أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 46 - صـ 400

جلسة 20 من فبراير سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مقبل شاكر وحامد عبد الله ومصطفى كامل نواب رئيس المحكمة ونير عثمان.

(61)
الطعن رقم 10814 لسنة 63 القضائية

(1) حكم "بيانات التسبيب" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لبيان الواقعة المستوجبة للعقوبة. كفاية أن يكون مجموع ما أورده الحكم مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) إثبات "بوجه عام" "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على الحكم قصوره في بيان مضمون تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات ولجنة الجرد، غير مقبول. ما دام لم يعول عليهما في الإدانة.
(3) غدر. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. قانون "تفسيره" "تطبيقه".
الركن المادي لجريمة الغدر المنصوص عليها في المادة 114 عقوبات المستبدلة بالقانونين رقمي 69 لسنة 1953، 63 لسنة 1975. قوامه: طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق من الرسوم أو الغرامات أو العوائد أو الضرائب أو نحوها. عدم اشتراط أن يتم ذلك حال التحصيل. أساس ذلك؟
لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه.
لا يصح تخصيص عموم النص بغير مخصص.
قيام جريمة الغدر ولو كان المجني عليه يعلم بأن المبلغ المطلوب أو المأخوذ منه غير مستحق عليه أو يزيد على المستحق ورضى رغم ذلك بدفعه.
مثال لتسبيب سائغ لحكم الإدانة في جريمة غدر.
(4) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال الشهود. مفاده؟
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
صحة الأخذ بأقوال الشهود. ولو كانت بينهم وبين المتهم خصومة قائمة. ما دامت المحكمة كانت على بينة من ذلك.
تقدير قوة الدليل. موضوعي. المجادلة في ذلك. غير مقبولة. علة ذلك؟
(7) إجراءات "إجراءات التحقيق" "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة. لا يصلح سبباً للطعن على الحكم. أساس ذلك؟ العبرة عند المحاكمة بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها.
(8) غدر. تزوير "أورق رسمية". ارتباط. عقوبة "العقوبة المبررة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "المصلحة في الطعن".
عدم جدوى نعى الطاعن على الحكم قصوره في بيان أركان جرائم التزوير والاستعمال والأدلة على ثبوتها في حقه وعدم اطلاع المحكمة على الأوراق المثبتة لها. ما دام قد دانه الحكم بعقوبة جناية الغدر باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 عقوبات.
1 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً أو نمطاً معيناً يصوغ الحكم فيه بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كان ذلك محققاً لحكم القانون، وإذ كانت صيغة الاتهام المبينة في الحكم تعتبر جزءاً منه، فيكفي في بيان الواقعة الإحالة عليها، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة يكون ولا محل له.
2 - لما كان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، ولم يعول في ذلك على ما تضمنه تقريري الجهاز المركزي للمحاسبات ولجنة الجرد اللذين لم يشر إليهما في مدوناته، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.
3 - إن نص المادة 114 من قانون العقوبات عند إصداره بالقانون رقم 58 لسنة 1937 - وهو بذاته نص المادة 99 من قانون العقوبات الأهلي القديم - تنص على أن "أرباب الوظائف العمومية أياً كانت درجتهم سواء كانوا رؤساء مصالح أو مستخدمين مرؤوسين أو مساعدين لكل منهما وكذا ملتزموا الرسوم أو العوائد أو الأموال أو نحوها والموظفون في خدمتهم إذا أخذوا في حال تحصيل الغرامات أو الأموال أو العشور أو العوائد ونحوها زيادة عن المستحق منها يعاقبون على الوجه الآتي: رؤساء المصالح والملتزمون يعاقبون بالسجن، وأما المستخدمون المرؤوسون ومساعدوا الجميع فيعاقبون بالحبس والعزل، ويحكم أيضاً برد المبالغ المتحصلة بدون وجه حق وبدفع غرامة مساوية لها. ثم استبدلت بموجب القانون رقم 69 لسنة 1953 ثم بالقانون رقم 63 لسنة 1975 فأصبح نصها الحالي كالآتي: "كل موظف عام له شأن في تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق مع علمه بذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن". ويبين من ذلك أن أركان جريمة الغدر المنصوص عليها في المادة 114 من قانون العقوبات قبل استبدالها بالقانونين 69 لسنة 1953، 63 لسنة 1975 هي فضلاً عن صفة الفاعل والقصد الجنائي - أن يكون الجاني قد أخذ حال تحصيل الأموال المشار إليها في النص زيادة عن المستحق منها، مما لازمه أن يتم الفعل المادي المكون للجريمة وقت تحصيل هذه الأموال بالزيادة عن المستحق على أنه واجب الأداء قانوناً بما مفاده أنه إذا كان أخذ الزيادة عن المستحق الذي يشكل الفعل المادي للجريمة سابقاً وقت التحصيل أو متراخياً عنه، فلا تقع جريمة الغدر المؤثمة بنص المادة 114 من قانون العقوبات، وإن جاز أن يشكل هذا الفعل جريمة أخرى غيرها. أما بعد استبدال النص بالقانونين رقمي 69 لسنة 1953 و63 لسنة 1975 - الذي يحكم واقعة الدعوى - فقد أصبح