أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 46 - صـ 29

جلسة 2 من يناير سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي منتصر وحسن حمزة وحامد عبد الله ومصطفى كامل نواب رئيس المحكمة

(2)
الطعن رقم 9894 لسنة 63 القضائية

(1) حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده الحكم مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي بالأدلة المطروحة عليه. حقه في الأخذ بأي دليل أو قرينة يرتاح إليها.
الجدل الموضوعي. في تقدير الدليل. غير جائز أمام النقض.
(3) فاعل أصلي. اتفاق. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
تدليل الحكم على اتفاق الطاعنين الثلاثة الأول على قتل المجني عليه الأول من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلاً منهم قصَد قصْد الآخر في إيقاعها ووحدة الحق المعتدى عليه. أثر ذلك: اعتبارهم فاعلين أصليين في تلك الجريمة.
(4) اتفاق. سبق إصرار. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "المصلحة في الطعن". قتل عمد.
لا تعارض بين انتفاء سبق الإصرار لدى المتهمين وبين ثبوت الاتفاق بينهم. علة ذلك؟
عدم جدوى نعي الطاعنين الثلاثة الأول على الحكم إسناده الاتفاق إليهم في جريمة قتل عمد. ما دام ما حصله من تقرير الصفة التشريحية أن الإصابات التي ألحقوها بالمجني عليه الأول قد ساهمت مجتمعة في إحداث الوفاة.
(5) محكمة النقض "نظرها الطعن والحكم فيه". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
محكمة النقض لا تنظر القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع.
عدم قبول أوجه الطعن المتعلقة بواقعة كانت خارج مجال استدلال الحكم. مثال.
(6) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". دفوع "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قتل عمد.
الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي. موضوعي. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام النقض. ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره.
مثال لانتفاء حالة الدفاع الشرعي في جريمة قتل عمد.
(7) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالأمارات والمظاهر التي تنبئ عنه. استخلاصه توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ في استظهار نية القتل.
(8) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية إيراد الحكم مضمون التقارير الطبية التي عول عليها في قضائه. عدم إيراده نص تقرير الخبير بكامل فحواه وأجزائه. لا يعيبه.
(9) إثبات "بوجه عام". استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
(10) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
إحالة الحكم في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت متفقة مع ما استند إليه منها.
(11) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
أخذ المحكمة بشهادة شاهد. مفاده؟
تأخر الشاهد في الإدلاء بشهادته. لا يمنع المحكمة من الأخذ بها.
تقدير الدليل. تستقل به محكمة الموضوع.
(12) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
ورود الشهادة على الحقيقة المراد إثباتها بكافة تفاصيلها. غير لازم. كفاية أن تؤدي إليها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة.
تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله. لا يعيب الحكم. ما دام قد استخلص الحقيقة منها بما لا تناقض فيه.
مثال لتسبيب سائغ لنفي قالة التناقض بين الدليلين الفني والقولي في جريمة قتل عمد.
(13) خطأ. ضرر. رابطة السببية. مسئولية مدنية. دعوى مدنية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه. تضمنه بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية. مؤدى ذلك؟
التعويض المؤقت. نواة للتعويض الكامل.
المحكمة التي ترفع أمامها دعوى التعويض النهائي. هي الملزمة ببيان الضرر.
1 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون.
2 - من المقرر أن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه، وقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأي دليل أو قرينة يرتاح إليها، ولا يصح مصادرته في شيء من ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه لأقوال شهود الإثبات الذي حددوا محدث إصابات كل من المجني عليهما، وكان الطاعنون لا ينازعون في صحة ما حصله الحكم من أقوال هؤلاء الشهود، فإن ما يثيرونه بشأن تعذر تحديد محدث هذه الإصابات ينحل جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل وفي استنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه لدى محكمة النقض.
3 - لما كان ما أثبته الحكم في مدوناته كافياً بذاته للتدليل على توافر الاتفاق بين الطاعنين الثلاثة الأول على قتل المجني عليه الأول من معيتهم في الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها، وأن كلاً منهم قصَد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ومن ثم يصح طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات اعتبار كل منهم فاعلاً أصلياً في تلك الجريمة.
