مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 286

(45)
جلسة 29 من نوفمبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم وعادل محمود فرغلي - المستشارين.

الطعنان رقما 1505، 1539 لسنة 29 القضائية

عقد إداري - إبرامه - مناقصات ومزايدات - إجراءاتها - البت فيها - إلغاء المزايدة لانخفاض الأسعار.
المادة (7) من القانون رقم 236 لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات.
إذا رأت لجنة البت أن أعلى العطاءات سعراً في المزايدة يقل عن أسعار السوق مما يستوجب إلغاء المزايدة واعتمدت توصياتها من السلطة المختصة ولم يثبت ثمة انحراف بالسلطة فإن القرار الصادر بالإلغاء يكون صحيحاً - أساس ذلك:
إن المشرع استهدف من إلغاء المزايدة في مثل هذه الحالات تحقيق مصلحة الخزانة العامة فيما يعود عليها من الفرق بين قيمة أعلى عطاء والقيمة السوقية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 11/ 4/ 1983 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن محافظ الإسكندرية قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بسجلاتها تحت رقم 1505 لسنة 29 ق وذلك في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بجلسة 17/ 2/ 1983 في الدعوى رقم 1011 لسنة 34 ق المقامة من السيد/ جابر عبد النعيم سليمان ضد الطاعن والقاضي بإلزام الجهة الإدارية بأن تدفع للمدعى عليه تعويضاً مقداره 2000 جنيه "ألفان من الجنيهات" وإلزامها بالمصروفات، وطلب في ختام الطعن الحكم أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. ثانياً: في الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات عن الدرجتين.
وفي يوم الخميس الموافق 14/ 4/ 1983 أودع الأستاذ/ محمد المرصفي المحامي نائباً عن السيد/ جابر عبد النعيم سليمان قلم كتاب المحكمة تقرير طعن آخر في الحكم المشار إليه قيد بسجلاتها تحت رقم 1539 لسنة 29 ق، وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بأن تدفع للطاعن تعويضاً قدره 22550 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبعد أن تم إعلان الطعنين على الوجه المبين بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني فيهما أوصت فيه بضم الطعنين كل منهما إلى الآخر والحكم فيهما أولاً: بقبول الطعنين شكلاً، ثانياً: بتعديل الحكم المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للطاعن مبلغ 22550 جنيهاً كتعويض عن الأضرار التي حاقت به من جراء إعادة المزايدة الأولى، والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ السداد. ثالثاً: إلزام جهة الإدارة بالمصروفات.
وعين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة، جلسة 6/ 3/ 1985 حيث قررت الدائرة ضم الطعنين كل منهما إلى الآخر ليصدر فيهما حكم واحد، وبعد أن تم تداول الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة على الوجه المبين بالمحاضر قررت الدائرة بجلسة 6/ 1/ 1986 إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات" وحددت لنظرهما جلسة 1/ 2/ 1986، وبجلسة 1/ 3/ 1986 أودعت إدارة قضايا الحكومة "هيئة قضايا الدولة" صورة شهادة وفاة السيد/ جابر عبد النعيم سليمان، فأصدرت المحكمة في نهاية الجلسة حكمها بانقطاع سير الخصومة، وبعد أن تم تعديل الطعنين لجلسة 26/ 10/ 1986 على الوجه المبين بالأوراق، واستمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن، قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيه صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يتضح من الأوراق - في أنه بتاريخ 10/ 7/ 1978 أقام السيد/ جابر عبد النعيم سليمان (مورث الطاعنين في الطعن رقم 1539 لسنة 29 ق) الدعوى رقم 3680 لسنة 1978 مدني كلي إسكندرية أمام محكمة إسكندرية الابتدائية طالباً الحكم بإلزام محافظ الإسكندرية بأن يؤدي مبلغ 22550 جنيهاً تعويضاً عما أصابه من أضرار مادية نتيجة إلغاء وإعادة المزايدة التي تمت بتاريخ 28/ 2/ 1978 