مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 684

(105)
جلسة 24 من يناير سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر المستشارين.

الطعن رقم 2365 لسنة 31 القضائية

( أ ) إثبات - عبء الإثبات.
القانون رقم 25 لسنة 1968 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية - عبء الإثبات في المنازعة الإدارية لا يخرج عن الأصل العام الذي قرره قانون الإثبات - وهو وقوع هذا العبء على المدعي فهو الذي يتحمل عبء إثبات ما يدعيه - إذا أقام المدعي الدليل الكافي على دعواه كان على المدعى عليه إقامة الدليل الداحض الذي ينفي ادعاء المدعي - تطبيق.
(ب) دعوى - إثبات من الدعوى.
أجاز المشرع للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده وذلك في حالات ثلاث هي:-
1 - إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه.
2 - إذا كان المحرر مشتركاً بينه وبين خصمه.
3 - إذا استند الخصم إلى هذا المحرر في أية مرحلة من مراحل الدعوى.
للمحكمة أن تأمر بتقديم المحرر في الحال أو في أقرب موعد تحدده متى أثبت الطالب طلبه وأقر الخصم بأن المحرر في حيازته - عدم تقديم الخصم للمحرر الذي تحت يده يؤدي إلى اعتبار الصورة التي قدمها الخصم الآخر صحيحة مطالبة لأصلها - يجوز الأخذ بقول الخصم حتى ولو لم يقدم صورة من المحرر المطلوب تقديمه - يجوز تطبيق هذه القواعد في مجال المنازعات الإدارية - أساس ذلك: - أن هذه القواعد لا تتعارض مع طبيعة المنازعات الإدارية وتهدف إلى تحقيق التوازن بين طرفي الخصومة - مؤدى ذلك: أنه لا يكفي الاستناد إلى امتناع الإدارة عن تقديم المستندات أو التراخي في تقديمها لإجابة خصمها إلى طلبه طالما لم تستعمل المحكمة سلطتها في إلزام جهة الإدارة بتقديم الدليل - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 27 من مايو 1985 أودعت إدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة بمقتضى القانون رقم 10 لسنة 1986) نيابة عن وزير التربية والتعليم بصفته رئيس لجنة تصحيح أوراق إجابات شهادة الثانوية العامة بمحافظة الإسكندرية بصفته قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 2365 لسنة 31 القضائية ضد السيد/ مصطفى محمد طاهر البيه في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في الدعوى رقم 1854 لسنة 37 القضائية الذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء قرار اعتماد نتيجة امتحان شهادة الثانوية العامة لعام 1983 فيما تضمنه من عدم استحقاق المدعي الدرجة النهائية في مادة الميكانيكا وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وطلب الطاعنان للأسباب المبينة في تقرير الطعن الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف والأتعاب عن درجتي التقاضي. وأعلن تقرير الطعن قانوناً وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ثم القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 2/ 6/ 1986 وتداول بجلساتها حتى قررت بجلسة 15/ 12/ 1986 وإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) لنظره بجلسة 17/ 1/ 1987 فنظرته المحكمة في هذه الجلسة على الوجه المبين بمحضرها وبعد أن سمعت ما رأت لزومه من إيضاحات قررت في الجلسة المذكورة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخ 27/ 9/ 1983 أقام مصطفى محمد طاهر البيه الدعوى رقم 1854 لسنة 37 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ضد وزير التربية والتعليم ورئيس لجنة تصحيح أوراق إجابات شهادة الثانوية العامة بمحافظة الإسكندرية طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار اعتماد نتيجة الثانوية العامة لعام 1983 بالنسبة للدرجة الحاصل عليها في مادة الميكانيكا واعتباره كأن لم يكن وجعلها 25 درجة أي الدرجة النهائية مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وسنده في ذلك أنه تقدم لامتحان شهادة الصف الثالث الثانوي العام (الثانوية العامة) لعام 1983 تحت رقم جلوس 260831 منازل النيل منطقة غرب الإسكندرية القسم العلمي (شعبة العلوم) وبتاريخ 30/ 7/ 1983 ظهرت نتيجة الامتحان وتضمنت نجاحه بمجموع كلي قدره 337 من 400 درجة وأن درجة نجاحه في مادة الميكانيكا 20 درجة بينما يستحق الدرجة النهائية لهذه المادة وهي 25 درجة لأن الدرجة التي نسبت إليه لا تخصه ولا تتناسب مع إجابته في مادة رياضة بحتة ذات نتيجة محددة لا مجال فيها للاجتهاد ولا توجد سلطة تقديرية للمصحح في منح الدرجة، ويقتضي التحقق من ذلك ضم ورقة إجابته في هذه المادة لإعادة تصحيحها بمعرفة لجنة فنية مختصة أو خبير تعينه المحكمة. وقدمت الجهة الإدارية بياناً بدرجات المدعي تضمن أنه حصل في مادة الميكانيكا على 20 درجة وبجلسة 28 من مارس 1985 أصدرت المحكمة حكمها موضوع هذا الطعن باعتبار أن الدعوى قد أصبحت مهيأة للفصل فيها موضوعاً وأقامت قضائها على أنه ولئن كان الأصل أن عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي إلا أن الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه في مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال بالنظر إلى احتفاظ الإدارة في قالب الأمر بالوثائق والملفات ذات الأثر الحاسم في المنازعة، لذا فإن من المبادئ المستقرة في المجال الإداري أن الإدارة تلتزم بتقديم سائر الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع والمتجه في إثباته إيجاباً ونفياً متى طلب منها ذلك فإذا نكلت عن تقديم الأوراق فإن ذلك يقيم قرينة لصالح المدعي تلقي عبء الإثبات على عاتق الحكومة ولما كان المدعي يطعن في قرار اعتماد نتيجة امتحانه في شهادة الثانوية العامة سنة 1983 مراراً بتقديم ورقة إجابته في المادة المذكورة إلا أنها عزفت عن تقديمها رغم أنها في حوزتها وكانت تستطيع أن تقديمها أن تدحض الدعوى لو كانت غير صحيحة فتقوم من ثم قرينة في صالح المدعي تؤيد صحة دعواه بأنه حاصل على الدرجة النهائية في هذه المادة وبذلك يغدو القرار المطعون فيه غير قائم على أساس من الواقع والقانون.