الركن المادي للجريمة يقوم بأحد فعلين هما طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق من الرسوم أو الغرامات أو العوائد أو الضرائب أو نحوها وهو ما يوصف بالجباية غير المشروعة، الأمر الذي يبين منه أن المشرع لم يقصر وقوع الجريمة على مجرد أخذ الزيادة عن المستحق عن التحصيل بل تعداه أيضاً إلى طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق دون اشتراط أن يكون ذلك حال التحصيل مما يقطع باتجاه إرادة المشرع إلى تأثيم وقوع الفعل المادي للجريمة سابقاً أو لاحقاً لواقعة التحصيل ذاتها، فصريح لفظ النص ومفهوم دلالته - بعد التعديل - يدل على تأثيم طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق - وجاء النص مطلقاً من كل قيد ليتسع مدلوله لاستيعاب كافة صور اقتضاء ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق من الأموال المبينة بالنص، دون اشتراط أن يتم ذلك حال التحصيل، وإذ كانت القاعدة أنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب التطبيق، وأنه لا يصح تخصيص عموم النص بغير مخصص، وكانت جريمة الغدر تقوم ولو كان المجني عليه يعلم بأن المبلغ المطلوب أو المأخوذ منه غير مستحق عليه أو يزيد على المستحق ورضى رغم ذلك بدفعه، فإن الحكم المطعون فيه وقد حصل واقعة الدعوى بما يجمل في أن الطاعن بصفته صراف ربط وتحصيل وله شأن في تحصيل الضرائب والرسوم قام بأخذ مبلغ ستة آلاف وتسعمائة وأربعة عشر جنيهاً وستمائة مليم تزيد على المستحق قانوناً من الممولين بارتكاب تزوير في القسائم بأن أثبت فيها على خلاف الحقيقة مبالغ تزيد عن المستحق واستعمالها بأن سلمها للممولين رغم علمه بتزويرها ودانه بجريمة الغدر المنصوص عليها في المادة 114 من قانون العقوبات، وأوقع عليه العقوبة المقررة في القانون لهذه الجريمة، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ولم يخطئ في شيء وبات ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم ولا سند له.
4 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وباقي العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
5 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
6 - من المقرر أن وجود خصومة قائمة بين الشهود وبين المتهم لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقوالهم، ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادتهم وأنها كانت على بينة من الظروف التي أحاطت بها، ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ولا على الحكم إذ التفت عن الرد عليه، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود فإن ما يثيره الطاعن في ذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
7 - لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن وإن أشار إلى عدم سماع أقوال جميع الممولين إلا أنه لم يطلب من المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الخصوص، فإن ما أثاره الطاعن بوجه طعنه لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة، ولا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، لما هو مقرر من أن تعييب التحقيق الذي تجريه سلطة التحقيق الابتدائي، لا تأثير له على سلامة الحكم، فإذا أجرت النيابة العامة تحقيقاً لم تسأل فيه جميع من يجب سؤالهم، فذلك من حقها ولا بطلان فيه، والأصل أن العبرة عند المحاكمة بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها.
8 - لما كان الحكم قد دان الطاعن بجناية الغدر وجرائم التزوير في محررات رسمية واستعمالها، وأوقع عليه العقوبة المقررة في القانون للغدر باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره في باقي أسباب الطعن بصدد بعض جرائم التزوير والاستعمال من عدم توافر أركانها وقصور الأدلة على ثبوتها في حقه أو عدم اطلاع المحكمة على الأوراق المثبتة لها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: بصفته موظفاً عمومياً "صراف ربط وتحصيل بصرافة.... التابعة لمصلحة الضرائب العقارية" له شأن في تحصيل الضرائب أخذ مبلغ ستة آلاف وتسعمائة وأربعة عشر جنيهاً وخمسمائة وخمسين مليماً تزيد على المستحق قانوناً مع علمه بذلك على النحو المبين بالتحقيقات. ثانياً: بصفته سالفة الذكر ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويراً في أوراق رسمية "قسائم ضرائب أميرية" بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة مبالغ أكثر من المستحق قانوناً على النحو المبين بالأوراق. ثالثاً: استعمل المحررات موضوع التهمة الثانية بأن قدمها للممولين مع علمه بتزويرها. وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بدمنهور لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 114، 118، 119/ أ، 119 مكرراً أ/ 211، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المواد 17، 27، 32، 55/ أ، 56/ أ، 56/ 1 من ذات القانون بحبس المتهم سنة مع الشغل وبعزله من وظيفته لمدة سنتين وبتغريمه مبلغ ستة آلاف وتسعمائة وأربعة عشر جنيهاً وستمائة وخمسون مليماً عما أسند إليه وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس.