4 - من المقرر أن عدم قيام ظرف سبق الإصرار لدى المتهمين لا ينفي قيام الاتفاق بينهم، إذ الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادة المشتركين فيه، ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين، ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بينهم هو الغاية النهائية من الجريمة ومن ثم فلا تعارض بين انتفاء سبق الإصرار وثبوت الاتفاق بين الطاعنين الثلاثة الأول على قتل المجني عليه الأول، هذا فضلاً عما أثبته الحكم المطعون فيه نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية - وهو ما لم ينازع فيه الطاعنون - أن المجني عليه المذكور قد تعرض لست إصابات طعنية بالصدر والبطن ويمين الظهر وخمسة إصابات رضية حيوية حديثة، وأن وفاته تعزي إلى هذه الإصابات وما أحدثته من كسور بالعظام وتهتكات بالأحشاء الداخلية ونزيف داخلي، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون الثلاثة الأول على إسناد الاتفاق إليهم في وصف الحكم للجريمة التي دانهم بها يكون غير منتج لأن مفاد ما حصله الحكم من تقرير الصفة التشريحية أن الإصابات التي ألحقوها بالمجني عليه الأول قد ساهمت مجتمعة في إحداث الوفاة.
5 - من المقرر أن محكمة النقض لا تنظر القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع، وكان الثابت أن النيابة العامة قد أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعنين عن جريمتي قتل... عمداً وضرب... ضرباً أفضى إلى موته، وهو ما مفاده أن واقعة مقتل... كانت خارج نطاق الدعوى المطروحة على محكمة الموضوع، ولم تكن محل اتهام فلم تعرض لها المحكمة أو تتصدى لتكييفها، ولم يرد لهذه الواقعة ذكر بالحكم المطعون فيه إلا على لسان شهود الإثبات الذين قرروا أن الطاعن الأول قد ضرب المجني عليه على ذراعه فسقط السلاح من يده وانطلق منه عياراً نارياً أصاب...، ولم تشر المحكمة إلى وفاته أو تدلي برأيها في تصوير هذه الوفاة حتى يسوغ القول بأنها مست بحجية الأمر بعدم وجود وجه الصادر من النيابة أو تناقضت مع تصويره لتلك الواقعة بأنها قتل عمد، ومفاد ذلك أن تلك الواقعة كانت خارجة عن مجال استدلال الحكم، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن لا محل له.
6 - من المقرر أن الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع، ولا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون أو ترشح لقيامها، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين لم يشر البتة إلى قيام حالة الدفاع الشرعي في حقهم، كما أن مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام هذه الحالة بل أنها على العكس أثبتت أن الطاعنين هم الذين بادروا المجني عليهما بالاعتداء وأن إشهار المجني عليه الأول لسلاحه لم يكن إلا بعد مشاهدته لواقعة مطاردة الطاعنين لابنة المجني عليه الثاني وضرب الطاعن الرابع له الضربة التي أفضت إلى موته، ومن ثم ينتفي موجب الدفاع الشرعي، ويكون منعى الطاعنين بإغفال المحكمة بحث توافر حالة الدفاع الشرعي في حقهم على غير أساس.
7 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل واستقاها ثبوتاً بقوله (وحيث إنه عن نية القتل لدى المتهمين الثلاثة الأول فهي متوافرة، ذلك أنها وإن كانت أمراً خفياً يضمره المتهمون ولا يدرك بالحس الظاهر وإنما تكشف عنها دلائل وأمارات خارجية، ومن ثم فهي متوافرة لدى المتهمين الثلاثة الأول من استعمالهم لأدوات قاتلة بطبيعتها أو فيما لو استعملت من أجل القتل، ومن تعدد الاعتداء على المجني عليه وشدة هذا الاعتداء وقسوته، وإصابة مقاتل من المجني عليه سواء من المتهم الأول الذي ضربه على رأسه وكتفه الأيمن ويده اليمنى بالآلة الراضة، أو من المتهمين الثاني والثالث اللذين واليا الاعتداء عليه بآلات حادة والذي بان بتقرير الصفة التشريحية أن بالمجني عليه... أربعة عشر إصابة بين رضية وحدية ومشرذمة، وجميعها حيوية حديثة على النحو الذي بينته المحكمة آنفاً وهو ما يقطع في التدليل على توافر تلك النية لدى المتهمين). لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة القصور في هذا المنحى.
8 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد فحوى ما تضمنه تقرير الصفة التشريحية لجثة كل من المجني عليهما وكذا التقرير الطبي الشرعي التكميلي الذي أثبت أن إصابات المجني عليهما يجوز حدوثها من مثل السكينتين والعصا المضبوطة، وبين الإصابات التي لحقت بكل منهما من واقع هذين التقريرين ووصفها وسبب الوفاة وبين مضمون تلك التقارير الطبية التي عول عليها في قضائه، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا الخصوص.
