه للطاعن وسنده وعلى أي أساس تم توجيهه إليه.
ومن حيث إن المستقر عليه قضاء أن أحكام الإدانة لا بد أن تبنى على القطع واليقين وليس على الشك والتخمين، ذلك لأن المحكمة التأديبية في تحديد عناصر الجريمة التأديبية ملزمة بأن تستند في تقديرها وحكمها على وقائع محددة وقاطعه الدلالة وذات طابع سلبي أو إيجابي يكون قد ارتكبها العامل وثبتت قبله، وإن هذه الوقائع تكون مخالفة تستوجب المؤاخذة التأديبية. أما القول بأن الطاعن هو صاحب المصلحة في إجراء هذا التعديل برفع تقدير درجة كفايته من كفء إلى ممتاز، فهو قول مرسل لم يقم عليه أي دليل من الأوراق ولا يصلح في ذاته دليلاً على ارتكاب الطاعن للمخالفة المنسوبة إليه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف هذا المذهب وقضى بإدانة الطاعن بتخفيض درجته ومرتبه استناداً إلى هذا الفرض الذي لم يقم عليه أي دليل فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وببراءة ساحة الطاعن من المخالفة المنسوبة إليه.
ومن حيث إن الفصل في الموضوع يغني عن بحث الشق المستعجل.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن وببراءته من المخالفة المنسوبة إليه.