فطعن الأستاذ/ .... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الغدر والتزوير قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ذلك أنه قد اكتفى في بيان واقعة الدعوى على ما ورد عنها بوصف الاتهام، ولم يورد مضمون تقريري الجهاز المركزي للمحاسبات ولجنة الجرد وما شابهما من تناقض، كما أن جناية الغدر تقتضي أن يكون أخذ أو طلب ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق، وقت التحصيل وإذ كان الفعل المسند إلى الطاعن قد وقع لاحقاً على تحصيل المستحق، فإن الواقعة لا تعدو أن تكون جنحة نصب مؤثمة بنص المادة 336 من قانون العقوبات مما لا يجوز معه توقيع عقوبة الغرامة النسبية على الطاعن، خاصة وأن الممولين - وبعضهم على قدر من العلم والثقافة - يعلمون القيمة الحقيقية للضريبة المستحقة عليهم، وقد عول الحكم على أقوال شهود الإثبات رغم عدم صحة تصويرهم للواقعة ووجود خصومة بين الطاعن والشاكين وهو ما أسلسه إلى اعتناق تصوير غير معقول لواقعة الدعوى، وقد دانه الحكم رغم قصور تحقيقات النيابة العامة لعدم سؤال جميع الممولين الوارد أسمائهم بتقرير لجنة الجرد، وكذا دون الاطلاع على القسيمة الخاصة بالممول.... التي لم يثبت تزويرها ولم تكن من بين القسائم موضوع الفحص، ولم يفطن الحكم إلى أن القسائم المزورة كانت تحت يد أصحابها من الممولين في الفترة من سنة 1987 حتى تاريخ البلاغ في سنة 1989، هذا إلى أنه استند إلى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، حال أن الثابت أنه لا يمكن نسبة التزوير في عدد 13 إيصالاً من الإيصالات المزورة إلى الطاعن، وأن التعديل في قسائم التحصيل اقتصر على الأرقام الثابتة فيها فقط بما لا يقطع بأن الطاعن هو الذي أجرى هذا التعديل، مما كان يقتضي استكتاب الممولين أيضاً وإجراء المضاهاة على استكتاباتهم للوصول إلى مرتكب التزوير وهو لا يعدو في حقيقته أن يكون تزويراً مفضوحاً لا عقاب عليه، كما أن النتيجة التي انتهى إليها ذلك التقرير لا تقطع بأن الطاعن هو الفاعل في جريمة التزوير، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً أو نمطاً معيناً يصوغ الحكم فيه بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كان ذلك محققاً لحكم القانون، وإذ كانت صيغة الاتهام المبينة في الحكم تعتبر جزءاً منه، فيكفي في بيان الواقعة الإحالة عليها، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بترديد صيغة الاتهام بياناً للواقعة يكون ولا محل له. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أقوال شهود الإثبات وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير، ولم يعول في ذلك على ما تضمنه تقريري الجهاز المركزي للمحاسبات ولجنة الجرد اللذين لم يشر إليهما في مدوناته، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان نص المادة 114 من قانون العقوبات عند إصداره بالقانون رقم 58 لسنة 1937 - وهو بذاته نص المادة 99 من قانون العقوبات الأهلي القديم - تنص على أن "أرباب الوظائف العمومية أياً كانت درجتهم سواء كانوا رؤساء مصالح أو مستخدمين مرؤوسين أو مساعدين لكل منهما وكذا ملتزموا الرسوم أو العوائد أو الأموال أو نحوها والموظفون في خدمتهم إذا أخذوا في حال تحصيل الغرامات أو الأموال أو العشور أو العوائد ونحوها زيادة عن المستحق منها يعاقبون على الوجه الآتي: رؤساء المصالح والملتزمون يعاقبون بالسجن، وأما المستخدمون المرؤوسون ومساعدوا الجميع فيعاقبون بالحبس والعزل، ويحكم أيضاً برد المبالغ المتحصلة بدون وجه حق وبدفع غرامة مساوية لها". ثم استبدلت بموجب القانون رقم 69 لسنة 1953 ثم بالقانون رقم 63 لسنة 1975 فأصبح نصها الحالي كالآتي: "كل موظف عام له شأن في تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً، أو ما يزيد على المستحق مع علمه بذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن". ويبين من ذلك أن أركان جريمة الغدر المنصوص عليها في المادة 114 من قانون العقوبات قبل استبدالها بالقانونين 69 لسنة 1953، 63 لسنة 1975 هي فضلاً عن صفة الفاعل والقصد الجنائي - أن يكون الجاني قد أخذ حال تحصيل الأموال المشار إليها في النص زيادة عن المستحق منها، مما لازمه أن يتم الفعل المادي المكون للجريمة وقت تحصيل هذه الأموال بالزيادة عن المستحق على أنه واجب الأداء قانوناً بما مفاده أنه إذا كان أخذ الزيادة عن المستحق الذي يشكل الفعل المادي للجريمة سابقاً وقت