مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والثلاثون - الجزء الأول (أول أكتوبر 1986 - فبراير 1987) - صـ 784

(117)
جلسة 7 من فبراير سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليجي ومحمد أمين المهدي وحسن حسنين علي والسيد السيد عمر المستشارين.

الطعن رقم 2120 لسنة 30 القضائية

أ - دعوى - الحكم في الدعوى - الحكم بعدم الاختصاص والإحالة - المادة (110) من قانون المرافعات المدنية والتجارية - الحكم بعدم الاختصاص من المحاكم الأخرى إلى محاكم مجلس الدولة لا يلزم المحاكم الأخيرة بنظر الدعوى - يتعين على محكمة القضاء الإداري أن تفصل في أمر الاختصاص الولائي الذي يعتبر مفروضاً عليها دائماً سواء أقيمت الدعوى أمام المحكمة مباشرة أو أحيلت إليها من جهة أخرى - حكم الفقرة الثانية من المادة (110) من قانون المرافعات التي تنص على إلزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها وبالفصل فيها تخاطب المحاكم التي ينظم قانون المرافعات الإجراءات أمامها وهي المحاكم التي حددها قانون السلطة القضائية دون محاكم مجلس الدولة - تطبيق [(1)].
ب - اختصاص - مناط تحديد اختصاص المحكمة - مناط تحديد اختصاص المحكمة هو ما حددته حقيقة طلبات الخصوم بغض النظر عن العبارات المستعملة دون إيقاف في تفسيرها أو فهمها - وذلك في ضوء نصوص القانون المحددة لاختصاص جهات القضاء المختصة - تطبيق.
جـ - اختصاص - ما يخرج عن اختصاص النيابة العامة - المنازعات المدنية - لا اختصاص للنيابة العامة في التدخل في تفسير عقداً مدنياً ما بين طرفيه حقوقاً والتزامات - قرار النيابة العامة في هذه الحالة ليس قراراً إدارياً ولا عملاً قضائياً - ما دامت المنازعة مدنية بحتة يحكمها القانون المدني أثر ذلك: - عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بالطعن في مثل هذه القرارات - تطبيق.


الإجراءات

في يوم الثلاثاء الموافق 29 من مايو سنة 1984 أودع الأستاذ فوزي سليم حنا المحامي بصفته وكيلاً عن السيدين/ محمود محمد أحمد المراكبي وعادل محمود محمد أحمد المراكبي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2120 لسنة 30 القضائية عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 10 من مايو سنة 1984 في الدعوى رقم 3231 لسنة 36 القضائية والقاضي برفض الدفع وعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلاً وبرفضها موضوعاً، وطلب الطاعنان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن والحكم بعدم أحقية المطعون ضده الأول في تركيب اللافتة والفترينة على واجهة المبنى ومدخل العمارة المملوكة للطاعن الأول بشكل يستغرق مدخل العمارة المذكورة بالصورة والوصف المبين بالشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إداري بندر الفيوم وتمكين الطاعن الثاني من وضع اللافتة المعلنة عن عمله على مدخل العمارة والواجهة مع إلزام المطعون ضده الأول بالمصروفات. وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الطعن ارتأت قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16 من يونيه سنة 1986 وتداول نظره بالجلسات على النحو المبين تفصيلاً بالمحاضر حتى قررت بجلسة 5 من يناير سنة 1987 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 24 من يناير سنة 1987 وبتلك الجلسة نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بالمحضر وقررت إصدار الحكم بجلسة 7 من فبراير سنة 1987. وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فيتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن