أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 46 - صـ 1101

جلسة 12 من أكتوبر سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح البرجي ومجدي الجندي نائبي رئيس المحكمة ومحمد فؤاد الصيرفي وعبد الفتاح حبيب.

(160)
الطعن رقم 29032 لسنة 59 القضائية

(1) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إكراه. تزوير. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته. موضوعي. شرطه: صدورها عنه طواعية واختياراً. عدم اعتبارها كذلك. متى صدرت أثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدره.
مثال.
(2) إثبات "بوجه عام" "شهود". دفوع "الدفع ببطلان أقوال الشاهد للإكراه". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير الإكراه. جوهري. وجوب مناقشته والرد عليه. إغفال الحكم ذلك. قصور. لا يعصمه من ذلك. قيامه على أدلة أخرى.
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
1 - لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين دفع بأن شهود الإثبات "موظفي مصلحة الجمارك" إنما أدلوا بأقوالهم تحت تأثير الإكراه الواقع عليهم من رجال الرقابة الإدارية وقال في تفصيل ذلك ما مؤداه أنه حينما سئل شهود الإثبات بادئ الأمر نفوا علمهم بشيء عن الواقعة لمضي أكثر من سنة على وقوعها بيد أن رجل الرقابة الإدارية راح يضغط عليهم فجاءت أقوالهم الجديد متناقضة في كثير من المواضع نتيجة لذلك الإكراه مما لا يصح معه التعويل على تلك الأقوال كما يبين من الاطلاع على الحكم المطعون عليه أنه اعتمد في إدانة الطاعنين إلى أقوال موظفي الجمارك - من بين ما استند إليه من أدلة دون أن يعرض لذلك الدفاع أو يرد عليه. لما كان ذلك، وكان الأصل أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها وإن كان مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه إلا أنه يشترط في أقوال الشاهد التي يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختياراً وهي لا تعتبر كذلك إذا صدرت إثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه.
2 - لما كان من المقرر أن الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يتعين على محكمة الموضوع أن تعرض له بالمناقشة والتفنيد لتبين مدى صحته، لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ عول في قضائه على أقوال موظفي مصلحة الجمارك المذكورين بغير أن يرد على ذلك الدفاع الجوهري الذي أثير في شأنها ودون أن يقول كلمته فيه فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب بما يبطله، ولا يعصمه من هذا البطلان ما قام عليه من أدلة أخرى لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط إحداها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما أولاً: (1) اشتركا وآخر سبق الحكم عليه بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في محررات رسمية ومحررات لمؤسسة مصر للطيران والمملوكة للدولة هي نماذج وأوراق الإفراج عن البضائع الجمركية المبينة بالتحقيقات بأن اتفقوا معه على تزوير هذه الأوراق وأمدوه بالبيانات اللازمة لذلك فأثبت بها على خلاف الحقيقة ورود تلك البضائع لحساب مؤسسة الطيران ومهرها بأختام المؤسسة وبتوقيعات نسبت زوراً للمختصين بها فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. (2) هربا (ومتهم سبق الحكم عليه) البضائع الجمركية المبينة بالتحقيقات دون سداد الرسوم الجمركية المستحقة عليها والبالغة قيمتها 14278.150 (أربعة عشر ألفاً ومائتي وثمانية وسبعون جنيهاً ومائة وخمسين مليماً). ثانياً: اشتركا مع المتهم السابق الحكم عليه بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جريمة الحصول بغير حق على أختام مؤسسة مصر للطيران واستعملوها استعمالاً ضاراً بمصلحة عامة وكذلك الإضرار بأموال مصلحة الجمارك بأن اتفقا معه على تهريب البضائع المبينة بالأوراق وعدم أداء الرسوم الجمركية المستحقة عنها وأمداه بالبيانات اللازمة لذلك فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة - وأحالتهما إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى وزير المالية بصفته مدنياً قبل المتهمين متضامنين بأن يدفعوا مبلغ 14278.150 جنيه على سبيل التعويض. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 2 - 3، 41، 116/ أ - 1 مكرر، 118، 207، 214، 214/ 1 - 2 مكرر من قانون العقوبات والمواد 1، 2، 3، 4، 121، 124/ 1 من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل مع إعمال المادتين 17، 32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة عما أسند إليهما وبإلزامهما متضامنين مع المتهم السابق الحكم عليه بدفع مبلغ 14278.150 أربعة عشر ألفاً ومائتي وثمانية وسبعين جنيهاً ومائة وخمسين مليماً على سبيل التعويض لمصلحة الجمارك.
فطعن الأستاذ/ .... المحامي نيابة عن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم الاشتراك في تزوير محررات لإحدى المؤسسات العامة، والاستحصال بغير حق على أختام تلك المؤسسة واستعمالها والإضرار العمدي بأموال جهة حكومية والتهريب الجمركي قد شابه القصور في التسبيب ذلك بأنهما تمسكا بلسان المدافع عنهما ببطلان أقوال شهود الإثبات لأنهم لم يدلوا بها إلا تحت تأثير الإكراه الواقع عليهم من رجال الرقابة الإدارية إلا أن الحكم قد أخذ بأقوال هؤلاء الشهود واستند إليها في الإدانة ضمن ما عول عليه من أدلة دون أن يعرض لهذا الدفاع الجوهري إيراداً له ورداً عليه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين دفع بأن شهود الإثبات "موظفي مصلحة الجمارك" إنما أدلوا بأقوالهم تحت تأثير الإكراه الواقع عليهم من رجال الرقابة الإدارية وقال في تفصيل ذلك ما مؤداه أنه حينما سئل شهود الإثبات بادئ الأمر نفوا علمهم بشيء عن الواقعة لمضي أكثر من سنة على وقوعها بيد أن رجل الرقابة الإدارية راح يضغط عليهم فجاءت أقوالهم الجديدة متناقضة في كثير من المواضع نتيجة لذلك الإكراه مما لا يصح معه التعويل على تلك الأقوال، كما يبين من الاطلاع على الحكم المطعون عليه أنه اعتمد في إدانة الطاعنين إلى أقوال موظفي الجمارك - من بين ما استند إليه من أدلة دون أن يعرض لذلك الدفاع أو يرد عليه. لما كان ذلك، وكان الأصل أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها وإن كان مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه إلا أنه يشترط في أقوال الشاهد التي يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختياراً وهي لا تعتبر كذلك إذا صدرت إثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه، كما أنه من المقرر أن الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يتعين على محكمة الموضوع أن تعرض له بالمناقشة والتفنيد لتبين مدى صحته، لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ عول في قضائه على أقوال موظفي مصلحة الجمارك المذكورين بغير أن يرد على ذلك الدفاع الجوهري الذي أثير في شأنها ودون أن يقول كلمته فيه فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب بما يبطله، ولا يعصمه من هذا البطلان ما قام عليه من أدلة أخرى لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضاً، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم. لما كان ما تقدم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.