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ويستند إلى أن التصحيح وتقدير درجات الإجابة عملية فنية بحتة لا يجوز قانوناً أن تخضع لرقابة القضاء الإداري حتى لا يؤدي ذلك إلى التدخل في أمور فنية تقديرية هي من اختصاص الجهة المنوط بها أمر التصحيح فلا تحل المحكمة محلها في ذلك ما لم يكن قد شاب التصحيح وتقدير الدرجات خطأ مادي أو إساءة لاستعمال السلطة، ويتضح من المستندات المرفقة بالطعن أن الإدارة العامة للامتحانات قد أفادت بأنه بالرجوع إلى سجلات الرصد الأصلية بالإدارة العامة للامتحانات وجد أن المدعي حاصل على 20 درجة في مادة الميكانيكا وأنه بمراجعة كراسة إجابته تبين أنه تم مراجعة جميع جزئيات الدرجة لكل سؤال وثبت أنها صحيحة ومطابقة لما هو مدون للطالب بسجلات الرصد وأن جميع إجاباته مقدرة ولم يترك منها أي جزء دون تقدير، وبذلك يكون المدعي قد حصل على الدرجة التي يستحقها وفقاً لإجابته التي تم التحقق منها بمعرفة الفنيين المتخصصين في هذا الشأن ولا يسوغ للقضاء الإداري أن يتدخل فيما تستقل به جهة الإدارة على هذا النحو ما دام أن قرار إعلان النتيجة كان مستنداً على أصول موجودة ومستخلصاً استخلاصاً سائغاً مادياً وقانونياً. أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الحكومة قد نكلت عن تقديم الأوراق فتقوم قرينة لصالح المدعي تلقي بعبء الإثبات على عاتق الإدارة فهو مخالف قاعدة قانون الإثبات التي تقضي بأن على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه كما يخالف الأصل المقرر في الإثبات بأن البينة على من ادعى.
ومن حيث إن الثابت من الصورة الضوئية التي قدمتها الإدارة أثناء نظر الطعن لكراسة الإجابة في مادة الميكانيكا في امتحان شهادة إتمام الثانوية العامة لعام 1983 أنها تخص المطعون ضده فعليها اسمه ورقم جلوسه كما ورد بعريضة الدعوى وبمراجعتها تبين أنها تضمنت إجابته عن أربعة أسئلة وقدرت الدرجة عن كل سؤال على النحو الآتي: 7 عن السؤال الأول و4.5 عن السؤال الثاني و3.5 عن السؤال الثالث و5 عن السؤال الرابع ومجموع الدرجات 20 من 25 درجة. وقد أفادت الإدارة العامة للامتحانات بوزارة التربية والتعليم بأن الكراسة تم فحصها ومراجعة جزئيات الدرجة لكل سؤال من الداخل ووجد أنها صحيحة ومطابقة لما هو مدون لكل سؤال على غلاف الكراسة وأن المجموع الكلي صحيح ومطابق لما هو يدون للطالب بسجلات الرصد ثم أعيد عرضها على الفنيين فتأكدت سلامة التقدير ودقته وصحة الجمع والرصد بما لا يدع مجالاً لأي شك في نقص أو زيادة في درجة الطالب وإذ ثبت ما تقدم يكون ادعاء المطعون ضده بأن هذه الكراسة لا تخصه ولا تتناسب الدرجة التي منحها مع إجابته في مادة الميكانيكا وأنه يستحق الدرجة النهائية في هذه المادة - ادعاء غير صحيح لا أساس له من الواقع لمخالفته الثابت من الأوراق وهو ما يقتضي رفض الدعوى، ولا ينهض سنداً سليماً للحكم المطعون فيه الأخذ بغير هذا النظر ما قرره بشأن موقف الجهة الإدارية من عدم تقديمها كراسة إجابة المطعون ضده في المادة المذكورة رغم طلب تقديمها مراراً من جانب المحكمة واستظهاره من ذلك قرينة لصالح المطعون ضده تنقل عبء الإثبات على عاتق الإدارة.