الطاعنين أقاما الدعوى ابتداء بتاريخ 12 من سبتمبر سنة 1981 أمام محكمة بندر الفيوم الجزئية ضد السيد - محمد مصطفى عبد اللطيف حيث قيدت بسجلاتها تحت رقم 534 لسنة 81 بندر الفيوم طالبين الحكم أولاً بعدم أحقية المدعى عليه لتركيب الفاترينة المبينة وصفاً بالشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إداري بندر الفيوم وبتقرير الخبير في دعوى إثبات الحالة رقم 202 لسنة 1981 مستعجل الفيوم وإلزامه المصروفات وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة وثانياً تمكين المدعي الثاني من تركيب لافتته المعتبرة إعلاناً عن شغله الدور العلوي - مكتب محام - والثابت معالمها بالصورة الفوتوغرافية المرفقة بتحقيقات الشكوى الإدارية 1980 سنة 1980 إداري بندر الفيوم وإلزام المدعى عليه المصروفات وشمول الحكم بالنفاذ المعجل ولا كفالة وقال المدعيان (الطاعنان بالطعن الماثل) سنداً لدعواهم إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1/ 4/ 1980 استأجر المدعى عليه من المدعي الأول، بالجدك، حجرتين بالدور الأرضي بالعمارة رقم 4 عوايد بشارع تنهله الغربي بندر الفيوم بغرض استعمالها استوديو تصوير مقابل أربعين جنيهاً شهرياً، وادعى المدعى عليه أنه قام بتركيب لافتة على واجهة العمارة ملك المدعي الأول الذي قام بإتلافها وتكسيرها وانتزاعها من مكانها، وأقيمت عن ذلك الدعوى الجنائية برقم 3303 لسنة 1981 بندر الفيوم، كما أقيمت دعوى بإثبات حالة قدم بها الخبير تقريراً ورد به أن ما ادعى أنه لافتة إنما هي فاترينة ذات أرفف لوضع الصور، وأنها تشغل كل مدخل العمارة المعتبر واجهتها بعرض 250 سم وكما قال المدعيان بأن المدعى عليه تقدم بالشكوى رقم 1890 لسنة 1981 وانتهت نيابة الفيوم الكلية بشأنها إلى تمكين المدعى عليه من تركيب اللافتة على واجهة العمارة رغم أن حقيقتها فاترينة، وهي بهذه المثابة عائق مادي للمدخل، ومع ذلك فقد تأيد هذا القرار بقرار المحامي العام وقام المدعى عليه بتنفيذ القرار في 10/ 9/ 1981. ولما كان المدعي الثاني (الطاعن الثاني بالطعن الماثل) يستأجر الدور الأول العلوي مكتباً للمحاماة ويضع لافتته على واجهة الدور الأول واكتسب حقاً مادياً وقانونياً في وضع اللافتة الخاصة به بمواجهة هذا الدور، إلا أنه تم نزع هذه اللافتة تنفيذاً لقرار النيابة العامة في هذا الشأن. باعتبار أن جوهر المنازعة مدني بحت فإن تدخل النيابة العامة يعتبر تعويضاً مادياً لحقوق المدعي الأول كمؤجر ولحقوق المدعي الثاني كمستأجر للدور الأول. وخلص المدعيان إلى أن التكيف القانوني للدعوى بالنسبة للمدعي الأول أنها دعوى عدم أحقية المدعى عليه لتركيب فاترينة دون اللافتة المدعى بها في الشكوى الإدارية والثابت أوصافها بتقرير الخبير في دعوى إثبات الحالة، باعتبار أن تركيب الفاترينة أمر يستحيل تنفيذه بمدخل العمارة وواجهتها بعرض 250 سم فقط، ويكون ذلك عائقاً لاستغلال المدخل ودخول المستأجرين، وبالنسبة للمدعي الثاني بأنها دعوى استرداد حيازة وتمكينه من إعادة وضع اللافتة، المعلنة على مكتبه كمحام، على واجهة العين المؤجرة إليه. وبجلسة 21 من ديسمبر 1981 حكمت محكمة بندر الفيوم الجزئية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وألزمت المدعيين المصروفات: وأقامت قضاءها على أساس أن طلبات المدعيين إذ تقوم على أن قرار النيابة العامة في الشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إداري بندر الفيوم لا يعدو أن يكون تعرضاً لحقوق