بغير وجه حق والفوائد القانونية فضلاً عن المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وذلك تأسيساً على أنه بتاريخ 28/ 2/ 1978 رست عليه مزايدة استغلال كازينو كليوباترا السياحي التي أعلنت عنها محافظة الإسكندرية باعتباره صاحب أعلى العطاءات وقدره 7500 جنيهاً، إلا أن لجنة البت لم ترسي عليه المزاد بسبب تقدم مستغل الكازينو السابق بعطاء يزيد عما قدمه المدعي بمبلغ 700 جنيهاً ببرقية أرسلها إلى اللجنة بعد فتح المظاريف مخالفاً بذلك نصوص لائحة المناقصات والمزايدات. إلا أن المحافظة التفتت عن المزايدة التي فاز فيها المدعي، وأعلنت عن مزايدة علنية جديدة اشترك فيها المدعي متحفظاً على حقه في المزايدة الأولى التي تمت بمظاريف مغلقة، وانتهت المزايدة العلنية برسوها عليه بمبلغ 12010 جنيهاً كإيجار سنوي لاستغلال الكازينو، الأمر الذي أصابه بأضرار مادية تتمثل في الفرق بين القيمة الإيجارية التي قدمها في المزايدة التي تمت بمظاريف مغلقة وقدرها 7500 جنيهاً باعتبارها أفضل العطاءات في المزايدة المذكورة، والقيمة التي رسا بها المزاد في المزايدة العلنية التي أجرتها المحافظة وقدرها 12010 جنيهاً وذلك لمدة خمس سنوات هي قيمة العقد المبرم معه لاستغلال الكازينو المذكور، وتقدر قيمتها بمبلغ 22550 جنيهاً هي قيمة التعويض الذي يتعين على المحافظة أن تؤديه للمدعي بسبب خطئها المتمثل في إلغاء المزايدة الأولى بغير وجه حق وبجلسة 27/ 1/ 1980 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، وقيدت بسجلاتها تحت رقم 1011/ 34 ق وقضت المحكمة بجلسة 17/ 2/ 1983 بإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للمدعي تعويضاً قدره (2000 جنيهاً) ألفان من الجنيهات وإلزامها بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أنه إذا لم تقم بالمزايدة إحدى الحالات التي تحيز إلغاءها وفقاً لأحكام القانون فما كان يجوز إلغاؤها وعدم الاعتداد بنتيجتها تمهيداً لإعادة المزايدة بقصد الوصول إلى ثمن أعلى، بل كان يتعين وفقاً لأحكام هذا القانون ولائحة المناقصات والمزايدات اعتماد إرسائها على المدعي ما دام قد تقدم بأفضل العطاءات، وأوفى بالتزامه بإكمال التأمين المقدم منه. ويكون القرار الصادر بإعادة المزايدة وما يترتب عليه من إجراءات انتهت بإرسائها على المدعي بملغ 2010 جنيهاً سنوياً بدلاً من 7500 جنيهاً في العطاء الملغي مخالفاً للقانون، ولا شك في أن هذا القرار غير المشروع قد ألحق ضرراً بالمدعي يتمثل فيما تكبده من نفقات لاشتراك في المزايدة وما اقتضاه ذلك من قيامه بإيداع تأمين، ودفع مقابل استغلال كازينو كليوباترا السياحي المملوك للمحافظة بثمن يزيد على قيمة عطائه في المزايدة الأولى الملغاة وتقدر المحكمة التعويض بمبلغ ألفين من الجنيهات.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقام من المحافظة أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه للأسباب الآتية:
أولاً: إن الجهة الطاعنة وهي بصدد تأجير الكازينو محل المنازعة في حل من اتباع هذه النصوص وتملك حريتها كاملة في إلغاء المزايدة بعد أن تحقق لها عدم ملاءمتها، وأن الوقع قد أثبت صحة تصرفها فقد أتت المزايدة الجديدة بذات المدعي وعطاء يفوق عطاءه الأول.
ثانياً: على فرض صحة خضوع العقد لأحكام قانون المناقصات والمزايدات وفقاً لنظرية الحكم المطعون فيه فقد أجازت المادة 7 من القانون المذكور إلغاء المناقصة بقرار مسبب من رئيس المصلحة بعد النشر عنها وقبل البت فيها إذا استغنى عنها نهائياً وقد استقرت المحكمة الإدارية على أن عبارة "إذا استغنى عنها نهائياً" لا تنصرف فقط إلى الاستغناء عن المادة المطروحة - للمناقصة العامة بل ينصرف أيضاً إلى الاستغناء عن المناقصة كوسيلة للحصول عليها لأن استبدال هذه الوسيلة قد يكون أصلح من وجهة المصلحة العامة ومن ثم فإن إلغاء المزايدة بطريق المظاريف المغلقة وطرح الكازينو في مزايدة علنية ما هو إلا استغناء نهائي عنها كوسيلة للتعاقد على تأجير الكازينو. وأقام ورثة