مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 452

(70)
جلسة 20 من ديسمبر سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر المستشارين.

الطعن رقم 1238 لسنة 30 القضائية

( أ ) دعوى - دفوع في الدعوى - الدفع بعدم قبول طلب وقف التنفيذ لعدم اقترانه بطلب الإلغاء - أثره:
التكييف الصحيح للدعوى لا يتوقف على ظاهر ألفاظها وإنما على استجلاء مقاصدها الحقيقية - إذا كان الثابت من عريضة الدعوى أن محل المنازعة هو عدم استجابة جهة الإدارة لطلب المدعية بإعطائها شهادة تفيد ثبوت جنسيتها المصرية، فإن المدعية تكون قد استهدفت في الواقع إلغاء القرار السلبي بالامتناع عن إعطائها الشهادة التي طلبتها وبصفة مستعجلة وقف تنفيذه - نتيجة ذلك: اقتران الطلب المستعجل بطلب الإلغاء الموضوعي - مثال.
(ب) جنسية - تكييفها.
المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية.
الجنسية من المعاني المفردة البسيطة التي لا تحتمل التخليط ولا التراكيب - القانون الدولي لا يعرف جنسية عثمانية مصرية ولا عثمانية عراقية أو حجازية أو سورية - الجنسية فرع من السيادة ولازمة من لوازمها - للسيادة وحدانية يهدمها الإشراك والتخليط - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 15 من مارس سنة 1984 أودعت إدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة بمقتضى القانون رقم 10/ 1986) نيابة عن وزير الداخلية ومدير عام مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية، قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 1238 لسنة 30 القضائية ضد السيدة/ أنهار يوسف عبد الله الباروني في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 17 من يناير 1984 في الشق المستعجل من الدعوى رقم 2966 لسنة 36 ق القضائية المرفوعة من المطعون ضدها الطاعنين الذي قضى أولاً: بإخراج جامعة القاهرة من الدعوى بلا مصروفات. ثانياً: برفض الدفع بعدم قبول طلب وقف التنفيذ. ثالثاً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب، وطلب الطاعنان للأسباب المبينة في تقرير الطعن الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وأصلياً بعدم قبول طلب وقف التنفيذ واحتياطياً برفضه وفي أي من الحالين بإلزام المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وأعلن تقرير الطعن قانوناً وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم أولاً: برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. ثانياً: قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 3 من نوفمبر 1986 فقررت بجلسة 17 من نوفمبر 1986 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 29 من نوفمبر 1986 وفيها نظرته المحكمة على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وبعد أن سمعت ما رأت لزومه من إيضاحات قررت في الجلسة المذكورة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 3/ 5/ 1982 أقامت السيدة/ أنهار يوسف عبد الله الباروني الدعوى رقم 2966 لسنة 36 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) ضد 1 - وزير الداخلية 2 - مدير عام مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية 3 - رئيس جامعة القاهر. طالبة الحكم أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الأعمال المادية المتضمنة إسقاطاً مقنعاً من الجهة المدعى عليها لجنسيتها المصرية وفي الموضوع بإثبات جنسيتها المصرية مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة. ثانياً: أن يتلى الحكم بالطلبات على المدعى عليهما الأول والثاني في مواجهة المدعى عليه الثالث. وأوضحت أن سندها في ذلك إنها من مواليد بندر الفيوم في 11/ 6/ 1932 لأب مولود في بندر الفيوم في 22/ 9/ 1895 هو يوسف عبد الله الباروني ولأم مصرية الجنسية وتدرجت في مراحل التعليم المختلفة حتى حصلت في عام 1975 على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية كما تقلدت الوظيفة العامة حتى وصلت إلى وظيفتها الحالية كمديرة لرعاية الشباب بجامعة القاهرة فرع الفيوم وبني سويف وقد تزوجت من مصري ولها شقيق كان ضابطاً بالشرطة. وعلى الرغم من أنها تعد مصرية من كل الوجوه طبقاً لقانون الجنسية رقم 26 لسنة 1975 إلا أن مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية أفادت جهة عملها بتاريخ 2/ 8/ 1980 أنه ببحث جنسيتها اتضح أنها ليبية الجنسية ويتعين معاملتها وتسوية إقامتها بالبلاد على هذا الأساس فتقدمت على الفور بطلب إلى وزير الداخلية عن طريق الجامعة تلتمس فيه منحها شهادة بالجنسية المصرية بناء على إيضاحات الجامعة إلا أنها أخطرت برفض طلبها بتاريخ 10/ 4/ 1982، ونعت على هذا القرار مخالفته للقانون والواقع والانحراف بالسلطة فضلاً عن أن تنفيذه يلحق بها أضراراً بالغة يتعذر تداركها، وعقب الحاضر عن الحكومة بأن دفع أصلياً بعدم قبول طلب وقف التنفيذ لعدم إقرانه بطلب إلغاء وطلب احتياطياً رفض الدعوى لثبوت الجنسية الليبية لوالدها بناء على بحث المصلحة ولعجزها عن تقديم شهادة الميلاد التي تثبت واقعة ميلاد والدها في مصر واللازمة لمعاملتها بالمادة 6 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 (الميلاد المضاعف). وبجلسة 17/ 1/ 1984 أصدرت المحكمة حكمها موضوع هذا الطعن وكيفت طلبات المدعية على أنها طلب بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن إعطائها شهادة تفيد ثبوت جنسيتها المصرية ورفضت بناء على ذلك الدفع بعدم قبول طلب وقف التنفيذ، وأقامت قضاءها في موضوع هذا الطلب على توافر ركني الجدية والاستعجال فاستظهرت الركن الأول من تحقق واقعة الميلاد المضاعف للمدعية ووالدها في القطر المصري بحسب الظاهر من الأوراق وأعملت بشأنها نص المادة 6/ 4 من قانون الجنسية المصرية رقم 19 لسنة 1929 من أن "يعتبر مصرياً من ولد في القطر المصري لأب أجنبي ولد هو أيضاً فيه إذا كان هذا الأجنبي ينتمي بجنسه لغالبية السكان في بلد لغته العربية أو دينه الإسلام". وأقامت الركن الثاني على أن إنكار جنسية المدعية يجعلها مهددة هي وأولادها بالإبعاد عن الوطن في أي وقت مما يلحق بها أبلغ الضرر.