المدعي الأول وعلى أن ذلك القرار لا ينسحب على المدعي الثاني لكونه لم يكن ممثلاً في الشكوى الصادر فيها القرار، فإن الفصل في هذه الطلبات يوجب على المحكمة التصدي للقرار الإداري الصادر من النيابة العامة باعتبارها هيئة إدارية وليس بصفتها الأمنية على الدعوى العمومية، الأمر الذي يمتنع على القضاء العادي. وقام الطاعنان باستئناف الحكم المشار إليه أمام محكمة الفيوم الابتدائية (الدائرة الاستئنافية) تأسيساً على أن حقيقة ما طلبه المدعي الأول أمام محكمة الدرجة الأولى هو مطلب إعمال نصوص عقد الإيجار المحرر بينه كمؤجر وبين المدعي عليه كمستأجر لحجرتين بالدور الأرضي لا يتعدى حق انتفاعه نطاق عقد الإيجار فلا يكون له إلا أن يضع لافتة على واجهة العين المؤجرة له لا على مدخل العمارة، كما أن طلب المدعي الثاني من إعادة لافتته كمحام على واجهة العين المؤجرة له يقوم على أساس أن ما كان من انتزاع اللافتة الخاصة به بقرار النيابة يعتبر تعرضاً مادياً له يجيز له الالتجاء إلى القضاء المدني لإزالته باعتباره اعتداء على حق مقرر له قانوناً، وفي مواجهة الغير المدعى عليه بأن له حق الإعلان عن مكتبه كمحام بوضع اللافتة الخاصة به. وأورد المستأنف بعريضة الاستئناف أن المنازعة مدنية بين طرفيها وبحكمها عقد يخضع للقانون المدني، ولا اختصاص للنيابة العامة في التدخل لتفسير هذا العقد وبالتالي فقرارها لا يعتبر قضائياً أو إدارياً ما دامت المنازعة مدنية. وأن عقد الإيجار المؤرخ 1/ 4/ 1980، وهو سند التداعي أصلاً، قد خلا من حق للمستأنف ضده في تركيب لافتة أو فاترينة على مدخل عمارة المستأنف الأول، إذ العين المؤجرة داخل المبنى، وعلى ذلك فإن كان له حق الإعلان عن نشاطه فيقتصر ذلك على الإعلان على واجهة العين المؤجرة وليس على واجهة العمارة بما يستغرق المدخل البالغ عرضه 250 سم والفاترينة تستغرق ذلك، وأنه إذا انتزعت. لافتة المستأنف الثاني، وكانت موضوعة على واجهة مكتبه كمحام بالدور الأول، وهو بعد لم يكن طرفاً في المنازعة بين المالك المؤجر وبين المستأنف ضده فيكون انتزاع هذا الأخير لها تعرضاً مادياً منه يلتجأ للحماية منه إلى القضاء المدني. وبجلسة 23 من مارس سنة 1982 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم المستأنف فيها فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري لنظرها بجلسة 8/ 5/ 1982 وأبقت الفصل في المصروفات. وأقامت قضاءها على أساس أنه إذ كانت طلبات المستأنفين هي أولاً الحكم بعدم أحقية المدعى عليه لتركيب الفاترينة المبينة وصفاً بالشكوى الإدارية رقم 1890 لسنة 1981 قسم الفيوم وثانياً إعادة تمكين المدعي الثاني من تركيب لافتته المعتبرة إعلاناً عن شغله الدور الأول العلوي كمكتب محاماة وكانت النيابة العامة قد سبق لها أن أصدرت بتاريخ 1/ 6/ 1981 قراراً بتمكين المدعى عليه (المتعاقد ضده) من وضع لافتته ومنع تعرض الغير له وذلك في المحضر رقم 1890 لسنة 1981 إداري قسم الفيوم ومن ثم فإن طلبات المدعين (المستأنفين) تكون خاصة بالقرار الصادر من النيابة العامة ذلك لأن إجابة طلباتهما هو في الوقت ذاته حكم ضمني بعدم الاعتداد بقرار النيابة العامة. وبعد أن استعرض الحكم آراء الفقه والقضاء حول الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة من النيابة العامة بشأن الحيازة الخارجة عن نطاق التجريم، انتهى إلى أن الرأي الأقرب إلى الصواب هو الرأي الذي يجري التفرقة بين حالتين، الأولى وفيها تفصل النيابة العامة في أصل النزاع الدائر حول الحيازة فتمكن من لا