المتعهد طعنهم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه للأسباب الآتية أولاً: أن الحكم قد أقر بخطأ ومسئولية الجهة الإدارية عن تعويض الضرر عن الفعل الخاطئ إلا أنه أخطأ في تحديد الضرر المادي الحقيقي الذي لحق بمورثهم والذي يتمثل في الفرق بين السعر الذي قدمه في المزايدة الملغاة والسعر الذي رسا به المزاد عليه في المزايدة العلنية أي بفارق قدره 4510 جنيهاً في السنة الواحدة والذي يبلغ في الخمس سنوات وهي مدة العقد 22550 جنيهاً ثانياً أن الحكم المطعون فيه لم يتصد لطلب مورثهم الحكم له بالفوائد القانونية بالقبول أو الرفض.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بناء على الإعلان الموجه من محافظة الإسكندرية إلى بعض مستغلي المحلات السياحية المعتدين لديها لاستغلال كازينو كليوباترا في مزايدة محدودة بموجب مظاريف مغلقة بسعر أساسي لا يقل عن 5200 جنيهاً تقدم السيد/ جابر عبد النعيم سليمان بعطاء مغلق بسعر 7500 جنيهاً. وفي 28/ 2/ 1978 ثم فتح المظاريف بمعرفة اللجنة المشكلة لهذا الغرض فتبين لها أن عطاء مورث الطاعنين هو أعلى العطاءات المقدمة في الميعاد. فأشارت إلى ذلك في تقريرها الذي رفع إلى لجنة البت. كما أشارت في خانة الملاحظات بأنه بعد الاطلاع على باقي العروض القانونية والبرقيات المرسلة بعد الميعاد المحدد لفتح المظاريف تبين أن هناك ثلاث برقيات من كل من حسن أحمد بمبلغ 8100 جنيهاً. ويوسف جورج بشاي بمبلغ 8200 جنيهاً وصلاح الدين عثمان بمبلغ 8000 جنيهاً. ولصالح الخزانة توصي بإعادة العملية في مزايدة علنية يبين المتزايدين من المحدودين فقط - والمقيدين بسجل المحدود على أن تبدأ المزايدة بسعر البرقية الواردة من يوسف جورج بشاي وقدره 8200 جنيهاً، بعرض الأمر على لجنة البت أوصت بتاريخ 4/ 3/ 1978 بعد فحص العروض المقدمة من المستغلين وعلى توصية مدير قسم الشواطئ ولصالح الخزانة، وبإعادة العملية في مزايدة علنية بين المزايدين المحدودين على أن تبدأ بسعر البرقية الواردة من المستغل يوسف جورج بشاي بمبلغ 8200 جنيهاً وبتاريخ 5/ 3/ 1978 قرر سكرتير المحافظة للأسباب سالفة الذكر - إعادة المزايدة. وقد أعيدت المزايدة بتاريخ 15/ 3/ 1978 ورست على صاحب أعلى عطاء الذي تقدم به مورث الطاعنين وقيمته 12010 جنيهاً سنوياً.
ومن حيث إن المادة 7/ 2/ 3 من القانون رقم 236 لسنة 1954 بتنظيم المناقصات والمزايدات أجازت لرئيس المصلحة بقرار منه بناء على رأي لجنة البت في العطاءات إلغاء المناقصة أو المزايدة إذا كانت قيمة العطاء الأقل في المناقصة تزيد على القيمة السوقية في المزايدة تقل عن القيمة المذكورة وظاهر أن القصد من ذلك يفيد المصلحة العامة للدولة بتوفير الزائد في القيمة لخزائنها، فإذا ما صدر قرارها على هذا الوجه كان مطابقاً لحكم القانون. فإذا كان الثابت من الأوراق، أن المزايدة الأولى تمت طبقاً للمراحل والإجراءات التي أوجبها القانون للبت في العطاءات حتى كشفت لجنة البت عن أعلى العطاءات المطالبة سعراً بعد استبعاد العطاءات التي قدمت بعد الميعاد والمتضمنة أسعاراً تعلو الأسعار المقدمة في الميعاد وإذ أثبتت لجنة البت من مجموع هذه العطاءات أن القيمة السوقية لاستغلال الكازينو محل المزايدة تزيد على قيمة أعلى عطاء قدم في الميعاد، مما رأت معه إلغاء المناقصة تحقيقاً لمصلحة الخزانة أن للفرق بين قيمة أعلى عطاء والقيمة السوقية وقد اعتمد ذلك سكرتير عام المحافظة بإيعاز من رئيس المصلحة فإن قراره في هذا الشأن يكون قد صدر مطابقاً لحكم القانون من مختص إصداره بناء على رأي لجنة البت في العطاءات بقصد تحقيق مصلحة عامة ولم تقم دليل على أن غايته وشابها انحراف بالسلطة فيكون الحكم المطعون فيه إذ انتهج غير ذلك النهج - قد خالف صريح حكم القانون فيكون متعين الإلغاء ويتعين القضاء برفض دعوى مورث الطاعنين وطعنه وطعنهم مع إلزامهم بالمصروفات عن الدرجتين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت الطاعنين في الطعن رقم 1539/ 29 ق بالمصروفات عن الدرجتين.