فعبء الإثبات في المنازعة الإدارية لا يخرج في أصله وكقاعدة عامة عنه في غيرها إذ الأصل طبقاً للمادة (1) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية أن على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه وهو تطبيق لأصل جوهري معناه أن مدعي الحق عليه إثبات وجوده لصالحه قبل من يبدي التزامه بمقتضاه. فإذا ما أثبت ذلك كان على المدعى عليه أن يثبت تخلصه منه إما بإثبات عدم تقرير الحق أصلاً أو عدم ثبوته للمدعي أو انقضائه وذلك كله عن وجه مطابق للقانون. ومقتضى ذلك أن المدعى عليه هو الذي يتحمل بعبء إثبات ما يدعيه بدعواه، فإذا ما أقام الدليل الكافي على ذلك كان على المدعى عليه أن يقيم الدليل الداحض لأدلة المدعي النافي لدعواه. وقد تحسب القانون لحالة وجود محرر يفيد في إثبات دعوى أحد الخصوم تحت يد خصمه فأجازت المادة (20) من قانون الإثبات للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده في حالات ثلاث: إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه أو إذا كان مشتركاً بينه وبين خصمه ويعتبر المحرر مشتركاً على الأخص إذا كان محرراً لمصلحة الخصمين أو كان مثبتاً لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة أو إذا استند إليه خصمه في أية مرحلة من مراحل الدعوى. ثم أوضحت المادة (21) الشروط الواجب توافرها في طلب الالتزام بتقديم المحرر وإلا كان الطلب غير مقبول إذا لم تراع فيه أحكام المادتين السابقتين ثم أوجبت المادة (23) على المحكمة أن تأمر بتقديم المحرر في الحال أو في أقرب موعد تحدده إذا أثبت الطالب طلبه وأقر الخصم بأن المحرر في حيازته. فإذا لم يقم الخصم بتقديم المحرر في الموعد الذي حددته المحكمة فقد اعتبرت المادة 24 صورة المحرر التي قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها، فإن لم يكن خصمه قد قدم صورة من المحرر جار الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكله وموضوعه.
ومع هذا التنظيم الدقيق الكامل لأمر إلزام الخصم بتقديم دليل تحت يده الذي يصل إلى الأخذ بالصورة التي يقدمها الطالب من المحرر واعتبارها نسخة مطابقة لأصلها فإن لم يكن قدم صورة (لتعذر حصوله على هذه الصورة مثلاً) جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكل المحرر وموضوعه ولا شك أن هذه الأحكام في مجملها لا تتعارض مع طبيعة المنازعة الإدارية فإن تجاهل هذه النصوص القائمة على جوهر الحق وأصول إثباته والتي عمدت إلى إيجاد التوازن الدقيق بين طرفي الخصومة بما يضمن تقديم أي دليل منتج في الدعوى وإلزام الخصم الذي تحت يده بتقديمه لصالح خصمه بل وضد صالحه الخاص بما يترتب من جزاء عن الامتناع وبما يكفل إيداع المستندات تطبيقاً لأحكام المادة 26 من قانون مجلس الدولة، تكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من اعتبار مجرد امتناع الإدارة عن تقديم ورقة الامتحان أو التراخي في تقديمها مع ما اقترن به من عدم استعمال المحكمة لكل سلطاتها التي خولها لها القانون في الإلزام بتقديم الدليل بما يكفل إتمامه فاعتبار ذلك تسليماً بدعوى المدعي إلى الحد الذي وصل إلى اعتبار دعواه استحقاقه الدرجة النهائية صحيحاً مع أنه لم يدع حصوله في الورقة فعلاً على هذه الدرجة وإنما ادعى استحقاق إجابته فيها لهذه الدرجات هذا الذي ذهب إليه الحكم إنما هو في ضوء مجموع ظروف الدعوى ووقائعها وطالبات الخصم فيها على أحكام القانون لم يكن في إجراءات الدعوى ما يبرره: وإذ خالف الحكم المطعون فيه أحكام القانون فأهدرها بما انتهى به إلى قضائه المخالف للقانون من إلغاء قرار اعتماد نتيجة امتحان المطعون ضده فيما تضمنه من عدم استحقاقه الدرجة النهائية في المادة المذكورة فيكون واجب الإلغاء وإذ تريه أن ورقة الإجابة قد استوفت أوضاع تصحيحها على وجه مطابق للقانون فيتعين رفض الدعوى وإلزام المطعون ضده مصروفات الدرجتين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.