حيازة له من عين النزاع أو تمنع تعرض الغير له أي تعدل أو تغير من المراكز القانونية الظاهرة للخصوم وفي هذه الحالة يكون القرار الصادر من النيابة العامة منعدماً لافتقاده أحد الأركان اللازمة لانعقاده كقرار إداري وذلك لأن القانون عقد الاختصاص في مسائل الحيازة للقضاء المدني دون غيره وتكون النيابة العامة قد اغتصبت بقرارها سلطة القضاء المدني كما يجيز له التصدي للقرار بالإلغاء باعتباره عقبة مادية بين صاحب الحق وحقه، والحالة الثانية وفيها لا تغير النيابة العامة ولا تبدل المراكز القانونية للخصوم فتبقى الحيازة للحائز الظاهر أو تمنع تعرض الغير له ويكون قرارها إدارياً صدر معاونة للسلطة الإدارية في حفظ الأمن والنظام، وأنه بفرض خروج القرار عن النطاق الوظيفي للنيابة العامة فإن العيب الذي يلحقه يكون عيباً متعلقاً بالشكل وليس اغتصاباً لسلطة القضاء المدني ويكون الاختصاص بعدم الاعتداد به للقضاء الإداري. وبتطبيق ما تقدم على واقعات الدعوى أوردت المحكمة بأنه إذا كان الثابت من المحضر رقم 1890 إداري وأقوال شهود المستأنف عليه من أن اللافتة الإعلانية الخاصة بالمستأنف عليه كانت في مكانها على وجه المحل وأن المستأنف الأول وأعوانه هم الذين انتزعوا هذه اللافتة ومن ثم يكون قرار النيابة العامة بتمكين المستأنف عليه من وضع هذه اللافتة في مكانها بعد أن تم نزعها لم يضف جديداً ولم يغير في المراكز القانونية للخصوم فيكون ما صدر عنها هو قرار إداري يختص القضاء الإداري بنظر الدعوى بطلب عدم الاعتداد به أو إلغائه. وإعمالاً لحكم المادتين 110 و113 من قانون المرافعات حكمت المحكمة بعد تأييد الحكم بعدم الاختصاص بإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري. وقد وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري حيث قيدت بسجلاتها تحت رقم 3231 لسنة 36 القضائية. وبجلسة 10 من مايو سنة 1984 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلاً وبرفضها موضوعاً وألزمت المدعيين المصروفات.
وأقامت قضاءها على أساس أنه بالنسبة للاختصاص فإنه إذا كان الثابت أن المدعى عليه دفع أمام المحكمة المدنية التي أقيمت الدعوى أمامها ابتداء بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري وتأييد حكم المحكمة المدنية بعدم الاختصاص في الدعوى الاستئنافية، فعلى ذلك الدفع المشار إليه قد استنفد الغرض منه بالحكم المشار إليه. وعن الدفع بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة فهو غير سديد، ذلك أن للمدعين مصلحة ظاهرة شخصية ظاهرة في طلب إلغاء القرار المطعون فيه فضلاً عن أنهما في مركز قانوني خاص من ذلك القرار يؤثر في مصلحتيهما إذ لا يتهيأ لهما وضع أية لافتات على واجهة العقار أو الإفادة من تلك الواجهة على أية صورة ما بقي القرار المطعون فيه قائماً إلا اعتبرا متعرضين للقرار. وعن شكل الدعوى ورد بالحكم أنه إذ كان القرار المطعون فيه قد أبلغ للمدعين بتاريخ 12/ 9/ 1981 فأقاما الدعوى أمام المحكمة المدنية في ذات التاريخ ويترتب على ذلك انقطاع سريان الميعاد فإنهما إذ بادر إلى اختصام وزير العدل وتعديل طلباتهما طبقاً لقانون مجلس الدولة طالبين إلغاء القرار المطعون فيه خلال تحضير الدعوى أمام هيئة مفوضي الدولة وقبل بدء جلسات المرافعة فمن ثم تكون دعواهما قد أقيمت في الميعاد القانوني وتكون مقبولة شكلاً. وعن الموضوع أورد الحكم بأنه لا وجه لما ذهب إليه المدعيان من تصوير دعواهما على أنها نزاع في أصل الحق وتقرير عدم أحقية المدعى عليه في وضع اللافتة باعتبار أن