9 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث.
10 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر طالما أن أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
11 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن تأخر الشاهد في الإدلاء بشهادته لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد اطمأنت إليها، ذلك أن تقدير الدليل من سلطة محكمة الموضوع.
12 - لما كان من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، بل إن تناقض أقوال الشهود مع بعضها أو تضاربها - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في هذه الدعوى - وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من أقوال شهود الإثبات أن الطاعن الأول هو الذي ضرب المجني عليه الأول بالعصا مما أدى إلى سقوطه على الأرض وأحدث به الإصابات الرضية الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، وأن الطاعنين الثاني والثالث قد تعديا عليه بآلات حادة فأحدثا به الإصابات الطعنية والمشرذمة التي أثبت تقرير الصفة التشريحية وجودها به، وكان الطاعنون لا ينازعون في صحة ما حصله الحكم من أقوال الشهود، كما حصل الحكم ما أثبته تقرير الصفة التشريحية من أنه يوجد بالمجني عليه إصابات مشرذمة الحواف، كما يوجد بملابسه قطوع مشرذمة الحواف أيضاً مما يقطع بأن الإصابات الطعنية التي لحقت بالمجني عليه لم تحدث كلها من آلة حادة مدببة - كما ذهب إليه الطاعنون بأسباب طعنهم - وهو ما تنتفي به قالة التناقض بين الدليل الفني والدليل القولي، ويضحى ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد وفي خصوص تعويل الحكم على أقوال شهود الإثبات غير مقبول.
13 - من المقرر أن إثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما مما يستوجب الحكم على مقارفه بالتعويض، ولا على المحكمة - من بعد - إن هي لم تبين الضرر الذي حاق بالمدعي بالحقوق المدنية بنوعيه المادي والأدبي، وذلك لما هو مقرر من أنه إذا كانت المحكمة قد حكمت للمدعي بالحقوق المدنية بالتعويض المؤقت الذي طلبه ليكون نواة للتعويض الكامل الذي سيطالب به بانية ذلك على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذي ارتكب الفعل الضار المسند إليه، فهذا يكفي تبريراً للقضاء بالتعويض المؤقت، أما بيان الضرر فإنما يستوجبه التعويض النهائي الذي يطالب به فيما بعد، وهذا يكون على المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى به، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا المقام لا يكون مقبولاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: المتهمون الثلاثة الأول: قتلوا... عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد بأن انهالوا عليه طعناً وضرباً بأدوات حادة وراضة قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وكان ذلك عن اتفاق بينهم. المتهم الرابع: ضرب... بعصا "شوم" على رأسه فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضى إلى الموت. وأحالتهم إلى محكمة جنايات أسيوط لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى... مدنياً قبل المتهمين الثلاثة الأول متضامنين بمبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت وقبل المتهم الرابع بمبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 234/ 1، 236/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 30 من ذات القانون. أولاً: بمعاقبة كل من المتهمين الثلاثة الأول بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات والتزامهم بأن يؤدوا متضامنين للمدعي بالحق المدني مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ثانياً: بمعاقبة المتهم الرابع بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وألزمته بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت وأمرت بمصادرة الأدوات المضبوطة.