ومن حيث إن طعن الحكومة مبناه مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وسنده في ذلك أن الحكم أخطأ في قضائه برفض الدفع بعدم قبول طلب وقف التنفيذ متجاوزاً بذلك حدود الطلبات في الدعوى فالمطعون ضدها طلبت وقف تنفيذ الأعمال المادية المتضمنة إسقاطاً مقنعاً لجنسيتها ولم تقرنه بطلب الإلغاء وإنما طلبت إثبات جنسيتها المصرية، وفي موضوع الطلب المستعجل خالف الحكم المطعون فيه الثابت من الأوراق إذ لا دليل على واقعة ميلاد والد المطعون ضدها في مصر كما أن الاستمارة المودعة ملف التبعيات التي ركن إليها الحكم في هذا الصدد جاء بيانها بهذا الشأن مجهلاً فلم يحدد مكاناً معيناً للميلاد بالقطر المصري ليمكن التأكد من صحته فضلاً عن أن البحث الذي تم بشأن جنسية المذكور في عام 1970 أسفر عن أنه سبق أن تقدم بطلب الحصول على إقامة خاصة في البلاد في 7/ 12/ 1970 بوصفه ليبي الجنسية ومن مواليد ليبيا 1895 وليس أقوى من ذلك الإقرار دليلاً في الإثبات، علاوة على ما ثبت أيضاً من أنه مقيد هو وأبوه بكشوف الطرابلسيين وسجلات القنصلية الإيطالية في عام 1922 بناء على طلبهما الأمر الذي يقطع في أن الأب لم يولد في مصر، ولما كان الأصل في التشريعات التي تنظم الجنسية المصرية أن تكتسب بحق الدم وأن الجنسية تلحق بالشخص من وقت ميلاده فإن النص الوارد في المادة 6/ 4 من القانون رقم 19 لسنة 1929 والذي يقضي باكتساب الجنسية على أساس حق الإقليم بطريق الميلاد المضاعف يكون قد ورد على خلاف الأصل بما يستوجب عدم التوسع فيه بالتأكد من توافر شروط تطبيقه باعتباره حكماً استثنائياً. هذا إلى أن شقيق المطعون ضدها عبد الفتاح وشقيقتها وفاء لم يعتبرا مصريين الجنسية عندما عجزا عن تقديم شهادة ميلاد والدهما ولم ينازعا أو يطعنا على ذلك.