العلاقة الإيجارية بينه وبين المدعين لا ترتب له هذا الحق ذلك أن استعراض وقائع النزاع منذ بدئه أمام المحكمة المدنية يبين بوضوح أن المضمون الحقيقي لطلباتهما هو إلغاء قرار النيابة العامة الصادر بتمكين المدعى عليه الأول من وضع اللافتة وعدم تعرض الغير له، بل إنهما حرصا بذلك في مذكراتهما التي قدمت بعد إحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري، وأنه إذا كان المدعيان قد تخبطا في طلباتهما فهما حيناً يطلبان اعتبار الدعوى طعناً في قرار إداري وحيناً يقرران أنهما لا يوجهان أي مطاعن للقرار وإنما يطالبان بأصل الحق وبإعمال الآثار المترتبة على العلاقة الإيجارية، فلا يعد ذلك بصد المحكمة عن إجراء التكييف الصحيح للدعوى في ضوء الهدف المبتغى منها والأسباب التي يستندان إليها، وعلى ذلك ولما كانت الطلبات بحسب الغاية المستهدفة والأساس الذي تقوم عليه مؤداها الطعن في القرار الصادر من النيابة العامة وهو ما أكدته المحكمة المدنية لأول درجة وأيدتها المحكمة الاستئنافية، وترتيباً على ذلك فإن المحكمة، أي محكمة القضاء الإداري، تلتفت عما ذهب إليه المدعيان من أن النزاع هو نزاع مدني يتناول أصل الحق ولا ينصب على الطعن في القرار المشار إليه خاصة وأن من الجلي أن المدعيين يملكان التوجه بطلباتهما هذه إلى المحكمة المدنية بدعوى جديدة بطلب الفصل في أصل الحق. وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أنه إذ كان الثابت من الأوراق وأقوال الشهود الذين سمعت أقوالهم بمحضر الشرطة أن المدعى عليه الأول كان يضع لافتة على واجهة العقار منذ فترة غير قصيرة وأن هذه اللافتة قد انتزعت واستبدلت بها لافتة المدعي الثاني فإن القرار الصادر من النيابة بتمكين المدعى عليه الأول من وضع اللافتة الخاصة به على واجهة العمارة، وهي اللافتة التي تتصل بها الفاترينة الملاصقة للمدخل، يكون قد صدر في حدود الاختصاص المقرر للنيابة العامة في منازعات الحيازة بلا تجاوز، ولا يكون ثمة وجه للنعي عليه مما يتعين معه رفض الدعوى بطلب إلغائه.
ومن حيث إن الطعن ينعى على الحكم الخطأ في الاستدلال وفي الإسناد والخطأ في تطبيق القانون. ويتحصل السبب الأول في أن الحكم قام على أساس أن طلبات المدعيين، على ما يفيده استعراض وقائع النزاع منذ بدايته أمام المحكمة المدنية، هي بإلغاء قرار النيابة العامة، ويتناقض ذلك، على ما ورد بتقرير الطعن، مع ما حدده الطاعنان لطلباتهما بالمذكرة المقدمة أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة أول مارس سنة 1984 حيث أوردا بها أن النزاع هو نزاع مدني يحكمه القانون المدني وعقد الإيجار والعرف الجاري وإنهما يحترمان قرار النيابة العامة الصادر في الشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إداري بندر الفيوم وقاما بتنفيذه، كما قررا صراحة بأنهما لا يطعنان على القرار المشار إليه. وعلى ذلك وإذ كانت العبرة في الطلبات هي بالطلبات الختامية طبقاً لحكم المادة 124 من قانون المرافعات، فإن الحكم إذ طرح هذه الطلبات وأجرى تكييف طلباتهما على غير ما قاما بتحديده بمذكرتهما المقدمة بجلسة أول مارس سنة 1984 فإنه يكون أخطأ في الاستدلال والإسناد. وعن السبب الثاني للطعن فإنه يقوم على أساس أن الحكم لم يلتزم بالطلبات الختامية المقدمة في الدعوى، وكان على المحكمة أن تلتزم بهذه الطلبات الختامية متى كانت واضحة وصريحة وغير غامضة، فإذا هي غيرت تكييف طلبات المدعيين غير المخالفة للنظام العام والآداب فإنها تكون قد تجاوزت سلطتها وأخطأت في تطبيق القانون.
