أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 46 - صـ 1031

جلسة 2 من أكتوبر سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ نجاح سليمان نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن حمزه وحامد عبد الله وفتحي حجاب نواب رئيس المحكمة وجاب الله محمد جاب الله.

(153)
الطعن رقم 25941 لسنة 63 القضائية

(1) قتل عمد "قتل بالسم". ظروف مشددة.
كفاية أن تكون المواد التي استعملت في جريمة القتل بالسم من شأنها إحداث الموت.
(2) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
أخذ الحكم بتصوير ما للواقعة. مفاده؟
(3) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ورود الشهادة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها. غير لازم. كفاية أن تؤدي إليها باستنتاج سائغ.
(4) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم. لا يعيب الحكم. ما دام استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع الأخذ بأقوال الشهود في أي مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة. دون بيان العلة.
(6) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
(7) إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
الجدل في تقدير أدلة الدعوى. غير جائز أمام النقض.
(8) استدلالات. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي بتناقض التحريات. غير مقبول. ما دام أن الحكم لم يعول عليها.
(9) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
إحالة الحكم في إيراد شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت أقوالهم متفقة فيما استند إليه الحكم منها.
(10) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشهود المتعددة. كفاية أن تورد ما تطمئن إليه منها.
(11) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة في الأخذ بالأقوال التي ينقلها شخص عن آخر. متى اطمأنت إليها.
(12) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه. وإطراح ما عداها.
إحالة الحكم في بيان أقوال الشاهدين الثاني والثالث إلى ما أورده من أقوال الشاهدة الأولى. لا قصور.
(13) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات الخارجية استخلاصه. موضوعي.
(14) سبق إصرار. ظروف مشددة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر سبق الإصرار".
البحث في توافر سبق الإصرار. موضوعي. ما دام سائغاً.
(15) سبق إصرار. ظروف مشددة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" "بطلانه".
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله. ماهيته؟
توافر سبق الإصرار. ولو كان معلقاً على حدوث أمر.
مثال لتسبيب سائغ على توافر سبق الإصرار لدى الطاعن.
(16) جريمة "أركانها". باعث. حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الباعث على الجريمة. ليس من أركان الجريمة أو عناصرها. عدم بيانه أو الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن أو إغفاله جملة. لا يقدح في سلامة الحكم.
(17) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ الحكم في الإسناد. لا يعيبه. ما دام لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
مثال.
(18) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من مطاعن. موضوعي.
(19) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب الدفاع استدعاء الطبيب الاستشاري لمناقشته. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها.
استناد الحكم إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى. مفاده؟
(20) إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة.
1 - من المقرر أنه يكفي في جريمة القتل بالسم أن تكون المواد التي استعملت في الجريمة من الجواهر السامة ومن شأنها إحداث الموت.
2 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وإذ كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال شهود الإثبات فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها بدعوى أن للواقعة صورة أخرى، إذ أن مفاد ما تناهى إليه الحكم من تصوير للواقعة هو إطراح دفاع الطاعن المخالف لهذا التصوير.
3 - لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
4 - من المقرر أن تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم لا يعيب حكمها أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشهود في أية مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك.
6 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم إنما مرجعه إلى محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض.
7 - لما كان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى - إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة. لما كان ذلك، فإن كافة ما يثيره الطاعن حول شهادة الشهود التي عول عليها الحكم ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
8 - لما كان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعن على تحريات المباحث فإن ما ينعاه الطاعن بشأن قالة تناقضها يكون غير مقبول.
9 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
10 - من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه.
11 - من المقرر أنه لا مانع في القانون من أن تأخذ المحكمة بالأقوال التي ينقلها شخص عن آخر متى تبينت صحتها واقتنعت بصدورها ممن نقلت عنه.
12 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداها دون أن يعد هذا تناقضاً في حكمها إذ أن مفاد إحالة الحكم في بيان أقوال الشاهدين الثاني والثالث إلى ما حصله من أقول الشاهدة الأولى فيما اتفقا فيه أنه التفت عن هذه التفصيلات مما ينحسر عن الحكم دعوى القصور في التسبيب.
13 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
14 - من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج.