ومن حيث إنه عن سبب الطعن المستند إلى الدفع بعدم قبول طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه لعدم اقترانه بطلب الإلغاء فإن التكييف الصحيح لدعوى المطعون ضدها ولطلباتها لا يتوقف على ظاهر ألفاظها وإنما على استجلاء مقاصدها الحقيقية وقد أثيرت هذه المنازعة على ما هو ثابت من عريضتها لعدم استجابة جهة الإدارة لطلبها شهادة تفيد ثبوت جنسيتها المصرية فتكون قد استهدفت في الواقع بهذه الدعوى إلغاء القرار الإداري الصادر بالامتناع عن إعطائها الشهادة التي طلبتها وبصفة مستعجلة وقف تنفيذه. فيتحقق بذلك اقتران الطلب المستعجل بطلب الإلغاء الموضوعي ويكون الدفع في غير محله.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بأوجه الطعن الأخرى والتي انصبت على الأسباب التي ساقها الحكم المطعون فيه وتوصل بها إلى النتيجة التي بلغها، فإن صحيح القضاء المستعجل ألا يركن إلا إلى ظاهر الأوراق دون أن يقطع برأي حاسم في موضوع المنازعة فهو صرحاً بحثه وتقصى حقيقته لحين الفصل في الموضوع. والبادي من ملفات الإدارة المقدمة في الدعوى ومن مستندات المطعون ضدها أن جدها لأبيها عبد الله بن أحمد السادس الباروني طرابلسي الأصل وقدم إلى القطر المصري في عام 1891 م على وجه التقريب وقت أن كانت كل من طرابلس ومصر تابعة للدولة العلية وقبل ميلاد ابنه يوسف عبد الله الباروني والد المطعون ضدها والذي تأرجح تاريخ ميلاده في الأوراق بين عام 1893 أو 1895 فترجحت ولادته في مصر من المستخرج من دفاتر دار المحفوظات وتكشف الأوراق عن إقامة الجد والأب معاً بالفيوم وكانا يشتغلان بالتجارة وقت إجراء تحريات المديرية عنهما في عام 1928 على ما جاء بملف التبعيات رقم 10/ 27/ 508 والأوراق الأخرى وقد استمرت إقامة الجد منذ قدومه إلى القطر المصري والأب بعد مولده إلى ما بعد هذا التاريخ إلى 10 مارس سنة 1929 حيث رزق بابنته أنهار - المطعون ضدها - والتي ولدت في بندر الفيوم بتاريخ 11/ 6/ 1932 وقيدت هذه المدينة كموطن للأسرة. وتدرجت المذكورة في مراحل التعليم المختلفة وتقلدت الوظيفة العامة ومنحت بطاقة انتخاب وبطاقة عائلية وجواز سفر مصري وبذلك يكون المستفاد من ظاهر الأوراق انطباق أحكام المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 بشأن الجنسية المصرية على هذه المنازعة فالمستفاد من ظاهر الأوراق ميلاد المذكورة في مصر سنة 1932 لأب عثماني ولد فيها في 1893 أو 1895 لأب عثماني من مواليد طرابلس بليبيا حضر إلى مصر سنة 1891 وبذلك فإن الظاهر في حق الجد أنه عثماني كان يقيم في مصر منذ مجيئه إليها في سنة 1891 وكان يقيم فيها عادة في 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظ على إقامته فيها حتى 10 مارس سنة 1929 تاريخ العمل بالمرسوم بقانون المشار إليه ولم يكن استيلاء إيطاليا على طرابلس الذي تم في سنه 1912 ليزيل بذاته صفة العثمانية عن الليبيين طالما لم تكن الدولة العثمانية قد أقرت هذا الاستيلاء وبذلك يكون مصرياً طبقاً للمادة (1) - ثالثاً - من المرسوم بقانون المذكور إذ نصت على أن "يعتبر مصرياً من عدا هؤلاء من الرعايا العثمانيين الذين كانوا يقيمون عادة في القطر المصري في 5 نوفمبر سنة 1914 وحافظوا على تلك الإقامة حتى تاريخ نشر هذا القانون". وإذا كان الأب بحسب الظاهر من مواليد البلاد في 1893 أو 1895 فقد كان رشيداً عن العمل بالمرسوم بقانون المذكور فينطبق النص المشار إليه في حقه استقلالاً بغض النظر عن نفاذ أي نصوص أخرى في شأنه. ولم يتبين من ملفات الإدارة إلا أنه مقيد بكشوف الطرابلسيين بناء على طلبه في عام 1922 وذلك قبل عقد الاتفاق بين مصر وإيطاليا في شأن جنسية الليبيين المقيمين بالقطر المصري في 14 إبريل 1923 وقد أخضعت هذه الكشوف للفحص والمراجعة والمحو إن اقتضى الأمر ولم يقرر صفة التبعية الإيطالية إلا لمن ورد ذكرهم فيه بشروط معينة منها شرط الميلاد في ليبيا وأن تكون المهاجرة منها على نية العودة إليها. والمستفاد ميلاد الأب بمصر واستمرار إقامته بها فلم يعد إلى طرابلس حتى 1929 لا سيما أنه ورد بملف الإدارة عنه أنه لا يوجد بأرشيف الجنسية ملفات باسمه. هذا إلى أن محكمة النقض سبق أن قضت بأن الجنسية من المعاني المفردة البسيطة التي لا تحتمل التخليط ولا التراكيب والقانون الدولي لا يعرف شيئاً اسمه جنسية عثمانية مصرية ولا عثمانية عراقية أو حجازية أو سورية. ذلك أن الجنسية فرع من السيادة ولازمة من لوازمها وللسيادة وحدانية يهدمها الإشراك والتخليط". (نقض مدني في 31/ 1/ 1964) وعلى ذلك وفي صدد طلب وقف التنفيذ فالظاهر تمتع المطعون ضدها بالجنسية المصرية فيتحقق ركن الجدية في الطلب وكذلك ركن الاستعجال لما يترتب على إنكار الجنسية المصرية على المطعون ضدها من نتائج خطيرة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه - وبغض النظر عما قام عليه من أسباب - وهي نتيجة صحيحة على مقتضى أسباب هذا الحكم فإنه ينأى عن الطعن فيتعين رفض الطعن وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.


[(1)] راجع حكم محكمة النقض في 31/ 1/ 1964.