ومن حيث إن الثابت أنه بتاريخ 18 من مايو سنة 1981 تقدم السيد/ محمد مصطفى عبد اللطيف (المطعون ضده الأول) إلى السيد/ مدير نيابة الفيوم بشكوى ضد السيد/ محمود أحمد المراكبي (الطاعن الأول) تضمنت أن الشاكي يستأجر محلاً للتصوير بعقار يملكه المشكو في حقه بموجب عقد إيجار مؤرخ 1/ 4/ 1980 وأنه لم يتمكن حتى تاريخ تقديم الشكوى من استغلاله أو الانتفاع به لوجود خلافات ومنازعات قضائية بينه وبين المالك آخرها ما كان من قيام المالك بانتزاع اللافتة الإعلانية الكبيرة من مكانها وإتلافها على النحو الثابت بالمحضر رقم 3303 الذي أقيمت في شأنه الدعوى العمومية ضد المالك؛ وإذ كانت اللافتة الإعلانية هي عماد المحل المؤجر له حيث يقع بداخل الدور الأول للعمارة، ووسيلة الإعلان عن وجوده فإنه يطلب القرار بتمكينه من إعادة تركيب اللافتة المشار إليها على النحو الثابت بمحضر إثبات الحالة المرفق بالجنحة رقم 92 أمن دولة الخاصة بجنحة تقاضي المالك مبالغ خارج عقد الإيجار. وقد قيدت الشكوى برقم 1890 لسنة 1981 وقامت الشركة بتحقيق الشكوى بسؤال الجيران ومندوب الشياخة وأحالت الأوراق إلى النيابة العامة التي أصدرت القرار بتمكين الشاكي محمد مصطفى عبد اللطيف من وضع اللافتة وبمنع تعرض الغير له على ما جاء بكتاب النيابة العامة رقم 6077 بشأن المحضر المشار إليه. وبانتقال الشرطة لتنفيذ قرار النيابة العامة تبين وجود لافتة باسم عادل محمود المراكبي موضوعة على جزء كانت مثبتة به لافتة الشاكي، واعتبر صاحب اللافتة السيد/ عادل محمود المراكبي (الطاعن الثاني) على تنفيذ قرار النيابة العامة فيما يتعلق بإزالة اللافتة الموضوعة باسمه، وقرر بأنه يستأجر مكتباً للمحاماة بالعقار وأن اللافتة موضوعة على واجهة المكتب وأن رفعها ووضع اللافتة الأخرى الخاصة بالشاكي يصادر حقه في الإعلان عن المكتب فضلاً عن أنه عند قيامه بوضع اللافتة الخاصة به لم تكن هناك لافتة أخرى مقامة بذات المكان. وبإعادة عرض الموضوع على السيد/ وكيل النيابة الذي أشار، بعد استيفاء تحقيق الشكوى بتنفيذ قرار النيابة العامة بتمكين الشاكي من وضع اللافتة الخاصة به. وبتاريخ 12/ 9/ 1981 قامت الشرطة بتنفيذ القرار بأن قامت بانتزاع اللافتة الخاصة بالطاعن الثاني عادل محمود المراكبي، كما تم تركيب اللافتة الخاصة بالسيد محمد مصطفى عبد اللطيف وهي، على ما ورد بالمحضر عبارة عن لافتتين من الخشب إحداهما مستطيلة وأخرى دائرية مدون بها إعلان عن محل التصوير الخاص بالشاكي بطول حوالي مترين ونصف بالواجهة ويتصل باللافتة من الجهة اليسرى وبارتفاع حوالي ثلاثة أمتار ونصف ما هو عبارة عن "فراغ من الداخل لوضع الصور".
ومن حيث إنه ولئن كانت الدعوى الماثلة قد أحليت إلى محكمة القضاء الإداري بمقتضى الحكم الصادر من الدائر الاستئنافية بمحكمة الفيوم الابتدائية استناداً إلى حكم المادة 110 من قانون المرافعات بحسبان أن طلبات المدعيين، حسبما جاء بالحكم، تمس القرار الصادر من النيابة العامة لأن إجابة طلباتهما هو في الوقت ذاته حكم ضمني بعدم الاعتداد أو بإلغاء ذلك القرار الأمر الذي يختص به القضاء الإداري، إلا أنه ليس مؤدى هذه الإحالة التزام محكمة القضاء الإداري بالفصل في الدعوى متى كانت غير مختصة ولائياًَ بنظرها بالتطبيق لأحكام التشريعات المنظمة لاختصاص مجلس الدولة بهيئة القضاء الإداري، ويتعين على محكمة القضاء الإداري أن تفصل في أمر الاختصاص الولائي الذي يعتبر مفروضاً دائماً عليها سواء كانت الدعوى قد أقيمت أمامها مباشرة أو كانت محالة إليها من جهة قضاء أخرى. وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بالهيئة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984 بأن الفقرة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات التي تنص على التزام المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها والفصل فيها إنما تخاطب المحاكم التي ينظم قانون المرافعات الإجراءات أمامها وهي المحاكم التي حددها قانون السلطة القضائية دون محاكم مجلس الدولة. (الحكم الصادر بجلسة 27 من إبريل سنة 1986 في الطعن رقم 1845 لسنة 27 القضائية والطعون المرتبطة)، أما بالنسبة إلى حكم الفقرة الأولى من المادة 110 من قانون المرافعات فليس في تطبيقه أمام محاكم مجلس الدولة على الدعاوى المرفوعة ابتداء أمامها ما يتعارض مع نصوص قانون المجلس أو نطاقه أو يمس اختصاصه المحدد بالدستور والقانون فيكون لها إذا قضت بعدم اختصاصها بنظر تلك الدعاوى أن تأمر بإحالتها إلى المحكمة المختصة.