التحصيل أو متراخياً عنه فلا تقع جريمة الغدر المؤثمة بنص المادة 114 من قانون العقوبات، وإن أجاز أن يشكل هذا الفعل جريمة أخرى غيرها، أما بعد استبدال النص بالقانونين رقمي 69 لسنة 1953 و63 لسنة 1975 - الذي يحكم واقعة الدعوى - فقد أصبح الركن المادي للجريمة يقوم بأحد فعلين هما طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق من الرسوم أو الغرامات أو العوائد أو الضرائب أو نحوها وهو ما يوصف بالجباية غير المشروعة، الأمر الذي يبين منه المشرع لم يقصر وقوع الجريمة على مجرد أخذ الزيادة عن المستحق عند التحصيل بل تعداه أيضاً إلى طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق دون اشتراط أن يكون ذلك حال التحصيل مما يقطع باتجاه إرادة المشرع إلى تأثيم وقوع الفعل المادي للجريمة سابقاً أو لاحقاً لواقعة التحصيل ذاتها، فصريح لفظ النص ومفهوم دلالته - بعد التعديل - يدل على تأثيم طلب أو أخذ ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق - وجاء النص مطلقاً من كل قيد ليتسع مدلوله لاستيعاب كافة صور اقتضاء ما ليس مستحقاً أو ما يزيد على المستحق من الأموال المبينة بالنص، دون اشتراط أن يتم ذلك حال التحصيل، وإذ كانت القاعدة أنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب التطبيق، وأنه لا يصح تخصيص عموم النص بغير مخصص، وكانت جريمة الغدر تقوم ولو كان المجني عليه يعلم بأن المبلغ المطلوب أو المأخوذ منه غير مستحق عليه أو يزيد على المستحق ورضى رغم ذلك بدفعه، فإن الحكم المطعون فيه وقد حصل واقعة الدعوى بما يجمل في أن الطاعن بصفته صراف ربط وتحصيل وله شأن في تحصيل الضرائب والرسوم قام بأخذ مبلغ ستة آلاف وتسعمائة وأربعة عشر جنيهاً وستمائة مليم تزيد على المستحق قانوناً من الممولين بارتكاب تزوير في القسائم بأن أثبت فيها على خلاف الحقيقة مبالغ تزيد عن المستحق واستعملها بأن سلمها للممولين رغم علمه بتزويرها ودانه بجريمة الغدر المنصوص عليها في المادة 114 من قانون العقوبات، وأوقع عليه العقوبة المقررة في القانون لهذه الجريمة، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ولم يخطئ في شيء وبات ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم ولا سند له. لما كان ذلك، وكان النعي على المحكمة اعتناقها تصويراً يجافي العقل والمنطق وأنها عولت على أقوال الشهود رغم عدم صحة تصويرهم للواقعة ووجود خصومة بينهم وبين الطاعن مردوداً بأن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وباقي العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأن وجود خصومة قائمة بين الشهود وبين المتهم لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقوالهم، ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادتهم وأنها كانت على بينة من الظروف التي أحاطت بها، ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع، وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولا على الحكم إذ التفت عن الرد عليه، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود فإن ما يثيره الطاعن في ذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن وإن أشار إلى عدم سماع أقوال جميع الممولين إلا أنه لم يطلب من المحكمة اتخاذ إجراء معين في هذا الخصوص، فإن ما أثاره الطاعن بوجه طعنه لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة، ولا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، لما هو مقرر من أن تعييب التحقيق الذي تجريه سلطة التحقيق الابتدائي لا تأثير له على سلامة الحكم، فإذا أجرت النيابة العامة تحقيقاً لم تسأل فيه جميع من يجب سؤالهم، فذلك من حقها ولا بطلان فيه، والأصل أن العبرة عند المحاكمة بالتحقيق الذي تجريه المحكمة بنفسها، وما دام أن الدفاع لم يطلب منها استكمال ما قد يكون بالتحقيقات من نقص أو عيب، فليس له أن يتخذ من ذلك سبباً لطلب نقض الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دان الطاعن بجناية الغدر وجرائم التزوير في محررات رسمية واستعمالها، وأوقع عليه العقوبة المقررة في القانون للغدر باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره في باقي أسباب الطعن بصدد بعض جرائم التزوير والاستعمال من عدم توافر أركانها وقصور الأدلة على ثبوتها في حقه أو عدم اطلاع المحكمة على الأوراق المثبتة لها. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.