15 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان ما أورده الحكم من توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن لا يتناقض مع قيام الزوجية بين الطاعن والمجني عليها إذ لا يمنع من توافر سبق الإصرار تعليق تنفيذ ما صمم عليه الطاعن من قبل سنوح الفرصة للظفر بالمجني عليها حتى إذا سنحت نتيجة الظروف التي تصادف وقوعها يوم الحادث قتلها تنفيذاً لما عقد عليه النية من قبل ومن ثم فإن قالة التناقض تنحسر عن الحكم.
16 - من المقرر أنه لا يضير الحكم أن يكون قد أشار إلى الباعث على ارتكاب الجريمة على نقيض الثابت بالأوراق لأن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيان الباعث تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن أو إغفاله جملة ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد.
17 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم خطؤه في الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من أن الشاهدة الأولى لم تقرر بأن الطاعن أرغم المجني عليها على تناول الشراب على خلاف ما حصله الحكم - وعلى فرض صحة ذلك - يكون غير قويم لأن هذه الواقعة لم تكن عماد الحكم.
18 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه.
19 - لما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبي الشرعي متفقاً مع ما شهد به كل من الطبيب الشرعي وكبير والأطباء الشرعيين أمامها وأطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - التقرير الطبي الاستشاري - وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى طلب استدعاء الطبيب الاستشاري لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها - بعد ما أجرته من تحقيق المسألة الفنية في الدعوى - حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وإذ كان من المقرر أن إسناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يفيد إطراحها التقرير الاستشاري المقدم فيها وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً.
20 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: قتل.... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقد العزم وبيت النية على قتلها بأن وضع لها جوهراً مخدراً "هيروين" في كوب من المياه تسبب عنه الموت عاجلاً وما أن احتسته حدثت بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. ثانياً: أحرز جوهراً مخدراً "هيروين" بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى محكمة جنايات دمنهور لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى والد المجني عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ خمسين ألف جنيه على سبيل التعويض النهائي. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 233 من قانون العقوبات والمواد 1، 2، 38/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند رقم (2) من القسم الأول من الجدول رقم (1) الملحق مع إعمال المادتين 17، 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة عما أسند إليه وفي الدعوى المدنية بإحالتها إلى محكمة دمنهور الابتدائية لنظرها بإحدى الدوائر المدنية المختصة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن أوجه الطعن التي تضمنتها مذكرات الأسباب الثلاثة المقدمة من الطاعن هي أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي القتل بالسم مع سبق الإصرار وإحراز جوهر مخدر - هيروين - بغير قصد من القصود الخاصة، قد أخطأ في تطبيق القانون وانطوى على فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب وشابه إخلال بحق الدفاع وخطأ في الإسناد كما عابه التناقض ذلك بأنه اعتبر الواقعة قتل بالسم على خلاف ما ورد بقرار الإحالة، واعتنق الحكم تصويراً للواقعة يخالف العقل والمنطق دفاع الطاعن بعدم معقوليته وأن للواقعة صورة أخرى إلا أن الحكم أغفل الرد على هذا الدفاع، وعول الحكم على شهادة الشهود رغم أن الشاهدة الأولى لم تشاهد الجاني حال وضع المادة السامة في الشراب فضلاً عن اختلاف أقوال الشهود في التحقيق عنها في المحضر.... إداري إيتاي البارود كما عول الحكم على تحريات المباحث رغم تناقضها، وأحال في بيان مضمون شهادة الشاهدين الثاني والثالث على ما شهدت به الشاهدة الأولى على الرغم من اختلاف أقوالهم ورغم أنهما لم يشاهدا الواقعة وقت حدوثها وجاءت أقوالهما نقلاً عن الشاهدة الأولى، ودلل الحكم على توافر نية القتل في حق الطاعن بما لا يصلح سنداً لقيامها واستدل على