ومن حيث إن مناط تحديد اختصاص المحكمة هو ما حددته حقيقة طلبات الخصوم فيها بغض النظر عن العبارات المستعملة دون اعتساف في تفسيرها أو فهمها وذلك في ضوء نصوص القانون المحددة لاختصاص جهات القضاء المختلفة وإذ كانت طلبات المدعيين بالدعوى التي أقيمت أمام القضاء المدني هي، حسبما ورد بعريضتها، الحكم أولاً بعدم أحقية المدعى عليه لتركيب الفاترينة المبينة وصفاً بالشكوى رقم 1890 لسنة 1981 إداري بندر الفيوم وبتقرير الخبير في دعوى إثبات الحالة رقم 202 لسنة 1981 مستعجل الفيوم وثانياً إعادة تمكين المدعي الثاني من تركيب لافتته المعتبرة إعلاناً عن شغله الدور العلوي - مكتب محاماة - والثابت معالمها الصورة الفوتوغرافية المرفقة بتحقيقات الشكوى المشار إليها، وأكدا بعريضة استئناف الحكم الصادر من محكمة أول درجة بعدم الاختصاص أن "قرار النيابة ليس السند القانوني للتكييف المدني في التداعي ولكنه مستند فحسب للاسترشاد به في مقام أعمال أحكام القانون المدني البحت تطبيقاً على الواقعة المدنية المطروحة على القضاء المدني وفي حدود اختصاصه. فالمنازعة المدنية البحتة بين الطرفين يحكمها عقد يخضع لأحكام القانون المدني - لا اختصاص للنيابة العامة في التدخل لتفسير هذا العقد المدني ما بين طرفيه حقوقاً والتزامات - وبالتالي فقرارها لا يعتبر قضائياً ولا إدارياً ما دامت المنازعة مدنية بحتة يحكمها قواعد القانون المدني". فإنه أياً ما كان حقيقة التكييف القانوني لطلبات المدعيين في الدعوى قبل إحالتها إلى محكمة القضاء الإداري وما إذا كانت طلباتهما فيها، في حقيقتها، بالمطالبة بأصل الحق أم تستهدف إلغاء القرار الصادر من النيابة العامة بتمكين المدعى عليه بتلك الدعوى ومنع تعرض الغير له، فإن الدعوى وقد أحيلت إلى محكمة القضاء الإداري فإنه يكون عليها أن تنزل على الطلبات فيها، على ما يكون قد تم من تعديل لها أثناء نظر الدعوى، التكييف الصحيح باستجلاء ونقض مراميها بما يتفق ومقصود المدعيين من وراء إبدائها دون الوقوف على ظاهر العبارات. والثابت أنه أثناء تحضير الدعوى بهيئة مفوضي الدولة أمام محكمة القضاء الإداري قرر المفوض بجلسة التحضير بتاريخ 4/ 8/ 1982 "التأجيل لجلسة 1/ 9/ 1982 ليقدم المدعي صورة من المحضر الذي صدر بناء عليه قرار المحامي العام مع تصحيح شكل الدعوى باختصام وزير العدل" وقام المدعيان بتاريخ 16/ 8/ 1982 بتوجيه إعلان إلى السيد/ وزير العدل لتكليفه بالحضور أمام هيئة مفوضي الدولة ليصدر الحكم في مواجهته بالطلبات الواردة بعريضة الدعوى الأصلية. ورود المدعيان بورقة التكليف بالحضور طلباتهما الواردة بعريضة الدعوى وأوردا أن المحاكم المدنية اعتبرت أن في مضمون طلباتهما تعرضاً لقرار المحامي العام فقضت المحكمة بعدم الاختصاص وأنهما لم يرتضيا الحكم إلا أنه تأيد استئنافياً مع الإحالة إلى محكمة القضاء الإداري، وأنه أثناء تحضير الدعوى أمام هيئة مفوضي الدولة بجلسة التحضير بتاريخ 4/ 8/ 1982 أمرت بتصحيح شكل الدعوى باختصام السيد وزير العدل بصفته. وأنه وأياً ما كان القول عن مدى مراعاة المدعيين للأحكام الواجبة قانوناً طبقاً للمادة 117 من قانون