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن حاصل أوجه الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين الثلاثة الأول بجريمة القتل العمد ودان الطاعن الرابع بجريمة الضرب المفضي إلى موت قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال واعتوره الخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن بيانه للواقعة جاء مبتوراً، إذ اقتصر على إيراد واقعة الاعتداء على المجني عليهما... و... رغم ما كشفت عنه التحقيقات من أن الحادث كان مشاجرة بين عائلتين اشترك فيها كثيرون، وأسفر عن قتيل ثالث (...) وعديد من المصابين، وهي ظروف يتعذر معها تحديد محدث إصابات كل من المجني عليهم، كما أن تحصيل المحكمة للواقعة خلا مما يفيد وجود ثمة اتفاق بين الطاعنين الثلاثة الأول، ولكنها انتهت في وصفها لما ارتكبوه إلى أن جريمة القتل التي دانهم الحكم بها وقعت بناء على اتفاق بينهم على ارتكابها رغم أنها استبعدت ظرفي سبق الإصرار والترصد عن الواقعة، هذا إلى أن النيابة العامة أسندت مقتل... إلى المجني عليه الأول باعتباره قتلاً عمداً وأمرت بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية عن تلك الواقعة لانقضاء الدعوى بوفاة المتهم، ورغم ما لهذا الأمر من حجية بعد صيرورته نهائياً، فإن الحكم حصل هذه الواقعة على أن المقذوف الذي أصاب القتيل المذكور قد انطلق عرضاً لدى سقوط السلاح الناري من المجني عليه الأول إثر ضربة على يده من الطاعن الأول، وهي صورة تختلف عما انتهى إليه الأمر بعدم وجود وجه وتتضمن مساساً بحجيته، فضلاً عن أن هذا التصوير قد حجب المحكمة عن بحث حالة الدفاع الشرعي التي ترشح لها واقعة مقتل... إذا ما تنبهت المحكمة إلى أنها تشكل قتلاً عمداً، كما أن ما ساقه الحكم تدليلاً على نية القتل لدى الطاعنين الثلاثة الأول لا يعدو أن يكون تحديداً للأفعال المادية التي قاموا بها، وهو ما لا يصلح لإثبات توافر هذه النية لديهم، كما أنه اقتصر على إيراد نتيجة تقريري الصفة التشريحية دون بيان فحوى كل منهما وسنده فيما انتهى إليه ولم يبين إصابات المجني عليهما من واقع هذين التقريرين، وعول الحكم على شهادة الرائد/... دون إيراد مضمونها، وأطرح الدفاع بأن الشاهد الأول لم يكن موجوداً بمكان الحادث بدليل تأخره في الإبلاغ لمدة يوم كامل معولاً على افتراضات ظنية لا سند لها من الواقع وهي أنه قام بنقل والده وشقيقه المجني عليهما إلى المستشفى وباتخاذ إجراءات دفن أولهما ثم قام بعد ذلك بالإدلاء بشهادته، دون تحقيق هذا الدفاع أو إيراد أسباب سائغة لإطراحه، كما عول على أقوال الشهود رغم تناقضهم في عدد الضربات التي وجهها الطاعن الأول إلى المجني عليه الأول وأماكنها من جسده، إذ قرر الشاهد الأول أنه ضربه ضربة واحدة على يده، بينا قرر الشاهدان الثاني والثالث أنه ضربه ضربتين على ذراعه الأيمن وعلى رأسه، كما أن الدفاع عن الطاعنين تمسك بتناقض الدليل القولي مع الدليل الفني إذ قرر الشهود أن الطاعن الأول قد ضرب المجني عليه الأول بالعصا مرتين وأن الطاعنين الثاني والثالث انهالا عليه بعد ذلك طعناً بآلات حادة، في حين أثبت تقرير الصفة التشريحية أن بالمجني عليه المذكور خمسة إصابات رضية برأسه، كما أثبت تقرير الصفة التشريحية لجثة... أن إصابته كانت من مسافة قريبة تصل إلى حد الملامسة وهو ما يخالف تصوير الشهود لإصابته من أنها نجمت عن سقوط السلاح الناري من المجني عليه الأول وأن المسافة بينهما في تلك اللحظة كانت ثلاثة أمتار، كما قرر الشهود أن الطاعنين الثاني والثالث قد طعنوا المجني عليه الأول بآلات مختلفة كالمحش أو الهوك أو السكين في حين أثبت تقرير الصفة التشريحية أنه مصاب بست طعنات تحدث من آلة حادة مدببة وهو ما لا ينطبق على المحش أو الهوك، ولكن المحكمة أطرحت هذا الدفاع تأسيساً على أنها تطمئن لأقوال الشهود - وهو ما ينطوي على مصادرة لهذا الدفاع - وأقحمت نفسها في أمور فنية بحتة دون أن تستعين فيها بالطبيب الشرعي، هذا فضلاً عن أن الحكم قضى بإلزام الطاعنين بالتعويض المدني المؤقت دون أن يستظهر توافر الضرر المادي، وكل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما، وساق على صحة إسنادهما إلى كل منهم، وثبوتها في حقه أدلة استمدها من شهادة كل من... و... و... والرائد...، ومما ورد بتقارير الصفة التشريحية للمجني عليهما، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون، وكان تحصيل المحكمة للواقعة - في حدود الدعوى المطروحة عليها - قد جاء وافياً، فإن ما يثيره الطاعنون بشأن هذا التحصيل يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان المقرر أن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه، وقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأي دليل أو قرينة يرتاح إليها، ولا يصح مصادرته في شيء من ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه لأقوال شهود الإثبات الذي حددوا محدث إصابات كل من المجني عليهما، وكان الطاعنون لا ينازعون في صحة ما حصله الحكم من أقوال هؤلاء الشهود، فإن ما يثيرونه بشأن تعذر تحديد محدث هذه الإصابات ينحل جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل وفي استنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم في مدوناته كافياً بذاته للتدليل على توافر الاتفاق بين الطاعنين الثلاثة الأول على قتل المجني عليه الأول من معيتهم في الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها، وأن كلاً منهم قصَد قصْد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه، ومن ثم يصح طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات اعتبار كل منهم فاعلاً أصلياً في تلك الجريمة. لما كان ذلك، وكان المقرر أن عدم قيام ظرف سبق الإصرار لدى المتهمين لا ينفي قيام الاتفاق بينهم، إذ الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادة المشتركين فيه، ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين، ومن الجائز عقلاً وقانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بينهم هو الغاية النهائية من الجريمة ومن ثم فلا تعارض بين انتفاء سبق الإصرار وثبوت الاتفاق بين الطاعنين الثلاثة الأول على قتل المجني عليه الأول، هذا فضلاً عما أثبته الحكم المطعون فيه نقلاً عن تقرير الصفة التشريحية - وهو ما لم ينازع فيه الطاعنون - أن المجني عليه المذكور قد تعرض لست إصابات طعنية بالصدر والبطن ويمين الظهر وخمسة إصابات رضية حيوية حديثة، وأن وفاته تعزي إلى هذه الإصابات وما أحدثته من كسور بالعظام وتهتكات بالأحشاء الداخلية ونزيف داخلي، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنون الثلاثة الأول على إسناد الاتفاق إليهم في وصف الحكم للجريمة التي دانهم بها يكون غير منتج لأن مفاد ما حصله الحكم من تقرير الصفة التشريحية أن الإصابات التي ألحقوها بالمجني عليه الأول قد ساهمت مجتمعة في إحداث الوفاة. لما كان ذلك، وكان المقرر أن محكمة النقض لا تنظر القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع، وكان الثابت أن النيابة العامة قد أقامت الدعوى الجنائية ضد الطاعنين عن جريمتي قتل... عمداً وضرب... ضرباً أفضى إلى موته، وهو ما مفاده أن واقعة مقتل... كانت خارج نطاق الدعوى المطروحة على محكمة الموضوع، ولم تكن محل اتهام فلم تعرض لها المحكمة أو تتصدى لتكييفها، ولم يرد لهذه الواقعة ذكر بالحكم المطعون فيه إلا على لسان شهود الإثبات الذين قرروا أن الطاعن الأول قد ضرب المجني عليه على ذراعه فسقط السلاح من يده وانطلق منه عياراً نارياً أصاب...، ولم تشر المحكمة إلى وفاته أو تدلي برأيها في تصوير هذه الوفاة حتى يسوغ القول بأنها مست بحجية الأمر بعدم وجود وجه الصادر من النيابة أو تناقضت مع تصويره لتلك الواقعة بأنها قتل عمد، ومفاد ذلك أن تلك الواقعة كانت خارجة عن مجال استدلال الحكم، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن لا محل له. لما كان ذلك، وكان المقرر أن الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي من الدفوع الموضوعية التي يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع، ولا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون أو ترشح لقيامها، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين لم يشر البتة إلى قيام حالة الدفاع الشرعي في حقهم، كما أن مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام هذه الحالة بل أنها على العكس أثبتت أن الطاعنين هم الذين بادروا المجني عليهما بالاعتداء وأن إشهار المجني عليه الأول لسلاحه لم يكن إلا بعد مشاهدته لواقعة مطاردة الطاعنين لابنه المجني عليه الثاني وضرب الطاعن الرابع له الضربة التي أفضت إلى موته، ومن ثم ينتفي موجب الدفاع الشرعي، ويكون منعى الطاعنين بإغفال المحكمة بحث توافر حالة الدفاع الشرعي في حقهم على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لنية القتل واستقاها ثبوتاً بقوله (وحيث إنه عن نية القتل لدى المتهمين الثلاثة الأول فهي متوافرة، ذلك أنها وإن كانت أمراً خفياً يضمره المتهمون ولا يدرك بالحس الظاهر وإنما تكشف عنها دلائل وأمارات خارجية، ومن ثم فهي متوافرة لدى المتهمين الثلاثة الأول من استعمالهم لأدوات قاتلة بطبيعتها أو فيما لو استعملت من أجل القتل، ومن تعدد الاعتداء على المجني عليه وشدة هذا الاعتداء وقسوته، وإصابة مقاتل من المجني عليه سواء من المتهم الأول الذي ضربه على رأسه وكتفه الأيمن ويده اليمنى بالآلة الراضة، وأن من المتهمين الثاني والثالث اللذين واليا الاعتداء عليه بآلات حادة والذي بان بتقرير الصفة التشريحية أن بالمجني عليه... أربعة عشر إصابة بين رضية وحدية