ثبوت سبق الإصرار بما يتناقض مع ما أورده من وقائع الدعوى، ودلل على توافر الباعث على القتل على نقيض الثابت بالأوراق، وأسند الحكم إلى الشاهدة الأولى أن الطاعن أرغم المجني عليها على تناول الشراب على خلاف الثابت بالأوراق وأطرح التقرير الاستشاري بغير علة مقبولة ولم يستجب لطلب مناقشة واضعه - وأخيراً لم يعرض الحكم لما أثاره الدفاع من أن الحادث يرجع لتناول المجني عليها المادة المخدرة برغبتها قبل تناولها الدواء الذي أعطاه لها الطاعن كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي القتل بالسم مع سبق الإصرار وإحراز جوهر مخدر - هيروين - بغير قصد من القصود الخاصة اللتين دان الطاعن بهما وأقام عليهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها - لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفي في جريمة القتل بالسم أن تكون المواد التي استعملت في الجريمة من الجواهر السامة ومن شأنها إحداث الموت، وكان وصف التهمة سواء في قرار الإحالة أو فيما خلصت إليه المحكمة قد التزم هذا النظر فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وإذ كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال شهود الإثبات فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها بدعوى أن للواقعة صورة أخرى إذ أن مفاد ما تناهى إليه الحكم من تصوير للواقعة هو إطراح دفاع الطاعن المخالف لهذا التصوير. لما كان ذلك، وكان لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم لا يعيب حكمها أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال الشهود في أية مرحلة من مراحل التحقيق والمحاكمة دون أن تبين العلة في ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم إنما مرجعه إلى محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض، وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى - إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة - لما كان ذلك، فإن كافة ما يثيره الطاعن حول شهادة الشهود التي عول عليها الحكم ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يعول في إدانة الطاعن على تحريات المباحث فإن ما ينعاه الطاعن بشأن قالة تناقضها يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها. وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات الشهود إن تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وكان لا مانع في القانون من أن تأخذ المحكمة بالأقوال التي ينقلها شخص عن آخر متى تبينت صحتها واقتنعت بصدورها عمن نقلت عنه وإذ كان الطاعن لا يجادل في أن ما نقله الحكم عن أقوال الشاهدة الأولى له أصله الثابت في الأوراق ولم يخرج الحكم عن مدلول شهادتها فلا ضير على الحكم من بعد إحالته في بيان أقوال الشاهدين الثاني والثالث إلى ما أورده من أقوال الشاهدة الأولى ما دام أن الطاعن لا يجادل في أن شهادة الثاني والثالث كانت نقلاً عن الأولى متى تبينت المحكمة صحتها - كما هو الحال في الدعوى الراهنة - ولا يؤثر في هذا النظر اختلاف الشهود في بعض التفصيلات التي لم يوردها الحكم ذلك أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها تجزئة أقوال الشاهد والأخذ بما تطمئن إليه وإطراح ما عداها دون أن يعد هذا تناقضاً في حكمها إذ أن مفاد إحالة الحكم في بيان أقوال الشاهدين الثاني والثالث إلى ما حصله من أقول الشاهدة الأولى فيما اتفقا فيه أنه التفت عن هذه التفصيلات مما ينحسر عن الحكم دعوى القصور في التسبيب. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعن وتوافر سبق الإصرار لديه في قوله "وحيث إنه مما لا شك فيه أن ما سبق سرده من ظروف الدعوى ووقائعها ينطق بتوافر نية القتل لدى المتهم وثبوتها ثبوتاً قاطعاً في حقه، فليس بعد إعداد مادة الهيروين أو المورفين السامة بجرعة قاتلة داخل كيس الإيمبياج الفوار ثم إفراغه في كوب مملوء بالماء وإصرار المتهم على شرب المجني عليها لهذا الكوب رغم عدم استساغتها لطعمه المر ورفضها استكمال شربه حين تبينت طعمه وإرغامها على احتسائه جميعه ولم يسمح لوالدتها أن تتذوقه خشية افتضاح أمره حتى إذا ما فرغت المجني عليها من شربه ظل يراقبها خلال الدقائق التي ظهرت عليها أعراضه وحتى الوفاة، ثم وزيادة في إبعاد الشبهة عنه يتوجه إلى مفتش الصحة ويقدم له طواعية تذكرتين طبيتين في محاولة لإيهامه بأن الوفاة طبيعية لولا إرادة الله وقيام مفتش الصحة بتوقيع الكشف الطبي على المجني عليها وأثبت في تقريره ما ظهر له من أعراض التسمم - بل