المرافعات في شأن توجيه الخصومة إلى وزير العدل، فالثابت أنهما لم يطلبا في ورقة تكليفه بالحضور إلغاء القرار الصادر من النيابة العامة بل أكدا أنهما لا يستهدفان إلغاءه، وإنما تنصرف مطالبتهما إلى أصل الحق المستمد من نصوص العقد وأحكام القانون في شأن تنظيم حقوق والتزامات كل من المالك والمستأجرين وحقوق والتزامات المستأجرين كل قبل الآخر. فإذا خلا التكليف بالحضور، وهو الإجراء الوحيد الذي اتخذه المدعيان في مواجهة وزير العدل، من مخاصمة قرار النيابة العامة فلا يكون كاشفاً عن نية المدعيين في مخاصمته. وبذلك تكون قد تحددت حقيقة طلباتهما من القضاء وهما لا تخرج في حقيقتها عن طلباتهما الأصلية أمام المحكمة المدنية ومحلها إعمال الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد الإيجار مباشرة طبقاً لأحكام القانون المنظم للعلاقة الإيجارية، وهو ما كان على القضاء الإداري: هيئة مفوضي الدولة أو محكمة القضاء الإداري أن يستظهراه من تكييف سليم مطابق للقانون لطلبات المدعيين. ولا يؤثر في ذلك ما تضمنته المذكرة المقدمة من المدعيين لهيئة مفوضي الدولة بعد حجز الدعوى للتقرير (رقم 6 دوسيه) من التعرض لاختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى بما مفاده أنه إزاء الحكم الاستئنافي الصادر بعدم اختصاص المحاكم المدنية بنظر الدعوى وبالإحالة إلى محكمة القضاء الإداري والتزام المحكمة المحال إليها بأسباب ومنطوق حكم عدم الاختصاص والإحالة يكون موضوع دعواهما الطعن على قرار النيابة العامة، وهو ما يكشف بجلاء أن هذا الطلب الأخير كان نزولاً على حكم الإحالة مع تأكيدهما المتواتر أن حقيقته مقصودهما المطالبة بأصل الحق المستمد من عقد الإيجار دون تعرض لقرار النيابة. وإذ كانت المنازعة المدنية البحتة تخرج بحكم الدستور والقانون عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وهو ما كشف عنه حكم الدائرة المشكلة طبقاً للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة المشار إليه والذي انتهى إلى عدم تقيد القضاء الإداري بالحكم الصادر من القضاء المدني بعدم الاختصاص والإحالة إلى القضاء الإداري إذا ما تبين القضاء الإداري أن حقيقة المنازعة تنتفي عنها صفة المنازعة الإدارية وأنها منازعة مدنية من اختصاص القضاء المدني ولا تأثير للمادة 110 من قانون المرافعات في هذا الصدد. وإذ كان الثابت من الأوراق أن حقيقة محل الدعوى هي حقوق الخصوم المستمدة من عقد الإيجار مباشرة دون مساس بأي قرار إداري ولا حتى قرار النيابة العامة فتكون المنازعة مدنية بحتة خارجة بذلك عن اختصاص القضاء الإداري طبقاً للدستور والقانون وإذ ذهب الحكم المطعون فيه أي غير ذلك والتزم بحكم الإحالة فاجتهد أن يسبغ عليها وصف المنازعة الإدارية بدون جدوى تعين الحكم بإلغائه وبعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى وألزمت المدعيين بالمصروفات.


[(1)] يراجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بالدائرة المشكلة بالمادة (54) مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 بجلسة 27/ 4/ 1986 في الطعن رقم 1845 لسنة 27 ق.