ومشرذمة، وجميعها حيوية حديثة على النحو الذي بينته المحكمة آنفاً وهو ما يقطع في التدليل على توافر تلك النية لدى المتهمين). لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة القصور في هذا المنحى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد فحوى ما تضمنه تقرير الصفة التشريحية لجثة كل من المجني عليهما وكذا التقرير الطبي الشرعي التكميلي الذي أثبت أن إصابات المجني عليهما يجوز حدوثها من مثل السكينتين والعصا المضبوطة، وبين الإصابات التي لحقت بكل منهما من واقع هذين التقريرين ووصفها وسبب الوفاة، وبين مضمون تلك التقارير الطبية التي عول عليها في قضائه، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث، وكان الحكم قد عول على أقوال الرائد... والتي تضمنت ما أسفرت عنه تحرياته عن الواقعة، وأحال في بيان تلك الأقوال إلى ما شهد به شهود الإثبات. وكان من المقرر أيضاً أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر طالما أن أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان الطاعنون لا يدعون بوجود ثمة خلاف بين ما قرره الضابط المذكور بشأن تحرياته وبين ما ورد على لسان الشهود فإن ما يثيرونه في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن تأخر الشاهد في الإدلاء بشهادته لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد اطمأنت إليها، ذلك أن تقدير الدليل من سلطة محكمة الموضوع، ومن ثم فلا على الحكم المطعون فيه إن عول على شهادة الشاهد الأول في قضائه بالإدانة بعد أن أفصحت المحكمة عن اطمئنانها إلى أقواله، وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بشهادته، وينحل نعي الطاعنين في هذا الصدد إلى جدل في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب. ما كان ذلك، وكان المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قالة الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، بل إن تناقض أقوال الشهود مع بعضها أو تضاربها - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم ولا يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم بما لا تناقض فيه - كما هو الحال في هذه الدعوى - وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص من أقوال شهود الإثبات أن الطاعن الأول هو الذي ضرب المجني عليه الأول بالعصا مما أدى إلى سقوطه على الأرض وأحدث به الإصابات الرضية الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، وأن الطاعنين الثاني والثالث قد تعديا عليه بآلات حادة فأحدثا به الإصابات الطعنية والمشرذمة التي أثبت تقرير الصفة التشريحية وجودها به، وكان الطاعنون لا ينازعون في صحة ما حصله الحكم من أقوال الشهود، كما حصل الحكم ما أثبته تقرير الصفة التشريحية من أنه يوجد بالمجني عليه إصابات مشرذمة الحواف، كما يوجد بملابسه قطوع مشرذمة الحواف أيضاً مما يقطع بأن الإصابات الطعنية التي لحقت بالمجني عليه لم تحدث كلها من آلة حادة مدببة - كما ذهب إليه الطاعنون بأسباب طعنهم - وهو ما تنتفي به قالة التناقض بين الدليل الفني والدليل القولي، ويضحى ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد وفي خصوص تعويل الحكم على أقوال شهود الإثبات غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لواقعة مقتل... التي لم ترفع بشأنها دعوى ولم تكن بالتالي مطروحة على المحكمة، ومن ثم لا تصلح سنداً للدفع بتناقض الدليلين الذي يتمسك به الطاعنون. لما كان ذلك، وكان المقرر أن إثبات الحكم وقوع الفعل الضار من المحكوم عليه يتضمن بذاته الإحاطة بأركان المسئولية المدنية من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما مما يستوجب الحكم على مقارفه بالتعويض، ولا على المحكمة - من بعد - إن هي لم تبين الضرر الذي حاق بالمدعي بالحقوق المدنية بنوعيه المادي والأدبي، وذلك لما هو مقرر من أنه إذا كانت المحكمة قد حكمت للمدعي بالحقوق المدنية بالتعويض المؤقت الذي طلبه ليكون نواة للتعويض الكامل الذي سيطالب به بانية ذلك على ما ثبت لها من أن المحكوم عليه هو الذي ارتكب الفعل الضار المسند إليه، فهذا يكفي تبريراً للقضاء بالتعويض المؤقت، أما بيان الضرر فإنما يستوجبه التعويض النهائي الذي يطالب به فيما بعد، وهذا يكون على المحكمة التي ترفع أمامها الدعوى به، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا المقام لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غٍير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.