الأكثر من ذلك وصل فساد المتهم وذويه إلى مركز شرطة إيتاي البارود الذي جعل محرر محضر جمع الاستدلالات المؤرخ.... يثبت على غير الحقيقة أن والدة المجني عليها وشقيقيها قد استبعدا أن تكون الوفاة جنائية وذلك حتى يتم دحض ما ورد بتقرير مفتش الصحة أليس بعد ذلك كله مما لا يدع مجالاً للشك في توافر نية القتل لدى المتهم". "وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار، فإنه متوافر في حقه من أوراق الدعوى بجلاء التي تؤكد أنه إثر إتمام زواج المتهم بالمجني عليها كرهاً على النحو الذي قال به والدة وشقيقا المجني عليها ورغم إرادة والديه وذويه وما يتبع ذلك من خلف بينه وبين المجني عليها وبين الأخيرة وعائلته وأن المتهم اشتعلت في نفسه فكرة التخلص ممن جلبت له كل ذلك فراح يعد العدة ويرسم الخطة وكان أن هداه شيطانه الآثم بعد روية وهدوء تفكير أن يكون القتل بالسم بل وسم عجاف مستخدماً مادة الهيروين أو المورفين التي وصل إلى العلم العام أنها قاتلة بطبيعتها وفي ذات الوقت يمكن إدخال الغش على المجني عليها وإيهامها بأنها ليست إلا دواء فوار يستخدم في علاج آلام الجنب وأن يتم ذلك كله في ضوء الصورة التي رسمها في حضور والدة المجني عليها التي ستقرر إذا ما حدث في الأمر شيء أنه طلب حضورها وأن ابنتها كانت مريضة تتعاطى أدوية ومن ثم فمن غير المعقول أن يكون قد انتوى قتل ابنتها ويطلب حضورها لتشهد ما انتواه وقد تحقق فعلاً ما أراده المتهم إذ جاء دفاع محاميه بعدم معقولية الواقعة وكأن المتهم والدفاع لم يعلما بأن الحقيقة لابد أن تظهر مهما بلغ ذكاء المرء لإخفائها ومن كل ذلك ولا شك يتوافر في موافقة ظرف سبق الإصرار". لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. كما أنه من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل لدى الطاعن وفي الكشف عن توافر ظرف سبق الإصرار في حقه وقد ساق لإثباتهما قبله من الأدلة والقرائن ما يكفي لتحققها قانوناً فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير قويم. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان ما أورده الحكم من توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن لا يتناقض مع قيام الزوجية بين الطاعن والمجني عليها إذ لا يمنع من توافر سبق الإصرار تعليق تنفيذ ما صمم عليه الطاعن من قبل سنوح الفرصة للظفر بالمجني عليها حتى إذا سنحت نتيجة الظروف التي تصادف وقوعها يوم الحادث قتلها تنفيذاً لما عقد عليه النية من قبل، ومن ثم فإن قالة التناقض تنحسر عن الحكم. لما كان ذلك. وكان لا يضير الحكم أن يكون قد أشار إلى الباعث على ارتكاب الجريمة على نقيض الثابت بالأوراق لأن الباعث على ارتكاب الجريمة ليس ركناً من أركانها أو عنصراً من عناصرها فلا يقدح في سلامة الحكم عدم بيان الباعث تفصيلاً أو الخطأ فيه أو ابتنائه على الظن أو إغفاله جملة ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم خطؤه في الإسناد ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من أن الشاهدة الأولى لم تقرر بأن الطاعن أرغم المجني عليها على تناول الشراب على خلاف ما حصله الحكم - وعلى فرض صحة ذلك - يكون غير قويم لأن هذه الواقعة لم تكن عماد الحكم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة فلها الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه. ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبي متفقاً مع ما شهد به كل من الطبيب الشرعي وكبير والأطباء الشرعيين أمامها وأطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - التقرير الطبي الاستشاري - وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى طلب استدعاء الطبيب الاستشاري لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لدها ولم تر هي من جانبها - بعد ما أجرته من تحقيق المسألة الفنية في الدعوى - حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وإذ كان من المقرر أن إسناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يفيد إطراحها التقرير الاستشاري المقدم فيها وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً ومع ذلك فقد أطرح الحكم التقرير الطبي الاستشاري بما يسوغه فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإن النعي على الحكم بالالتفات عما أثاره الطاعن من أن الحادث يرجع لتناول المجني عليها المادة المخدرة برغبتها قبل تناولها الدواء الذي أعطاه لها الطاعن يكون غير مقبول. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.